إنسانيات عدد 46 | 2009 | ألسنة وممارسات خطابية | ص49-64 | النص الكامل
Social importance of dialect and necessity for a scientific study Abstract: This article considers the social importance of dialect and the necessity for scientific study. This primordial aspect in all analytical approaches of this phenomenon reveals that all languages, without any exception, have at the start known, an oral stage before being transcribed. This demands a scientific takeover of the dialect, with regards to its vitality and the linguistic dynamism which characterize it. Keywords: languages - dialect - oral - writing - scientific investigation -linguistic legitimacy. |
Ahmed GRICHE, professeur assistant, Département langue arabe et littérature, , Abu Bakr Université Belcaid, Tlemcen.
مقدمة
لقد أجمع الباحثون على أنّ مرحلة الكلام عند الإنسان جدّ متأخّرة بالنّظر إلى مراحل تطوّره، وهم يرجّحون أنّ الإنسان الأوّل اجتهد في النّطق، الذي كان مجرّد مصادفة، ونمت فيه قوة السّمع قبل النّطق، فسمع الأصوات الطّبيعية دون أن يقلّدها، لأنّ هذا كان يتطلّب منه قدرة عقلية عجز المحدثون أن يتصوّروها للإنسان في هذه المرحلة من حياته، والأهمّ في ذلك كلّه، أنّ هذا المخلوق تمكّن من تجاوز الصعوبات التّي واجهته وحاول بكلّ ما يملك أن يصدر أصواتا، فكان له ذلك[1]، إلى أن تشكّلت منها لغات حكمت عليها عوامل جمّة بالحياة والتّشعب والتطوّر، أو بالموت والفناء.
وكلّما ارتحلت اللّغة عبر التّاريخ وتداولتها الأجيال، جيلا بعد جيل، اختلفت في مبناها ومعناها، فتبتعد عن بنيتها الأصلية أو تصير ممتزجة، أوقد تذهب كلّية فتنقلب لغة أخرى. وقد كانت اللّغة العربية فترة امتداد الدّولة الإسلامية زمن عمر بن الخطاب –رضي الله عنه– هي اللّغة الشّرعية (Légitime) المهيمنة، مادامت هي لغة الأقوى، ولمّا امتدّت الدّولة الإسلامية شرقا وغربا، امتزجت اللّغة العربية باللّغات الأعجمية فضمرت ملكتها[2]، كتلك اللّغة الّتي عاصرها ابن خلدون، والتي صارت متغيّرة بالمخالطة، ممتزجة، بعيدة في بعض أحكامها عن لسان مضر بافتقادها حركات الإعراب في أواخر الكلم، وليس ذاك بضائر لها، مادامت اللّغة تختلف باختلاف المستعمل وسياق الاستعمال، وهنا تتجلّى بوضوح المقاربة السوسيولوجية للّغة التي تربط اللّغة بنية ودلالة بمعطيات اجتماعية وبروابط القوة. فقد ابتعدت لغة عصره عن لغة مضر[3] حتّى انقلبت إلى أخرى مغايرة، لكنّها ظلّت قادرة على تحقيق التّواصل والتّعبير عن المقاصد[4]. ومواكبة لهذا التطوّر دعا ابن خلدون إلى دراسة خصوصيات اللّسان العربي لعهده، الذي نسجه سياق اجتماعي وتاريخي مغاير، والكشف عن القوانين الّتي تخصّه، "ولعلّنا لو اعتنينا بهذا اللّسان العربي لهذا العهد واستقرينا أحكامه، نعتاض عن الحركات الإعرابية التي فسدت في دلالتها بأمور أخرى، وكيفيات موجودة فيه، فتكوّن لها قوانين تخصّها لعلّها تكون في أواخره على غير المنهاج الأوّل في لغة مضر، فليست اللّغات وملكاتها مجانا"[5].
التطور اللغوي و عملية التلهجم
واتّفق المهتمّون بدراسة التّواصل الاجتماعي، على أنّ هناك سيرورة مستمرة من التطوّر اللّغوي، تتحدّد بها الحركة الديناميكية لدى جميع الشّعوب، وهذه الحركة ليست على وتيرة واحدة في كلّ المجتمعات البشرية، مادامت هناك عوامل جمّة تسهم في تسريعها أو الحدّ منها، وتأتي الحاجة البشرية إلى الخفّة والسّرعة في التّواصل في طليعة تلك العوامل المساعدة، لهذا شهدت بعض المجتمعات تحوّلات كبيرة رافقتها تبدّلات اجتماعية كان لها الدور الأساسي في خلق تعابير تواصلية أسهل، يتفاعل معها المجتمع بمستويات متمايزة وبأشكال معدّدة، وبمواقف تراوحت بين القبول والتّرحيب، والتّحفظ والرفض.
وجدير بالإشارة أنّ عملية اللّهج أو التّلهجم[6]. وما أحيط بها من مبادئ وأفكار ومواقف قابلة أو رافضة، ليست سوى النّتاج الطبيعي لحركة التّاريخ البشري، لكن ردّ الفعل الرّافض لها جاء من طبقة أو فئة جديرة بوضع تحديدات وقواعد تسري وفقها عملية التّواصل لحماية الشّخصية الوطنية والقومية، وإرساء الخصوصية الثّقافية سدّا لذريعة اللّجوء إلى التسهيل على حساب اللّغة الرسمية الأم.
ولعلّ أفضل توصيف لديناميكية هذه الظّاهرة، هو قول عبد الصابور شاهين: "أن الجانب المنطوق في اللّغة يمارس بحرية أكبر، لهذا ينفصل الصّوت عن صورته، ويتطوّر دونه، وعليه فإنّ تطوّر أي لغة من اللّغات مرهون بتطوّر جانبها الصّوتي على وجه الخصوص"[7].
