Sélectionnez votre langue

العامل الشائع. عناصر للاقتراب من الوجه الجديد للعامل الصناعي الجزائري

A working majoriry. Rudiments of a new approach to the new figure of industrial worker in Algeria

Abstract : This text is the result of numerous field studies linked to examining charcteristics of the Algerian industrial worker. It shows that the contact estabilished since the early seventies between a movement of industrialisation characterised by its mass, swiftness and sophistication, and the Algerian society has provided a working figure different in this representation and habits from the typical worker. This new worker becoming hegemonic in the workshops develops a least - adhesion - strategy in the compagny. And if he happens to accept certain technical factory requirements, he refuses the code which enfolds them. It is thus the develops a relationship of pure instrumentality in which he exchanges a part of his time for a salary.

Keywords : labor, worker, industrialization, factory, salary

نشأت العناصر التي نقترحها في هذا النص أثناء تحقيقات في الميدان الصناعي ولم تتمكن من أن تفرض نفسها إلا بمشقة وببطء شديدين - بدون شك لأن حقل السوسيولوجيا العمالية قد احتلته أنساق في التفكير وإشكاليات ترمي جميعها إلى فرض الصورة الكلاسيكية للعامل الصناعي كما أنتجته التصنيع الأوروبي وكما حددّ ملامحه المميزة اشتراكيو القارة العجوز.

وقد أدت هذه الصورة - عندما تعلق الأمر بدراسة العمال الجزائريين - إلى الأخذ بتحليلات منتجة في بلدان الرأسمالية الكلاسيكية وإلى منع كل مجهود بحثي لا يسجل نفسه في إطار هذه الإشكاليات. إن السيادة التي تمارسها هذه الصورة والإجماع الذي تحضى به بلغا قوة لا يمكن أن لا تثير تحفظا وشكا منهجيين. وهكذا فإن الاقتراب من الوجه الجديد للعامل الصناعي الجزائري ومن التأثيرات الاجتماعية التي سببها وصوله إلى الهيمنة داخل الفئات العمالية يمر- لا محالة - عبر نقد صارم لهذه الصورة. ومن وجهة أخرى فإن هذا الاقتراب يحتاج - حتى يكون كاملا - إلى التذكير بالخطوط العريضة للحركة التصنيعية التي يشكل العامل الجديد - ولو جزئيا آنتاجا لها.

I- المشروع التصنيعي وانتشاره

أشار العديد من المراقبين ومن الباحثين - وأكثر من مرة - إلى أن التصنيع في الجزائر يشكل حجز الزاوية من أجل تحقيق مشروع مجتمعي يستهدف - على المدى المتوسط والبعيد - تثقيف الجزائريين وتحويلهم إلى مواطنين عصريين أي إلى منتجين ومستهلكين عقلانيين. ويرتكز هذا المشروع المجتمعي على نظرة إلى العالم أساسها نوع من التطورية التفاؤلية التي يمكن أن نلخصها في النقاط الثلاث التالية.

  1. تتوزع المجتمعات البشرية بصفة متفاوتة على سلم التطور الذي تحتل أعلاه المجتمعات الصناعية المتقدمة.
  2. لا يوجد سوى طريق واحد لاجتياز مختلف مراحل هذا التطور : الطريق الأوروبي ولا توجد سوى واحدة لتحقيق ذلك : التصنيع.
  3. يجب ويكفي للانتقال من "المجتمع التقليدي" إلى "المجتمع العقلاني" إعادة تاريخ المجتمعات الغربية ولكن بصفة سريعة ("حرق المراحل").

وفي إطار هذه النظرة فإن الاهتمام يتركز على وجهين اثنين : الإطار المسير والعامل المنتج. فالمجهودات التي تبذلها هاتان المجموعتان تشكل أساس نجاح المشروع الصناعي وشرطا لا بدّ منه لتحويل المجتمع الكلي.

يحتل العامل إذن مكانة جوهرية : فهو - في الوقت ذاته - ذلك الذي ينتج الخيرات المادية وذلك الذي ينشر في المجتمع طرائق جديدة في الوجود وفي التفكير وفي العمل. فهو يمارس وظيفة مزدوجة : كمنتج وكوسيط. غير أن شرط اضطلاعه بهذه الوظيفة يكون في انخراطه الواعي والإداري في مشروع التحول الاجتماعي المذكور والتزامه بمتطلباته، فلو غاب هذا الانخراط وهذا الالتزام لانهارت جوانب كاملة من المشروع التنموي.

