صليحة سنوسي، (تقديم وإشراف)، (2021). مقاربة التراث اللامادي بين المنهج والميدان، الجزائر : دار ومضة للنشر والتوزيع والترجمة، 280 صفحة.

Kheira SEHABA (Auteur)
68 – 72
التُراث المُوسيقي و فنون الأداء في الجزائر
ع. 106 — م. 28 — 31/12/2024

لما كان من الضروري تدوين التراث الشعبي المادي واللامادي لحمايته من الاندثار بسبب التغيرات الحضارية عامة والمجتمعية خاصة، والتي تمس عادة كل نواحي الحياة. ويندرج هذا المؤلف الجماعي في هذا المسعى؛ حيث يضم مجموعة مقالات كتبت في بيان البحث الميداني وأهميته وتدوين أشكال التعبير الشعبي. كما يبني مادته العلمية من خلال عرض تجربة التأريخ لحركية الثقافة الوطنية في البلدان التي ينتمي إليها مجموع الباحثين المساهمين فيه. وينطلق من ملاحظة سجلها المساهمون في هذا الكتاب تتمثل في ضآلة جهود جمع المادة التراثية الشفوية، وحاجتها إلى المعرفة العلمية المؤسسة والممنهجة من أجل تقديم نتائجها المرجوة.

يجمع هذا المؤلف في دراسته لمنهج البحث الميداني بين النظري والتطبيقي، في مقالات ألفها مختصون بعضهم سبق له أن شارك بها في شكل مداخلات في يوم دراسي نظمه الكراسك (أكتوبر 2016)، بمقره بعنوان: "إشكالية جمع وتدوين الموروث الحكائي الشعبي بمناطق الجنوب"، في إطار مشروع بحث مؤسساتي بعنوان: "الموروث الحكائي الشعبي في الجنوب الغربي الجزائري"، بإشراف الباحثة الدائمة بالمركز، صليحة سنوسي. كما يتناول بالبحث مجموعة إشكالات تتعلق بمسألة البحث الميداني وجمع التراث الشعبي عامة والحكاية الشعبية على وجه الخصوص وتدوينهما، من خلال عرض مجموعة من التجارب الميدانية، وما أعاقها من صعوبات وعقبات، كما تضمنت طرائق الجمع وأساليبه. 

