Sélectionnez votre langue

الطلب على "الحمّام" في مصر المعاصرة

 إنسانيات عدد 63-64 | 2014 |  الحمّام في البلدان المتوسطية | ص39-66 | النص الكامل  


Social request of "hammam" in contemporary Egypt

Abstract: The social devaluation of the rapport to the hammam in Egypt is at the main reflection of this article. Based on a field survey, the author analyzes the process of formation of stereotypes stigmatizing forms of recourse to this institution. Typologies preventing social reasons for attendance and boycott are the main ideas which tackle the body relationships in terms of cleanliness and hygiene. The comparison, as a methodological approach between the hammams of the Mashreq and those of the Maghreb is still important in the study of these deep-rooted structures in the daily life of the individuals’.

Keywords: Hammam - social values - stereotypes - negative position - heritage - Egypt.


Dina KAMEL ELDINE SHEHAYEB: Housing & Building National Research Center, Cairo, Egypt.


 مقدمة

الحمّام التقليدي نشاط مركزي و مبنى حيوي و هام بالنسبة لكل من النسيج الاجتماعي والنسيج العمراني في المناطق التقليدية، كما أنه إثراء للتراث الثقافي و المادي في الوقت ذاته. و لكن بعد أن كان لا غنى عنه في زمن ليس ببعيد، أمسى اليوم معرّضا للانقراض و الاختفاء. فنجد اليوم أن عدد الحمّامات التي مازالت تمارس نشاطها بالقاهرة قد تقلص إلى أربعة فقط، و هذا بعد أن كانت الفسطاط تحتوي على ألف وخمسمائة حمّام خلال القرن العاشر1، ثم وصل عددهم إلى سبعة وسبعين حمّاما على مدار القرن الثامن عشر حيث بدأت الحمّامات تفقد قيمتها و السبب المباشر يعود إلى توفّر الماء بالمنازل من خلال شبكات المرافق الحديثة. و قد أثر الانخفاض المستمر للعوائد المالية لنشاط الحمّام المتوازي مع الارتفاع في تكاليف الصيانة و تشغيل اليد العاملة في تدهور اضافة الى الجوانب الصحية و ظروف المبنى نفسه، مما أدى إلى غلق الكثير من الحمّامات. و زد على ذلك القوانين الجديدة الخاصة بالوقود و ترميم المباني الأثرية التي صعّبت من إمكانيات صيانة الحمّامات، كما أنها قلصت من دورها الفعال بالمجتمع. لا يمكن إنكار حقيقة أن هذه الفضاءات تواجه تحديات معاصرة تهدد استدامتها بوصفها نمطا اجتماعيا و عمرانيا تقليديا في المجتمعات الإسلامية. فقيمة هذه المؤسسة الاجتماعية العامة التي تتأرجح بين كونها خدمة عامة و كونها مؤسسة تجارية هي قيمة متعددة الأبعاد يرجع تفسيرها إلى مجموعة عوامل تنتمي إلى تخصصات مختلفة.

أحد السبل لتفقّد هذا الحشد الوفير من العوامل كان دراسة أحد المعايير الأساسية المتحكمة في استدامة الحمّام و هي: العملاء أو المترددون من هم هؤلاء العملاء؟ و ما أسباب ترددهم على الحمّام؟ لماذا لا يذهب البعض الآخر إلى الحمّام؟ كل هذه أسئلة تهدف إلى كشف النقاب عن رؤى المجتمع المعاصر لقيمته لدى الناس عامة، كما أنها تتيح الفرصة للتعرف على العوامل المهددة للحمّامات و المؤدية إلى انخفاض الإقبال على النشاط من قبل المترددين في بعض النطاقات و استقراء الخيارات المستقبلية من أجل تحسين الأوضاع بالنسبة للعوامل العديدة المؤثرة.

ترتكز هذه الورقة البحثية على مخرجات مشروع بحثي دولي متعدد التخصصات[2]، و قد اختص المشروع بدراسات حالة لحمّام واحد في كل دولة من بين ست دول تنتمي إلى حوض البحر الأبيض المتوسط و مواقعها كالآتي: أنقرة بتركيا؛ فاس بالمغرب؛ دمشق بسوريا؛ قسنطينة بالجزائر؛ غزة بفلسطين؛ و القاهرة بمصر، و قد اتضح أن انخفاض الإقبال على استعمال الحمّام هو حالة عامة منتشرة في أغلب البلدان فيما عدا المغرب، بينما تُعدّ مصر و سوريا الأكثر تهديدا بهذا الشأن. و عليه فإن هذه الورقة البحثية تستهدف دراسة موضوع الطلب أو الإقبال على الحمّام في القاهرة بمصر، مع إجراء بعض المقارنات مع البلدان الأخرى للتوضيح، و ذلك بهدف الكشف عن الأسباب التي كانت وراء تدني الإقبال على الحمّام، بغرض توجيه التدخل لتحسين الأوضاع المستقبلية للحمّام في مصر.

 منهجية البحث

قرر الفريق البحثي بالقاهرة دراسة حالتين هما: حمّام الطمبلي وحمّام باب البحر[3].

تضمنت مناهج البحث المستخدمة منهج المشاهدة بالمشاركة و المقابلات و تطبيق استبيان و محادثات غير مهيكلة أثناء المشاهدة[4]. كشفت مشاهدة السلوك الجزيئي لمستخدمي الحمّام والعاملين به من خلال الخرائط السلوكية behavioural maps عن الإمكانات الكامنة بالأجزاء المختلفة من الحمّام سواء بما يساند أو بما يمنع بعض الأنشطة، مثل: التحدث، الاسترخاء، و صور أخرى من التفاعل الاجتماعي، و من مخرجات المشاهدة بالمشاركة أيضا رصد الأعراف الحاكمة للسلوك داخل الحمّام و تقييم درجة الاختلاف و التجانس فيما بين الزبائن، كما أنها تعطي مؤشرات عن المخاطر الصحية المرتبطة بعملية استخدام الحمّام. و تكشف المحادثات غير المنظمة مع العاملين بالحمّام عن قيمة الحمّام لمستخدميه ما بين "الضرورة" و"الرفاهية." أما مقابلات المجموعة البؤرية focus group interviews فقد دارت حول استعمال/عدم استعمال الحمّام و الأسباب الكامنة خلف كل منهما، كما أنها تتعرض للبدائل المستقبلية التي قد تزيد من نسبة المترددين عليه. تلقي نتائج هذه المقابلات الضوء على القيم المدركة للحمّام و الطلب المستقبلي المتصور و من ثم يتم دراستها بتعمق أكبر من خلال استبيان مع غير المترددين على الحمّام. تم تطبيق الاستبيان على عينة عشوائية من 50 فرد (80 ٪ سيدات – 20 ٪ رجال، يتراوح عمر 75 ٪ من العينة بين 20-40 عام، وتتكون 28 ٪ من العينة من سكان حي باب الشعرية)، و قد غطى الاستبيان درجة المعرفة بالحمّام وقيمته المدركة وكيف يعرف الناس بوجوده والأسباب التي تشجع البعض التردد عليه، وماذا يحول دون ذهاب الآخرين، هذا بالإضافة إلى التعرف على الظروف التي يمكن تغييرها لإقناع غير المترددين للإقدام على استخدام الحمّام. كل هذه أسئلة تهدف إلى الكشف عن العوامل الرئيسية خلف الوضع الراهن للحمّام.

            شكل 1:مقابلات المجموعة البؤرية، القاهرة، مصر.