وبطبيعة الحال فإن التصنيع لم يبق مجرد نظرة أو مجرد مشروع. فهو قد تجسد في برامج واقعية. نحن لا نريد - هنا - أن نضيف حصيلة أخرى للحصيلات الكثيرة التي تم ضبطها. يكفي أن نشير إلى أن هذه الحصيلات أثبتت - بصفة إجماعية - أن الأهداف المتوقعة لم تتحقق. فلم يتحقق لا الاندماج الاجتماعي ولا الاندماج الاقتصادي ولا حتى الاندماج الصناعي. فالوقت لم يحن بعد للتحدث عن الصناعة بالمعنى الكلاسيكي للكلمة أي كنسق من المصانع. فمن المعروف أن المصانع في بلادنا ترتبط بالمؤسسات الأجنبية أكثر مما ترتبط فيما بينها. وعلى الرغم من هذا فإن التصنيع قد ترك في المجتمع آثارا لا تمحي. فهو قد ساهم في الإسراع من عمليتي النزوح الريفي والتحضير فانتقلت نسبة سكان المدن من 31% سنة 1966 إلى 50 % سنة 1987 كما قفز - في نفس الفترة - عدد التجمعات الحضرية من 211 إلى 447 وانقلبت مدن إلى عواصم صناعية. فعلى سبيل المثال فقد أصبحت عنابة عاصمة للحديد والصلب وسيدي بلعباس للإلكترونيك وأرزيو للبتروكيمياء وكنتيجة لهذه الحركة فقد انخفضت نسبة العمل الزراعي من 50.6 % سنة 1966 إلى 29.6 % سنة 1977 ثم إلى 17.5 % سنة 1987. وفي المقابل فقد ارتفعت نسبة العمل الصناعي والعمل في البناء والأشغال العمومية ارتفاعا كبيرا إذ انتقل عدد العاملين في هذين القطاعين من 242.500 سنة 1966 إلى 1.209.000 سنة 1987.

ولم يتوقف التصنيع عند هذه التحولات الاقتصادية بل تعداها إلى جميع الأصعدة الاجتماعية. فهو قد دفع إلى تطوير الهياكل القاعدية من طرقات وسكك حديدية وموانئ ومطارات وإلى تكثيف التأطير الإداري حيث ارتفع عدد الولايات من 16 إلى 31 سنة 1974 وإلى 48 سنة 1984 وإلى إصلاح جهازي التربية والتكوين. ففي هذا القطاع تمثلت الخطوة الأولى في تأسيس منظومة المعاهد التكنولوجية التي أوكلت لها مهمة إنتاج الإطارات المتوسطة والتقنية التي كان الجهاز الاقتصادي يطالب بها بإلحاح ثم أتى دور الجامعة التي عرفت مع إصلاح 1971 تحولا جذريا جعل من الوظيفة الاقتصادية وظيفتها المركزية. وأخيرا وعلى ضوء نفس الفلسفة الاقتصادية تم دمج المستويين الابتدائي والمتوسط في تنظيم واحد : المدرسة الأساسية متعددة التقنيات.

فمن الواضح - انطلاقا من هذه الأمثلة - أن التصنيع أراد أن يكون حركة تمدينية تتمثل في إعادة تأسيس المجتمع على قواعد جديدة وعلى ضوء فلسفة جديدة من أجل الوصول إلى أهداف أخرى. وهكذا فهو قد غطّى الوجوه الممثلة للعالم التقليدي (الفلاح - الحرفي - التاجر- رجل الدين) وأبرز إلى الوجود أوجها أخرى أهمها الإطار التقني والعامل المنتج. فهو قد أعطى للأول الهيمنة في الإعداد والتقرير وجعل من الثاني العنصر الذي لا بد منه لترجمة ما يعد وما يقرر على أرض الواقع الإنتاجي. ورغم هذا فهو ينتهي - بسرعة - إلى تناقض لا تجاوز له. فهو من جهة يعتمد على تكامل هذين الوجهين ومن جهة أخرى فهو لا يتمالك عن أن يغذي تناحرهما. فبما أنه قد اختار التقنيات الطليعية فقد وجد نفسه منساقا إلى إعطاء الأولوية للمعارف النظرية وليكيفيات الاستعمال المكتسبة في المدرسة على حساب التجارب والمعارف العلمية. وبما أنه قد انتشر بصفة سريعة فلم يتمكن - لضيق الوقت - من تكوين العمال الذين كان بحاجة إليهم ووجد نفسه مضطرا - في نهاية الأمر- إلى تشغيل عمال أتوا مباشرة أو بصفة غير مباشرة من الأرياف. وتتمثل نتيجة كل هذا في التعارض الموجود بين أقلية صغيرة تتمتع بأقصى تأهيل ممكن والأغلبية الساحقة التي إنعدم فيها كل تأهيل.

إن التصنيع قد لعب - في الجزائر- دورا تحويليا واسع النطاق.