فاللّهج إذن ديناميكية اجتماعية تستفيد من الموروث الإيجابي كلّه، وتحاول توظيفه في حركة مستمرة لتطوير التّواصل في المجتمع بكلّ فئاته وطبقاته. وبعبارة أخرى ليس اللّهج مصطلحا لغويا يسهل تفسيره بشرح المدلولات المرتبطة به، بل هو أكثر من ذلك، فهو مفهوم اجتماعي وثقافي تتحدّد به سمات المجتمع الحديث أكثر من غيره من المجتمعات السّابقة، هذا ما يوضّحه بازيل باستين في قوله : "بأنّ اللّغة المنطوقة التي تظهر فيها ميزات النّطق الخارجي بالمتكلّم، كثيرا ما تعكس مستوييه الاجتماعي والثقافي، زيادة على منطقة إنتمائيته"[8].
إنّ بعض الباحثين أخلوا بالسّبل العلمية حينما وضعوا اللّهجة في موضع التّعارض مع مفاهيم اجتماعية وثقافية أحدثت مدّا و جزرا بين دعاة اللّهج والتّسهيل، وأنصار التّعريب. والمشكلة في جوهرها أنّ الثّنائية اللّغوية كانت وستبقى في دائرة السجّال الاجتماعي الذي أطلقته حركة التّاريخ الكوني في سيرورتها، من تاريخ اللّهجات العربية، إلى لغة القرآن الرّسمية[9]، إلى اللّهج أوالتّدريج الحديث. وغنيّ عن التّوكيد، أنّ الجماعات في لحظة اندماجها بالتّاريخ حملت معها تراثها وسيرورتها الاجتماعية وديناميكية قواها البشرية، لذلك فإنّها تدخل التّاريخ العالمي، إمّا من باب الفاعل فيه والمؤثّر في حركته المستمرّة، أو من باب المنفعل أو المتلقّي للغة تفرّق قدرات –السواد الأعظم من المجتمع– النّقطية التّميزية، والتّركيبية.
وقد تطول دراستنا لهذا المنحى الذي يعتبر اللّهج خصوصية بشرية محدّدة بالزّمان والمكان، وسيرورتها التّاريخية تفعل فعلها في جميع المجتمعات وفي مختلف الحقب التّاريخية. ولكن كيف تمت التحولات اللهجية في العالم العربي؟
و لم يكن العالم العربي في منأى عن الاندماج والتّفاعل مع التّاريخ، وكانت سيرورته مليئة بحروب الإخضاع والسّيطرة، والحماية، والوصاية الّتي شنّتها بعض الدّول الغربية ضدّه، ومن نتائجه أنّ الشّعوب العربية ظلّت إلى يومنا هذا محتفظة في تعاملاتها وتواصلاتها بالعديد من المفردات والتّعابير التي اكتسبتها منها. فاللّهجة التي كانت على صلة بهذا التّفاعل، أصبحت اليوم على صلة وثيقة بالرّقيّ الاجتماعي، والسّلوك الفردي، لأنّ اللّهج ليس مجرّد سلوك ذا فعالية سلبية، بل هو مفعول مستمر من أبرز تجلّياته التّواصل دون حمل المتكلّم على إخضاع خطاباته لتحديدات لغوية لم يعرف صنعها، من دون الشّعور بالخوف الشّديد كذلك على هويته أو أصالته، لأنّ اللّهجة ليست مرحلة ماضوية أدّت دورها وفق معطيات مرتبطة بحياة العرب قديما، ثمّ بطلت الحاجة إليها في المرحلة التي انصهرت فيها في لغة القرآن. بينما هي قوة اجتماعية تتوسّع بعمق في جميع المجالات، ولا تتوقّف عن الفعل إلاّ إذا قمعت قوى التّغيير الاجتماعي بشدّة، إلى درجة أنّه يصعب معها على هذه القوى تجميد الانفتاح اللّساني فتتعثّر الحركة التّواصلية، ويقود الأمر المجتمع إلى اضطرابات تعيد لقوى التّحوّل دورها الطّبيعي في فرض اللّهجة كظاهرة اجتماعية، لكونها ليست غاية لذاتها وبذاتها، بل هي فعل تجاوز اجتماعي تقوم به قوى التّغيير الحيّة.
إن مطالب المجتمع الحيّ أكثر من أن تعدّ، أو تقف عند حدود معيّنة، وإذا توقّفت قوى التّغيير عن فعل التّغيّر تحوّلت إلى قوى محافظة، تعمد إلى ربط اللّهجة بخلفيات سياسية أكثر منها مطلب اجتماعي، وترمي إلى الانغلاق ورفض الآخر تحت ستار الحفاظ على صفاء الهوية، ونقاوة الأصالة. والذّات المحقونة بهذه المبادئ قابلة للتّفسخ لحظة اصطدامها بالآخر، في حين أنّ الذّات الواعية والمنفتحة على المستجدّات الاجتماعية، قادرة على التّفاعل والتّواصل الحرّ والإيجابيّ مع الآخر، وقادرة أيضا على التحدّي والصّمود في وجه كلّ مجالات التّغريب وتجاوز الذّات القومية.
والدّعوة إلى إصلاح مسائل في اللّغة، والمناداة بالتّعديل والتّبسيط لم تكن وليدة العصر الحديث، بل كانت من سمات القرن الثاني للهجرة[10] دون حدوث اصطدام أو صراع بين العلماء في تلك الفترة، ومن ذلك : التّجديد الذي اهتدى إليه خلف الأحمر المتوفى حوالي 180 هـ في التّأليف النحوي، إذ أشار في مقدّمته بقوله: "لما رأيت النّحويين وأصحاب العربية أجمعين قد استعملوا التّطويل وكثرة العلل، وأغفلوا ما يحتاج إليه المتعلّم ... في النّحو من المختصر والطّرق العربية... أمعنت النّظر في كتاب أؤلفه، وأجمع فيه الأصول والأدوات والعوامل، على أصول المبتدئين ليستغني به المتعلّم عن التّطويل"[11].