 نتائج البحث

تمّت مناقشة مسألة الطلب على الحمّامات التقليدية بالقاهرة بناء على النتائج الإمبريقية للدراسة، وذلك في شقين أساسيين: يتناول الشق الأول قيمة الحمّام كما هي مدركة عند الزبائن المترددين عليه حاليا، أما الشق الثاني فيتناول العوامل التي بدورها تحول دون استمرار تدني نسبة الإقبال على الحمّام، علما بأنه قد تم التوصل إلى هذه العوامل عن طريق التحقيق في الأسباب التي تمنع الناس من الذهاب إلى الحمّام و الشروط التي، إن توفرت، سَتُشجِع غير المترددين الحاليين على إعادة النظر في العلاقة معه.

القيمة المدركة للحمّام

يعرض هذا الجزء ملخصًا للقيم الأكثر شيوعا طبقا لما يدركه المستخدمون الحاليون للحمّام والأسباب الأساسية التي تدفع المستخدمين إلى الذهاب إلى الحمّام سواء كانوا من المواظبين أم لا.

تم اقتران قيمة الحمّام عبر التاريخ بالفوائد الصحية التي تعود على مستخدميه. و مع توفر المياه الجارية بالمنازل و انتشار دورات المياه الخاصة كان من المتوقع أن تخسر الحمّامات التقليدية قيمتها إلى الأبد وجدنا بالقاهرة أن المعرفة عن الحمّام بنشاطه الأساسي لازالت موجوده (52٪ من العينة) بينما القليل (8٪ من العينة) كانوا على دراية، بفوائده العديدة بالإضافة إلى نشاطه الأساسي (انظر الشكل 2). يوضح الشكل (3) أن ارتباط الحمّام بالتجميل والاستعدادات للزواج (40٪ من العينة) راسخ في أذهان الناس أكثر من ارتباطه بالصحة، مما يشير إلى ضعف ذاكرة المجتمع بالنسبة لفوائد الحمّام العديدة (5٪ من العينة). توضح النتائج أنه حتى في أسوأ حالات انخفاض الاستعمال الحالي، فإنه لا يزال يوجد تقدير عالي للفوائد الناجمة عن استخدام الحمّام التقليدي و ذلك في أوساط المستخدمين الحاليين. ينقسم الإدراك لقيم الحمّام إلى ثلاثة محاور: القيمة الصحية والقيمة الاجتماعية والقيمة الثقافية.

الصحة و الجمال

تحتل القيمة الصحية أعلى المراتب بين الفوائد العديدة للنشاط الأساسي للحمّام و ذلك من منظور المترددين عليه. فإنه من المعروف أن دور هذه الممارسات، مفيد صحيا حيث يتعرض الجسم للحرارة لحد التعرق ثم حك البشرة و تنظيفها ثم الاسترخاء في تفادي الأمراض واسترداد و تنمية و نضارة البشرة  و التخلص من الوزن الزائد و تنشيط حيوية الجسم بشكل عام. يدرك المترددون أن التجميل مرتبط ارتباطا وثيقا بالصحة، كما أن التجميل بحد ذاته مازال سببًا وجيهًا وقويًا لاستعمال الحمّام خاصة لدى السيدات، فالمترددات منهن تقدرن الآثار التجميلية له مما يجعله يستخدم بكثرة ضمن الاستعدادات للزواج. و قد تم ملاحظة إقبال المتزوجات على استعمال الحمّام أكثر من غير المتزوجات لنفس الأسباب السابق ذكرها، أضف إلى ذلك دواعي التعافي ما بعد الولادة و ما بعد العمليات الجراحية. و كذلك الشابات اليافعات المتعلمات اللاتي يقدّرن مواطن تحسين الصحة للحمّام و خاصة من حيث التخلص من الوزن الزائد نرى أيضا أن المترددين من الرجال على وعي تام بالفوائد الصحية للحمّام خاصة بين الأجيال الأكبر سنا، فالبعض من المحافظات تقبل إلى القاهرة خصيصا لاستخدام الحمّام و التنعم بالراحة و النشاط الناتجين عنه. و بالرغم من دراية الأجيال المتقدمة في السن بالفوائد الصحية والجمالية للحمّام فإن هذه المعرفة لم يتم توريثها للأجيال الأصغر سنا، فيما عدا بعض الفئات التي لاتزال تتبع أساليب حياة تقليدية. و بالرغم من أن الحمّام يشهد انخفاضا ملحوظا في التردد عليه، فإن الكثيرات يثنين على القيمة التجميلية له، و لكن قلما يتذكر غير المترددين على الحمّام القيمة الصحية لاستعماله.

يقع الإدراك الأقصى لفوائد و قيمة الحمّام بالمغرب العربي حيث يعد استعمال الحمّام الطريقة الوحيدة الفعالة لنظافة الفرد؛ فهو وسيلة أساسية للتخلص من وطأة الضغوط الحياتية اليومية، كما أنه يساعد على تخلص الجسم من السموم، و يعد أحد الأنشطة الحياتية الأسبوعية للحفاظ على سلامة العقل و الجسم. و قد تبيّن من خلال التحري عبر المستويات الاقتصادية و الاجتماعية و اختلاف النوع، أن استعمال الحمّام هو جزء لا يتجزأ من الحياة المغاربية. فالحمّام نشاط مرتبط بالعائلة و بالسكن و لا غنى عنه، غير أنه يتم خارج نطاق حدود المنزل الخاص.

القيمة الاجتماعية و الترفيهية

في مجال علم الاجتماع، تم اثبات أن الحمّام ليس مجرد مجال له ملامحه المعمارية، بل إنه عالم خاص من حيث الحياة الاجتماعية بكل ما فيها من توجهات و قيم و ضوابط اجتماعية تنتمي لمؤسسة "الحمّام" بالذات. فبالإضافة إلى الخدمات التقليدية التي يقدمها هذا الأخير فإنه كذلك نقطة التقاء في المجتمع، حيث يتم تجاذب أطراف الحديث و تبادل المعرفة. إذا اتسع النظر ضمن المجاورة الأوسع سنجد أن الحمّام هو بؤرة لتداول الأفكار و السلع؛ مجال عام ذو أهمية عالية5. يكمن جزء من قيمته الاجتماعية بوصفه ملتقى ضمن أنساق الأنشطة الخاصة به، فالواقع أن وظائفه الأساسية تقع كلها في مجال تجميعي واحد، حيث يتشارك الأغراب العناصر نفسها وأنه يتضمن الاستغناء عن الملابس التي تعد وسيلة جوهرية لإرساء الحواجز بين الناس. يوضع الحمّام في مقام خاص ضمن المجالات العامة، هذا بالتضاد مع البدائل الحديثة (السونه ووحدات البخار الملحقة بالجمنازيوم أو الكوافير) حيث تتسم التجربة بالوحدة والجفاء والوظائفية البحتة. فاللارسمية التي يتسم بها نشاط الحمّام تعمل على كسر الحواجز الاجتماعية و تشجع على التفاعل الاجتماعي بين المستخدمين، الرجال منهم و السيدات، و لكن بصورة أكبر عند النساء حيث تفرض عليهن العديد من الحواجز الاجتماعية خاصة في المجتمعات الإسلامية.

أحد المظاهر الاجتماعية الأخرى المصاحبة لنشاط الحمّام هو ارتباطه بالاحتفاليات كميلاد الطفل والزواج، حتى لدى الفئات الاجتماعية و الثقافية الأخرى حيث يعد الذهاب إليه ذكرى، بحيث يوجد دائما حنين للتجهيزات العرسية التي كانت تتضمن الاستعدادات الخاصة داخل الحمّام وموكب العروسين من و إلى الحمّام، فزيارته من طرف العروس استعدادا للزفاف مازالت السبب الرئيسي الذي يدفع الكثير إلى استعمال هذه الخدمة للمرة الأولى، سواء كانت العروس نفسها أو أحد أفراد عائلتها، أو الأصدقاء أو الجيران. يشير الشكل (4) إلى الأسباب التي قد تدفع البعض لبدء استخدام الحمّام. نجد أن القيمة الترفيهية للحمّام هي القيمة المدركة على أكثر عدد بين غير المترددين على الحمّام بينما يوجد هناك معرفة ضئيلة بالقيمة الصحية للحمّام وعلاقته بالتجميل.

