Sélectionnez votre langue

الصراعات الداخلية للثورة الجزائرية في الخطاب التاريخي الجزائري*

إنسانيات عدد 25-26 | 2004 |  الجزائر قبل و بعد 1954 | ص27-42 | النص الكامل


Internal conflicts of the Algerian revolution within Algerian historical discourse

Abstract: The Algerian revolution, after the fashion of all revolutions, has known several internal conflicts. But do all Algerians acknowledge conflict in their discourse and assume them? To what degree? Do they treat them clearly? And how? If not, in the opposite case, a study of reasons and factors motivating the silence becomes essential. To reply to all these questions, one must before all, proceed to a classification of different internal conflicts within the Algerian revolution, examine the use to which historical discourse was made, then treat the central problem with our thematic by considering the factors which have produced it and the reasons which have led certain conflicts to be mentioned and others to be passed over in silence.

Key Words : conflict - Algerian revolution - historical discourse - crisis - elimination - memory - witnesses - military - political - historical legitimacy - nature - the psychology of the Algerian - sacralization


Rabah LOUNISSI : Université d'Oran, Département d'Histoire, 31 000, Oran, Algérie.


 

يعتبر الصراع أمرا طبيعيا في حياة المجتمعات بصفة عامة، وأكبر من طبيعي في الحياة السياسية، وينطبق هذا على حالة مواجهة مجتمع ما أو أمة لعدو خارجي مثلما هو الأمر لكل من جبهة وجيش التحرير الوطنيين في مواجهتهما للإستعمار الفرنسي مابين 1954 و1962. وكان من المفروض أن تحظى الصراعات داخل الثورة الجزائرية بإهتمام كبير من قبل المؤرخين عامة والجزائريين منهم خاصة، لأن ذلك كفيل بفهم الحركية الفكرية والسياسية والعسكرية داخل الثورة ذاتها، ولأن على المؤرخ أن ينظر إلى الأحداث التاريخية كحركية وديناميكية تتقدم إلى الأمام بفعل صراعات رئيسية و ثانوية وأن يرفض النظرة الستاتيكية للتاريخ. وسنحاول في دراستنا هذه التطرق لكيفية تناول الجزائري لمختلف الصراعات داخل الثورة الجزائرية، وهل أولاها إهتماما كبيرا أم حاول تجاهلها أو تغييبها و إن كان كذلك فلماذا ؟ لكن قبل أن نتطرق إلى هذه القضايا كلها علينا أولا أن نصنف هذه الصراعات داخل الثورة الجزائرية.

1-تصنيف الصراعات داخل الثورة الجزائرية

يتبادر إلى الذهن -كلما أشرنا إلى الصراعات داخل الثورة الجزائرية- كل من الصراع بين العسكري والسياسي من جهة و الصراع بين الداخل والخارج من جهة أخرى، وعادة ماترد جذور هذين الصراعين إلى قرارات مؤتمر الصومام التي نصت على أولوية الداخل على الخارج و أولوية السياسي على العسكري، مما أدى إلى رفض الوفد الخارجي لهذه القرارات ونشوب صراع بين بن بللة و عبان رمضان الذي إنتهى بإختطاف طائرة الزعماء الخمس يوم 22 أكتوبر1956، مما يدفعنا إلى القول إن فرنسا قد قدمت بذلك من حيث لاتعلم خدمة كبيرة للثورة لأنها بذلك أوقفت عملية تآكل بين الثوار كانت آتية لامحالة1.

لكن برز صراع آخر إلى السطح بين العسكريين والسياسيين، وكان على رأس العسكريين ما يعرف فيما بعد بالباءات الثلاث وهم كريم بلقاسم و عبد الحفيظ بوصوف و الأخضر بن طوبال، أما السياسيين فكان على رأسهم عبان رمضان، لكن رغم إغتيال هذا الأخيرعام1957 علي يد خصومه من العسكريين، إلا أن الصراع بقي مستمرا و بحدة أكبر بين الطرفين، وقد يتمثل أبرز هذا الصنف من الصراع على الإطلاق في الصراع بين قيادة الأركان العامة لجيش التحرير الوطني بقيادة هواري بومدين والحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية سواء عندما كانت بقيادة فرحات عباس أو بن يوسف بن خدة فيما بعد، وقد أفضى هذا الصراع إلى ما يعرف بأزمة صيف1962، والتي كادت أن تدخل الجزائر المستقلة حديثا في حرب أهلية طويلة و تحولها إلى كونغو ثانية في أفريقيا لولا تعقل بعض رجالات الحكومة المؤِقتة وعلى رأسهم بن يوسف بن خدة ، لكن هذه الأزمة وضعت الدولة الفتية على سكة غير سليمة لازال المجتمع الجزائري يعاني من آثارها الوخيمة إلى حد اليوم.

نعتقد أن الصراع بين العسكريين و السياسيين لاتعود جذوره إلى مؤتمر الصومام كما يريد أن يوحي لنا البعض، بل هو أبعد من ذلك، ويمكن لنا القول إن جذوره تعود إلى ما قبل عام1954 بسنوات، عندما عجز السياسيون في القضاء على النظام الإستعماري وإنشغالهم بالصراع حول مقاعد مختلف المجالس في الإنتخابات التي كانت تنظمها الإدارة الإستعمارية قبل عام1954، ثم تزايد عداء العسكريين للسياسيين بعد تخلي سياسيي الحركة من أجل الإنتصار للحريات الديمقراطية عن أعضاء المنظمة الخاصة الشبه عسكرية بعد إكتشافها عام1950، ثم نجاح أعضاء هذه الأخيرة ليس فقط في إشعال فتيل الثورة المسلحة عام1954، بل أيضا إنقاذ الحركة الإستقلالية الممثلة في الحركة من أجل الإنتصار للحريات الديمقراطية من الإنفجار بفعل الصراع بين المصاليين و المركزيين، فقد أدت هذه العوامل كلها إلى إحتقار العسكريين للسياسيين وعدم الثقة فيهم2.