وإذا كانت اللّغة مجموعة أصوات تؤدّي دورا وظيفيا في التّعبير بواسطة جهاز صوتي عن حاجة النّاس، فهي تختلف في دورها الغائي باختلاف الأقوام[12]، وتكرّر هذا التّعريف بمعناه العام والشّامل عند كثير من العلماء القدماء والمحدثين. "فاللّغة أصوات يعبّر بها كلّ قوم عن حاجاتهم وأغراضهم"[13].
"وقرع الشفاه أحد المظاهر فيها"[14] ثمّ يتوسّع التّعريف عند بعضهم على أنّها (اللّغة) أكثر من تصويت أو قرع شفاه فهي: "صورة وجود الأمة بأفكارها، ومعانيها، وحقائق نفوسها وجودا متميّزا قائما بخصائصه"[15].
والعلاقة بين اللّغة والمجتمع (الفكر والعاطفة)، هي أشبه ما يكون بالصّلة بين الصّورة والماهية في عالم الموجودات، أي أنّ اللّغة بعد دورها النّشوئي هي: "مجموعة من الأفكار والتقاليد، والعواطف، والأحاسيس، والنزوات، وشتّى المشاعر، والاعتبارات، تنتظمها الألفاظ انتظاما، أصبح منها كما يكون الشّيء من الطبيعة"[16]، وأضحت اللّهجة بذلك أداة لتنمية الفكر، وسيلة لتطويره، ولها مكانة في التّصنيف الاجتماعي، باعتبار أنّها مرتبطة ارتباطا مباشرا بنشاط الإنسان، ومتّصلة بحياة الأمة الّتي تنطق بها، بل هي جزء من هذه الحياة، ومظهر من أهم مظاهرها، تنمو بنموّها، وتطوّرها أفرز عبر مراحله ما يعرف بالتفرّع اللّغوي. و السؤال المطروح، كيف يمكن مقاربة هذا الموضوع ؟
اللهجة و الاستقصاء العلمي
ويجمع اللّغويون المحدثون على أنّ أهم معالم كلّ لغة مشتركة[17] تتلخّص في الصّفتين التّاليتين:
1- المستوى اللّغوي الأرقى من مستوى لهجات الخطاب، واستقرّ أمرها على قواعد ونظم لا تسمح لها بالتغيّير أو التطوّر إلاّ قليلا.
2- اللّغة المشتركة، وإن تأسّست في بدء نشأتها[18] على لهجة منطقة معيّنة، قد فقدت مع الزّمن، أو نسي المتكلّمون في أثناء استعمالها كلّ المنابع الّتي استحدثت منها عناصرها، وأصبح لها كيان مستقلّ. وقد سبق أن فرّق ابن خلدون بين ثلاثة أنواع من اللّغات، لغة مضر: ويعني بها اللّغة الفصحى القديمة، وثانيها: لغة أهل الجيل ويعني بها اللّغة الأدبية في زمانه، أمّا النّوع الثّالث: فهو اللّهجات الّتي تختلف من إقليم إلى آخر[19].
لم يستعمل علماء اللّغة على الإطلاق مصطلح لهجة بالشكل الذّي هو معروف اليوم، وغاية ما وجد في كتبهم هو ما ترّدده معاجمهم من اللّهجة : هي اللّسان[20]. أو طرفه، أو جرس الكلام، ولهجة فلان لغته الّتي ترعرّع عليها فاعتاد نطقها[21].
ومن القوانين الطّبيعية للّغات: أنّه متى انتشرت اللّغة استحال على المتكلّمين بها الاحتفاظ بوحداتها الأولى زمنا طويلا، لهذا فهي مؤهّلة لأن تتشعّب إلى عدّة لهجات تتصارع بفعل الاحتكاك الذّي تخضع له. كما أوضح ذلك إبراهيم أنيس في قوله: "لقد انتظمت شبه الجزيرة العربية على لهجات محلية كثيرة، انعزل بعضها عن بعض، واستقل كل منها بصفات خاصة، ثمّ كانت تلك الظّروف الّتي هيأت بيئة معيّنة فرصة ظهور لهجة، ثمّ ازدهارها والتغلّب على اللّهجات الأخرى، ثمّ تفرعّها إلى لهجات موازية لها في الاستخدام"[22]، يتمّ حصرها في بوتقة زمنية تتطوّر نشوءا في حلقات[23]. والمنطوق[24] كشأن اللّغة الفصحى يرتكز على أركان رئيسية، من: متكلّم، ومخاطب، وفكر وكلمات، أي: أنّها مجموعة أصوات تصدر عن الإنسان بعد أن اكتسبها، وتدلّ على معان أعطاها التواطؤ تقديرا في الذّهن عبر مراحل معيّنة من الاستعمال، بغرض التّعبير عن أحوال الفرد ومحيطه. والفارق بين العامية واللّغة[25] طبيعي وجليّ، لا بدّ منه في كلّ لغة من لغات البشر، وهذا الفارق أخذ ينشأ منذ القديم، لكنّه عظم في عصرنا الحديث، وأضحت اللّهجة بموجب هذا العامل الطبيعي قائمة بذاتها إزاء اللّغة الفصحى، تتميّز عنها في اللّفظ، والمعنى، والتّركيب، دون أن يؤدّي إلى القطيعة، لأنّ المجتمع الذي يتكلّم أفراده لغة واحدة لا وجود له[26]. و السؤال المطروح؛ لماذا تتجاور اللغة الفصيحة مع اللهجة ؟
الثنائية اللسانية في المجتمع
والثّنائية اللّسانية (La Diglossie) التي يطلق بها على الالتقاء الحاصل بين اللّسان العربي الفصيح[27]، واللّهجة أو اللّهجات الدّارجة، فرضت نفسها على الواقع العربي على تنوع مقوماته، منذ فترات تاريخية طويلة[28]، وميزتها تتمثّل في الاختلاف في درجات الاستخدام للّسان. واختصاص اللّسان (اللّهجة) في الوظيفة الاجتماعية بدور جعله مميّزا عن دور بقية الاستخدامات الأخرى، وكأنّ وظيفة اللّسان (الفصيح) اتّخذ وسيلة رسمية للتّعبير في مناسبات معيّنة (أنشطة ثقافية، وخطب، ومحاضرات فكرية…) في الوقت الذي تقوم فيه اللّهجات المحليّة ببقية المهام اليومية التي يعيشها الفرد والمجتمع.