شكل 4: الدافع لاستخدام الحمّام للمرة الأولي، القاهرة، مصر.

 

 و بالرغم من إدراك القيم الاجتماعية للحمّام6، فإنه يتم ممارسة هذه القيم بصور تختلف باختلاف الثقافة. ففي المغرب العربي، من المعروف أن الحمّام يساعد على إنشاء الصداقات في نطاق الحي الواحد، بينما يعتبر بالقاهرة ودمشق مكانًا للترويح عن النفس بين الحين والآخر، و مكانا تقصده مجموعة من الأصدقاء أو عائلة لقضاء وقت ممتع و بمثابة فضاء للنزهة7. أما في أنقره، فتوصل الحمّام إلى إحداث التوازن بين قيمتي الضرورة والترفيه، حيث أن الخدمات التكميلية به كنزع شعر الجسم (قيمة ضرورية) هي خدمات على المستوى نفسه من الأهمية و تحمل هذه الخدمات التكميلية فرصًا كبيرة للتفاعل الاجتماعي بين الزبائن و العاملين[5].

يعتمد البعد الترفيهي للحمّام بصورة أكبر على التجانس الثقافي بين المستخدمين، فيكثر بحمّام باب البحر مهنيين في سن الشباب (ذكور وإناث)، الذين يأتون عادة في مجموعات سواء من داخل أو خارج الحي، أما بحمّام الطمبلي بالقاهرة و على الرغم من أنه لم يكن يعمل أثناء إقامة هذه الدراسة، فقد أكدت التحريات مع زبائنه القدامى و العاملين به وجيرانه في محيط الحمّام، أنه كان يستقبل و يستقطب فئات تتفاوت من حيث مستوى الدخل و الخلفية الاجتماعية، من داخل أو من خارج الحي الذي يقع به، بما فيهم رجال أعمال أغنياء و زوجاتهم من جوار الحمّام، و سيدات من أحياء أخرى يأتين في سيارات فارهة بواسطة السائق الخاص، و زبائن من طبقات متوسطة آتية من مناطق شعبية، حتى و إن كانت بعيدة عن منطقة الحمّام. و قد كانت تتردد على حمّام الطمبلي نخبة متنوعة من الزبائن تشمل الكثير من سكان الحي المحيط به و السياح و الأجانب خلال فترة زيارتهم للقاهرة التاريخية، و المرضى الذين وصف لهم الطبيب استخدام الحمّام من أحياء راقية و من محافظات أخرى، فسجّل زبائن حمّام الطمبلي يستعرض خليطا من المستويات الاقتصادية و المستويات التعليمية و الوظيفية، فكل هؤلاء يتشاركون في تقبلهم لمستوى معين من النظافة و الخصوصية التي يتيحها الحمّام التقليدي؛ فهم متجانسون فيما بينهم في اعتناقهم أساليب حياة لها جذور تقليدية.

القيمة الثقافية

يوجد بين المترددين على الحمّام في مصر وعي بقيمته الثقافية بوصفه تراثا، و يبدو أنه يمثل مرتكزًا للهوية عند بعض الزبائن، فهو يعمل بمثابة مذكّر خاص لما كانوا عليه بالفعل قبل أن تحيد بهم التغيّرات الطارئة على الأوضاع الاجتماعية و الاقتصادية إلى أساليب حياة و دوائر اجتماعية حديثة. فالكثير من الزبائن يعتبرون أن الحمّام موطنهم الأصلي حيث يجتمع الأعزاء المشتتون ليتذكروا و يستعيدوا ما كانت عليه الأوقات "السعيدة" في الماضي. جاء على لسان إحدى زبائن الطمبلي و التي كانت مواظبة عليه لمدة خمسة عشر عاما: "بدأت أتردد على حمّام باب البحر بعد أن تولي إدارته "ياسر" قبل عامين لأنه كان في حالة سيئة جدا قبل ذلك... الطمبلي كان يمثل شيئا آخر... فالطمبلي كان مثل "بيت العائلة" لي... لقد بكيت يوم علمت بخبر غلقه... و لقد عرضت توكيل محامي على نفقتي الخاصة، و لكنهم قالوا أنه لا يوجد ما يمكن عمله بهذا الشأن... فأنا على أتم الاستعداد للقيام بأي شئ لأساعد في إعادة فتح الطمبلي، بارك الله فيكم لهذا البحث الذي تقومون به"[6]. من المثير للدهشة، أن السيدات أكثر من الرجال، يقدرن الخصائص و المميزات المادية للحمّام التقليدي و عبقه التاريخي. فهن لا يردن أن يشهد المبني التاريخي تغيرات جذرية؛ "فقط بعض الإصلاحات وإدارة للشؤون المنزلية وتحسينات في مستوى النظافة". جاء هذا على لسان إحدى الزبائن وهي حاملة لدرجة الماجستير من خارج المنطقة: "الحمّام يتمتع بالبعد الثقافي للنشاط والمكان الذي يربط المصريين المعاصرين بتاريخهم وجذورهم التقليدية": تفضل السيدات زيارة الحمّامات الواقعة في مناطق تاريخية عن الوسائل الأكثر حداثة في الأحياء الجديدة، بينما يبدو أن الرجال يعيرون اهتماما أقل للنمط التقليدي ويتحمسون أكثر للتغيير؛ شكل حديث ووسائل حديثة كالدش وصالة الجمنازيوم وحمّامات السباحة...إلخ[7]. ولكن على الرغم من ذلك لايزال الحمّام أحد الأنماط النادرة جدا التي لم تفقد مكوناتها، فعلى سبيل المثال مبني "السبيل" يعد نمطًا تراثيًا حيًا عانى من عدم استدامة المكون المادي للنمط برغم استمرار النشاط التقليدي[8]، بينما هذا لم يحدث مع الحمّام...بعد!

يكاد لا يكون هناك أساس من الوجود للتضامن التاريخي بين الحمّام مع الدين في القاهرة، فعلاقة الحمّام بالطهارة لازالت غالبة فقط بالبلدان المغاربية، خاصة بين الرجال الذين عادة ما يستخدمون الحمّام صباح يوم الجمعة استعدادا لصلاة الجمعة.

و مع تناسي الحمّامات بين المصريين المعاصرين، فإن الذين مازالوا يترددون عليه، ولو بصفة غير منتظمة، يدركون فوائده العديدة و يعبّرون عن تقديرهم له بعاطفة قوية. إن المعوقات المالية و الحالة الرديئة التي يعاني منها الحمّام التقليدي تعد من البواعث الجوهرية على إحجام هؤلاء المقدرين لقيمته عن التردد عليه بالقدر الذي يودونه.

العوامل التي ستزيد من الطلب/الإقبال على الحمّام

يختص هذا الجزء بتفقد غير المستخدمين للحمّام التقليدي، فيوضح الأسباب التي تمنع الناس من استعماله و الظروف التي إن تحوّلت تشجعهم على استعماله، و بالتالي تعكس هذه النتائج التحديات التي تواجهها هذه المؤسسة، كما تشير إلى الأوضاع المطلوبة لنمو الطلب على الحمّام التقليدي مستقبليا.

