إنسانيات عدد 42 | 2015 | تنوّعات ثقافية | ص 83-95 | النص الكامل
Social integration modes in the urban regulation process in the Maghreb: the example of Oran Abstract: Like all Algerian towns Oran has known a huge volume of buildings, spreading in a discontinuous habitat in the outskirts, mingling at the same time planned and unplanned residential spaces within the urban web or in dispersed fragments. Keywords: Urban extension - spatial discontinuities - Oran - real estate encroachment - inhabitants’ strategies - land regularisation. |
Abed BENDJELID : Professeur, Géographe, Université d'Oran, 31 000, Oran, Algérie
Centre de Recherche en Anthropologie Sociale et Culturelle, 31 000, Oran, Algérie
شهدت المدن الجزائرية خلال ربع قرن أي ابتداء من 1975 إلى 2000، توسعا جنونيا على مستوى المجال العمراني، إذ عرفت مساحة معظم المدن، الحواضر الكبيرة منها و المتوسطة أو ذات البنية الحضرية الصغيرة تمددا بشكل غير معقول. و باعتبار أن وهران مدينة إقليمية بتعداد قدّر بـ 000 750 نسمة سنة 1998، فقد تحول مجالها المبني من 4480 هكتار سنة 1977 إلى أكثر من 7500 هكتار سنة 2000، أي بنسبة نمو تقدر بـ 68 %. و تبدو هذه النسبة ضعيفة بالمقارنة مع نفس هذه المساحة المحددة في نفس الفترة الزمنية بمدن متوسطة مثل مستغانم (169 %) و في مدن متوسطة نسبيا مثل مغنية (165 %) أو مدن وسيطة مثل سيق (113 %).
و على صعيد مقاطعة الحاضرة الوهرانية (Métropole oranaise)، فإن نفس الظاهرة التي تعرفها المدن الكبرى العالمية، تبرز هنا من خلال تخفيف الضغط السكاني للمدينة لفائدة الضاحية حيث شهدت التجمعات السكنية الرئيسية و الثانوية خلال عشر سنوات (1987-1998) متوسط معدل نمو سنوي عالي جدا بحوالي (,409 %) في كل من سيدي الشحمي، و (,798 %) بعين البيضاء، و (,747 %) بعين البية، و (,146 %) بحاسي بونيف، و (,875 %) بالسانية، و (,904 %) بحي الشهيد محمود، و (,594 %) بحاسي بن عقبة و في نفس المرحلة، قدّر معدل نمو الضاحية لمنطقة وهران بـ,03 1 % و أكثر من هذا، يسمح الإحصاء العام للسكن و السكان لسنة 1998 بتحديد ظهور مناطق حضرية جديدة على هوامش مدينة وهران، على سبيل المثال: نجمة (33000 نسمة)، الأمير خالد (8600 نسمة)، حاسي مفسوخ (7000 نسمة)، العنصر (5700 نسمة). و يؤدي تخفيف التكاثف السكاني (Le desserrement) هذا في الوقت نفسه إلى التوسع بإلحاق سكنات بالقرب من المدن من خلال عملية ربط لمنطقة سكنية موجودة في الأصل، أو بواسطة احتلال لمواقع فارغة.
يتميز تشكّل مجموعة من النواة المبنية في نوع من التفكك الطبيعي (Eclatement physique) للأرضية المبنية التي تصعّب من مهام التسيير الإقليمي المكفول من طرف الجماعات المحلية التي تجاوزتها الأحداث إلى حد ما. و من خلال كل هذه المناطق المبنية خلال الربع الأخير من القرن، يبدو من الضروري التمييز بين الفضاءات "المبنية" بطريقة قانونية من طرف الهيآت المختصة مثل (السكن الجماعي، التجزئات الأرضية، التعاونيات العقارية، مناطق النشاط الاقتصادي، الفضاءات الجامعية، التجهيزات القاعدية الكبرى...) و بين المجالات السكنية المبنية بشكل غير شرعي (الأحواش، الفيلات-العمارات، و بيوت الأكواخ...) التي نشأت بدون ترخيص قانوني لشغل الأراضي و البناء. و من خلال هذا البحث، نحاول فهم كيف تتشكل المدينة في البلدان المغاربية و كيف تندمج مجموعة من النواة غير الشرعية (Les noyaux illicites) في المدينة الرسمية. و من أجل تحقيق هذا الهدف، يصبح من الضروري معرفة بالتحديد الظروف التي نشأت فيها تجزئات السكنات غير الشرعية (Les fragments d’habitat illicite) حيث كان يُجهل حجمها الحقيقي إلى حدود سنة 1980 ضمن المدن الجزائرية هذا من جهة، و من جهة أخرى من الواجب تحديد الاستراتيجيات المتعددة التي بذلت من طرف السكان قصد التوصل إلى اعتراف (Reconnaissance) من طرف السلطات العمومية بهذه المنشآت غير الشرعية و إدماجها بشكل رسمي في حياة المدينة.
