إنسانيات عدد 07 | 1999 | فلاحون جزائريون ؟ | ص 47-51| النص الكامل
Mohamed ADDA-DJELLOUL : Maître de conférences à l'Institut de droit, Université d'Oran, 31 000, Oran, Algérie
Centre de Recherche en Anthropologie Sociale et Culturelle, 31 000, Oran, Algérie
مقدمة
مما لا يبعث على العجب إذ قلنا ز –يجب أن نبحث عن الباعث و الغرض من التربية، على المستوى الفردي و الاجتماعي، ذلك الغرض الذي لابد أن يفكر فيه كل واحد منا قبل الدخول إلى حجرة التدريس أو الشروع في إلقاء الدروس. فالبحث عن أغراض التربية قد يذهب بنا أبعد الحدود في معاينة الحقائق الممكنة، إلا أن الأغراض أوسع من الحقائق. فتحقيق الغرض أو المثل الأعلى الذي يضعه الإنسان نصب عينيه يساعد في الاستمرار و المثابرة على العمل و إتباع أحسن الطرق للوصول إلى غاية ذلك.
و في هذا الصدد، يمكن اعتبار المدرس مثل الأب الذي يجب عليه أن يعمل بكل قواه لأداء ما ينتظر منه من أعمال و واجبات.
تعتمد التربية على المحاولة و الخطأ، و على الرغم من بطئ هذه العملية و صعوبتها أحيانا، فإنها تمكن الشعوب من تطوير أدواتها. و طرقها التربوية، و هكذا تستطيع هذه الشعوب تجنب الأخطاء و التقليل من تأثيرها السلبي و بالتالي إعداد التلاميذ و ترقيتهم إلى مستوى لم يتوقف عند الإجابة الصحيحة في الإمتحانات و حسب. و قبل الخوض في هذا الموضوع و هو تحديد الأغراض التي نرمي إليها من وراء التربية نحاول إعطاء نبذة قصيرة عن الطرق المختلفة المتبعة في هذا المجال.
I- الطرق المختلفة للتربية
فالتربية عند الصينيين هي مثلها عند الآثينيين القدماء في أزهى عصورهم، حيث يكلف التلاميذ عند هؤلاء بحفظ أشعار هو ميروس (HOMERE) عن ظهر قلب من أول بيت إلى آخر بيت من قصائده الملحمية. و على نفس المنوال كان يسير الصينيون حيث كانوا يحفظون الكتب الأدب الثمينة حفظا جيدا كذلك.
أما فيما يخص إحترام الآلهة مع الحرية في التفكير، فقد كان الآتينيون يلقنون أبناءهم هذه المبادئ، و نجد نفس التوجه عند الصينيين الذين كانوا يدفعون بتلاميذهم إلى التمسك بطقوس دينية معينة و بخاصة عبادة الأباء و الأجداد دون إلزامهم بالإعتقاد فيما تتضمنه تلك الطقوس الدينية.
يقول توماس كارليل[1] الفيلسوف الإنجليزي : "أن الروح الأثينة التي كانت تتمثل في أفلاطون نجدها ممثلة في حكماء الصينيين". فالأثينيون و الصينيون القدماء كانت نزعاتهم متشابهة في حب التمتع بالحياة و الشعور بالجمال. و ليس معنى هذا أنه لا فرق بين المدنيتين الأثينية و الصينية القديمة، فهناك فروق كبيرة بينهما. فالأثيني مثلا من اليونان كان معروفا بالنشاط بخلاف الصيني الذي كان معروفا بالكسل. و قد خصص الأثيني نشاطه للعلوم و الفنون فنجح في ذلك نجاحا باهرا.
و كان السياسي من الأثنين إذا نفي، قاد جماعة ليهجم على مواطينه و على عاصمة بلاده أما الصيني فقد كان إذ نفي، ذهب ليعيش في الجبال راضيا مقتنعا بقرض الشعر.
أما الغرض الأسمى من التربية في اليابان حاليا هو إيجاد شعب عظيم، أي تكوين رجال مهذبين يحبون وطنهم و يخلصون لحكومتهم و ينفعونها بما يكسبون من العلوم و المعارف.