إن المخاطر الصحية و الأخلاقيات والجهل بفوائد الحمّام، هي ثلاثة تحديات رئيسية تواجه مستقبل و استدامة الحمّام في بلدان مثل مصر و سوريا، حيث تم انخفاض التردد عليها انخفاضا واضحا خلال الخمسين عاما الماضية. في مصر، أدت نتائج استبيان عينة مكونة من خمسين شخصا من غير المترددين على الحمّام (من داخل وخارج المنطقة) إلى الكشف عن الأسباب الرئيسية خلف عدم استعماله، حيث تعلقت الأسباب الأخلاقية في المقام الأول بتحقيق الخصوصية و الحفاظ على السمعة و الالتزام الديني، و حيث يقع صلب التعقيد في الكشف عن الجسد عاريا أمام الآخرين. يتبع ذلك أسباب أخرى، أكثر عملية مثل عدم وجود الوقت الكافي، وتعذر الدخل، و مخافة ألا يكون على مستوى النظافة المطلوب[9] فيما يخص إدراك فوائد الحمّام، فإن غير الراغبين في استعماله على علم تام بدوره من حيث التجميل ولكنهم يعتقدون أن نشاطه الأساسي ألا و هو الاستحمام غير ضروري نظرا لتوفر هذه الإمكانية بالمنازل الخاصة. عدد قليل جدا من غير المترددين على دراية بالفارق بين الاستحمام بالمنزل والاستحمام بالحمّام التقليدي، أو بمعنى آخر فهم يجهلون الفوائد الصحية للحمّام التقليدي. كان لهذه النتائج صداها خلال المناقشات الجماعية التي أقيمت بالقاهرة و دمشق[10]. و من بين الاعتبارات التي لها مدلولية عالية و التي عبر عنها الرجال على الأخص، تعلقت بالصورة السلبية للحمّام التي ترتبط باحتمالية تعرض مستخدم الحمّام للمضايقات بمختلف أنواعها مثل التحرش الجنسي وغيره. الخوف من إمكانية حدوث التحرش الجنسي أكثر بكثير من نسبة حدوثه بالفعل وهذا لم يتم ذكره بالدراسة سواء على لسان مستخدمي حمّام باب البحر أو حمّام الطمبلي. فالنوع الأكثر شيوعا من المضايقات التي يتعرض لها الرجال تكون بواسطة رجال الشرطة الذين دائما ما يعطوا لأنفسهم الأحقية لدخول المجالات الوظائفية بالحمّام و يطالبون بالتعرف على هوية المستخدمين بصورة فجائية (ترى الشرطة أن الحمّام فرصة لتفقد المشتبه بهم). و عندما سألنا المستخدمين من الرجال عن الشروط الواجب توافرها حتى يغيروا من موقفهم العدائي للحمّام، ما كان منهم غير إعادة صياغة الأسباب السابق ذكرها عن عدم الذهاب و استعمال الحمّام و يتلخص ذلك فيما يلي: إذا كان نظيف وآمن في المقام الأول، إذا توفرت الخصوصية، وإذا تحسنت صورة الحمّام في المجتمع ككل. و مع ذلك، بقيت مجموعة من الأفراد عند رفضها القاطع لاستخدام الحمّام بغض النظر عن مميزاته أو عيوبه (18٪).

شكل 5: أسباب عدم استخدام الحمّام، القاهرة، مصر.

 

 شكل 6: الشروط الواجب تحققها لتغيير رأي غير المترددين على الحمّام، القاهرة، مصر.

تقع معظم الحمّامات التقليدية في مناطق شعبية؛ أحياء سكانها من ذوي دخول متوسطة أو متواضعة، وقد أثارت هذه الحقيقة بعض الشكوك بين المنتمين لأحياء أخرى من حيث التوافق الاجتماعي و الثقافي مع أعضاء المجتمع المحلي في جوار الحمّام؛ فالخوف من التصرفات غير اللائقة من "الآخرين" تم ذكرها على لسان أكثر من سيدة من بين العازفات عنه و اللاتي يشعرن بعدم ارتياح لفكرة وجود السيدات المشاكسات صاحبات الصوت العالي "البلدي" خوفا من افتعال العراك وتبادل لغة دون المستوى أثناء الاستعمال. شعور مماثل عايشته السيدات بحمّامات سوريا حين شاهدن عدم توافق ثقافي مع المستخدمات العراقيات (اجتياح عراقي لحمّامات دمشق من قبل المهاجرين من العراق نتيجة الظروف السياسية بالبلاد).

الجزء التالي هو ملخص للمجالات التي يمكن التحسين و التطوير بها، لتعزيز الطلب على الحمّام التقليدي بمصر وضمان استدامة استخدامه باعتباره نشاطا خدميا و ترفيهيا عاما.

خفض المخاطر الصحية

تعد الصحة و ما قد يؤثر عليها من الأمور الشائكة جدا بالنسبة للحمّامات التقليدية خاصة في ذهن غير المستخدمين، أما فيما بين المواظبين على استعمال الحمّام، فإن إدراك مخاطره الصحية يتناسب مع درجة الوعي الصحي ومستوى النظافة المقبول لديهم، حيث تتم موازنة أهمية هذين البعدين بالتقدير العالي لدى هؤلاء للقيم المستفادة من استعماله، كما تم عرضها سابقا. فعلى سبيل المثال، في القاهرة، عبّر أغلب المستخدمين للحمّام لأول مرة عن رغبتهم لمستوى نظافة أعلى فيه، وهذا يرجع إلى حذرهم من المخاطر الصحية التي قد يتم التعرض إليها، و لكن لم يكن هذا الحذر بالقدر الكافي لردعهم عن إعادة التجربة والعودة لاستخدامه مرة أخرى. فإدراك المستخدمين لتميز و تفوق الحمّام التقليدي على البدائل الحديثة كالسونه و الجاكوزي المنتشرين حاليا في جميع الأحياء حتى في المناطق العشوائية قد يكون سببا في هذه المواقف.

و في محاولة لسرد العوامل التي تهدد الصحة بالحمّامات التقليدية نجد أن المغطس – و هو السبيل الوحيد لتسخين الجسم وإسالة العرق بالحمّام المصري – يحتل مرتبة متقدمة ضمن مصادر المخاطرة بالصحة وذلك لغياب مستويات المياه النقية و سوء التنظيف و ضعف الجهات الرقابية بهذا الشأن[11]. و في محاولة لمقارنة خطوات عملية لاستعماله أو "نسق الاستعمال" في كل البلدان محل الدراسة، نجد أن الحمّام المصري هو الأكثر أمانا من الناحية الصحية خاصة في مرحلة تكييس الجسم للتخلص من الجلد الميت، و هذا بسبب و جود نافورة من الماء الساخن في منتصف مسطبة التكييس المرتفعة عن مستوى الأرض، حيث تغسل الطاولة و الكيس المستخدم في التكييس بين الزبون و الآخر بهذا الماء الساخن. و بناء عليه، يرى الخبراء أنه إذا تم إلغاء خطوة غمر الجسم في مياه المغطس سيحتل النسق المصري أعلى المراتب من حيث الأمان الصحي[12]. و بينما يعتقد بعض الزبائن أن غمر الجسم في الماء الساخن بالمغطس ينقل العدوى و الأمراض بين المستخدمين، و أن القيمة تكمن في بخار الماء الناتج عن الماء الساخن وليس الماء نفسه، نجد أن هناك الكثير ممن يعتقد أن الفائدة القصوى و النفع الصحي لا يكون إلا بغمر الجسم بالكامل داخل المغطس و الذي أثبت صحته في حالات الآلام الروماتيزمية بترشيح من أخصائيي التأهيل. أما من ناحية الأفضلية بين الرجال والنساء، وجد أن الحرص على الغمر داخل المغطس سائد بين الرجال أكثر من السيدات، لذلك نخوض حاليا في مصر تجربة التوجيه بعدم الغمر في حمّام باب البحر لتقييم استجابة المترددين على الحمّام.