1.أشكال تطور السكن غير القانوني: مميزات و نقص التجهيز
1.1. توسع السكن غير القانوني: ظرف متأزم و رهان عقاري
أثرت الأزمة الاقتصادية التي ظهرت في السنوات 1986-1987 من جراء تدهور أسعار النفط، بشكل كبير في إعادة توزيع التمويلات المباشرة و غير المباشرة من طرف السلطة المركزية لفائدة الجماعات المحلية و السكان. و أكثر مأسوية من ذلك، إذ صادف الأمر أيضا ضعف السلطة السياسية، التي كان يؤطرها الحزب الواحد، حيث كان تسيير البلاد محل انتقاد من طرف سكان غير راضين من وجود التجاوزات المختلفة و من تبديد الثروات، ممّا أدى إلى اندلاع أحداث أكتوبر 1988، و عجل بالرغبة في التغيير السياسي، و أيضا ظهور سلسلة من الاضطرابات السياسية و الاجتماعية و في هذا السياق، فتح تعديل الدستور سنة 1989 مجال التعددية السياسية و الاقتصاد الحر و أدت الانتخابات التعددية المحلية الأولى إلى فوز حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ في العديد من البلديات بالمدن الجزائرية. و يعتبر هذا الاضطراب السياسي الذي برز من خلال التنافر بين السلطة التنفيذية المركزية و المنتخبين المحليين، سابقة أولى أثرت في العلاقات بين هاتين السلطتين، و دفع أيضا إلى بروز جمود دائم في الحياة الوطنية.
و هكذا برزت في هذا الظرف النزاعي بالذات الممارسات الاجتماعية في ميدان السكن الإقامي و المؤثرة على مستوى المجال العمراني. و عليه، تم احتلال بصفة غير شرعية مساحات كبيرة تابعة للأملاك الوطنية في مختلف الضواحي الميتروبولية و المدن الجزائرية الكبرى مثل الجزائر، وهران، عنابة، تلمسان، سكيكدة، تيارت.... و مس ذلك العديد من المناطق الواقعة في ضاحية مدينة وهران من 1989 إلى 1990 (دراعو، ر.، 1990؛ كتيتة، أ.، 1990)، هذا بالإضافة إلى أن طريقة تسيير البلديات من طرف الجبهة الإسلامية للإنقاذ تظهر في ذلك الوقت بوصفها نوعا من التشجيع على احتلال المجالات من طرف فئة اجتماعية "معوزة"، التي لم تتمكن من الاستفادة من قطعة أرض أو مسكن خلال العهدات السابقة التي كانت تسيطر عليها جبهة التحرير الوطني، و هو الأمر الذي يبين وجود رهانات كبرى في مجال السكن و العقار بالجزائر. أما ميدانيا، كان هؤلاء المحتلون للفضاءات يرسمون بأنفسهم بواسطة مادة الجير قطعهم الأرضية (1989-1990) و لكن تدخل الدرك الوطني في بعض الأحيان كان يسمح بتطبيق القانون، كما حدث في دوار عين البيضاء على سبيل المثال حيث تمّ في هذه الضاحية الجنوبية لغرب مدينة وهران استرجاع و إدماج الأراضي في الاحتياطات العقارية البلدية (Réserves foncières communales) و طرد المحتلين غير الشرعيين (Les squatters).
كما نشأت خلال السنوات 1990-1995، وحدات سكنية غير شرعية و على غرار كل الفضاءات الحضرية ظهرت في الضاحية القريبة من مدينة وهران، ثمانية مواقع ذات أهمية كبيرة على الأقل خلال هذه الفترة. و يؤكّد سكان هذه المواقع لدى استجوابهم بصراحة "حقهم في السكن" (Droit au logement) و من المحتمل جدا أن تكون هذه الطريقة عبارة عن ردّ فعل لوجود "ظلم عقاري" (Injustice foncière) تمّ تطبيقه من طرف البلديات لفائدة المجموعات الاجتماعية القريبة من السلطة السياسية و الإدارية. إذن، كان الاستغلال العشوائي للأراضي مبررا عن طريق هذا الشكل من التمايز و التعسف (الحقرة) لأن المحتلين غير الشرعيين يؤكدون على عدم استفادتهم من أي قطعة أرض تدخل في إطار القانون المتضمن إنشاء الاحتياطات العقارية البلدية في سنة 1974، أو على عدم حصولهم على مسكن عمومي بيع بأسعار منخفضة ضمن قانون التنازل عن أملاك الدولة الصادر في سنة 1981.