و لقد أسست الطريقة اليابانية في التربية على نظم محدودة، و قد استفاد اليابانيون من تجارب غيرهم و بخاصة من التجربة الإنجلترية و أخذوا ينفذونها بسهولة في مدارسهم، و لم يضيعوا وقتا في المحاولة و التجريب بل أخذوا كل ما أثبتته الممارسات و نفذوه عمليا ممارسات على نهضة اليابان.
و أما المدارس الشعبية في الولايات المتحدة الأمريكية فإنها تقوم بأداء واجب شاق بتحويل مجموعة مختلفة من الجنسيات إلى شعب واحد و هو الشعب الأمريكي، و جنسية واحدة و هي الجنسية الأمريكية. و للمربيين من الأمريكان الفضل الأكبر في أداء ذلك الواجب.
فلأمريكا مركز خاص و ظروف مختلفة و ما يصلح لها ربما يصلح لغيرها و هي متمتعة بالثورة و الغنى و عدم وجود تقاليد قديمة موروثة من القرون الوسطى تعوقها عن التقدم[2].
و للتربية المدرسية تأثير واضح على نفسية الأطفال في حيهم لوطنهم و ولاءهم و إخلاصهم له. فالمدرسة تصبغهم بالصبغة الأمريكية في ميولهم و أعمالهم، و ينبغي أن يحب المدرس تلاميذه و يضحي بكل شيء في سلبيتهم و يشعر نحوهم شعور الآباء نحو الأبناء. فأما المدرسون المجردون من ذلك الشعور الأبدي فلا يصلحون للتدريس.
فبالرجوع إلى تاريخ الأمم المختلفة نجد أن الغرض من التربية يختلف باختلاف تلك الأمم و مراكزها في العالم و نظرتها نحو الفرد، كما يختلف باختلاف آراء علماء التربية و فلاسفتها فمن أغراض التربية كسب العيش[3].
II- كسب العيش
يرى بعض الأباء الصناع منهم أن الغرض من التربية و التعليم المدرسي هو إعداد التلاميذ إعداد يمكنهم من كسب رزقهم في المستقبل، و يساعدهم في تحسين العمل الذي يتخذونه مهنة لهم بعض حياتهم المدرسية و لتحقيق تلك الغاية يجب اختيار المواد الدراسية التي لها اتصال كبير بالحياة العملية. فمعرفة إمساك الدفاتر التجارية كما ادعى البعض أجدى من دراسة التاريخ. و يعتقد بعض الأدعياء ببلادنا أن الوقت الذي يقضيه التلميذ فيما لا علاقة له بحياته العملية لا فائدة ترجى منه و يجب أن يقضيه في التجارة أو تنظيم البساتين.
فقد يكون هذا الإعتقاد مقصورا على عدد كبير من أفراد الطبقات الفقيرة من الأمم فهم لا يفكرون في العلم لذات العلم و لكنهم يفكرون في تعلم المواد الضرورية كالقراءة و الكتابة و الحساب و في التعليم الصناعي الذي يمكن أبناءهم من كسب عيشهم في حياتهم.
بالطبع أننا لا نستطيع أن ننكر أن في رأيهم شيئا من الصواب كما لا نستطيع أن ننكر أن كسب العيش بتعلم حرفة من الحرف أو مهنة من المهن أمر ضروري جدا يجب ألا يهمل في مشروعات التعليم، و لكننا لا نوافق أن يكون هذا الغرض هو أسمى أغراض التربية.
فالقول بأن الغرض من التربية يمكن الطفل من كسب عيشه في الحياة فيه نظر، فالعامل العادي يستطيع أداء عمله و كسب عيشه و هو لا يعرف القراءة و الكتابة و لكن تمكنه منهما يسهل له العمل و يوسع تجاربه و معلوماته عن الحياة.
و مع أن كسب العيش عامل مهم في حياة كل فرد فذلك لا يعني أن هو كل مل يحتاج إليه المرء في حياته و حسب هناك أمور لا تقل أهمية عن كسب العيش كفضاء وقت الفراغ و هو أمر لا بد من التفكير فيه. فماذا يفعل العامل الأمي الذي لا يقرأ و لا يكتب إذا انتهى من عمله و قد وجد نفسه يعيش فراغا لا يعرف كيف يملأه؟ إنه ليس أمامه إلا التجول في الطرقات و الجلوس في الحانات.