و بالإضافة إلى ما سبقة، يمثل خطر الانزلاق و السقوط بعدا آخرا للمخاطر التي قد يتعرض لها مستخدموه، ويزيد من حدتها دوام الماء على أرضية الحمّام و هي من سماته الأساسية، و يرى العاملون بالحمّام أنه يمكن الحد من هذا الشأن بمراعاة الصرف الجيد بالأرضيات، و إتباع اللوائح الخاصة بالتخلص من آثار الصابون والشامبو و ما إلى ذلك من منتجات، و التأكيد على ارتداء القباقيب الخشبية المخصصة لذلك.

إن مستوى نظافة إدارة الحمّام والعاملين به و وعيهم بالمخاطر التي قد تهدد الصحة هما المفتاح الذي، إن توفر، سيضمن العمل على إتباع القواعد السليمة لاستعمال الحمّام و بالتالي الحد من المجازفة الصحية. إن تطبيق المعدلات و المعايير العالمية لنقاء المياه الموثوق بها وإعلانها بالتأكيد سيعمل على تشجيع غير الراغبين في استعماله، كما أن تبني أساليب التشغيل والنظافة الدورية و الصيانة التي تدعم مستويات النظافة المقبولة و المدركة سيزيد من طمأنينة المستخدمين الجدد ويحسّن صورته في نظرهم، وبهذا يمكن البدء في التأثير الإيجابي لجذب الزبائن الجدد بتوصية المستخدمين الأكثر قدما.

الخبرة المعتمدة

زيادة الوعي العلمي و الاسترشاد بالمقاييس العالمية لإثبات الخبرة تفسر اهتمام المستخدمين بتوفر عمالة مدربة وذات خبرة معتمدة بدلا من كونها تقليدية ووارثة للمهنة. فقد عبّر غير المترددين على الحمّام عن شكوكهم بخصوص القاعدة المعرفية و مستوى النظافة لدى العمالة الحالية. فالحفاظ على المعرفة التقليدية يعدّ عملا قيما و يقتضي الإبقاء على "المكيساتية" التقليديين الرجال منهم و السيدات ولكن الوسيلة التقليدية لتمرير المعرفة عبر الأجيال في طريقها للانقراض. يقول مكيساتي: "نبدأ مع العمّال الصغار بإسناد أعمال النظافة لهم و بعض المساعدات هنا و هناك هذا بالتوازي مع تعليمهم الصنعة، أما في هذه الأيام فالعاملون بالحمّام يتوسطون لأقاربهم ليعملوا دون خوض مدة التدريب التقليدية"[13].

يجهل الزبائن الذين ليس لديهم روابط تاريخية باستخدام الحمّام جودة الخدمة الواجب توافرها، فبخلاف الأوقات الماضية عندما كان الجميع يستخدم الحمّام كانت الثقة بالعمالة ترسخ بالخبرة و السمعة، أما في مجتمعاتنا المعاصرة لم يعد هناك وجود لهذه المعرفة حيث فقد الناس الذاكرة المجتمعية للحمّام. نلاحظ تلك الظاهرة بوضوح في مصر و سوريا، على عكس الوضع بفاس، حيث تتبع الحمّامات حديثة البناء، الأسس نفسها في الإنشاء و التشغيل مثل سليفتها من الحمّامات التقليدية. لا يقلق أصحاب المستوى المتدني من الوعي الصحي كثيرا بهذا الشأن، أما من يملكون هذا الوعي فإنهم يقترحون تكميل المعرفة التقليدية بمهارات أكثر علمية و طبية و خدمات مثل طب التخسيس، التدليك (مساج)، و العلاج الطبيعي، و من ثم يجب تعزيز موثوقية العمالة المتخصصة التقليدية في الحمّام بالتدريب في مجالات الصحة والمهارات التكميلية على أساس علمي يساعد على الدفع بعجلة تطوير دوره كـ"منتدي لتحسين الصحة"[14]. إحراز الأفضل من كلا المنهجين ضروري حتى لا نفقد المعرفة التقليدية الموروثة، بل و بالتعضيد و التكميل بالمزيد من المعرفة العلمية و المتعلقة بتطبيقات تحسين و رفع مستوى الصحة و الجمال[15].

تحسين السمعة

و من الخصائص الموروثة مع وظيفة الحمّام إلى جانب قيمته حساسية موقفه، فلطالما عانت صورته على مرّ التاريخ في ظل التصرفات غير المشروعة. فهذه الصورة هي نتاج العديد من العوامل، بدءا من الإعلام الذي يحظى بأهمية كبيرة في تشكيل الرأي العام، تليه المؤسسات التي تلعب الدور الرقابي في منظومة تشغيل الحمّام خاصة القطاعات الدينية و الصحية، وحتى الشرطة في بعض الأحيان. فالصورة السلبية للحمّام تصل إلى حد التطرف كما هو الحال بالقاهرة الذي يرجع في الغالب لتاريخه خلال القرن الماضي[16] فارتباطه بالممارسات الجنسية وصمة كبيرة في صورته.

عانت الحمّامات أيضا من الصورة المرسومه بواسطة المستشرقين من أوروبا خلال القرن التاسع عشر التي أضفت عليها صبغة المتعة التي وصلت في خيال بعض الأدباء و الفنانين إلى درجة الإباحية[17] فصورته المشبوهة، ليس فقط تحبط الزبائن الممكنين من التردد والمواظبة عليه، لكنها أيضا تحبط من عزم الإدارة من الاستثمار في أي من مجالات التسويق له. فلا يجرؤ مدراء الحمّامات بالقاهرة على الإعلان عن حمّاماتهم من خلال وسائل الإعلام خوفا من اطلاق فيضان من الرأي العام السلبي معرضا القليل المتبقي من الحمّامات لخطر التدقيق و الغلق[18]. يبيّن الشكل (8) أن الإعلام لايزال أهم سبل المعرفة بالحمّام التقليدي، علما بأنه وسيلة غير مستغلة. أكدت الدراسات أن الكثيرين ممن يسكنون مناطق ليس بها حمّامات يعتقدون بأن الحمّام التقليدي التاريخي لم يعد له وجود، مما يؤكد الاحتياج الشديد لمزيد من الدعاية و الإعلان. فإحياء الاهتمام بمنافع الحمّام التقليدي يمهد الطريق لتغيير الصورة السلبية و التسويق الناجح والسريع سوف يعالج الحساسيات المرتبطة به قبل البدء في حملة الإعلان.

فالإدارة هي مفتاح بلوغ السمعة الحسنة للحمّام و الإبقاء عليها، فسمعة حمّام الطمبلي لم يمسها أي سوء و الإدارة الحالية لحمّام باب البحر تتبع أسلوب صارم من حيث الممارسات التي قد تثير الشبهة حول سمعته، يقول أحد مدراء الحمّام: "في حالة مجئ زبون غير مرغوب فيه، نقوم بصرفه في الحال"، هذا إلى حد غلق مغطس ثانوي أصلي في حمّام باب البحر فقط لأنه غير مرئي من الفراغ المركزي لبيت الحرارة، حيث يعمل المكيساتيه عند سطح التكييس، بمعنى آخر لتجنب إمكانية وجود مجالات غير مرئية ومراقبة.