.12. بين الممنوع و غير القانوني: نقص التجهيز في البناءات (Bâtis sous-équipés)
كان البناء السكني غير القانوني، بالمعنى الأخلاقي و القانوني، حاضرا في المجال المغاربي، حيث نلمسه في جميع المنشآت الواقعة في أرض تابعة للغير التي لم تحصل على ترخيص إداري ضروري لذلك. و يختلف الأمر بالنسبة للبناية السكنية غير القانونية التي تستدعي احتراما ملزما للمواصفات الهندسية (مثل توفر الاحتياطات العقارية، الإخضاع التقني المرتبط برسم شبكة التهيئة الحضرية...). و في هذه الحالة، يعتبر الجانب العقاري ثانويا بالنظر لمدى احترام القواعد القانونية التي هي بمثابة قوانين صالحة لكل المجتمع، بما في ذلك صاحب القطعة الأرضية.
إن السكن الذي يهمنا في هذه الدراسة هو سكن ذو وضعية غير قانونية و ذلك بسبب أهميته و نظرا لانتشاره الكبير خلال الربع الأخير من القرن العشرين عبر المدن الجزائرية. و عليه، قمنا بإحصاء نوعين من البنايات غير القانونية: البناءات الأولى قديمة و هي قليلة العدد و متفرقة داخل المحيط الحضري، أما الثانية فهي بحجم كبير و بكثافة سكانية هائلة. و يعتبر في نهاية المطاف بالنسبة لنا النوع الأول من السكنات ثانويا بسبب قلته، لأن السكنات الذي تم إنشائها بطريقة غير قانونية في الضواحي هي محور هذه الدراسة من حيث تشكّلها المكثف و من حيث الممارسات المطبقة من طرف ساكنيها.
و انطلاقا من 15 سكن غير قانوني يمكن تحديد » النسبة الديموغرافية في حدود 15% من سكان منطقة وهران، أي أكثر من 100 000 نسمة في 1997، الأمر الذي يبيّن الحجم الذي أخذته الكثافة السكانية خلال عشر سنوات بسبب النمو العشوائي لهذه الكثافة في ضاحية منطقة وهران « (عابد بن جليد، 1998).إضافة إلى هذا، نجد حاليا، ارتفاع عدد النواة ذات كثافة غير منظمة مثل (دوار شيخ بوعمامة، دوار خروبة، دوار بوجمعة.)، و هذا بالرغم من وجود تسوية عقارية قليلة و سلسلة من العمليات الخاصة بانجاز السكنات الاجتماعية التي أقرتها الجماعات المحلية بهدف إعادة إسكان العائلات المعوزة و الحد جغرافيا من انتشار الاحتلال غير الشرعي للمجالات.
لقد كان شكل مخططات القطع الأرضية غير القانونية في الأصل غير منظم دائما بسبب إنشائها من طرف سكان الأرياف أو البدو الرّحل الذين نقلوا أشكال تنظيم تعكس ما كان موجودا في "دوارهم" أو مكان تواجد خيامهم. و في هذا الصدد، يساهم علم الأنثروبولوجيا بشكل كبير في تشكيل المجال الذي ينتجه السكان الذين أخذوا بعين الاعتبار قيما اجتماعية و مرجعيات هندسية متعلقة بهم و لا تتوافق مع الكثافة الحضرية و المعايير العصرية المعتمدة في مجال التعمير. و هو ما يفسّر فرض استعمال كلمة "الدوار" في اصطلاحاتهم، و على الأرجح لمعارضة التسمية غير الرسمية التي أعطيت لنواتهم إذ لم يظهر تراصف (Alignement) الواجهات إلا بعد ثمان سنوات من الاحتلال غير الشرعي!