وتوزيع المهام بين الاستعمالين لا يشخّص هذه المشكلة اللّسانية، وإنّما المشكلة تكمن في الفارق بينهما، وفي اعتبار أنّ اللّهجة هي اللّسان الأم للنّاشئين، وهذا ما يميّز لغة الطّفل في محيطه الاجتماعي، ومحيطه التّربوي، بالرّغم من التقاء لسانيين مختلفين لهما قرابة أسرية لسانية بنسبة كبيرة. ولم يحمل هذا الاختلاف، وهذه القرابة محمل الجدّ، فظلّت اللّهجة مهمّشة –إن صحّ القول–. ولا زال الاعتقاد سائدا عند النّخبة المثقّفة غير المتخصّصة في هذا المجال، على أنّ اللّهجة ما هي سوى صورة محرّفة ومشوّهة للفصحى، ولا من ضرورة تدعو إلى الاهتمام بها، ولا من حاجة تدفع إلى دراستها ومقارنتها بالفصحى، إلاّ أنّها وبالرّغم من ذلك الاعتقاد، تبقى تساير وتعايش الفصحى باعتبارها ضرورة في كلّ الاستعمالات اللّسانية، بحكم أنّها طائفة تعبيرية يستحيل رفضها، أو عدم الاعتراف بها. بينما الازدواجية اللّسانية (le Bilinguisme) وإن بدت في الظّاهر شبيهة بالثّنائية إلاّ أنّها تختلف عنها اختلافا كبيرا. فالازدواجية من المنظور اللّساني، هي التقاء لسانين مختلفين، قد ينتميان إلى أسرة لسانية واحدة، أو إلى أسرتين مختلفتين. كما قد تكون الازدواجية ظاهرة فردية أو جماعية، وهذه الظّاهرة الّتي فرضت نفسها في البلدان العربية، هي في الواقع ازدواجية جماعية مرتبطة بأسباب استعمارية، و زيادة على كونها تحمل إلينا استخداما لسانيا، فهي تحمل إلينا أيضا فكرا مغايرا وثقافة مختلفة.
ومن نتائج هذا التطوّر الذّي يعدّ مظهرا من مظاهر مواكبة هذه اللّغات لمقتضيات العصر، أصبحت الفصحى بموجبه متعايشة في كلّ فترات التّاريخ مع اللّهجات، الّتي أصبحت بدون شكّ تمثلّ حضارة الأمّة ونظمها، وعاداتها وتقاليدها، ومظاهر نشاطها الثقافي، كما اعتبرها بعض العلماء أصدق سجّل لتاريخ أمّة، ومقياس مكانتها الحضارية، وتكمن رسالتها في أنّها وسيلة اجتماعية، وأداة للتّفاهم بين الأفراد والجماعات في مواجهة المواقف المختلفة الّتي تقتضي الكلام والتّلقي في بيئة لغوية خاصة. و في هذا الصدد، كيف تعامل القدماء و المحدثون مع هذه المسائل ؟
اللهجة بين القدماء و المحدثون
وما الاعتراف باللّهجة في هذا المجال إلاّ سبيلا لاتّخاذه في دراستها دراسة علمية يستفاد منها في المقارنات والمقاربات اللّسانية على وجه الخصوص.
والمعروف عن العرب منذ القديم حرصهم على تتبّع قضايا لغتهم حرصا منقطع النّظير، والمعروف عنهم أيضا أنّهم لم يتوفروا على درس اللّهجات كما يتوفّر على درسها المحدثون، ذلك لأنّ علمهم كان مرتبطا بفهم النّص القرآني، ومن ثمّ كان من العبث أن يوجهوا جهودهم إلى درس اللّهجات[29]. ومهما يكن فإنّ كتبهم تعرّضت للهجات القبائل، الّتي ليست بالعامية الّتي نتصوّرها من خلال فهمنا الحديث لها، وإنّما هي عناصر لغوية تنتسب إلى قبائل معيّنة[30]. في حين أنّ اللّهجة بالمفهوم الحديث، هي عبارة عن قيود صوتية تلفظ عند الأداء. ويبدو هذا التّعريف منحصرا بالأساس في الأصوات، وكيفية نطقها، ولكن اللّهجة قد تتميّز أيضا بمميّزات تتعلّق ببنية الكلّمة ونسجها، وبقوالبها الداخلية، وبثروتها اللّفظية، وبعباراتها الخاصّة، فهي أداة شفهية لإبراز المعاني، أي أنّها لغة الكلام الطّبيعي والاعتيادي، زيادة على كونها لسان وعي ولسان شهادة.
لقد فتح عالم الألسنية "دي سوسير" نافذة جديدة في دراسة اللّغة عندما ميّز بين اللسان (La Langue)، والكلام (La Parole)أواللغة (Le Langage). فاللّغة ترتبط بما هو ثابت أمّا الكّلام فيمثل استخدام الفرد للغة، وذلك يختلف من متكلّم إلى آخر. وهذا التّمييز يفسح لنا المجال بدراستها كلغة أحيانا، وككلام أحيانا أخرى. وممّا لا شكّ فيه أنّ اللّغة والكّلام وجهان لعملة واحدة، فاللّغة تتوفّر على معايير فعل التلفّظ، والفرد لا يقدر على الكلام من دون الاستناد إلى قواعد اللّغة.
واستخدم العرب قديما مصطلح لسان الذي هو أمثل من اللّغة، إذ يتضمّن القواعد والنّطق معا. واللّسان يوحي بالكلام، بيد أنّ هذا الأخير لا يتحقّق بدون قواعد ضابطة، وإلاّ غاب الفهم، هذا ما ينسجم مع تقديمات علماء الألسنية بأنّ الأصل في اللّغة الكلام.