بعد آخر يؤثر في سمعة الحمّام واستمراريته ألا و هو توافقه مع الاستخدامات و الأنشطة المحيطة به مكانيا، فالسبب وراء إحجام الجيل الجديد من قاطني الحي حول الحمّام عن التردد عليه و استعماله يكمن جزئيا في المعرفة بين الجيران بأن فلان هو مستخدم للحمّام خاصة مع صورته المثيرة للجدل. و في القاهرة، يعاني حمّام باب البحر من محيط غير متوائم معه حيث تغلب تجارة الجملة التي يتوق أصحابها إلى استخدام موقع الحمّام لتخزين البضائع و مساندة تجارتهم. تقول مالكة لمحل في نطاق حمّام باب البحر: "كما ترى، الكثير من المحلات و الرجال بكل مكان، فكل السيدات المترددات على الحمّام يسمعن ألفاظا بذيئة، فأنا أشعر بالخجل من أجلهن". و لم يكن الحال هكذا في الأصل، بل كان يحيط بالحمّام في شارع باب البحر، المحال التجارية التي تخدم سكان المنطقة كالبقالة و الحلاق و المكتبة، و لكن بعد التحوّل الذي حدث في الثمانينيات في أنشطة هذه المحال ظهرت مشكلة عدم التواؤم هذه وزاد التهديد على استمرارية الحمّام.

 

شكل: 7 تحيط تجارة الجملة بحمام باب البحر من كل جانب مما لا يتناسب مع تردد السيدات على الحمّام، القاهرة، مصر

 

 يقدر المجتمع في بعض الثقافات، الحمّام حق قدره حيث من اليسير تسويقه كما هو الحال بالمغرب العربي، بينما يحتاج البعض الآخر لاستراتيجيات محكمة لتغيير المعرفة المترسخة في أذهان الناس ببطء عبر الزمن. وفي محاولة لإيجاد مدخل لإحياء قيمته لدى الرأي العام وجد إنه أكثر تقبلا على أن يتم العمل على التركيز على النفع الصحي للحمّام التقليدي و الارتقاء بعلاقته بالصحة العامة وبالجمال فضلا عن قيمته الاجتماعية والترفيهية. و ذلك لأن القيمة الاجتماعية تعتمد أكثر على المقاييس الأخلاقية وبالتالي فهي عرضة للاختلافات بين فئات المجتمع المختلفة. يقول مدير حمّام باب البحر: "إضافة العلاج بواسطة الأعشاب و الدهانات"، و يضيف قائلا: "فإنه سيكون من الممتاز أن يقوم الأطباء و المستشفيات بوصف الحمّام للمرضي كأحد سبل العلاج". لذلك، في حالة تدعيم ارتباط الحمّام بالارتقاء الصحي بواسطة مهنة الطب و المجتمع العلمي بصفة عامة سيعضد ذلك من قيمه التقليدية و يساعد تلك الحمّامات على التغلب على صورتها السلبية.

إتاحة مستويات من الخصوصية

في ظل انتشار تيار التحفظ بالمجتمع المصري، وجد أن العديد من فئات المجتمع تخجل من استعمال الحمّام التقليدي وذلك بين العارفين بالمتطلبات الدينية للخصوصية من حيث رؤية الآخرين متجردين من ملابسهم من منطقة الوسط وحتى الركبة، والبعض الآخر يخجل من مجرد فكرة التجرد من الملابس أمام الغرباء وتتفاوت درجات هذا الاختلاف فيما بين الفئات على المستوى الشخصي.

و من خلال الدراسة الميدانية في حمّامات الشرق الأوسط و تركيا و المغرب العربي تم رصد مستويات متفاوتة من العري الجزئي و حتى العري التام في الحمّامات المختلفة في الثقافات المختلفة. و بالرغم من التعددية، تشاركت الآراء في جميع دول الدراسة في الاستياء الواضح ضد العري الكامل حتى أن البعض اقترح تخصيص حمّامات حيث يمنع العري التام[19].

شكل 8: مسقط أفقي لحمام الطمبلي بالقاهرة، مصر، موضحا "الخلوات" لتوفير الخصوصية

 

 و في حالة حمّام الطمبلي، يحمل تصميم هذا الأخير حلا جزئيا بهذا الخصوص حيث كان يحتوي على مغطسين أحدهما مرئي للجميع، بينما وفر الثاني قدر من الخصوصية البصرية. هذا بالإضافة لاحتوائه على غرفتين صغيرتين أو "خلوات" للاستعمال الفردي الخاص مقابل أجر أعلى – حيث يتم تكييس الزبون واستحمّامه في خصوصية تامة (انظر شكل 7). ومع ذلك واجه هذا الترتيب مشكلة دمج هذه الخلوات مع باقي المجالات غير الخاصة حيث قد يضطر المستخدم – الآمل في الخصوصية – رؤية الآخرين عراة أثناء دخوله وخروجه من الخلوة، والأكثر من ذلك، هو حتمية أن تنتبه الإدارة لما يجري بهذه المجالات الخاصة خوفا من وقوع أي تصرفات مسيئة لسمعة الحمّام. كما وضحت الدراسة في حالة الحمّام بمدينة أنقرة بتركيا حيث أدى تقسيم الإيوانات بالحمّام التقليدي إلى وحدات فردية خاصة للاستحمّام إلى تأثير سلبي على القيمة المجالية والاجتماعية. و قد تم استغلاله، خاصة في قسم الرجال، لإيواء ممارسات منتقدة أخلاقيا و مسيئة للسمعة و بالتالي لصورة الحمّام للاستعمال العام. أما في سوريا، فوجود العديد من المجالات الصغيرة المتفرعة من مجال الحمّام الرئيسي مثلت صورة أخرى للخصوصية الجزئية، حيث تتميز بالحجب الجزئي فلم تكن مرئية تماما كما أنها لم تكن غير مرئية بالكامل، و ذلك مع ضرورة وجود المراقبة للحد من إمكانات السلوك غير المشروع. وهناك حل يتم تطبيقه في المغرب و هو لائحة سلوكيات استخدام الحمّام يتفق عليها مدراء الحمّامات بكل مدينة و تعلن في كل حمّام لضبط السلوك بما يرضي كل الفئات في ثقافة بلدهم. اثبتت فكرة "لائحة استعمال الحمّام" أو "الكود السلوكي" بالمغرب - حيث لا تعاني الحمّامات من السمعة السيئة - فاعلية تفرض نفسها بوصفها منظما طالما يعكس القيم التي تعتنقها الأغلبية من الفئات المستخدمة، ضامنين بذلك كون الزبائن أنفسهم هم الرقباء على السلوك و بالتوازي مع الإدارة.

الكود السلوكي

تعد فكرة إعلان كود سلوكي يعمل على الخفض من المخاطر الصحية و الاختلاف بين المستخدمين فكرة ذات جدوى و مطبقة بنجاح بالمغرب، و من المتوقع أن تستفيد منها جميع الحمّامات في الدول الأخرى. فيوجد لدى الجمعية الأهلية لمالكي الحمّام بكل مدينة بالمغرب لائحة القواعد المتفق عليها "أفعل و لا تفعل" آملين في توفير المياه و المحافظة على نظافة المكان و الحد من المخاطر الصحية و احترام حقوق الآخرين[20]. و بالرغم من أنه لا يتم مخاطبة مسألة زي الزبائن أثناء استعمال الحمّام على النحو المباشر، نجد أنه يتم تطبيق التيارات الثقافية المشتركة بالسليقة. فالضوابط الخاصة بالملبس في كل من المغرب و الجزائر متفق عليها و لكنها ليست مكتوبة، فهي بمثابة الأعراف الاجتماعية التي تحكم سلوك المجتمع مستمدة قوتها من الثقافة الموروثة والراسخة في المجتمع[21]. أما في بلدان مثل تركيا و مصر، فيوجد فرق شاسع بين درجات العري بالحمّام مما جعل فكرة الكود السلوكي للتحكم بدرجة العري ربما تكون فكرة سديدة و فعالة لرفع نسبة المترددين على الحمّام الذين يجدون مسألة العري مسيئة على أكثر من صعيد. و قد تمت بالفعل تجربة منع العري بين الرجال بنجاح في حالة حمّام باب البحر حيث توفر إدارة الحمّام لباس لكل مستخدم إلى جانب المنشفة و القبقاب. نرى في هذه التجربة الدور المحوري الذي تلعبه الإدارة في وضع الأكواد السلوكية حيز التنفيذ.