إن البناء المهيمن حاليا، الذي تم رصده يتمثل في الحوش1. و غالبا ما يتميز هذا الأخير بنوعية سيئة من الانجاز الذي يزاوج بين الاستعمال المكثف للحجر المخصص للجدران (Parpaings) و الصفيح المخصص للسقف (Tôles). لكن، و في كل مكان، أخذ الحوش في التغيّر و التحوّل إلى سكن فردي تطوري من خلال استعمال الإسمنت المسلح، و تعليّة البناء (Surélévation)، و السطوح، و الفتحات على مستوى الشارع... و من جانب آخر، برزت من داخل هذه الأنسجة السكنية غير المنظمة، بناءات أخرى ذات جودة عالية انطلاقا من الفيلا و وصولا إلى الفيلا-عمارة (Villa-immeuble) التي نجدها بعدد كبير على طول محاور الطرق و هكذا تصبح مع مرور الوقت شوراع تجارية صغيرة.
تعرف جميع المجالات غير القانونية، المتواجدة في الحاضرة الوهرانية نقصا كبيرا في التجهيزات و هو الأمر الذي أصبح أحد الانشغالات الرئيسية لسكان الدواوير. و منذ سنوات، لم يتم تسجيل أي استثمار عمومي بسبب الطابع غير القانوني للمواقع المشغولة...
و فيما يتعلق بالتسوية (Régulation) العقارية للبناءات غير الشرعية، فلم تستفد من المنشور الوزاري المشترك لسنة 1985 سوى البناءات الكائنة بداخل الهياكل الحضرية و المأهولة من طرف الطبقات المتوسطة و الميسورة، التي تعتبر قريبة من السلطات و المطابقة للنصوص القانونية. أما بالنسبة للبقية، أي البقع الكبيرة للسكن الفوضوي، فقد كان من الواجب أولا على أصحابها الدخول في شبكة متخصصة في الاحتلال غير الشرعي، و الاستحواذ على قطعة أرض، ثم بناء "الحوش" و محاولة إما جماعيا أو فرديا إنشاء التوصيلات الضرورية بالنسبة للحياة اليومية مثل الكهرباء و الماء... تهدف هذه الممارسات إلى دفع الجماعات المحلية إلى الاعتراف بوجود نواة غير شرعية قصد السماح بانجاز تجهيزات هيكلية جماعية ستمنح لإقليمهم صبغة الديمومة الأكيدة التي تفتح آفاقا للتسوية العقارية. و في هذا السياق، تم اعتماد سلسلة من الاستراتيجيات قصد تحقيق مختلف الأهداف من طرف المحتلّين غير الشرعيين الذين يحرصون في الوقت نفسه على الاندماج في الاقتصاد الحضري و التسوية العقارية لممتلكاتهم.
- الاستراتيجيات المعتمدة من طرف السكان قصد الاعتراف بنواة سكنهم غير الشرعي
.1.2 التسوية البسيطة للسكن غير الشرعي المنشأ داخل النسيج العمراني
نظرا للندرة العقارية، يعتبر هذا النوع من البناءات المتفرقة ضمن النسيج الحضري قليلا من حيث العدد، و لكنه يتمتع بموقع مميز. و قد استفادت الأراضي الحبسية القديمة (Enclaves résiduelles) بسبب موقعها من خدمات مختلف الشبكات القائمة. و عموما، فالأشخاص الذين يتمكنون من احتلال هاته المساحات الفارغة بشكل غير قانوني فهم اقرب إلى أصحاب القرار أو ضمنهم، و عليه، فإنهم متأكدون من عدم تعرّضهم للعقاب و لديهم نفوذ يمكنهم من تسوية وضعيتهم المتنازع عليها. و لذا، فإن هؤلاء المحتلّين غير الشرعيين ليس لديهم أية صعوبة في تمويل فيلاتهم باعتبارهم مندمجون فعلا في الاقتصاد الحضري.
2.2. حراك سائد مكثف داخل النسيج العمراني يسهّل الروابط الاجتماعية ضمن مجموعة النواة غير الشرعية
أمام طلبات السكن الهائلة من طرف المواطنين الذين يشتكون منذ زمن من سكنات غير لائقة و أملا في الحصول على سكن اجتماعي عمومي، تطورت في الجزائر مع نهاية سنة 1970، ظاهرة مسماة بـ "بْني و سْكت" و لكن بمساحة محدودة قريبة من النسيج الحضري في المدن التلّية، السهبية و الصحراوية.و أمام ظهور "أزمة السكن"، نلاحظ أن الأنظمة السياسية المتعاقبة التي غضت الطرف عن هذه الوضعية لم تقدم خدمة لا للدولة و لا للمسيرين و لا للمدن و لا للمحتلّين غير الشرعيين. و الأدهى و الأمرّ، أن العلاقة الموجودة بين الدولة و المجتمع أصبحت سيئة، ما ينتج عنها بالطبع بداية انحراف في ذهنيات السكان و كأن كل شخص مشارك في هذه العملية يعاتب نفسه على أفعاله كما يؤكد التطور السريع لمجموعة من النواة غير الشرعية خلال التسعينيات من القرن الماضي ظهور أزمة ثقة بين الدولة بهيآتها المحلية و السكان.