وبما أننا أشرنا سابقا إلى الباءات الثلاث فعلينا أن نقول أن الصراع فيما بينهم قد ألقى بظلاله على مسيرة الثورة المسلحة بعد تخلصهم من خصمهم عبان رمضان، فبقدر ما كان هؤلاء الثلاثة متحالفين ضد كل من يهدد نفوذهم داخل الثورة، خاصة من السياسيين، بقدر ما كان الصراع فيما بينهم يصل أوجه، لكن دون أن يتجرأوا على المساس بمختلف التوازنات القائمة داخل مختلف أجهزة الثورة أو تهديد وحدتها ومسيرتها.

وقد بلغ الصراع بين الباءات الثلاث أوجه عام 1959 داخل الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية بعد حادثة مقتل عميرة علاوة في القاهرة بمكتب رئيس الحكومة المؤقتة فرحات عباس وإتهام لمين دباغين لكل من فرحات عباس ورجل المخابرات القوي بوصوف بإغتيال صديقه علاوة الذي كان يتهم الحكومة المؤقتة بالعجز عن إيجاد الحلول للمشاكل العويصة التي كانت تعاني منها الثورة3. فأستغل كريم بلقاسم هذه الأزمة ليسعى إلى إنشاء حكومة عسكرية يتولى قيادتها، بحكم أنه الوحيد الذي بقي من ضمن التاريخيين التسع الذين أشعلوا فتيل الثورة، بالإضافة إلى أنه أقوى الباءات الثلاث بحكم قيادته للقوات المسلحة وضمانه ولاء أقوى ولايات الداخل وهي الولايات الثالثة والرابعة اللتان كانتا الأكثر تنظيما وقوة من الناحية العددية والكفاءات، كما كان يحظى أيضا بدعم الولاية الأولى التي أستعادت وحدتها و تماسكها التي فقدته بعد إستشهاد مصطفي بن بولعيد، وقد كان للشهيد عميروش دورا كبيرا في إستعادة ذلك، وقد سمح ذلك لهذا الأخير بربط علاقات وطيدة فيما بعد بالعقيد محمد لعموري في البداية ثم الحاج لخضرالذي تولى قيادة الولاية الأولى بعد إعدام الأول عام1958 فيما يعرف بمؤامرة لعموري الذي حاول القيام بإنقلاب عسكري ضد الحكومة المؤقتة بدعم مصري4.

ونشير أيضا أن الولاية الخامسة التي كانت موالية لبوصوف كانت تحتوي على بعض العناصر التي كانت تضع ثقة كبرى في كريم بلقاسم، ومنها النقيب الزبير الذي تمرد على قيادة الولاية عام 1959، أي في عز أزمة الحكومة المؤقتة، وطلب ملاقاة كريم بلقاسم لأنه الوحيد الذي يثق فيه-حسب نظره-5.

وقد أدت الأزمة التي وقعت فيها الحكومة المؤقتة بعد مقتل عميرة علاوة إلى إنسداد كبير، لأن من الطبيعي أن يرفض كل من بوصوف و بن طوبال تولي كريم رئاسة الحكومة لأن ذلك سيؤدي إلى إختلال التوازن بين الباءات الثلاث داخل أجهزة الثورة، ولم يكن أمام الحكومة إلا اللجوء إلى كل عقداء الثورة، وعددهم عشرة لحل هذا الإنسداد، فأنعقد بذلك ما يعرف بإجتماع العقداء العشر الذي أستمر أكثر من مائة يوم، وعرف إنشقاقات حادة بين تكتلين، يضم أحدهما كلا من بوصوف وبن طوبال وبومدين وعلي كافي ولطفي، أما الآخر فيضم كلا من كريم بلقاسم ومحمدي السعيد وسليمان دهيليس والحاج لخضر وسعيد يازوران، وأشتد الخلاف حول تشكيلة المجلس الوطني للثورة الجزائرية الذي سيعين بدوره الحكومة الجديدة، وكان من أبرز نتائج هذه اللقاءات تراجع الباءات الثلاث وعلى رأسهم كريم بلقاسم وبروز قوة جديدة بقيادة هواري بومدين بحكم توليه لقيادة الأركان العامة لجيش التحرير الوطني، و الذي سيدخل بدوره في صراعات مع الحكومة المؤقتة، وأنتهت هذه الصراعات كلها بتولي هذه القوة الجديدة مقاليد الحكم الفعلية في جزائر الإستقلال، و هي عادة ماتلقب ب"مجموعة وجدة "6.

كما عرفت الثورة صراعات وأزمات داخل الولايات ذاتها، ومنها الولاية الأولى التي أصبحت ضعيفة بعد إستشهاد مصطفى بن بولعيد بحكم الصراعات الداخلية، والتي عادة ما فسرت بالصراعات القبلية والعروشية السائدة في منطقة الأوراس، والتي برزت إلى السطح بمجرد إستشهاد القائد الكاريزماتي للمنطقة بن بولعيد7. كما عرفت المنطقة مساع من بعض الجهات من أجل الإستقلال عن الولاية الأولى وهو مايعرف بقضية سوق أهراس ومساعي عمار بوقلاز لتحويلها إلى ولاية عسكرية لذاتها، فأدى ذلك إلى ظهور ما يعرف بالقاعدة الشرقية، والتي كانت تتحكم في عبور الأسلحة و إيصالها إلى الولايات العسكرية الشرقية، فأصبحت بذلك الولايات الأولى والثانية والثالثة تحت رحمة قيادة القاعدة الشرقية، كما كانت الولايات الرابعة والخامسة تحت رحمة القيادة الموجودة بالمغرب لأنها تتحكم في السلاح الآتي من الخارج و خاصة من أوروبا.