لذا فإنّ اللّسان ينقسم إلى اللّغة (أي القواعد) والكلام (أي استخدام اللّغة في الاتّصال). ولعلّ اللّغة التي ينسب إليها "دي سوسير" تشابه مع اللّغة العربية في هذا التّمييز، فهناك ما يمكن تسميته باللغة (Langage) الذي ينقسم إلى اللّسان (Langue) والكلام (Parole).
ودراسة اللّهجة التي هي شكل من أشكال التطوّر والتغيّر، تتعلّق بفعل الكلام وليس اللّغة، على الرّغم من أنّ اللّغة يطالها التّأثير بفعل اللّفظ المنطوق، واللّغة هي أيضا بمثابة المرجعية لكلّ من البنية القيمية والنحوية، أمّا ما يصيبها من تغيّر وتفرّغ فيعود إلى استخدامات الناطقين بها. و قد أثبت التّاريخ أنّ العديد من اللّغات شابها التّغيير مع مرور الزّمن، تبعا لاستخدام الفرد للغة والتطوّر الاجتماعي وتأثيرها بلغات أخرى سواء من باب التّثاقف أو الهيمنة.
فالاستخدام الفردي حتما يساهم في إفساد اللّغة، إذا فقد المتكلّم "الكفاءة اللّغوية" كلّيا أو جزئيا، ونعني بذلك عدم تمكّن المتحدّث من الكلام وفق البنية النّحوية ـ على وجه الخصوص ـ التي تحكم اللّغة، فيحدث إخلالا في كلامه، فيؤثّر بصفة لا مسؤولة[31] سلبا في اللّغة. أمّا العلاقة مع اللّغات الأخرى فتحكمها عوامل شتّى، أهمها مكانة اللّغة الأصلية من اللّغة الوافدة من حيث الضّعف والقوة، أو تأثير متوازن ومتكافئ.
اللهجة : البنية و الوظيفة
إنّ التلّهج، ليس قيمة، بل صفة محتومة قائمة كردّ فعل غير متوازن على قول، أو فعل، أو وضع، أو ظاهرة، تجعل المتكلّم يفقد السّيطرة على اللّغة، فيلجأ إلى تغطية هذا الضّعف (عدم السيطرة) إلى جملة من الانحرافات التي هي من صنع الكلام، الذي قد يكون موروثا من متكلّمين آخرين، ويتّضح ذلك في الإتيان بصيغ وتراكيب واستحضار ألفاظ من قاموس العامة والمحكيات، فكان ذلك فرصة لظهور اللّهجات وتوسّع نطاق اللّهج، فتأثّرت كلّ لهجة بأحوال متكلّميها وواقعهم، وكثرت الاستعارات من اللّغات الأخرى كالفرنسية والإسبانية والتركية.
وهكذا عوّلت شرائح المجتمعات على اللّهجة في تواصل أفرادها بما يمكن تسميته بالتّواصل الاعتباطي، لأنّ فعل الكلام هو إنتاج لغوي وفق إمكانات الفرد وأهليته واحتياجاته، فإذا أخذ أبعادا اجتماعية أو فئوية ميّزت أصحابه.
إنّ محاولة الفهم العلمي والموضوعي لوضع اللّغة، لا بدّ أن يتمّ برؤية اجتماعية إلى ظاهرة اللّغة، أي أنّها لا يمكن أن توجد وتستمرّ في الحياة بدون وجود فردين على الأقلّ، ومن ناحية أخرى يصعب وجود حقيقي ذو معنى لمجموعات بشرية صغيرة أو كبيرة بدون رابط لغوي ييسّر التّواصل والتّفاعل الاجتماعي.
إنّ اللّسان العربي ليس ظاهرة غريبة أو جديدة على فكرنا وحضارتنا، بل يعتبر– من دون مبالغة – من أهمّ الألسن التي حظيت بالدّراسة والتأليف، ولعلّ الكثير من المناهج المتداولة قديما على غاية من الأهمية، إذا ما نظرنا إليها في ضوء علوم اللّسان الحديثة. وقد يكون اللّسان العربي من الألسنة القليلة عبر تاريخها الذي نال حظا وافرا من التّحليل والدّراسة، وبالرّغم من كلّ ذلك لم يتح للّسان العربي إمكانية الاستفادة من علوم العصر، ومن اللّسانيات الحديثة على وجه الدقّة بالشكّل الذي أتيح للّغات الأوروبية.
إنّ اللسانيات الحديثة وإن كانت فروعا شتّى، ومدارس عدّة بعلميتها، لها من القوّة أنّ تعبّر عن العديد من المفاهيم والحقائق التي هي أقرب إلى الثّبات منها إلى التحوّل، لدراسة بنية اللّسان ووظيفته التّواصلية، والنّظر إليه باعتباره ظاهرة شفوية أو مكتوبة، وبالنّظر إليه باعتباره نظام علامات أو إشارات، وبالنّظر إليه على اعتباره حقيقة أو مجاز.
واللّهجات -المتفرّعة عن الفصحى- لأسباب داخلية وأخرى خارجية- بكلّ تحقيقاتها، وفي جميع تجلياتها، هي بحاجة ملّحة اليوم إلى أن تكون خاضعة للدّراسة، قد تتّفق هذه الدّراسة مع بعض الدّراسات القديمة أو لا تتّفق، المهمّ إخضاعها للدّراية والوصف وفق مناهج جديدة قد تختلف كلية أو جزئيا عن المناهج النّحوية القديمة، وذلك بتطبيق آليات جديدة والقيام بإجراءات حديثة.
ودراسة لهجة من اللّهجات ليس عيبا يجب أن نحترز منه تحت طائلة فكر ما، وإنّما هي ضرورة علمية ومعرفية تمليها متطلّبات العلم على غرار باقي الجماعات العالمية. ولعلّ هذه المناهج الحديثة قادرة على تمكيننا من إعادة قراءة واقعنا اللّساني الذي سمته الغالبة الميل إلى الخفّة.