II- من هو العامل الصناعي ؟

عندما ننعم النظر في الدراسات المتعلقة بالعمال الصناعيين فإننا نلاحظ وجود اقترابين اثنين مختلفين لكنهما يلتقيان عند الأمور الجوهرية : الفهم الشائع للماركسية وعلم الاجتماع الليبرالي. فكلاهما ينظران إلى المصنع كعالم العقلانية والفعالية ويعتبرانه كمؤسسة للتنشئة الاجتماعية وللتثقيف. وكلاهما يقبلان كمسلّمة عمومية النموذج العمالي الذي أنتجه التصنيع الكلاسيكي. وكلاهما ينظران إلى العامل الصناعي كعنصر ينشر في المجتمع معايير وقيم العقلانية والتقدم. فنظرية التحدث (modernisation) قد ألحت على أهمية المصنع كمؤسسة لإعادة التنشئة الاجتماعية في بلدان العالم الثالث. أما الماركسية التي تنزع أكثر إلى التنظير فقد وضعت تسميات مختلفة لوصف عمليات التصنيع والتحديث الجارية في بعض البلدان. وتهدف هذه التسميات (مثلا : المرحلة الديمقراطية الوطنية - طريق التنمية اللارأسمالية) إلى التركيز على الحتمية التاريخية للمرحلة الرأسمالية وعلى طابعها التقدمي.

إن الدراسات التي تتسجل في إطار هذه النظرة الأخيرة تتميز بالتجريد وبالمركزية الأوروبية. فهي تأخذ كمعطيات أمورا هي في الواقع بحاجة إلى إثبات وبرهنة وفقط بعد مرحلة التحريات والتقصيات الميدانية. هناك حقيقة يجب أن لا نمل من ترديدها : لا وجود للعامل على العموم، الوجود فقط لعمال خصوصيين.

وفي واقع الأمر فإن هذا الاتجاه لا يهتم بالعامل العيني بقدر ما يهتم بالصراع التاريخي الذي أسندت مهمة خوضه للعامل العام. إن هذا الموقف الفلسفي الصرف هو موقف لا يطاق لأن منظّر مهمة البروليتاريا التاريخية سيصطدم حتما بالبروليتاريين الواقعيين الحقيقيين الذين يرفضون بأن يزجّ بهم في الخانات النظرية المعدة لهم ولكن هذه المقاومة لا تتناقض في شئ مع نظرية المنظرّين الذين يتوفرون على حيل نظرية كثيرة : هؤلاء العمال "العنيدون" يجهلون مصالحهم الحقيقية أم هم ناقصو إعلاما وتوعية أم هم انخدعوا بأفكار روّجتها جهات مغرضة وهكذا يصبح لزاما على المنظر الثوري أن يمارس هو أيضا مهمته التاريخية : أن يأخذ على عاتقه تكوين البروليتاريا إيديولوجيا وسياسيا. هذه هي الحكاية التي تعيد نفسها باستمرار : حكاية تلقين البرولتاريا - ومن الخارج - "الروح البروليتاريا" التي تنقصها. ولسوء حظ هؤلاء المنظرين فإن التحقيقات الميدانية تبيّن بأن عدد العمّال "العنيديين" لا يحصى وبالتالي فإن "العلب المفهوماتية الآتية من بعيد والمعطاة سلفا (Castoriadis) لهي مرشّحة بأن تبقى - أبد الدهر- فارغة.

أما بالنسبة لنظرية التحديث، فإن المصنع يشكل فيها مجالا لإعادة تنشئة العمال الاجتماعية. ففي المصنع يقضي العامل القسم الأكبر من نهاره وفيه تتم عملية التعلم والاكتساب الثقافيين.

تبدأ عملية إعادة التنشئة الاجتماعية بتلقين لغة جديدة وعلاقة جديدة بالزمان والمكان. فالدخول إلى المصنع هو أولا وقبل كل شئ دخول إلى عالم لغوي جديد. فالعامل يتعلم هنا كيف يسمى- وبالفرنسية - أدوات وأمكنة العمل، ومختلف أصعدة السلم التقني والإداري وكذا مجمل العناصر التي يتألف منها محيط العمل. وهو كذلك اكتساب علاقة جديدة بالزمان والمكان. فزمن المصنع هو زمن قطع كل صلة مع الأزمنة الأخرى : مع الزمن الزراعي الذي يخضع للوتيرة الطبيعية مع زمن الحرفي أو التاجر الذي يتحكم فيه صاحبه ومع الزمن الديني الذي توزّعه نداءات المؤذن للصلاة. إن زمن المصنع يتميز- على غرار ساعة ضبط الوقت الموجودة عند مدخلة بالدقة والرتابة - فهو - في المجتمعات المصنعة أو السائرة في طريق التصنيع السريع - ليس زمنا كباقي الأزمنة الذي تقاس به كل الأزمنة فهو يفرض عليها سيادته ويخضعها لمنطقة الخاص إذ تتحدد كل الأزمنة الأخرى تبعا له. إن الزمن الصناعي قد أصبح زمنا مركزيا ومهيمنا.