كما عرفت الولاية الخامسة عدة تمردات داخلية، منها قضية النقيب الزبير وقواته عام 1959 و التي دامت أكثر من عام، ومن قبلها حدث مايسمى ب"قضية الملازمين" عام1957، الذين دخلوا في صراع مع قائد الولاية هواري بومدين متهمين أياه بالعجز وعدم القيام بعمليات تعرقل بناء الخطوط المكهربة على الحدود، بالإضافة إلى حمايته لضباط ثبتت عدم كفاءتهم وأخطائهم الفادحة، وقد أتهم بومدين، في هذه القضية، الضباط القبائل الذين قدموا من الولاية الرابعة وأثاروا ضباطا من الولاية الخامسة، والهدف من ذلك كله-حسب بومدين- هو السيطرة على هذه الولاية التي بقيت الوحيدة التي لم يسيطر عليها الضباط ذو الأصول القبائلية8

أما الولاية الثالثة فلم تعرف صراعات حادة بإستثناء قضية البلويت أين تم تصفية العديد من الإطارات والجنود بعد الفخ الذي نصبته المخابرات الإستعمارية للعقيد عميروش فزرعت الشك بين الثوار، لكن وبعد إستشهاد القائد الأسطوري عميروش بدأت الولاية الثالثة تعرف مشاكل تشبه إلى حد ما مشاكل الأوراس، بظهور صراع على قيادة الولاية بين محند ولحاج من القبائل الكبرى وعبد الرحمان ميرة من القبائل الصغرى، وأتخذ هذا الصراع طابعا جهويا بين القبائل الكبرى والصغرى التي كانت ترفض إحتكار الأولى للقيادة، ولم ينته الصراع بإستشهاد عبد الرحمن ميرة، بل تواصل بشكل حاد ببروز ما يعرف بتنظيم الضباط الأحرارالذين كانوا يشتكون من عدم كفاءة العقيد محند ولحاج، وتشبه هذه القضية بشكل كبير قضية الملازمين في الولاية الخامسة التي كانت موجهة ضد بومدين، وقد أنتهت قضية الولاية الثالثة بتشتيت تنظيم الضباط الأحرار بفعل حنكة و دهاء العقيد محند ولحاج9.

كما عرفت الثورة أيضا صراعا من نوع آخر، سالت فيه الكثير من دماء جزائريين كانوا يؤمنون كلهم بقضية إسترجاع الإستقلال الوطني، ويتمثل في التقاتل بين كل من جبهة التحرير الوطني والحركة الوطنية الجزائرية بقيادة مصالي الحاج، وقد كان محمد حربي على حق عندما أطلق على هذا الصراع تسمية "حرب داخل حرب" أي بمعنى حرب أهلية جزائرية داخل الثورة10. وقد كان لهذا الصراع تأثير كبير على الولاية السادسة، أي الصحراء بعد لجوء الجنرال بلونيس إليها بعد الضربات التي تلقاها في الولاية الثالثة، كما كان لها تأثير أيضا على الثورة في المهجر بفعل النفوذ الذي تحظى به الحركة المصالية هناك، هذا دون إهمال تأثيراتها الوخيمة على الجزائر المستقلة، لأن إبعاد أنصار مصالي ومقتل العديد من إطاراتها قد أفقد الجزائر العديد من الكفاءات السياسية التي تمرست في النضال داخل حزب الشعب الجزائري ثم الحركة من أجل الإنتصار للحريات الديمقراطية لمدة طويلة، ويمكن لنا أن نضيف إلى هذا العامل في تفسيرنا لبعض أسباب ضعف الدولة الوطنية إستشهاد العديد من القادة الأوائل للثورة وتصفية البعض منهم بفعل الصراعات وطموحات البعض الذين ألتحقوا بالثورة فيما بعد، بالإضافة إلى إبعاد العديد من القادة الكبار والإطارات الذين وقفوا ضد تحالف بن بللة-بومدين أثناء أزمة صيف 1962، ونعتقد أن هذه التصفيات والإقصاءات كانت أحد الأسباب في فشل عملية بناء الجزائر بعد إسترجاع الإستقلال.

هذا قليل من الكثير من الصراعات و الأزمات التي عرفتها الثورة الجزائرية بداخلها، فكيف تناول الخطاب التاريخي الجزائري هذه الصراعات ؟.

2- موضوع الصراعات في الخطاب التاريخي الجزائري

نلاحظ من خلال تتبعنا للخطاب التاريخي الجزائري حول الصراعات داخل الثورة الجزائرية ظاهرتين وهما وجود مرحلتين من ناحية تناولها، وهي مرحلة ما قبل1988 أين نجد غيابا تاما لهذه المواضيع، أما بعدها فقد بدأت بوادر تحطيم الطابوهات حول هذه الصراعات. لكن هذا يجرنا إلى الملاحظة الثانية والمتمثلة في أن الملاحظة الأولى لاتنطبق إلا على كتابات المقيمين في الجزائر أو المقيمين في الخارج الغير معارضين للنظام.