إن نشــوء اللّهجة وشيوعـها ما هو إلاّ مظهر من مظاهر الميل إلى الخفّة واليسر، ونستطيع أن نعمّم القول بأنّ اللّهجة في جريانها تسير: من الصّعب إلى السّهل، ومن الخشن إلى النّاعـم، ومن المعقّـد إلى الميسّر، ومن الزخرف إلى البسيـط، إذن فلا يحـقّ لنحـويّ – في ظل هذا التغيّر والتطوّر– أن يقول للمتحدّث بها أنّك لحنت، لأنّ اللّهجة في اعتقاده لا تعترف بسلطة النّحويين، وتؤدّي بأصوات مسّها التطوّر برغبة من المجموعة المتكلّمة في الميل إلى السهولة[32] في النّطق، والاقتصاد[33] في مجهود إصدار الصّوت. وقد سبق أن أشار اللّغوي الفرنسي (A.Millet) وقبله رائد اللّسانيات المعاصرة "دي سوسير" إلى استمرارية هذا التطوّر (في الأصوات والمفردات والتّركيب)، ونبّها إلى ضرورة الاهتمام به لا سيما في اللّغة المنطوقة[34]. لأنّ الدّراسات اللّهجية الحديثة أثبتت أنّ اللّهجة ليست تقهقرا، ولا انحطاطا لغويا (Dégénération linguistique)، بل تطوّرا لغويا فرضته النّواميس الطّبيعية التي تتحكّم بمصير كلّ لغة[35] وأفضل دليل على أنّ اللّهجات ليست انحطاطا لغويا، هو كون بعضها سابقا في الزّمن للّغة الفصحى.
و بالاعتماد على ما سبق، يمكن القول أن الدراسة العلمية للهجات ليست نزوة علمية بل هي من المتطلبات العلمية و الرهانات السوسيو ثقافية التي لا بد من مراعاتها و الاهتمام بها لما تتضمنه من امتزاجات لغوية عبر التاريخ و ما تتميز به من تحديات هوياتية و جغرافية.
المصادر والمراجع
أتيس، إبراهيم، الأصوات اللّغوية، القاهرة، مكتبة الإنجلو مصرية، 1975م.
أحمد علي، أسعد، تهذيب المقدمة اللغوية للعلايلي، لبنان، منشورات دار نعمان، 1387 هـ -1968م.
أنيس، إبراهيم، مستقبل اللّغة العربية المشتركة، القاهرة، دط، 1956م.
ابن جني (أبو الفتح عثمان بن جني)، الخصائص، تحقيق محمد علي النجار، بيروت (لبنان)، عالم الكتب، ط2، دار الكتب المصرية، 1958م.
الكفوري، جورج، اللّغة العربية في ماضيها وحاضرها ومستقبلها، (مقالتان)، بيروت (لبنان)، مطبعة ناصر، ط1، 1948م.
ابن خلدون (أبو زيد عبد الرحمان بن محمد بن خلدون)،المقدمة، الدار التونسية للنشر، 1984م.
الراجحي، عبده، فقه اللّغة في الكتب العربية، بيروت (لبنان)، دار النهضة العربية للطباعة والنشر، 1972م.
الأصفهاني، الراغب، المفردات في غريب القرآن، تحقيق محمد سيد كيلاني، بيروت (لبنان)، دار المعرفة.
الزبيدي، طبقات النّحويين، تحقيق أبو الفضل إبراهيم، القاهرة، 1373هـ-1954م
شاهين عبد الصابور، المنهج الصوتي للبنية العربية، بيروت، مؤسسة الرسالة، د ط، 1980م.
شاهين محمد توفيق، علم اللّغة العام، القاهرة (مصر)، مكتبة وهبة، ط2، 1414هـ-1992م.
ترزي، فؤاد، في أصول اللّغة والنصوص، بيروت، منشورات الجامعة الإمريكية، 1968م.
أنيس، فريحة، اللهجات وأسلوب دراستها، بيروت (لبنان)، دار الجبل، ط1، 1989م.
فندريس، اللغة، تعريب الدواخلي، والقصاص، القاهرة، مكتبة الأنجلو مصرية، 1972م.
قاسم، رياض، اتجاهات البحث اللغوي الحديث في العالم العربي، بيروت (لبنان)، مؤسسة نوفل، ط1، 1982م.
يوسف الحاج، كمال، دفاعا عن اللّغة العربية، منشورات عويدات، ط1، 1959م.
خان القنّوجي، محمد صديق حسن، أصول اللغة، تحقيق نزير محمد مكتبي.
مرتاض، عبد الجليل، دراسة لسانية في الساميات واللّهجات العربية القديمة، الجزائر، دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع، 1987م.
الرافعي، مصطفى صادق، وحي القلم، الجزائر، منشورات الموفم، 1991م.
مقدمة هوميروس، صورة أوفست، دط ،د.ت
ابن منظور الإفريقي المصري (أبو الفضل جمال الدين بن عمر بن مكرم 711هـ)، لسان العرب، بيروت (لبنان)، دار صادر، ط3، 1964م.
شايم، رابين، اللهجات العربية الغربية القديمة، ترجمة عبد الرحمان أيوب، الكويت، جامعة الكويت، 1986م.
الهوامش
[1] أتيس، إبراهيم، الأصوات اللّغوية، فما فوق، القاهرة، مكتبة الإنجلو مصرية، 1975م، ص.11.
[2] الملكة يقصد بها قدرة المتكلّم على الإبانة عمّا يختلج في نفسه باللّغة العربية السّليمة التي لا يشوبها لحن أو خطأ. وملكة العرب في عهد السّليقة كانت من القوة والدّقة في استعمال التي تعيّن الفاعل من المفعول. ينظر المقدمة، ابن خلدون (أبو زيد عبد الرحمان بن محمد بن خلدون)، ج1، ص 724، الدار التونسية للنشر، 1984م.