الحفاظ على رسم دخول منخفض

في مدن حيث يدرك المجتمع قيم الحمّام في مجال الصحة و الجمال كأنقرة، يحتضر تقليد الذهاب إلى الحمّام بين بعض الفئات لأسباب اقتصادية. كذلك أصبح الذهاب إلى الحمّام في دمشق أكثر فأكثر عبارة عن نشاط ترفيهي لرجال الأعمال المحليين و السياح، إذ نجد أن أحدث حمّام تم تجديده استهدف زبائن ذوي دخول عالية. و نرى الظاهرة نفسها، في مصر حيث أمسى رسم دخول الحمّام في تزايد بحيث يستهدف الطبقات المتوسطة أكثر من الطبقات الشعبية، وبعد إضافة تكلفة الخدمات الإضافية بما فيها التكييس العادي، و ترتفع التكلفة الكلية بما يتعدى إمكانيات العديد من مستخدمي الحمّام[22].

و يتبيّن من دراسة الأساليب المتبعة لتركيب سعر استخدام الحمّام، أنه يمكن تقسيمه إلى ثلاثة أساليب: الأول و الأكثر شيوعا هو تحديد رسم دخول ثابت منخفض في متناول الجميع و لا يشمل التكييس، حيث يتم تحديد سعر لكل خدمة إضافية بالحمّام و يتم اتباع ذلك في المغرب و مصر حتى زمن قريب. و كان حمّام الطمبلي لا يحدد فيه سعر أي خدمة من خدمات الحمّام و إنما يترك ذلك للزبون و يستفيد به الشخص المؤدي للخدمة، حيث أن العمالة في هذا الإطار التنظيمي للعمل ليس لديها مرتب ثابت من إدارة الحمّام و إنما يعتمد في دخله تماما على الزبائن. أما الأسلوب الثاني فهو يماثل الأسلوب الأول مع الفارق أن سعر الخدمات الإضافية محدد و معلن للزبائن و يتبع ذلك في سوريا. أما الأسلوب الثالث فهو الأسلوب الأحدث و يتم اتباعه بتركيا كما أنه قد بدأ العمل به في الحمّامات التي تم تطويرها في مصر و سوريا، و يعتمد على ضم رسم الدخول إلى سعر التكييس و بعض الخدمات الأساسية مما يرفع إجمالي رسم استخدام الحمّام عن مقدورية الكثير من الفئات، حيث نرى الآن أن مجموعات العرائس الكبيرة و تأجير الحمّام بأكمله لإقامة الاحتفاليات التقليدية، أصبحت أمورا مكلفة جدا تفوق قدرات تلك الفئات الثقافية التي اعتادت أن تمارسها  و بالتالي قل الإقبال على تلك المظاهر. يمثل الأسلوب الثالث الاتجاه نحو الإدارة الحديثة حيث لا يعتمد دخل العمالة المتخصصة في الحمّام على الزبائن و لكن على مرتب ثابت، و يرتفع سعر استخدام الحمّام بالقدر الذي يجعله في مرتبة الأماكن الترفيهية ويفقد من قيمته الصحية الضرورية التي كان يستمتع بها الحمّام.

فتوفير رسم دخول منخفض و فصله عن أي تكلفة إضافية مقابل الخدمات يعد المفتاح لبقاء الحمّام متاحا لكل فئات الدخول. و قد وضعت البلدان المغاربية النموذج في هذا الشأن، كما تبين ذلك من الوضع في حمّام الطمبلي بالقاهرة حيث تم الحفاظ على رسم دخول منخفض سامحا بذلك أن يكون الأكثر ديموقراطية بين كل حالات الدراسة، حيث يختلط الزبائن من داخل وخارج جوار الحمّام[23].

 الأنشطة و الخدمات التكميلية

عبّر الزبائن بالقاهرة (كما هو الحال في أغلب حالات الدراسة ما عدا فاس بالمغرب) عن الرغبة في إضافة المزيد من الخدمات و الأنشطة التكميلية بالحمّام. و تعلقت تلك الخدمات في المقام الأول بالتجميل كالتخلص من الوزن الزائد  و تحسين اللياقة البدنية و بيع منتجات تجميلية و غذائية، هذا إلى جانب تقديم خدمات ترتقي بالصحة العامة كالعلاج بالأعشاب و التدليك "المساج" و العلاج الطبيعي. و غالبا ما تلجأ السيدات بالحمّام إلى طلب عمل قناع من المرطبات للوجه و البدن، فيمكن تكميل ذلك باستعمال و بيع مستحضرات تجميل  و نظافة في اتجاه كل ما هو "طبيعي" و"صحي". كل تلك الخدمات مضافة إلى الخدمات التكميلية المقدمة أصلا بالحمّام كنزع شعر الجسم و رسم الوشم و قص الشعر و ما إلى ذلك من أنشطة يقوم بها عمالة إضافية كما هو الحال بأنقرة ودمشق. أما في مصر فقد لاقت فكرة إلحاق خدمة تصفيف الشعر بعد الحمّام بباقي أنشطته رواجا شديدا بين السيدات مما قد يستدعي التعديل أو الإضافة.  و من التعديلات التي كشفت عنها الدراسة ،إضافة بعض الوسائل الحديثة إلى نمط الحمّام التقليدي كالسونه و وحدات الاستحمام الفردية و مغطس بارد بدلا من الأحواض المعدة لذلك بالنمط التقليدي، كما رأينا في حمّامات أنقره بتركيا. تجلت بوضوح تلك التغيرات بالقسم الرّجالي بالحمّام و يبدو أنها مرغوبة بالقدر نفسه، ففي بعض البلدان الأخرى مثل مصر عبر الرجال بالقاهرة بوضوح عن تفضيلهم لمظهر أجمل وأحدث وعملية أسرع[24].

 

شكل (9) الفارق بين استعمال الرجال والسيدات لفراغات الحمّام مبني على الملاحظة بالمشاركة (2006)،حمام باب البحر، القاهرة، مصر

 

 

 

 تضمنت مجموعة أخرى من الأنشطة التكميلية بالحمّام الأكل و الشرب  و التدخين. فتتم ممارسة تلك الأنشطة بنسب متفاوتة في البلدان المختلفة، لكن عادة ما تتعلق بجلب الزبائن للطعام إلى الحمّام، كما هو الواقع بالقاهرة و دمشق و فاس ولكن تختلف أماكن حدوث هذه الأنشطة. فنجد أنّ في القاهرة تمارس تلك الأنشطة بعد الانتهاء من استعمال الحمّام في الحيز البارد/الجاف "الإيوانات" بالمساج، أما بدمشق تعد زيارة الحمّام و تناول الطعام به بمثابة نزهة عائلية و تمارس في الحيز الساخن/الرطب بالحمّام و يحدث ذلك بقدر أقل بكثير في فاس، حيث يقتصر على تناول الأطفال لبعض الفاكهة. و يقدم في أنقرة الطعام بواسطة العاملين فيه مقابل أجر، ويرى المختصون في تلك الفكرة إمكانية لتحسين الاستدامة الاقتصادية نشاطه[25]. لذلك يمكن تطوير هذه الفكرة إلى تقديم الوجبات الصحية بالحمّام كوسيلة لرفع الوعي الغذائي لدى المستخدمين و تكملة لفكرة الحمّام كمنتدى لتحسين الصحة بالإضافة إلى ما سبق ذكره من إضافة الجمنازيوم تأكيدا على دور الحمّام في الحفاظ على الرشاقة و التخلص من الوزن الزائد. يقترن التدخين في الحمّام بالبعد الترفيهي له خاصة في القاهرة و دمشق ولكن من غير المستحب التشجيع على استمرار التدخين في الأماكن غير المهواة.