فلم يجرؤ أي مؤرخ جزائري أو صاحب مذكرات قبل 1988 على الإقتراب من موضوع الصراعات داخل الثورة الجزائرية بإستثناء محمد حربي الذي تسلح بشجاعة كبيرة، فأختار موضوع أطروحته لدكتوراة الدولة حول تاريخ جبهة التحرير الوطني في نهاية السبعينيات بعنوان"جبهة التحرير الوطني بين السراب و الواقع-1945-1962"، حيث تطرق إلى مختلف الصراعات التي عرفتها الثورة الجزائرية، وكان هدفه من ذلك نزع القداسة عن الثورة مما يؤدي حتما إلى إضعاف الشرعية الثورية للنظام الذي كان يعارضه، والذي كان يوظف تاريخ الثورة بشكل إنتقائي وتزويري في الكثير من الأحيان بصفته سندا شرعيا لهذا النظام، كما كان هدف حربي أيضا تتبع جذور النظام الجزائري الذي يرى أنه نظام تسيطر عليه الطبقة البرجوازية البيروقراطية التي بدأ نشوؤها في خضم الثورة المسلحة، وينطلق حربي في ذلك كله من طروحاته التروتسكية متأثرا بأصحاب مجلة "باربارية وإشتراكية Barbarie et Socialisme "11

وقد أعتمد محمد حربي في هذا على مصدرين أساسيين هما: الأرشيف الذي تحصل على أغلبه من خلال مناصبه التي شغلها أثناء الثورة أو من خلال علاقاته بالكثير من صناع أحداث هذه الثورة، بالإضافة إلى الشهادات التي أستقاها من بعض هؤلاء الرجال، فأعطى ذلك قيمة علمية ومصداقية كبيرة لهذا العمل وأعماله الأخرى، فكان ذلك سببا كافيا لجعل النظام الجزائري أكثر حرصا على منع تداول كتب المؤرخ محمد حربي في الجزائر في الفترة ماقبل1988.

ولم يمنع النظام كتب حربي فقط، بل منع أيضا كتاب محمد لبجاوي"حقائق حول الثورة" الذي كشف حقائق حول إغتيال عبان رمضان بعد ما كان النظام الجزائري لازال يلوك أكذوبة إستشهاده في ساحة المعركة مع الجيش الإستعماري مثلما أعلنت ذلك صحيفة المجاهد-لسان حال جبهة التحرير الوطني- أثناء الثورة12. ولقيت نفس المصير كتب فرحات عباس وعلى رأسها "تشريح حرب" الذي تحدث على بعض الصراعات ومنها إغتيال عبان رمضان13، وكذلك ما كتبه النقيب محند أعراب بسعود مباشرة غداة الإستقلال في كتابه"السعداء هم الشهداء الذين لم يرو شيئا"، يتهم فيه جهاز بوصوف بالقمع والدموية، وكذلك هواري بومدين بالتخطيط للإستيلاء على السلطة وهو مقيم بتونس أو المغرب الأقصى، في الوقت الذي كان فيه المجاهدون يخوضون المعارك داخل الجزائر، ووصل إلى حد إتهامه صراحة وبالدليل بإخبار الجيش الفرنسي بمكان وجود العقيدين عميروش وسي الحواس للتخلص منهما14، كما تحدث في كتابه عن قضية الملازمين بالولاية الخامسة، خاصة وأنه كان أحد هؤلاء15.

كما منعت أيضا الكتب التي أصدرها بعض الفرنسيين، وحاولوا الإقتراب من هذه الصراعات، فقد واجه النظام كتاب ايف كوريير Yves Courrièreحول حرب الجزائر بهستيريا لا مثيل لها إلى درجة تطرق الرئيس بومدين له في بعض خطبه، ولم يكتف بذلك بل طلب من السوري مصطفى طلاس الذي أصبح فيما بعد وزيرا للدفاع في سوريا بكتابة تاريخ الثورة الجزائرية، ووضع في يده الإمكانيات المالية وحتى الوثائق ليخرج لنا كتابا بعنوان"الثورة الجزائرية" لا يصلح أن نسميه بكتاب تاريخ لأنه بعيد كل البعد عن الحقيقة، ومن المفارقة أن بومدين ناقض نفسه، فمن جهة كان يقول أن تاريخ الثورة لا يمكن أن يكتبه إلا جزائريين لكن وفي نفس الوقت يطلب من كاتب سوري هاو كتابة هذا التاريخ.

لكن بعد الإنفتاح السياسي عام1988 وبداية ظهور بعض الشهادات حول الثورة وبعض أحداثها المؤلمة أصبحنا نفهم فعلا لماذا كانت تلك الهستيريا ضد بعض كتابات الفرنسيين سواء كانوا مؤرخين أو صحفيين كتبوا أثناء الثورة أو بعدها، وقد تبين لنا أن هذه الكتابات -بغض النظر عن أهدافها- كانت أقرب إلى الحقيقة من كل الكتابات التي سمح لها النظام بالظهور في الجزائر، ونعتقد أن الذين يهاجمون ليلا ونهارا ما يسمونه بالمؤرخ الإستعماري كانوا في حقيقة الأمر يسعون إلى تغطية الحقائق التاريخية التي كانت ترد في كتابة هذا المؤرخ، لأنها تمس بمصالح النظام القائم، فإن كان هؤلاء الكتاب الفرنسيين يشوهون الحقائق التاريخية لأنهم إستعماريين كما يدعي بعض المؤرخين الجزائريين، فإننا نقول أن هؤلاء الأخيرين يشوهون الحقائق التاريخية أما تطبيلا للنظام الجزائري كي يستفيدون من الريوع أو خوفا منه.