[3] اللّسان المضري بقي حاله في كثير من القواعد، ولم يفقد منها إلاّ دلالة الحركات التي تعين الفاعل من المفعول. ولكن كيف يفهم المقصود وقد إلتبس الأمر بترك الإعراب ؟ والجواب أنّهم اعتاضوا منها بالتّقديم والتّأخير وبقرائن تدلّ على خصوصيات المقاصد. لسان مضر انقلب إلى لغة أخرى حين خالط العرب العجم لمّا استولوا على ممالك العراق، والشام، ومصر، والمغرب، وصارت ملكته على غير الصّورة التي كانت عليها في البادية. ينظر المقدمة، ابن خلدون، المصدر السابق، ج1، ص.ص. 716- 723-724.
[4] المقدمة، ابن خلدون، المصدر السابق، ج 1، ص.724.
[5] المصدر نفسه، ج6، ص.725.
[6] اللهج :ما لهج به بعض العوام. والتلهجم : الولوع. ينظر لسان العرب، ابن منظور الإفريقي المصري (أبو الفضل جمال الدين بن عمر بن مكرم 711هـ)، بيروت (لبنان)، دار صادر ،ط3، 1964م، مادة (لهج).
[7] شاهين، عبد الصابور، المنهج الصوتي للبنية العربية، بيروت، مؤسسة الرسالة، د ط، 1980م، ص.ص. 10 –11.
[8] المرجع نفسه، ص.11.
[9] قال في ذلك سليمان البستاني: "إنّ لغة الإعراب في البادية ومنطوق سائر العرب في حواضرهم ما زالا يتراوحان بين الصّعود والهبوط والتّقارب والتّباعد حتى هذّبهما شعراء عكاظ، و لمّا أتى القرآن فكان فيه القول الفصل والمنهج والحجة الكبرى، والأساس الوطيد ". ينظر مقدمة هوميروس، صورة أوفست، د.ت، ج1، ص.111. ويشير هنا إلي مستويين لغويين: لغة الأعراب في البادية، ومنطوق سائر العرب في حواضرهم، ولهذا ليس العامي حديث الوضع في العربية.
[10] ما برحت اللّهجة تزاحم الفصحى منذ فجر الإسلام إلى يومنا. ينظر، اللّغة العربية في ماضيها وحاضرها ومستقبلها، الكفوري، جورج، (مقالتان)، بيروت (لبنان)، مطبعة ناصر، ط1، 1948م، ص. 82.
[11] ترزي، فؤاد، في أصول اللّغة والنصوص، بيروت، منشورات الجامعة الإمريكية، 1968م، ص.104.
[12] قاسم، رياض، اتجاهات البحث اللغوي الحديث في العالم العربي، بيروت (لبنان)، مؤسسة نوفل، ط1، 1982م، ص. 112.
[13] الخصائص، ابن جني، (أبو الفتح عثمان بن جني)، ج1، تحقيق محمد علي النجار، بيروت (لبنان)، عالم الكتب، ط2، دار الكتب المصرية، 1958م، ص.33.
[14] يوسف الحاج، كمال، دفاعا عن اللّغة العربية، منشورات عويدات، ط1، 1959م، ص.73.
[15] وحي القلم، مصطفى صادق الرافعي، الجزائر، منشورات المونم، ج3، 1991م، ص.36.
[16] أحمد علي، أسعد، تهذيب المقدمة اللغوية للعلايلي، لبنان، منشورات دار نعمان، 1387 هـ-1968م، ص.242.
[17] خاصية اللّغة المشتركة الأساسية أنّها لغة وسطى تقوم بين لغات أولائك الذّين يتكلّمونها جميعا. ينظر اللّغة، فندريس تعريب الدواخلي، والقصاص، القاهرة، مكتبة الأنجلو مصرية، 1972، ص. 341.
[18] قد تنشأ اللّغة العربية العامة المشتركة بفعل ظروف اقتصادية وثقافية قبل الإسلام وزاد الإسلام من انتشارها بفعل عامل الدّين.
[19] ابن خلدون، المقدمة، المصدر السابق، ص.299.
[20] اللسان: عضو متحرّك له دور بارز في إنتاج الصّوت وتحقيقه، ولذا أخذت اللّغة تسمية لها باسمه على نحو ما جاء به القرآن الكريم ، قوله تعالى: "وهذا لسان عربي مبين" النحل 16/103. كما اعتمد بعض علماء اللّغة في مؤلّفاتهم نفس الاستخدام، منهم ابن خلدون في تاريخه إلى حدّ أنّه خصّص فيه عنوانا للفصل الخامس والأربعين بهذا المصطلح "في علوم اللسان". وكذلك الحال بالنّسبة لابن منظور الذي أطلق على معجمه "لسان العرب".
[21] لسان العرب، ابن منظور ، المصدر السابق ، مادة "لهج" .
[22] أنيس، إبراهيم، مستقبل اللّغة العربية المشتركة، القاهرة، دط ، 1956م، ص.8.
[23] أحمد علي، أسعد، تهذيب المقدمة اللغوية للعلايلي، المرجع السابق، ص.54.
[24] ورد مفهوم النّطق في اللّسان ، بأنّه الكلام، نطق الناطق نطقا، تكلّم، والمنطق: البليغ، وقد أنطقه الله واستنطقه، أي كلّمه وناطقه، وتناطقا الرجلان: تقاولا وناطق كل واحد منهما صاحبه. لسان العرب، ابن ومنظور، المصدر السابق، مادة (ن ط ق)، المجلد 10، ص.ص.354-355. والمنطوق يقابله في الاصطلاح المكتوب. وقد يظن قديما وحتى إلى حين بأنّ اللّغة المكتوبة هي انعكاس للّغة المنطوقة، ولكن الدّراسات اللّسانية المعاصرة كشفت بأنّ لغة من تلك اللّغتين مكوناتها وشخصياتها ومميزاتها وعواملها التي تتميّز بها مختلفة عن الأخرى.