إن احتلال الأراضي التابعة للأملاك الوطنية حدث في مرحلة سياسية مميزة، (انظر الجزء الأول من الدراسة) وفق تجمع للسكان المنحدرين من نفس المكان الجغرافي و السكان الذين تربطهم علاقات الجوار، العائلة، و النشاط المهني. يعتبر هذا الإجراء أمرا عاديا في إعادة التشكيل الاجتماعي، حيث يمكن ملاحظته في كل ضواحي المدن الكبرى على مستوى المعمورة حيث يتم إعادة إنتاج مجموعة من القرى داخل المدينة.
و إذا أخذنا على سبيل المثال واحدة من النواة التي هي في حقيقة الأمر غير شرعية، و المتمثلة في حي الشيخ بوعمامة (المسمّى دوار الحاسي، بون ألبان Pont Albin سابقا)، الذي يقع غرب مدينة وهران و يقطنه أكثر من 00030 نسمة، يمكننا التأكيد على أن التجمعات السكانية تنصهر في هذا النوع من الانتساب الجغرافي و العائلي الذي ينبئ على حركية كبيرة للسكان الجزائريين، حيث أن هذه المنطقة جلبت سكانا وافدين من 33 ولاية من أصل 48 ولاية، هذا من جهة. و من جهة أخرى، و وفق سجل الانتخابات لبلدية وهران، توجد 5 ولايات ينحدر منها 68,9 % من الناخبين و هي على التوالي: غليزان، وهران، برج بوعريريج، تيارت و تيسمسيلت (بوشريط، سوان، مفلاح، 1997).و باستثناء ولاية وهران، تجدر الإشارة إلى أهمية المولودين في بلديات جبلية ضمن الولايات الأربعة الأخرى مثل ولاية غليزان (أولاد عيش، عمي موسى، الرمكة.)، و ولاية برج بوعريريج (جعافرة، برج زمورة، المعين.)، و ولاية تيارت (تيارت، الرحوية، مغيلة، فرندة.) و ولاية تيسمسيلت (ملعب، تيسمسيلت، برج الأمير عبد القادر.)، و لا يعتبر مكان الميلاد في حد ذاته إلا معطى مهما إلى درجة أن في هذه الحالة بالضبط، نجد عبور سكان الرّيف عبر المدن في مختلف مستويات السلم الحضري أمرا ملفتا للانتباه.
و تبين نتائج عملية سبر آراء حديثة أن "42,9 % فقط من المهاجرين المستجوبين سنة 2001 بأحياء السكنات الفوضوية لدوار الشيخ بوعمامة و كذا دواوير A وB بحي بوعقل ينحدرون مباشرة من الأرياف" (بن جليد، ع. حدايد،م. مساهل، ع. طراش، س.م.2004). و في واقع الأمر، لقد سكنت العائلات بطريقة غير شرعية في تلك "الدواوير" المبنية القريبة من أحد الأحياء العديدة بمدينة وهران و بنسبة تقدر بـ 57,1 % أو عبرت أيضا بشكل ثانوي عبر مختلف المدن الجهوية و خصوصا مدينة غليزان التي أصبحت مدينة-مربط لا مفر منها في الحاضرة الجهوية، ما يبين المكانة الأساسية التي تحتلها الحركية السّكنية داخل النسيج العمراني (Mobilité résidentielle intra-urbaine) في مجال الهجرة إلى منطقة وهران.
إن العلاقات الاجتماعية التي نسجت سابقا في مختلف أحياء الاستقبال لمدينة وهران أو في مدن العبور، تفسّر بوضوح التجمعات المفضّلة بالنسبة للسّكان في هذه النقطة أو في غيرها من التجزئات الفوضوية و تسهّل أيضا العلاقات التي أُقيمت أثناء عمليات التوطيد مثل: اختيار المكان المراد احتلاله و التعاون في البناء، و التضامن من أجل "الحصول" أو تمويل التجهيزات، و المبادرة الجماعية قصد الضغط على السلطات، و تكوين جمعيات رسمية أو شبه رسمية هذا التعايش الاجتماعي، السابق لهذه الإقامة الجديدة، من شأنه ترسيخ الروابط بين السّكان و الإسهام في إعداد إستراتيجيات، لأن ما يهمّ هؤلاء المحتلّين، هو "إفتكاك" الاعتراف الرسمي لدُوارِهم من طرف السلطات العمومية.