إن مايدفعنا إلى هذا القول هو أنه قد وقعنا كلنا تحت تأثير هذه الأكذوبة قبل أن نكتشف بأن ماكشف عنه بعض صناع أحداث الثورة بعد 1988 وما أثيرت من نقاشات حولها قد سبق وأن كتب عنها الكثير من المؤرخين وحتى الصحفيين الفرنسيين أثناء وبعد الثورة، فما علينا إلا العودة إلى كتب برومبرجرBromberger أو كلود باياتClaude Paillat التي ظهرت أثناء الثورة لنعرف مدى قرب الكثير من المعلومات التي أوردوها آنذاك من الحقيقة أو ما أصبح اليوم يتحدث عنه الكثير علانية16.

فقد أشارت العديد من الكتب و الشهادات و المذكرات التي بدأت تظهر بقوة بعد عام1988 إلى الكثير من القضايا التي كانت تعتبر طابوهات من قبل، لكن رغم ذلك فلم تأخذ الصراعات داخل الثورة حيزا كبيرا في هذه المذكرات والكتابات، ولعل ذلك يعود إلى نفسية الجزائري الذي لازال يرى في الصراع فتنة أو يمكن أن يعود إلى عدم تحرر رجالات الثورة من الكتمان و السرية التي تربوا عليها سواء داخل الحركة من أجل الإنتصار للحريات الديمقراطية أو في الثورة. هذا مانلاحظه مثلا في مذكرات لخضر بن طوبال التي لم تر النور بعد17، أو مذكرات علي كافي بشكل نسبي، ونعتقد أن ما أثير حول هذا الأخير وإيصاله إلى المحاكم كان الهدف منه في حقيقة الأمر تخويف كل من يحاول الإقتراب من هذه الصراعات أو إثارتها بغض النظر عن مدى موضوعيتها أو ذاتيتها.

لكننا لاننكر ظهور العديد من الكتابات و المذكرات حول أزمة صيف1962، وكأن الجزائري يريد أن يفهم من خلالها جذور أزمة الجزائر الحالية، لكن مايؤسف له أن جل الكتابات في هذا الموضوع قد ظهرت على أيدي مجاهدين كانوا ضد تحالف بن بللة-بومدين، وعلى رأس هؤلاء ماكتبه بن يوسف بن خدة عام 1997 ثم علي هارون بعد خمس سنوات من ذلك دون أن ننسى لخضر بورقعة الذي أورد عنها جزء كبير في كتابه"إغتيال الثورة"، وكأن بكل هؤلاء أرادوا بكتابتهم حول أزمة1962 القول للشعب الجزائري بأن المستقبل قد حكم لصالح موقفهم المعارض لذلك التحالف وأن خصومهم عام1962 هم السبب فيما آلت إليه الجزائر بعد ثلاثين سنة من الإستقلال لأنهم لم يحترمو الشرعية وهم الأوائل الذين أسسوا لقاعدة الإستيلاء على الحكم بالقوة و البقاء فيه بنفس الأسلوب18.

أما بشأن الكتابات الأكاديمية فقد ظهر مؤخرا كتاب قيم لصاحبه جيلبر مينييهGilbert Meynier بعنوان"التاريخ الداخلي لجبهة التحرير الوطني" الذي تطرق في جزء كبير منه للصراعات داخل الثورة مع محاولته تفسير ذلك19. وتكمن أهمية هذا الكتاب في إعتماده على أرشيف الجيش الفرنسي الذي وضعته مصلحة تاريخ الجيش البري الفرنسي في يد المؤرخين مؤخرا، كما عاد أيضا إلى أرشيف محمد حربي الذي سبقه في موضوع دراسة جبهة التحرير الوطني من الداخل، وكان بإمكان هذا العمل أن يكشف الكثير من الأمور ويعيد النظر في الكثير من القضايا التى طرحها في الكتاب لو لم تمنعه السلطات الجزائرية من الدخول إلى الأرشيف الجزائري –حسب مانقله صاحب الكتاب ذاته- دون أن نعلم أسباب ذلك20.

ولعل ذلك يعود إلى رفض النظام ذاته إعطاء مصداقية أكثر لعمل جيلبرت مينييه، وتبقى صفة المؤرخ الإستعماري مسلطة عليه، خاصة وأنه أعتمد على أرشيف طرف واحد فقط من الصراع و هو الطرف الفرنسي، هذا مايطرح أمامنا إشكالية محددة وهي لماذا يخاف النظام الجزائري من التاريخ خاصة الصراعات داخل الثورة ؟ ولماذا سايره الكثير من المؤرخين أو صناع أحداث الثورة في هذا الأمر؟

3- العوامل المتحكمة في مواضيع الخطاب التاريخي الجزائري

تبين لنا فيما سبق أن هناك تغييبا بشكل مباشر أو غير مباشر لموضوع الصراعات داخل الثورة، ويعود هذا التغييب في نظرنا إلى عدة عوامل يمكن تصنيفها إلى نوعين: عوامل ذاتية خاصة بنفسية وطبيعة الإنسان الجزائري ذاته، أما النوع الثاني فيعود إلى طبيعة النظام الجزائري.