ويضم بين ثناياه اثني عشر مقالا، كتبها مجموعة من الدارسين والباحثين والمهتمين بمجال البحث الميداني من مناطق مختلفة من الوطن العربي كما يتدرج في محتواه من الممارسات الشفوية إلى الممارسات المجتمعية إلى التمظهرات الثقافية مما يشتمل عليه التراث اللامادي. حيث دأب عدد من المساهمين فيه على عرض تجاربهم الشخصية في ميدان الجمع والدراسة، بعد وضع الإطار النظري والمفاهمي والمنهجي للبحث الميداني؛ إذ اشتملت دراساتهم على عرض بدايات البحث الميداني وأهميته في حفظ التراث اللامادي، وضرورة العناية بالموروث الشعبي، وأبرز الإسهامات العلمية فيه، ومجموع الأدوات والتقنيات التي يرتكز عليها في قيامه وفق منهج علمي محدد، من ملاحظة بالمشاركة، ومقابلة، والتسجيل الصوتي والمرئي، والتصوير الفوتوغرافي ومبادئه، ورصد أهم التغيرات التي لحقت بعمليات الجمع والتوثيق، والتقدم الذي أحرزه المجال. وتضمنت خلاصة خبرتهم الميدانية بأهم الملاحظات الميدانية التي سجلوها في عملية الجمع والتوثيق، والأدوات التي استخدموها، ومنهم من أرفقوها بنماذج من الصور الميدانية التي جمعوها في رحلتهم، ومنهم من ألحقوها بمسارد لمصطلحات خاصة بمناطق وممارسات معينة. ونذكر هنا بمقال عبد الحميد بورايو عن تجربة البحث الميداني التي قام بها سنة 1976 في منطقة "الزيبان" ببسكرة؛ حيث وقف على فعاليات تقاليد الرواية الشعبية، ودرس " القول" وركز من خلاله على رواة المأثور السردي، وسجل المرويات مما سمعه من سكان بلدية سيدي خالد، دائرة أولاد جلال، بمختلف فئاتها الاجتماعية. ثم يأتي مقال صليحة السنوسي بدراسة حول تجربته الميدانية باعتباره من أهم رواد تدوين التراث الشعبي الجزائري، ممن حاولوا النهوض بالميدان، وجهوده في حفظ الإرث الجمعي. ويتناول مصطفى جاد عن مساعيه رفقة ثلة من المختصين لإنشاء "مكنز التراث الثقافي غير المادي في العالم العربي" من أجل توثيق المادة التراثية غير المادية وفق منهجية علمية، مما يمكن من تكوين قاعدة بيانات تضم الأرشيف الرقمي للتراث الشعبي العربي وإتاحته بوسائطه المتعددة. كما فصّل في مقاله عن شكل المكنز ودوره ومميزاته وإضافته في تسهيل العمل البحثي على المادة التراثية للقارئ المختص وغير المختص على حد سواء. وعرض سرقمة عاشور تجربته في جمع الحكايات الشعبية في منطقة توات، أدرار، التي انطلقت سنة 2001، فانكب على جمع الحكايات الشعبية، كما قدم في الإطار ذاته برنامجا إذاعيا مسجلا بين 2002 و2004 حول الموروث الشعبي لذات المنطقة. وقدم بركة وشيبة حصيلة تجربته في ميدان البحث الميداني، وعبر عن أمله في توحيد الجهود بين الدارسين والمهتمين وتشجيعهم على العمل على الجمع والتوثيق حفظا لهذا التراث العريق من الضياع. ولم يخرج مبروك مقدم عن الإطار ذاته من خلال دراسة زاوية أخرى إضافة إلى الجمع والتوثيق، وهي زاوية تأثير الحكاية الشعبية على المجتمع في أدرار الذي يختلف من منطقة إلى أخرى في هذه المدينة بسبب التراتبية الاجتماعية مما يؤثر بشكل أو بآخر على التنشئة الاجتماعية، وضمَن بحثه مجموعة ملاحق منها ما تعلق بتمثلات المسارد المحكواتية، ومصانيف المسرد المحكواتي بأدرار وأقاليمها، ونماذج محكواتية لتوات الوسطى، وغيرها... كما خص مطرف عمر هو الأخر الحكاية الشعبية بالدراسة من خلال عرض تجربته، مبرزا أهميتها ودورها في البناء الثقافي والتربوي الجمعي. وركز محمد حسن عبد الحافظ في بحثه من خلال عرض تجربته على الجانب العملي الميداني من خلال عرض مجموع الأدوات والتقنيات التي يرتكز عليها، وضمنه خلاصة خبرته في المجال. واهتمت الدراسات الأخرى بالممارسات المجتمعية والتمظهرات الثقافية بشيء من التفصيل من خلال الاهتمام بمجموعة ممارسات ومعتقدات وحرف بأبعادها ورموزها على غرار نسيمة حميدة والتي انطلقت من الألعاب الشعبية في مدينة الشريعة وتصنيفها ومكانتها ودلالتها، وأنماطها السوسيو ثقافية. واختارت بذلك أربعة أشكال من الألعاب الشعبية: لعبة الكرة، ولعبة القتال بالسيوف ولعبة الدمى ولعبة التخفي. ثم تطرقت إلى دلالات هذه الألعاب الرمزية والسوسيو ثقافية، ودورها الذي تؤديه وهدفها الذي تخدمه. كما اهتمت زينب قندوز غربال بدراسة مظاهر الثقافة الشعبية من خلال عرض مجموعة من الرموز من التراث الشعبي بتونس المتمثلة في الخمسة والحوتة وقرن الغزال، وبينت دلالاتها في المخيال والمعتقد الشعبي في ذات المنطقة، بالإضافة إلى أماكن تموضعها بإيحاءاته؛ وأكدت أن المعتقد يحمي الرمز ويضمن استمرار وجوده في المجتمعات التقليدية، فهو يرتبط بممارسات يتداولها الناس عبر أجيال. وفي ذات السياق تناولت بن عبد الله زاهية موضوع الوشم على الجسد بمختلف أبعاده وتمثلاته في الذاكرة الجمعية والممارسات الشعبية لعديد المناطق من داخل الوطن ومحيطه الإفريقي. وسلط مقال محمد السعيد بن سعد الضوء على الصناعات التقليدية بوصفها من التراث الشعبي في منطقة الهقار، بالقيمين عليها ممن يعرفون بـــــ "لمعلمين أينضن" من الرجال والنساء؛ الذين يزودون قبائل التوارق بكل ما يحتاجونه من أدوات في حلهم وترحالهم من حلي، وأوانٍ، ولباس، وسيوف، ودروع... وغيرها، مستخدمين في ذلك موادا أولية مما توفره بيئتهم الصحراوية.

بشكل عام، يقدم هذا المؤلف مادة علمية دسمة مؤسسة علميا ومنهجيا، توضح أطر البحث الميداني، وتعرض تجارب الباحثين المشاركين. ويتناول جوانب متعددة من الثقافة الشعبية والتراث، سواء على مستوى الممارسة أو في شكل تمظهرات بدلالتهما الرمزية في المخيال الشعبي لمناطق متفرقة
من الوطن العربي. وهو أداة مهمة متاحة للدارسين والباحثين وحتى المهتمين بهذا الجانب من الدراسات، وهو مؤلف بطريقة يجعله بينا للمختص وغير المختص على حد سواء. كما يعرض المؤلف ويخص بالدراسة جانبا من الموروث الشعبي يطاله خطر الزوال، فهو بذلك يعرف به ويحفظه ويشجع على الخوض في ميدانه. 

[1] مجموعة قصصية صدرت عام 2009 عن دار الشهاب بالجزائر.

[2] صدرت عام 2011 بمطبعة سخري بالواد بالجزائر.

[3] مسرحية غنائية صدرت عام 2016 عن رابطة الفكر والإبداع لولاية الوادي بالجزائر.

[4] مسرحية صدرت عام 2012 بمطبعة سخري بالواد بالجزائر.

[5] قصيدة ملحمية طبعت عام 2012 عن م.خ.م.م. باتنيت بباتنة بالجزائر.

[6] مجموعة شعرية صدرت عام 2019 عن دار الاسلام للطباعة والنشر المنصورة بمصر.

Citer cet article

SEHABA, K. (2024). صليحة سنوسي، (تقديم وإشراف)، (2021). مقاربة التراث اللامادي بين المنهج والميدان، الجزائر : دار ومضة للنشر والتوزيع والترجمة، 280 صفحة.. Insaniyat - Revue algérienne d'Anthropologie et de Sciences Sociales, 28(106), 68–72. https://insaniyat.crasc.dz/fr/article/slyha-snwsy-tqdym-wishraf-2021-mqarba-altrath-allamady-byn-almnhj-walmydan-aljzayr-dar-wmda-llnshr-waltwzya-waltrjma-280-sfha