- إستراتيجية الاندماج الأولى: إنشاء مسجد و بعض شبكات التهيئة الحضرية
و بمجرد أن تتم عملية التهيئة الحضرية بالنسبة للأرض المشغولة قصد الاستقرار، تتمثل أول مبادرة جماعية في بناء قاعة للصلاة داخل الحي المركزي المأهول، و المسمّى الحاسي الكائن بدوار بوعمامة. و يُنظر إلى المسجد بوصفه قيمة هوياتية مؤكدة، و كما يُنظر إليه أيضا باعتباره رمزا "لا يمكن المساس به" من طرف السلطة السياسية.
و تعتبر المرحلة الثانية من البحث عن الاندماج الاجتماعي أيضا عملا جماعيا "لهاته العائلات التي شكلت مع بداية التسعينيات جمعيات غير رسمية من نوع الجماعة قصد إقرار الوسائل الواجب اعتمادها من أجل ضمان انجاز المنشآت المتعلقة بالتهيئة الحضرية مثل (الكهرباء، شبكة التطهير، الماء.).(الحناشي، ريحي، 1995). و أمام هذه التنظيمات غير الرسمية و الحذرة تجاه السلطة السياسية، لم يكن الحوار بين السّكان و السلطات بالأمر الهيّن بسبب الجو الحذر السائد بين المجالس المنتخبة و المواطنين الذين يقيمون بشكل غير قانوني على الأراضي التابعة لأملاك الوطنية. في الواقع، كانت العلاقات مع المجالس الشعبية المنتخبة دائما متوترة، بسبب أن هذه المجالس كانت ترفض كل شكل غير قانوني في الإقامة قد يعرقل لا محالة مهامها في التسيير الحضري، خصوصا و أن مسألة رفض الحوار مع هؤلاء السكان قد يمثل بالنسبة للأحزاب السياسية المعارضة فرصة سانحة للاستثمار السياسي.
إضافة إلى ذلك، شرع المقيمون في تدبير أمورهم من أجل إنشاء بعض التجهيزات القاعدية، إذ نجد في هذه التجزئة الواقعة في الضاحية الغربية لمنطقة وهران، جمعية غير رسمية تم تكليفها من طرف أرباب العائلات للتفاوض مع الشركة الوطنية للكهرباء و الغاز لربط هذه السكنات بالشبكة الكهربائية كما سمحت المساهمة المالية التي تساوي تقريبا أربع مرات الأجر القاعدي لكل عائلة، تزويد أكثر من 200 عائلة بالطاقة الكهربائية الأمر الذي يجعل هذه الجمعيات غير الرسمية تنحل تلقائيا فور تحقيق أهدافها. أما بالنسبة للتزويد بالماء، تسمح عملية الربط على قناة تموّن مؤسسة وطنية صناعية، مرخص بها من طرف المصالح التقنية للولاية، بتزويد حي قريب آهل بالسكان، و يقع هذا الحي في أقصى الجهة الغربية لدوار الشيخ بوعمامة. أما بالنسبة للعائلات الأخرى غير المزودة بشبكة الماء الصالح للشرب، فإنها يلجأ إلى الحل في شراء الماء المخصص للبيع عن طريق الصهاريج، و في حفر الآبار، و في التزود على مستوى المزارع (Fermes) الفلاحية القريبة تبيّن أيضا هذه الممارسات الدؤوبة من أجل الحصول على الحد الأدنى من التهيئة الحضرية الضرورية للحياة اليومية، عن رغبة هؤلاء المحتلين غير الشرعيين في الانتقال إلى الحياة الحضرية و العيش في المدينة بطريقة كاملة.