أ-العوامل التي تعود إلى نفسية الجزائري

تتمثل هذه العوامل في :

أولا- الشك في كل ما يصدر عن الفرنسيين:

كانت الفكرة السائدة أثناء الثورة هو رفض كل ما يصدر عن الكتاب الفرنسيين بإعتباره خطابا يستهدف ضرب الثورة وتحطيم نفسية الشعب الجزائري وزرع الشقاق في صفوفه، وإن كان هذا هو الهدف في حقيقة الأمر لدى الدعاية الفرنسية آنذاك، لكن هذا ليس معناه عدم وجود تلك الصراعات التي كان يشير إليها الخطاب الفرنسي ولو أنه كان يقدمها بشكل مبالغ فيه وبخلفية إستعمارية، ودليلنا في صحة تلك الصراعات هو ما ظهر فيما بعد على لسان الكثيرين الذين كانوا شهودا على تلك الصراعات، كما سبق أن أشرنا إلى ذلك. لكن ما جعل الجزائري في عمومه ينظر بعين الريبة إلى كل ما يأتيه من الفرنسيين في مجال تاريخ الثورة هو إستمرار تلك الطبيعة الدفاعية التي كانت سائدة لديه أثناء الثورة، لكن غابت عنه أن الدعاية الفرنسية كانت مبنية على أسس علمية صارمة، فهي لاتختلق الأحداث لكنها توظفها لخدمة أهدافها، ولهذا السبب فإنها تعتمد المصداقية في تناول الأحداث، أي بمعنى أنها لا يمكن أن تتحدث عن وجود صراعات إن لم تكن موجودة فعلا.

ثانيا-الطبيعة السرية للمجاهدين :

تعتمد التنظيمات الثورية على السرية في نشاطاتها، ولهذا من الصعب جدا أن يتخلص أعضاء هذه التنظيمات من هذه الطبيعة التي تصبح جزء منهم حتى بعد إنتهاء الأعمال السرية التي كانوا يقومون بها، خاصة إذا كان العمل الثوري قد أستمر لمدة طويلة، وينطبق كل هذا على جبهة التحرير الوطني ومناضليها، وبهذا السبب يمكن لنا تفسير صمت الكثير من المجاهدين خاصة الذين هم على علم بالكثير من القضايا التي أعتبرت من طابوهات الثورة، ومنها تلك الصراعات التي كانت تصل في بعض الأحيان إلى العنف الدموي، ونعتقد أن الكثير من المجاهدين لم يستوعبو بعد، أن الظروف قد تغيرت بعد إسترجاع الإستقلال، ولعل بعضهم لازال متأثرا أو تحت صدمة الإعدامات التي طالت بعض زملائهم بتهمة إفشاء سر من أسرار الثورة مهما كان بسيطا وما بالك بعدم التكتم التام حول الصراعات التي كانت تحدث داخل الثورة.

ثالثا-سيطرة فكرة الفتنة على نفسية الجزائريين :

يرى أغلب الجزائريين مثل الكثير من المسلمين أن أي إختلاف أو صراع ليس أمرا طبيعيا في كل المجتمعات، ويخفى عليهم أن المشكلة لا تكمن في الإختلاف ذاته بل في طريقة وأسلوب حله، فهم يعتبرون أن أي إختلاف أو صراع هو فتنة، وأن الحديث أو الإشارة إليها بعد نهاية الصراع هو إثارة للفتنة، أفلم يجتنب الكثير من المسلمين الحديث عن الفتنة التي وقعت بين الصحابة بعد مقتل عثمان بن عفان، ونجد نفس الأمر تقريبا ساد الكثير من الجزائريين عامة والمجاهدين خاصة الذين يرفضون الحديث عن الصراعات داخل الثورة، كما يمكن لنا أن نذهب أبعد من ذلك فنقول إن رفض ذلك يعود إلى الخوف من المساس بقدسية الثورة وطهارة المجاهدين، وهو نفس السبب تقريبا الذي جعل بعض الفقهاء المسلمين يحرمون الخوض في الفتنة الكبرى لأن ذلك من شأنه أن يمس بصحابة الرسول(ص)، هذا مايدفعنا إلى تناول سبب أخير يتمثل في الحفاظ على قداسة الثورة.

رابعا-الحفاظ على قداسة الثورة :

أكتسب المجاهدون أثناء الثورة نوعا من الإحترام لدى الشعب الجزائري كان يصل في بعض الأحيان إلى درجة القداسة، فلهذا السبب فإنه من الصعب جدا أن يحطم المجاهد هذا التقديس والإحترام الذي أكتسبه، فهو يعلم جيدا أن أي حديث عن صراعات فيما بينهم من أجل السلطة مثلا أو من أجل أي مغانم دنيوية معناه تحطيم تلك الصورة الراسخة في ذهن عامة الشعب والتي تشكلت أثناء الثورة ثم إستمرت لأكثر من عقدين من الزمن بعد إسترجاع الإستقلال، كما أن النظام كان حريصا على الحفاظ على هذه القداسة وأن أي مساس بها أو إضعاف معناها هو إضعاف شرعيته، هذا ما يجرنا إلى تناول العوامل المتعلقة بطبيعة النظام ذاته.

ب-العوامل المتعلقة بطبيعة النظام

أولا-أحادية النظام :

تعد الأحادية أهم سمات النظام الجزائري الذي أقيم بعد إسترجاع الإستقلال، ولاتتمثل هذه الأحادية فقط في أحادية الفكر والثقافة والرأي والقرار والتنظيم، بل أمتدت أيضا إلى النظر إلى المجتمع الجزائري كأنه فرد واحد له رأي واحد، وبعبارة أخرى رفض فكرة وجود تناقضات داخل المجتمع وأن أي تصريح بطرح مناقض يعتبر محاولة لإثارة فتنة في المجتمع.