إن العمل الصناعي هو كذلك شكل من أشكال التحرك في المكان والتعامل معه مع احترام معالمه واكتساب روح المسواة عند اقتسامه مع رفقاء العمل والسعي من أجل تسييره بصفة عقلانية بغية الاستفادة منه أكبر استفادة ممكنة.

إن إعادة التنشئة الاجتماعية لا تقتصر على اكتساب علاقة جديدة بالكلمات والأشياء، بالزمان والمكان فهي أيضا إدماج في بنيات بيروقراطية تتميز بعلاقاتها الوظيفية واللاشخصية والتي تتعارض أساسا مع حرارة وسخاء العلاقات الإنسانية التي تتميز بها الثقافات التقليدية. وهي كذلك تلقين للنماذج المعترف بها في المطالبة والمعارضة: فالخلية النقابية هي جزء لا يتجزأ من العالم المصنعي. إن هذا الأخير لا يكتفي بتعليم العمال أحسن الكيفيات لتحقيق الاندماج الأفضل بل هو يعلّمهم كذلك الوسائل والسبل الناجعة من أجل الوقوف في وجه بعض تجاوزاته.

إذا كان من إيجابيات نظرية التحديث أنها تهتم بما يجري حقيقة وواقعا داخل المصانع فهي تبقى - رغم ذلك - مدانة بنفس الانتقادات التي سلّطناه على الماركسية الشائعة فهي لا تشك - لحظة واحدة - في تفوق النموذج الغربي الذي يرادف عندها العقلنة والتقدم. هي تعتقد أن كل عامل يترشح للعمل المصنعي هو إما عامل "بكر" من كل ثقافة وإما عامل لا يتوفر إلا على بعض البقايا الثقافية التي لا حول لها ولا قوة أمام المدّ الجارف للثقافة العصرية التي يحملها التصنيع. فهي تنسى أن عملية التثقيف التي يكون المصنع مسرحا لها - في الواقع - عملية تتم في وسط أوسع وأشمل يتوفر على أنماطه الخاصة وعلى قيمه ومعاييره. وأكثر من ذلك فإن الأبحاث الميدانية تبيّن بصفة لا تدع مجالا للشك بأن العمال داخل المصنع ذاته يتحددون اجتماعيا تبعا لهذه الأنماط التقليدية وليس انطلاقا من الأنماط العصرية التي يعمل المصنع جاهدا لتلقينها لهم وفي الحقيقة فإن مؤسسة إعادة التنشئة الاجتماعية ذاتها تجد نفسها عرضة لتأثيرات الثقافة التقليدية التي أتت لمحوها وهي تعرف بذلك لأنها تعي أنها لن تصل إلى مستوى مقبول من النشاط الإنتاجي إلا إن هي حسبت لها ألف حساب. ألا نلاحظ - مثلا - أن المتطلبات الدينية تفرض نفسها على النظام المصنعي؟ ونلمس هذا من خلال تهيئة قاعات خاصة للصلاة على أرضية المصنع نفسه ومنح عطل خاصة وحتى سلفات الذين ينوون الحج إلى البقاع المقدسة وإحداث منح استثنائية عشية الحفلات الدينية. ودائما في هذا الموضوع ألا نرى أن بعض المتطلّبات العائلية والاجتماعية تفرض إتباع نوع من التسامح إزاء أنواع معينة من التغيّبات (وفاة أحد أعضاء الأسرة - زفاف - ختان...) وفي بعض الأحيان فإن المصنع يقطع أشواطا بعيدة في طريق التنازلات التي يهبها للنظام التقليدي : فقد حدث أن شاهدنا مصنعا وهو "يلعب لعبة التباهي والتفاخر" التقليدية لمؤازرة عماله وللرفع من شأنهم وهكذا وفي حالات وفاة أحد أعضاء أسرة عامل من العمال فإنه يرسل - لتمثيله - وفد يتألف ليس فقط من رفقاء العامل ولكن كذلك من بعض الإطارات لمرافقة المتوفى حتى متواه الأخير.

ليس من المؤكد إطلاقا أن التبني داخل المصنع لعلاقة جديدة بالزمان والمكان وأن الاندماج في بنيات بيروقراطية وظيفية هما أمران كافيان لإثبات تكون البروليتاري الصناعي الكلاسيكي في الجزائر. فلا يبدو أن الضرورات الاقتصادية قد تغلبت على الثقافات المحلية ولكنها تمكنت من حمل العمال على إتباع نوع من الازدواجية في السلوك هو - من جهة - إذعان وخضوع لعدد من النماذج الصناعية وهو - من جهة أخرى- تصدي ورفض للخلفية الثقافية التي تضفي على هذه النماذج أبعادها ودلالاتها المتميزة. فهم مازالوا - على العموم - ينتسبون إلى النسق الثقافي التقليدي الذي هو باسط هيمنته - بصفة كلية - في الأسرة والمسجد وبصفة أقل في الحي السكني خصوصا وأن العمل الصناعي لا يستفيد بمواكبه إيديولوجية ملائمة.