[25] هناك فروق كبيرة تميّز اللّهجة عن اللّغة، أجملها "بيل" في سبعة معايير. 1) التّوحيد اللّغوي، 2) الحيوية :ويقصد بها وجود جماعة حيّة من المتكلّمين، 3) التّاريخية: المقصود بها الثّبات الطويل الممتدّ في الزّمن، 4) الاستقلالية: فيجب أن يشعر متكلمو لغة، بأنّ لغتهم تختلف عن اللّغات الأخرى وأنّها قائمة بذاتها، 5) الاختصار، 6) الامتزاج، 7) الواقعية. ينظر اللهجات وأسلوب دراستها، أنيس فرحية، بيروت (لبنان)، دار الجبل، ط1، 1989م، ص.ص. 88 – 89.
[26] محمد شاهين، توفيق، علم اللّغة العام، القاهرة (مصر)، مكتبة وهبة، ط2، 1414هـ-1992م، ص. 20.
[27] الفصيح خلوص الشيء ممّا يشوبه، وأصله في اللّبن، يقال :فصّح اللّبن، وأفصح فهو فصيح ومفصح إذا تعرّى من الرّغوة، ومنه استعير فصح الرجل أي جادت لغته، وأفصح تكلّم بالعربية، ينظر المفردات في غريب القرآن، الراغب الأصفهاني، ص.380، تحقيق محمد سيد كيلاني، بيروت (لبنان) : دار المعرفة. والضّعيف ما انحطّ من درجة الفصيح، والمنكر أضعف منه، وأقلّ استعمالا، والمتروك : ما كان قديما من اللّغات ثمّ ترك واستعمل غيره والرّديء المذموم هو أقبح اللّغات وأنزلها درجة، كالكشكشة، والفحفحة وغيرهما. ينظر البلغة في أصول اللّغة محمد صديق حسن خان القنّوجي، ص.ص. 161 – 162، تحقيق نزير محمد مكتبي.
[28] استحضرنا نصّا صريحا يدلّ على مستويين من الكلام في عزّ أيام العربية، فقد قال الفرّاء لهارون الرّشيد يعتذر عن لحن وقع منه في حضرته: "إنّ طباع أهل البدو الإعراب، وطباع أهل الحضر اللّحن، فإذا تحفّظت لم ألحن، وإذا رجعت إلى الطّبع لحنت". ينظر طبقات النّحويين الزبيدي، ص.143، تحقيق أبو الفضل إبراهيم، القاهرة، 1373هـ- 1954م. فاللّغة الملحونة هي بمثابة اللّهجة. وهناك نصّ منقول عن أبي الحسن الأخفش " وليس أحد من العرب الفصحاء إلاّ يقول : إنّه يحكي كلام أبيه وسلفه، يتوارثونه آخر عن أوّل، وتابع عن متبوع، وليس كذلك أهل الحضر لأنّهم يتظاهرون بينهم بأنّهم قد تركوا وخالفوا كلام من ينتسب إلى اللّغة العربية الفصيحة، غير أنّ كلام أهل الحضر مضاه لكلام فصحاء العرب في حروفهم، وتأليفهم، إلاّ أنّهم أخلوا بأشياء من إعراب الكلام الفصيح ". ينظر الخصائص، ابن جني، ج 2، ص.29، تحقيق محمد علي النجار، المصدر السابق.
[29] الراجحي، عبده، فقه اللّغة في الكتب العربية، بيروت (لبنان)، دار النهضة العربية للطباعة والنشر، 1972م، ص.120.
[30] عالجها الدارسون العرب القدماء من أغلب جوانبها، بما وضعوه من مؤلفات في "الغريب"، و"النوادر" و"اللّحن" و"القراءات"، و"المُعْرَب" وغيرها من المصنّفات.
[31] مسؤولية الكلام تنحصر في الدّلالة التي يحملها.
[32] ويتحقّق هذا بعدّة طرق يمكن إيجازها فيما يلي : 1. بزيادة صوت، وغالبا ما يكون صوت لين، نحو: "راجل" بدلا من رجل، و"حاسي" بدلا من الحسي، وهو البئر، وهذه الزّيادة نشأت نتيجة إشباع صوت الفتحة. 2. بتخفيف الهمزة في بير بدلا من بئر، وديب عوضا عن ذئب. 3. قد يكون باتّباع حركة أوّل الكلمة للحرف اللّين الذي في وسطها، فتحدث الإمالة، كإمالة الفتحة نحو الكسرة، كقولهم: زيت في زَيْت بإسكان الياء، ودين بدلا من دَيْن، وسيف بدلا من سيف. 4. إبدال بعض الأصوات بأخرى أسهل في النّطق، نحو: توم في ثوم، وطربية في تربية. 5. تخفيف النّطق بإبدال الصّوت المضعّف ياء، نحو: مدّيت في مددت. 6. يكون التّخفيف أحيانا ناشئا عن القلب المكاني، نحو: سمش في شمس. 7. قد يكون التّخفيف ناشئا عن النّحت، وهو تكوين كلمة أو قطعها من أحرف كلمتين فأكثر لتدلّ على معنى ما، وغرضه الاختزال والاختصار.
[33] قابله الثنائي Severs وLeskein بالرفض على اعتبار أن المتكلّم لا يجد في عملية إصدار الأصوات من المشقّة ما يستدعي منه أن يعمد إلى الاقتصاد في الكلام.
[34] أقرّ الباحثون على أنّ اللّغة قبل أن تكون مكتوبة كانت محكية "الأصل في اللّغة هو الكلام، وأمّا الكتابة فليست إلاّ نسخة جاءت بعد، واللّغة المكتوبة تتقايس في الكلّمات والحروف، أمّا اللّغة المحكية فتتقايس في المقاطع محرومة من الدلالة، وتأتي بدورها المونيمات المركبة من فونيمات". ينظر دراسة لسانية في الساميات واللّهجات العربية القديمة، عبد الجليل مرتاض، الجزائر، دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع، 1987م، ص.144.
[35] رابين، شايم، اللّهجات العربية الغربية القديمة، ترجمة عبد الرحمان أيوب، الكويت، جامعة الكويت، 1986م، ص.78.