إن سمة النظام هذه هي التي تختفي وراء قمع الخطاب التاريخي الذي يتناول الصراعات داخل الثورة، ويعود ذلك إلى أن النظام يعتبر أي إشارة إلى ذلك معناه تقويض فكرة الشعب والأمة الواحدة في كل شيء بمافيها واحدية الرأي.

وقد كان لقمع موضوعات الصراعات الداخلية نتائج كارثية فيما بعد على حل مشكلة السلطة في الجزائر، لأن رفض فكرة أن الصراعات في أي مجتمع هو أمر طبيعي أدى بدوره إلى عدم تناول مسألة حل هذه الصراعات والتناقضات بطريقة سلمية، كما أن النظام كان يعي جيدا أن طرح هذه المسألة سيؤدي حتما إلى طرح الحل الديمقراطي لمشكلة السلطة مادامت الديمقراطية هي الحل السلمي لمختلف التناقضات السياسية والأيديولوجية والثقافية والطبقية الكامنة في أي مجتمع كان، ويتم ذلك بتداول سلمي على السلطة بواسطة الإنتخابات مع إحترام الحريات الفردية والجماعية. فمن الطبيعي أن يرفض النظام الجزائري ذلك لأنه مبني على إحتكار السلطة، مما سيؤدي حتما إلى رفض كل المواضيع التاريخية التي تطرح مشكلة التناقضات والصراعات في المجتمع، خاصة إذا نظر إليها بأنها من طبيعة أي مجتمع كان.

ثانيا-الخوف من الشرعية التاريخية :

أتسم الصراع أثناء الثورة بالإستناد على الشرعية التاريخية أي حول الأسبقية أو الدور في إشعال فتيل الثورة، فمثلا كريم بلقاسم يعتبر نفسه هو الأحق بالقيادة لأنه الوحيد الذي بقي من التاريخيين التسع بعد إستشهاد بعضهم وسجن البعض الآخر، لكن بن طوبال و بوصوف يرفضان إقتصار الشرعية التاريخية على التسع التاريخيين فقط فيوسعانها إلى مجموعة الأثنين والعشرين التي أنبثق عنها هؤلاء التسعة، ولكي يأخذ كريم بلقاسم شرعية أكثر من خصومه يذهب أبعد منهم ويركز على أنه كان الأول الذي ألتحق بالجبل وذلك عام1948 إلى جانب عمر أوعمران.

كانت هذه الشرعية التاريخية هي نقطة ضعف النظام الحاكم في الجزائر بعد إسترجاع الإستقلال، لأن مايسمى ب"مجموعة وجدة" بقيادة بومدين وعلى رأسهم هذا الأخير قد ألتحقوا بالثورة فيما بعد، ولم يكن لهم أي دور لا من بعيد ولا من قريب في إشعال فتيل الثورة، ولهذا السبب عمد بومدين بعد صعوده إلى قيادة الأركان العامة لجيش التحرير الوطني إلى الحديث عما يسميه ب"الشرعية الثورية" بدل "الشرعية التاريخية" والقول بأنه يكفي المساهمة في الثورة وحسن تسييرها إكتساب شرعية، كما كانت هذه العقدة وراء إستنجاد مجموعة وجدة ببن بللة للوصول إلى الحكم والإختفاء وراء الشرعية التاريخية التي يمتلكها بصفته من التسع التاريخيين.

إن فقدان الذين حكموا الجزائر بعد إسترجاع الإستقلال للشرعية التاريخية كما عرفناها وإقصائهم للتاريخيين هو السبب في إقصاء موضوع الصراعات داخل الثورة، لأن تناولها معناه الإشارة بالتفصيل إلى أحداثها وشخوصها مما يعني إبراز دور الرجال في هذه الثورة، فيعرف الشعب أن أغلب الذين يحكمونه لم يكن لهم دور يذكر مقارنة برجال عظام تم إقصائهم، ويمكن أن نذهب أبعد من ذلك وهو إمكان كشف الجزائري أن حكامه كانوا وراء الصراع بين التاريخيين بهدف إضعافهم في إطار تخطيط محكم للإستيلاء على السلطة بعد إسترجاع الإستقلال.

كما إن إقصاء النظام للتاريخيين كان وراء نشر فكرة أن الشعب هو البطل الوحيد، وهي محاولة إقصاء هؤلاء التاريخيين حتى من تاريخ الشعب الجزائري.

الخاتمة

يتبين لنا مما سبق أن الثورة الجزائرية قد عرفت صراعات حادة مثل غيرها من الثورات والمجتمعات، لكن ما ميز الجزائري عن كل هؤلاء هو الخوف من الحديث عنها أو حتى الإشارة إليها في بعض الأحيان سواء كان مثقفا أو من العامة أو مشاركا في صنع أحداث الثورة، ومنها الصراعات الداخلية التي عرفتها، وقد فسرنا هذا الإبتعاد عن الخوض فيها بنوعين من العوامل، بعضها مرتبط بطبيعة ونفسية الإنسان الجزائري، أما البعض الآخر فيعود إلى طبيعة النظام الجزائري الذي ساد بعد إسترجاع الإستقلال، وقد لاحظنا أنه كلما أبتعد النظام عن طبيعته الأحادية كلما تشجع البعض للحديث عن هذه الصراعات، ونعتقد أنه يجب أن يفهم الجزائريون ومنهم المثقفين وعلى رأسهم المؤرخين أن الكتابة عن الصراعات التي عرفتها الثورة هي في الحقيقة ظاهرة صحية وليست مرضية، كما يريد أن يفهمنا إياها البعض الذين يخافون من التاريخ، لأن الكتابة عن الصراعات لا يسمح لنا فقط بفهم ميكانيزمات سير المجتمع الجزائري، بل هو أيضا شرط أساسي في نظرنا لبناء مجتمع ديمقراطي يرى أن التناقضات أمر طبيعي في أي مجتمع، وأن الديمقراطية هو الحل الأمثل لتسيير هذه التناقضات ولحل مشكلة السلطة كي لا تتحول مختلف التناقضات إلى صراعات دموية بدل أن تكون عاملا ديناميكيا وإيجابيا في عملية بناء الدولة الوطنية والمجتمع الجزائري.