- إستراتيجية الاندماج الثانية: الضغط الممارس من أجل انجاز المدارس الابتدائية بغرض إدراج النواة غير الشرعية في المدينة "الإدارية"
تمّ اعتماد إستراتيجية أخرى من قبل الفئات الاجتماعية التي تتقن استغلال الظروف السياسية المركزية و المحلية و تنازع الاختصاصات الموجودة بين المؤسسات العمومية و تبرز هذه الإستراتيجية من خلال الضغط الممارس على الهيآت الإدارية و السياسية و الدينية و الثقافية و الجمعوية و ذلك بغرض السماح بتمدرس الأطفال من خلال انجاز المدارس القريبة من موقع السكنات غير الشرعية.و أمام هذه المضايقات، لجأت الجماعات المحلية في النهاية إلى وضع برامج خاصة بالسكنات الاجتماعية، ذات الطراز الفردي يستفيد منها عمال البلدية و المنكوبين، و تقع هذه البنايات الجديدة على تخوم نواة السكنات الفوضوية لحي الشيخ بوعمامة إذا كان الأمر بالنسبة للفاعلين العموميين، يتمثل بكبح انتشار السكن غير القانوني، و في نفس الوقت إعادة إسكان العائلات المعوزة و تبرير تمويل التجهيزات القاعدية الجماعية الملحقة بمشاريع قانونية، فبالنسبة للمستغلين غير القانونيين فإن العملية تبرر نضالهم و تبرز بوصفها مؤشرا على الاعتراف بنواتهم من طرف السلطات الرسمية التي تضطر للمشاركة في التمويل الفوري للتجهيزات القاعدية الخاصة بالتهيئة الحضرية.
و في السياق نفسه، نجد أن السكان قد استبقوا هذه الأشغال المبرمجة و ذلك بجعل الوافدين الجدد يتقيدون بإلزامية تراصف الواجهات، و بممارسة ضغوطات متعددة قصد تسجيل أنفسهم في القوائم الانتخابية، بل انخراطهم في أحزاب سياسية من أجل الدفاع عن "حيّهم". كل هذا لأجل الاعتراف بنواتهم و تصنيفها ضمن المحيط الإداري للمدينة.
ترجع الكيفية الأخرى للاندماج الاجتماعي- التي لن نتناولها في هذا المقام– ضمن الاقتصاد الحضري من خلال تفعيل المبادرة الفردية للفاعلين و في بعض الأحيان الاستنجاد بالشبكات العائلية.
خلاصة
بعد مرور خمس عشرة سنة من الوجود و كذا بناء الروابط الاجتماعية التي تشدد أشكال العمران ضمن التجزئات السكنية غير المنظمة التي لا يستهان بحجمها العمراني، أقرّ في نهاية المطاف الفاعلون العموميون، أصحاب القرار المركزيون و المنفذون المحليون، أن البناء غير الشرعي "أمر ممكن تقبّله"، وخصوصا من خلال إدراج تلك الأحياء غير المنظمة في بحوث العمران، و بالتالي إدماجها في المخططات الجديدة للنقل الجماعي الحضري باعتبارها معنية بالمواصلات، و ببرمجتها تدريجيا ضمن مشاريع متعلقة بالتجهيز (شبكة الطرق، شبكة التطهير، التزويد بالماء الصالح للشرب.)، و أيضا بتفويض الوكالة الجزائرية لتطوير السكن قصد التفاوض حول تسوية الجانب العقاري مع المحتلّين غير الشرعيين و حاليا، تم قبول هذه المبادرة للتسوية العقارية (Régulation foncière) من طرف مجموعة قليلة من السكان لدوار الشيخ بوعمامة...أما البقية الأخرى من السكان و التي تعتبر الأكثر فقرا، فإنها تطالب بحضور أكبر للدولة، أي بمساعدات عمومية أكبر، حتى و إن كانت الذهنيات تشهد تغيّرات تتجه إلى ضرورة المساهمة المالية للسكان في المشاريع، لأن الجميع متيقن بأن الدولة لا يمكنها تحمل كل شيء.
و فضلا عن ذلك، فالأحزاب السياسية المعترف بها و لجان الأحياء الرسمية لا تتمتع إلا بتأثير محدود داخل التجزئات غير الشرعية، و عليه فإن الفئة الشابة و هي الأكثر مطالبة و تعبيرا عن الغضب، تستعمل في بعض الأحيان أسلوب الاحتجاج في الشارع (Contestation de rue) لحل مشكل معيّن، و تعتبر "المشاكل، والاحتجاجات في الشارع و الحلول السريعة للمشاكل" مكلّفة بالنسبة للجماعات المحلية كما يترتب عنها من (هدم الأملاك العمومية، و قطع الطرق الوطنية.)، بينما اللجوء إلى إقامة قنوات للحوار، من محاسنه تجنب هاته الإنزلاقات بسهولة
خلال خمس عشرة سنة، خلقت الإستراتيجيات و النزاعات الحضرية ظروف التنشئة الاجتماعية بالنسبة للسكّان المعوزين الذين تجاهلتهم السلطات بسبب احتلالهم بطرق غير شرعية الأراضي تابعة لأملاك الوطنية، و لكنهم فرضوا أيضا على المتدخلين العموميين- و بالأخص على المسؤولين المركزيين و بدرجة ثانية على المنتخبين المحليين - الاعتراف بهاته التجزئات غير القانونية باعتبارها تنتمي إلى المحيط الحضري للمدينة-الأم، في انتظار إدماجها في الحياة الميتروبوليتانية و علاوة على ذلك، يمكن أن تكون التنشئة الاجتماعية الحضرية التي يمارسها السكان المنحدرين من المدن الذين عاشوا في ظروف من التمدن خلال مراحل الهجرة الحضرية، دليلا ناجعا من أجل تمتين بناء الحي الحضري و تشديد وحدة المدينة
نقله إلى العربية لإنسانيات
محمد كمال عبد الإله
و راجعه محمد داود
بيبليوغرافيا
A.N.A.T (Agence nationale d’aménagement du territoire, 2002 : Schéma régional d’aménagement du territoire du Nord-ouest. Tlemcen, inédit.