ومن نتائج هذه الوضعية أن العمال يدخلون مع المصنع في علاقات أداتية صرفة يتم بموجبها التبادل معين : فالعمال يقدمون نصيبا من وقتهم في مقابل مبلغ مالي معين. فلا يبدو أنه قد تكون لديهم مشروع جماعي يستهدف التحول الاجتماعي انطلاقا من المصنع. ولا يبدو كذلك أن المشروع الفردي ذاته موجود عندهم وجودا أكيدا ربما لأن هذا المشروع أو هذا الأمل الفردي قد تجسد فعلا في الماضي القريب وهو قد تمثل في هجرة الأرض وفي إيجاد عمل ومرتب ثابتين في القطاع الصناعي.

وهكذا فنحن نجد أنفسنا بعيدين كل البعد عن المواقف والطروحات الكلاسيكية التي ترى في العمل الصناعي قاعدة ترتفع عليها هوية جديدة وثقافة جديدة.

إذا كانت الماركسية الشائعة ونظرية التحديث قد أخفقتا في معالجة موضوعهما فهذا يرجع - دون شك - إلى أنهما تطرحان بصفة قبلية ومسبقة وجود نموذج عام ووحيد وبهذا الطرح فهما تغلقان كل الأبواب في وجه كل التحريات والتقصيات النقدية. أما في الميدان الذي اشتغلنا فيه فلم نعثر على أثر للعامل العام. ويبدو أن الباحثين الذين اشتغلوا في الميدان الأوروبي لم يكن لهم حظ أكبر. وعلى سبيل المثال فإن التحقيقات[1] التي أجريت في الشمال الإيطالي المصنع قد أبادت الفكرة الشائعة القائلة بوجود تجانس بين "العمال المركزيين" وفي تحقيق سابق[2] تمكن الباحثان "لنيون" و"أندريو" من إبراز وجه عمالي يختلف تماما عن الوجه التقليدي للعامل الصناعي الفرنسي.

III- من هو العامل الشائع ؟

العامل الشائع هو وجه من الأوجه الناتجة عن الاحتكاك (والمواجهة) الدائر بين الشكل الذي اتخذه التصنيع والتشكيلة الإجتماعية التي يتطور فيها. فهو العامل الذي نلاحظ حضوره القوي في ورشات المؤسسات الصناعية الكثيرة التي أنجزت في إطار المخططات التنموية. أما رفيقه "العامل المركزي" فقد أضحى شبه غائب. وبالفعل فإن هذا الأخير الذي تكوّن في الصناعة الاستعمارية لهو الآن إما في طريق الاندثار (تقاعد، وفاة،...) وإما في طريق الابتعاد عن الوضعية العمّالية. فمن جراء التصنيع الواسع والسريع وإذن من جراء تزايد الأعداد العمّالية فإن العامل الصناعي الكلاسيكي قد وجد نفسه بسبب تجربته وبسبب خبرته التقنية والمهنية مدفوعا نحو مراكز المسؤولية التقنية (رئيس فرقة - عون - وحتى إطار) أو النقابية والسياسية. النتيجة أنه قد ابتعد عن واقع العمل الإنتاجي ولكن المشكلة هي أنه مازال يحتكر الكلمة والتمثيل العمّاليين. وهكذا فهو يعطي لمن هم خارج المؤسسة صورة خاطئة عن الوضعية العمالية في الجزائر. فهذا هو "العامل" الذي ينفصل - عادة - عن باقي رفقائه ويقدم نفسه كمخاطب أول للباحثين في حقل العلوم الاجتماعية.

العامل الشائع هو عادة عامل شاب. فهو - في غالب الأحيان - من أصل ريفي وحتى فلاحي وهو مازال يحافظ على ارتباطات مع عالمه الأصلي حيث يوجد - في أحيان كثيرة - مقر سكناه. هو ملم - إلى حد ما - بمبادئ الكتابة والقراءة العربية وحامل لعناصر ثقافية يرتبها وينظمها فهم مبسط للإسلام. هو يجهل تمام قواعد اللعبة المعمول بها في المؤسسة الصناعية وعلى الخصوص الأشكال العصرية والمؤسساتية في المقاومة والمطالبة. ولذا فهو يفاجئ بسلوك سلبي وبخضوع مبالغ فيه حتى يكاد المرء ينسى وجوده داخل الورشة ولكنه يفاجئ أكثر بأفعال وتحركات مباغتة مذهلة فيمس الإطار في يقينه ويشكك عالم اجتماع العمل في علمه.