مما تقدم يتجلى خطأ هذا الغرض و قصوره في الغاية المنشودة من التربية فماذا لو أن عاملا تعلم القراءة و الكتابة ثم صناعة لكسب العيش، و أهملت تربيته الخلقية فكان سيء الخلق غير مخلص في عمله يتأخر عن مواعيد حضوره و لا يحترم التقاليد الإجتماعية؟ و لكن ما هو الغرض من تحصيل العلوم؟
III- تحصيل العلوم
يرى بعض المعلمين أن التربية مرادفة للتعليم و أن الغرض منها تحصيل العلوم و حفظ الذاكرة كي يستطيع الطالب الحصول على أكبر الدرجات العلمية[4].
و لكن التربية الحقة ليست كما زعموا و ما هذا الامتحان إلا إختيار للذاكرة و مقدوراتها على الحفظ و التذكر لا اختيار للذكاء و قوة التفكير و الحكم و قوة الإرادة و ليست هذه المواد التي تشحن بها حوافظ التلاميذ بالتعليم الذي ينبغي أن يكون. فقد دلت التجارب على أن هذا الإعداد و إن ساعد الطالب في الحياة المدرسية لا يساعده في النجاح في حياته العملية.
و من الخطأ أن تضع المدرسة النجاح في الإمتحان نصب عينها و تجعله كل الغرض المقصود منها فإن ذلك لا يكفي لتخريج رجال أكفاء قادرين على القيام بما يعهد إليهم بأعمال يتسطيعون تنظيم شؤونهم بعقول راحجة.
فالعلم شيء و العمل شيء آخر فقد يعرف الإنسان كل قواعد النحو و الصرف و البلاغة و لا يستطيع أن يكتب مقالة أو موضوعا إنشائيا أو يحكم على كتاب علميا.
و كما يجب العناية بالذاكرة تجب العناية بالذكاء و قوة الحكم و التفكير و الإرادة و الإهتمام بتكوين العادات الحسنة و تربية الشخصية.
و لا تقوم المدرسة و لا تكون قد قامت بواجبها خير قيام إلا إذا أعطت تلك النواحي حقها من العناية و الإرادة و التقدير.
قد أوردنا من قبل كلمة موجزة عن التربية و الإعداد للحياة الكاملة و لأهمية الموضوع نعود إليه و نقول أن الغرض من التربية هو إعداد المرء للحياة الكاملة و لتحقيق ذلك يجب تهذيب الطبيعة الإنسانية تهذيبا كاملا من نواحيها المختلفة " الجسم و العقل و الخلق و القلب و الذوق و اليد و اللسان فلا تعني بناحية و نهمل أخرى في تربية الطفل في مدارسنا[5].
و لا نكتفي بتربيته الجسمية أو العقلية أو الخلفية أو الوجدانية أو الخطابية. و أن الغرض من التربية هو الفضيلة و بعبارة أخرى يجب أن يقدم الغرض الخلقي على جميع الأغراض الأخرى. و ليس معنى ذلك إهمال الجسم و العقل و الذوق أو اليد أو الوجدان. و المدرسة الجزائرية قد تنجح نجاحا باهرا في سبيل التربية الخلقية إذا حرص مدرسوها في أثناء القيام بعملهم المواد المختلفة على تنبيه المسيئين من التلاميذ بتوجيههم بكلمة واحدة أو عتابهم بنظرة ذات معنى ترشهم، و ذلك أجدى من الإكثار في الكلام و التوبيخ الذي لا يفيد في مجال التربية الخلقية.
الهوامش
[1] - CARLYLE, Thomas (1795 – 1881).- كاتب إنجليزي و مصلح إجتماعي و فيلسوف
[2] - الأبريشي، محمد عطية.- روح التربية و التعليم.- دار أحياء الكتب العربية، 1996.- ص.20.
[3] - سبيد، خير الله.- المدرسة الإبتدائية، دراسة موضوعية شاملة.- مكتبة النهضة، 1966.- ص .112.
[4] - CLAPADRE, E..- Comment diagnostiquer les aptitudes chez les écoliers.- Paris, Flammarion, 1942.- p.5.
[5] - HABRICH, R.L..- Psychologie pédagogique (traduction. SIMONS et de HOVRE) .- LIEGE, 1912.- p.40.