Bendjelid, A., Hadeid, M., Messahel, A. et Trache, S.M., « Différenciations socio spatiales dans les nouveaux espaces urbanisés d’Oran », in Oran : une ville d’Algérie, Revue ‘Insaniyat’, n° 23-24, CRASC, Oran, 2004.
Bendjelid, A., « La fragmentation de l’espace urbain d’Oran (Algérie). Mécanismes, acteurs et aménagement urbain », in ‘Insaniyat’, n°5, CRASC, Oran, 1998.
Boucherit, K., Souana, A., Meflah, B., « Etude du fichier électoral de 4 secteurs d’Oran ». Diplôme d’études universitaires appliquées, cartographie, Université d’Oran, 1997.
Circulaire interministérielle du 13 août 1985 relative à la prise en charge des constructions illicites, Alger.
Dansereau, F., Bouchanine, F.N., (Ss dir.), Gestion du développement urbain et stratégies résidentielles des habitants, Paris, l’Harmattan, 2002.
Draou, R., « Etude d’un noyau suburbain : le cas du Douar Aïn el Beida (Es-Senia) ». Mémoire, aménagement urbain, Université d’Oran, 1990.
El-Hannachi, A., Rihi, L., « Socialisation et formes d’urbanisation spontanée à C. Bouamama : le cas d’El-Hassi à Oran ». Mémoire d’ingénieur, aménagement urbain, Université d’Oran, 1995.
Kétita, A., « Pont, Albin : un noyau d’habitat illicite aux portes de la métropole oranaise ». Mémoire, aménagement urbain. Université d’Oran, 1990.
Office national des statistiques, Armature urbaine (recensement de 1998). Collections statistiques, n° 97, Alger, 2000.
U.R.S.A. (Bureau d’études et de réalisation en urbanisme de Saïda) : Plan directeur d’aménagement et d’urbanisme du groupement d’Oran, 3 tomes, Oran, 1997.
الهوامش
* نشر هذا المقال باللغة الفرنسية في مؤلف جماعي،
Boumaza, Nadir et al., Villes réelles, villes projetées. Villes maghrébines en fabrication, Editions, Maisonneuve et Larose, Paris, 2008, 691p.
1 الحوش: يمكن أن يكون لهذه الكلمة عدة معاني في الجزائر. فقد كانت تشمل في المناطق الريفية الغنية مثل ( سهل المتيجة...) خلال الفترة ما بعد الاستقلال، سلسلة من البناءات المحيطة بالمستثمرات الفلاحية الكبرى. و توظف كلمة الحوش في العالم القروي، دائما للإشارة إلى شكل مسكن ريفي مبني حول فناء داخلي، و تشير كذلك إلى حدود الحرمة العائلية و إلى الفضاء النسائي الذي تزيّنه تلقائيا دالية العنب المتسلقة. و عموما، لا يحتوي الحوش الريفي على فتحة نحو المجال الخارجي- باستثناء باب المدخل الرئيسي-، و لا على طبقات. إضافة إلى هذا، نجد أنه بفضل الهجرة الريفية انتقل الحوش إلى الوسط الشعبي الحضري و شبه الحضري، و قد تم إدماجه خلال القرن الماضي في الحياة الحضرية. و عليه، قام أصحاب البناءات الذاتية تدريجيا بفتح نافذة أو عدة نوافذ تطل على الشارع علاوة على فتح محلات قصد ممارسة مختلف النشاطات. يستمر هذا التطور مع البحث عن شكل في الحياة الحضرية التي تؤدي إلى تغييرات هندسية للحوش مثلا: استعمال مواد جديدة للبناء، ارتفاع مبالغ في علو السكنات، إنجاز الشرفات...