أما بالنسبة للإطار (وبالنسبة لزميله الباحث في العلوم الاجتماعية) الذي يحمل إحدى النظرتين المذكورتين أو خليطا منهما فإن العامل الشّائع لا يمكن تعريفه إلا بصفة سلبية : فهذا الفلاح الذي لم يتخلص بعد من "فلاحيته"، هذا الأمّي أو شبه الأمّي يجمع في شخصه كل السلبيات : جمود - لا وعي - لا مسؤولية - لا تبصر... فهو حقيقة نموذج العامل المضاد أو على الأقل نموذج "ما قبل العامل". فليس مع هؤلاء الناس - إذن - يستطيع المرء أن يقيم صناعة موثوقا بها وقابلة للاستمرار. لا مناص - والحالة هذه - من انتظار الجيل اللاحق الذي سوف ينتج من بين صفوفه - بفضل التنشئة الاجتماعية المدرسية والمصنعية - "العامل الصناعي الحقيقي".

على هذا المستوى يبرز التناقض بين النخبة المصنعة والمجتمع الذي تخطّط من أجل تحويله. فبينما يعتمد النسق الإيديولوجي لهذه النخبة على مفهوم العامل (العامل كمفهوم) فإن الوحدات الصناعية تعتمد هي في سيرها على العامل الموجود حقيقة : العامل الشائع. بعبارة أخرى أكثر تبسيطا إن الإطار لا يستطيع أن يسمع أو أن يفهم العامل الصناعي الحقيقي لأن النسق الإيديولوجي الذي يحمله لا يعرف ولا يعترف إلا بالعامل الصناعي الكلاسيكي. وهكذا فإن المجابهة بين المجموعتين اللّتين أنتجهما التصنيع لمطروحة طرحا موضوعيا لا مفرّ منه في الوضعية الصناعية ومن ورائها في الوضعية الاجتماعية.

ففي تصديه للمحاولات التي تستهدف فرض أشكال حضارية معينة فإن العامل الشائع يعمد إلى رد الاعتبار لبعض الجوانب الثقافية التقليدية ويستعملها كوسائل دفاع ضد أخطار التقسيم والتشتة. وفي هذا الإطار فإن الدين يلعب دورا هاما في تحقيق الاندماج وفي المقاومة، أما الماضي ما قبل الصناعي فقد أصبح محل تمجيد وهذا - بطبيعة الحال - شكل من أشكال رفض الحاضر بتجزئته وبؤسه وتعسفه[3]. كل شئ يبدو وكأن الدين صار - بالنسبة له - ملاذا يلجأ إليه ويحتمي به في مواجهة الهمجية الصناعية. إن التصنيع السريع والتثقيف القسري الذي يفرضه بعيدا من أن يؤثر على الوعي العمالي في الاتجاه الذي ينشده أصحابه يساهم - على النقيض من ذلك - في إعادة إنتاج الدين، كل يوم وفي كل ركن من أركان الورشة.

تنتظم حياة العامل الشائع الاجتماعية حول قطبين يتعارضان في كل شئ : مكان الإقامة، مكان العمل. فلا يتعلق الأمر بتمييز في الزمان والمكان ولا بالتمييز العادي بين العمل والتسلية وإنما يتعلق الأمر هنا بتمييز أشد عمقا بين ثقافتين تختلفان في كل شئ : في وتائر الحياة، في تصنيفات الظواهر الاجتماعية والكونية وفي الأنساق التصورية. وهكذا فليس من باب المبالغة القول إن العامل أثناء تنقله اليومي بين مكان الإقامة ومكان العمل ينتقل في الواقع من ثقافة إلى أخرى.

أما في المؤسسة فإن إستراتيجيته تتنافى تماما مع إستراتيجية العامل الكلاسيكي. فبينما يكون هذا الأخير مندمجا في العالم الصناعي وسعيدا بذلك مع التطلع إلى مزيد من الترقية لنفسه وإلى مزيد من العقلانية للنظام المصنعي فإن العامل الشائع - على العكس من ذلك - يتفاوض مع مؤسسته ابتغاء لأقل قدر ممكن من الاندماج. فهو يريد التعامل مع المصنع تعاملا أداتيا لا أكثر ولا أقل : فهو يقدم قسما من وقته ويأخذ في مقابله مبلغا من المال. بعبارة أخرى فإن معارضته للمصنع ليست معارضة مصالح وإنما هي علامة من علامات رفض عالمه للعالم الآخر- ولكن هذا يعني أن العامل الشائع لا يقاوم بإمكانياته الخاصة وحسب استطاعته غير أنه من الأصح أن نقول بأن ممارسته تعبّر في الحقيقة عن انشقاق (Dissidence) ثقافي عن المصنع وعن العالم الصناعي وذلك في تهيئة ممارسات ومجالات خالية من كل تدخل صناعي.