الهوامش

1 – يمكن العودة إلى ذلك التآكل إلى ماأورده آيت أحمد حول تهديد عبان رمضان بإرسال قوة إلى تونس لمعاقبة كل من يرفض قرارات مؤِتمر الصومام

Hocine Ait Ahmed, Guerre et après guerre, ed Minuit Paris1964 p198

كما يمكن العودة إلى بعض المراسلات التي كانت تتم بين لجنة التنسيق و التنفيذ و الوفد الخارجي في القاهرة في:  Mabrouk Belhocine, courrier Alger-le Caire 1954-1956 et le congrès de la Soummame dans la révolution, Casbah éditions Alger2000pp197-217

2– رابح لونيسي، الجزائر في دوامة الصراع بين العسكريين و السياسيين، دار المعرفة الجزائر1999 ص ص 9-16

3– كانت قضية مقتل عميرة علاوة أحد الأسباب التي أدت إلى انعقاد اجتماع العقداء العشر الشهير الذي سنتطرق إليه فيما بعد، يمكن العودة حول هذه القضية إلى:

فتحي الديب، عبد الناصر والثورة الجزائرية، دار المستقبل العربي، ط1، القاهرة 1984، ص.ص423-425 وكذلك

Mohammed Harbi, Le F.L.N.mirage et réalité-des origines à la prise du pouvoire 1945-1962, ed NAQD/ENAL Alger 1993 pp239-240

4 –يمكن العودة في قضية لعموري إلى:Ibid pp220-223 وكذلك دراسة محمد حربي بعنوان "Le complot Lamouri" في:

La guerre d’Algérie et les Algeriens1954-1962, sous la direction de Charles Robert Ageron, ed Armand Colin Paris1997pp151-179

5- Gilbert Meynier, Histoire intérieure du F.L.N (1954-1962), Casbah éditions, Alger2003, pp 412-413

6 –يمكن العودة حول إجتماع العقداء العشر وإنعكاساته إلى:

Harbi, Le F.L.N.mirage et réalité ,Op-Cit pp241-252

وكذلك: مذكرات الرئيس علي كافي، من المناضل السياسي إلى القائد العسكري)1954-1962(، دار القصبة للنشر الجزائر1999 ص ص 250-257

7 –من الذين يفسرون هذه الصراعات بالقبلية والعروشية يمكن لنا أن نذكر كلا من :

Serge Bromberger, Les rebelles Algeriens, ed Plon Paris1958, pp31-67

وقد أستند في معلوماته وطروحاته على المخابرات الإستعمارية ولهذا فهي تحتاج إلى دراسة أكثر عمقا. كما يذهب نفس الطرح

Gilbert Meynier, Histoire intérieure du F.L.N, Op-Cit pp390-397

8 –Ibid pp406-407

9 –Mohammed Benyahia, La conjuration au pouvoire- récit d’un maquisard de l’A.L.N.,ed

de l’Arcantère Paris 1988 pp60-98

10 –Harbi, Le F.L.N. mirage et réalité Op-Cit p143

11 –أنظر مقدمة Ibid pp1-8 وكذلك

Mohammed Harbi, questions de méthode à propos de le F.L.N mirage et réalité, Revue NAQD n°2 Fevrier-Mai1992 pp22-30

12–Mohamed Lebjaoui, vérité sur la révolution Algerienne, ed Gallimard Paris1970

13–Ferhat Abbas, Autopsie d une guerre, ed Garnier Paris1980

14–Mohand Aarav Bessaoud, Heureux les martyres qui n ont rien vu-la vérité sur la mort du colonel Amirouche et de Abbane Ramdane-, (sans maison et date d’édition)

15 –Ibid pp105-127

16 –عد مثلا إلى:

Claude Paillat - Dossier secret de l’Algerie-13Mai1958-28Avril1961, éd le livre

comptemporain Paris1961

Vingt ans qui déchirèrent la France,t2-la liquidation1954-1962, ed Laffont Paris1972

Bromberger, Op-Cit

17 – عد إلى الدراسة التي قام بها Gilbert Meynier حول مخطوط مذكرات لخضر بن طوبال بعنوان"ideologie et culture politique de la révolution Algérienne dans les mémoires inédit de Lakhdar Bentobbal " في

La guerre d’Algerie et les Algériens, Op-Citpp263-281

18 –Benyoucef Benkhedda, l’Algérie à l’indépendance-la crise de1962, éd Dahlab Alger1997

Ali Haroun, l’été de la discorde-l’Algerie1962-,Casbah éditions Alger20 لخضر بورقعة، شاهد على إغتيال الثورة، تحرير الصادق بخوش، دار الحكمة للطباعة والنشر ط1 الجزائر1990 صص 82-110

19- Meynier, Op-Cit pp383-467

20 –Ibid p26

 

Appels à contribution

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran
+ 213 41 62 06 95
+ 213 41 62 07 03
+ 213 41 62 07 05
+ 213 41 62 07 11
+ 213 41 62 06 98
+ 213 41 62 07 04

Recherche