إن هذه الأشكال في الرفض واللامبالاة، إن قارناها بأشكال شبيهة لوحظت في بلدان أخرى لهي شاهدة على الحدود التي ينتهي عندها بسرعة نموذج التنمية المفروض من فوق ليبرالي الشكل كان أم سوفياتيا.

IV- استنتاجات وتأملات

إذا كان لهذه العناصر التي قدّمناها حول الوجه السائد للعامل الصناعي في الجزائر ما يبررها من الناحية العلمية فإنه يكون من الممكن أن نفتح باب التأمل حول سيرورة هذا الوجه[4] وحول ما ستسفر عنه هيمنته الراهنة بالنسبة لممارسات أخرى.

1- العامل الشائع وسيرورته

إن السؤال الأول الذي يفرض نفسه هو : هل العامل الشائع هو عامل انتقالي ؟ هل هو مدعو- في أمد قد يقصر أو قد يطول - للاختفاء ليحل محله "العامل النموذجي"، عامل الماركسية الشائعة ونظرية التحديث ؟ وبالفعل فإن الرد الإجابي على هذا التساؤل يجد ما يدعمه من الأدلة وما يدعمه من الأدلة وما يبرره من الأمثلة. فالفكرة القائلة بأنه من السابق لأوانه أن نقوم بتقييم معقول للتصنيع في حد ذاته وبالأحرى لنتائجه الاجتماعية والثقافية لهي فكرة مقبولة تماما. وهي تجد في تجربة التصنيع والتثقيف الأوروبية ما يعزز جانبها ويقوي مركزها. فلم تندحر مقاومة الثقافات ما قبل الصناعية في أوروبا إلا بعد صمود دام نصف قرن من الزمن. وهنا تتضح النتيجة التي يخرج بها أولائك الذين ينحون هذا المنحى : نحن أمام حركة تاريخية عارمة وحتمية انطلقت مع الثورة الصناعية الأوروبية الأولى وهي الآن تواصل مسيرتها في اتجاه فرض حضارة صناعية عالمية. وفي هذا الإطار فإن السياسة الذكية هي السياسة التي تسجل نفسها في هذا التيار التاريخي وتعمل من أجل التعجيل في انتشار هذه الحضارة وليس في التباطئ وفي إضاعة الوقت في صراعات ثقافية هامشية يائسة.

إن هذه الأطروحة - رغم معقوليتها - ليست في منئ عن النقد. فهي على المستوى النظري - تسقط في الإيديولوجية التطورية وفي ثقة لا شئ يبررها في تقدم بينت لتجربة الأوروبية ذاتها حدوده. وعلى مستوى التحليل العيني فإن تشبيه التصنيع الجزائري بالتصنيع الكلاسيكي والاعتقاد بأن نفس الأسباب تؤدي إلى نفس النتائج ليشكلان محاولة من الصعب قبولها. فأوجه الخلاف بين العمليتين كثيرة. يكفي أن نشير أولا إلى أن عملية التحديث ("التغريب" : Occidentalisation) التي تشكل الحركة التصنيعية امتداد لها كانت عملية مفروضة من الخارج ولم تتمخض عن المجتمع نفسه. ومن جهة ثانية فإن وجود ريع طاقوي هام يساهم في صهر الاقتصاد والمجتمع صهرا خاصا. وأخيرا - وليس آخرا - فإن التصنيع قد تطور في وسط اجتماعي وثقافي وسياسي إن لم يكن يتسم بالعداء الصريح فقد كان يتصف - على الأقل - باللامبالاة. فلم يحصل التصنيع لا على التأييد الشعبي ولا على تعاون القطاعات الأخرى ولا على دعم سياسي اجتماعي. أضف إلى كل هذه العناصر غير المساعدة قوة ومتانة الثقافات المحلية. وهكذا نصل في النهاية إلى فهم هذه المفارقة : الوحدات الصناعية منتشرة في كل أرجاء الجزائر ولكن "الروح الصناعية" لم تهب في أية واحدة منها.

2- نتائج هيمنة العامل الشائع

إن بروز عامل من نوع جديد ووصوله إلى الهيمنة داخل الورشات يطرحان الآن وسوف يطرحان في المستقبل بصفة أشدّ إلحاحا مشاكل جديدة وعويصة على الممارسات الصناعية (أ) والنقابية (ب) والنظرية (ج).

أ- على مستوى التصنيع ذاته :

إن التنسيق الإيديولوجي الذي يتحكم في هذه العملية يضع كشرط لنجاحها تحالف الإطارات المسيّرة والعمال المنتجين غير أن هذا التحالف لم يكن لأن العامل الشائع رفضه رفضا باتا لأنه لا يرى فيه ما يخدم مصالحه الحيوية الواسعة وطموحاته البعيدة.

وهذا الرفض المبدئي يفسّر ولو- جزئيا - فشل الحركة التصنيعية ذاتها واندحار الفئة التي قادتها وأشرفت عليها.

ب- على مستوى الممارسة والتمثيل النقابيين :

ما زال التمثيل النقابي - في الجزائر - حكرا على المناضلين الذين انتدبتهم المجموعات الأخيرة من العمال الصناعيين الكلاسيكيين فليس من المستبعد والحالة هذه أن تدخل الحركة النقابية في أزمنة مع نفسها نتيجة ابتعاد العامل الشائع ولا مبالاته. كل نقابة هي دائما بحاجة - كي تشتغل كنقابة - إلى قدر أدنى من الاعتراف من طرف قاعدتها. ولكن المشكلة التي سوف تطرح نفسها على الأمدين المتوسط والبعيد هي مشكلة أخرى : هي مشكلة بروز تمثيل ومراس نقابيين يكونان في تلاؤم أكبر مع الحقائق الجديدة التي ظهرت في الورشات. يبقى الأمر الأهم بدون جواب : هل هذه المشكلة هي حقيقة مشكلة بالنسبة للعامل الشائع ؟ هو مهيمن الآن على مستوى القاعدة، هل سيعمل لتكون له الهيمنة كذلك على مستوى القمة ؟ أم هو سيعتبر النقابة كمجرّد دولب من دواليب العالم الصناعي ويختار حينئذ ويبتكر أشكالا تمثيلية أخرى ؟

ج- على مستوى البحث السوسيولوجي :

إن الباحث في العلوم الاجتماعية لهو حقا الأخ التوأم للإطار الصناعي. فهما قد تابعا نفس الدروس وهما يحملان نفس الثقة في الفضائل التحضيرية والتقدمية للتصنيع وللنموذج الإنساني الذي ينتجه : البرولتاري الكلاسيكي. فهذا البرولتاري لهو في تقلص تدريجي في الورشات ولكنه في تكاثر وتسيّس عجيبين في أذهان هؤلاء الباحثين وفي دراساتهم.

سوف يأتي يوم لا محالة يضطر فيه الباحثون إلى النظر إلى الأمور بأعين صاحية فلا فائدة ترجى من الاستمرار في إعادة إنتاج تحليلات لموضوع هو الآن في طريق الانطفاء. أما ما هو مطروح في جدول الأعمال فهو السعي بجديّة للتعرّض لإعادات النظر الضرورية والعمل الحازم من أجل إنتاج معارف حول موضوعات هي فعلا موجودة.

خاتمة

يشكل بروز العامل الشائع حدثا جديدا ومهما يتناقض مع العديد من التخطيطات النظرية المتداولة. ففي وقت ليس بالبعيد كان عدد من الكتاب والمراقبين والممارسين يعتقدون بأن حظوظ الجزائر للدخول في الحضارة العصرية تكمن في تحالف العمال المتقدمين الذين ألفوا النماذج العقلانية في العمل والحياة وتعوّدوا عليها والإطارات المكوّنة حسب معايير المجتمعات المتطورة من أجل إنجاح عملية التصنيع. غير أنه لا يبدو أن الحركة الواقعية تسير في الاتجاه الذي توقعه أصحاب هذه التخطيطات - وأكثر من ذلك فإن بروز العامل الشائع وانتقاله إلى الهيمنة داخل الورشات سوف يساهمان ليس فقط في تفجير هذه التخطيطات ولكن كذلك وخصوصا في فرض تأملات جديدة على الأصعدة السياسية والاقتصادية والنظرية وطرائق جديدة للاقتراب من المشاكل الحاسمة التي تطرحها التنمية، في وسائلها وفي غاياتها.


جمال غريد


الهوامش

[1] Coscienza operaia oggi- De Donato-Bari- 1980 (A cura di Giulio Girardi)- Noi vivremo del lavuro -. Armeni. P Piva. Edizioni Lavoro 1980.

[2] L’ouvrier d’aujourd’hui-. A. Andrieux - J. Lignon. Ghontier 1966.

[3] ما تثبته الدراسات الميدانية هو أن الحنين إلى الماضي يشتد مع اشتداد الأزمة. هذه الأزمة التي تفرض نفسها على العمال كالوجه الغالب للحداثة.

[4] ناقشنا هذه الفكرة في مداخلتنا في الملتقى الدولي حول "التنمية والثقافات الوطنية" الثورة الصناعية والثورة الثقافية- الدرس الإنجليزي" (بالفرنسية)- مركز الأبحاث في الأنثروبولوجية الاجتماعية والثقافية بالتعاون مع اليونسكو- الجزائر- العاصمة 15-14-13 ماي 1995.

إنسانيات عدد 01| 1997 | العمل. أشكال و تمثلات | ص07-23 | النص الكامل

Appels à contribution

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran
+ 213 41 62 06 95
+ 213 41 62 07 03
+ 213 41 62 07 05
+ 213 41 62 07 11
+ 213 41 62 06 98
+ 213 41 62 07 04

Recherche