و تشهد القاهرة الآن ظاهرة انتشار خدمات "الحمّام المغربي" في الأحياء الراقية بالقاهرة، لكن تفتقد تلك الحمّامات البيئة المادية المساندة التي توفر مميزات النمط التقليدي، كما أنها تفتقد البعد الاجتماعي و النفسي لتجربة استخدام النمط التاريخي الذي يرتبط ارتباطا و ثيقا بالأداء الوظيفي للمبني و تفاصيله المجالية و المعمارية. فإذا استفادت البدائل الحديثة أكثر من الحمّامات التقليدية سيساعد ذلك على الحفاظ على الحمّام التقليدي حيث سيتم إحياء ذاكرة المجتمع لفوائده المتعددة الأوجه، هذا بالإضافة إلى أن إضافة الأنشطة و الخدمات التكميلية للحمّام التقليدي ستساعد في إحياء و تطوير النمط طالما أن تلك الإضافات لا تفسد التجربة المجالية و الاجتماعية و النفسية له،  و هي العماد الرئيسي للنمط الذي تم استيفائه بمهارة عالية في المبني التقليدي

الخلاصة

ما يميز هذا المشروع البحثي عن الأبحاث الأخرى التي تتناول مسألة الحفاظ على التراث لنوع معين من المباني يرجع لطبيعة المشروع التكاملية و المتعددة التخصصات والتأكيد على اتجاه المشاركة، كمدخل يمكن الفريق من اختراق مختلف المجتمعات في وقت قصير وبلوغ النتائج من كل مجالات التخصص في كل من الحالات محل الدراسة. و فيما يلي ملخص للدروس المستفادة حتى الآن من هذه الدراسة بما فيها من سبل علاج للتحديات الناجمة عن تضارب الأهداف المتعلقة بوظيفة الحمّام البالغة الخصوصية.

إن العوامل المؤثرة في صورة الحمّام غالبا ما تكون على المستوي المجتمعي: فالإعلام يلعب دورا أساسيا للتعريف به في أغلب الثقافات ولذلك خلصت مخرجات البحث إلى أن مجال الإعلام مجالا خصبا للتحسين من صورة الحمّام لدى الرأي العام، وبالرغم من أن تفعيل القوانين و الأكواد بواسطة التفتيش الدوري والترخيص سيطمئن ويثبت العديد من العازفين عن استعماله، فإن المشكلة تكمن في انتشار الفساد في بعض المؤسسات الرقابية فيما بين الموظفين الذين غالبا ما تكون مسؤوليتهم تفعيل مثل تلك اللوائح الرقابية، فطالما أن الفساد موجود و منتشر إلى حد كبير، فالزيادة في عدد بنود القوانين يعني فقط إضافة المزيد من النفقات لإدارة الحمّام.

و يتم حاليا اختبار فكرة تحديد بعض اللوائح السلوكية بحمّام باب البحر بالقاهرة بعد أن تم صياغتها بما يتناسب مع الثقافة المحلية. فهذه فكرة يمكن تعميمها على كل الحمّامات في مختلف البلدان، أما فيما يخص التحكم في الأمور الأخلاقية فيري الفريق البحثي أن تترك للضرورة القصوى فقط بحيث يكون من شأنها الحد من المخاطر التي قد تتعرض لها صحة المستخدمين و أن يراعى أثناء صياغتها أن تلتزم بالأعراف المشتركة الخاصة بالكشف عن أجزاء من الجسم، هذا بما يسمح بوجود اختلافات من حمّام لآخر و ذلك لاستيعاب التباين الثقافي للمحليين من الزبائن والسائحين.

أما بخصوص المغطس في نمط الحمّام المصري، فيمكن الحد من المخاطر الصحية الناجمة عنه سواء بزيادة معدل تغيير المياه وتنظيف المغطس (بالرغم من ذلك يعني الزيادة في استهلاك المياه) أو بمنع الزبائن من غمر أجسامهم داخل المغطس الذي يتوقع أن يقابل بمقاومة شديدة من قبل المترددين التقليديين، الذين يعتقدون في الفائدة والعائد الرئيسي للغمر داخل المياه الساخنة على الصحة والحد من الآلام الروماتيزمية، وهي تمثل خاصية جوهرية لنمط الحمّام المصري.

و للحد أيضا من المخاطر الصحية تشير نتائج الدراسة إلى ضرورة إبلاغ وتشجيع مدراء الحمّامات على اتباع بعض التعليمات من حيث الصيانة  و النظافة للحد من مخاطر التلوث و تدهور مواد التشطيب مما يؤدي إلى مخاطر التزحلق و السقوط. كما أن زيادة الوعي الصحي بين المستخدمين سوف يلزم مدراء الحمّامات لاتخاذ خطوات أكثر فاعلية لضمان بيئة أكثر نظافة له، فطالما لا يوجد طلب من قبل الزبائن على مستوى نظافة أعلى في الحمّامات فلن تتخذ الإدارات أي خطوات لتحسين الوضع الحالي. يعد مستوى النظافة تحد ثقافي يكاد ينحصر على النطاق المصري، لذلك فإن من ضمن ميزات فتح مجال استخدام تلك الحمّامات التقليدية لاستعمال السياح هو التحفيز لرفع مستوى النظافة و الذي سوف يعود بالنفع على كل المستخدمين، و حتى ربما يكون ذلك عاملا مشجعا لتبني مستويات أعلى من النظافة بالمنازل. كما أن في حالة تبني   و تشجيع المهن الطبية لاستخدام الحمّام و اتساع دور عمالته الحمّام ليشمل "الارتقاء بالصحة" و يتعلق بصحة الفرد و التغذية السليمة وصحة المرأة و الطب الوقائي...إلخ، فكل هذا سيعزز من صورته "بوصفه منتدى لتحسين الصحة"  منه بدافع الرفاهية، و قد يكون هذا هو السبب وراء عدم معاناته من انخفاض الإقبال عليه كما هو الحال بالقاهرة ودمشق.

أما بالنسبة لمستقبل الحمّام بالقاهرة، فتوجد مؤشرات بارتفاع الطلب المستقبلي عليه طالما ستوفر بعض التعديلات على الوضع الراهن، فقيمة الذهاب إلى الحمّام التقليدي مازالت حية بمصر بالرغم من وجود الحمّامات و المياه الجارية الساخنة بالمساكن، كما أنه يوجد فضول متزايد بين غير المترددين لتجربة استخدامه علما بأن الكثير من هؤلاء يذهبون إلى البدائل الحديثة بإلهام من الحمّام التقليدي، سواء لأنهم ليسوا على دراية بأن الحمّام التقليدي مازال موجودا أو بسبب المخاوف السالف ذكرها. فلا بد من مخاطبة مسألة "البدائل الحديثة" التي تنمو بعيدا عن النمط التقليدي و هل هذه الظاهرة طبية أم مضرة بالنمط التقليدي و استدامته؟ كيف يمكن لهذه الظاهرة و لهذه الإمكانات أن تحرك جمود النمط التقليدي للحمّام و تساهم في إحيائه لتحيد به نحو تطور واع للنمط؟ تلك أسئلة لابد من مخاطبتها في بحث مستقبلي.

المراجع

Bechtel, R., Marans, R., Michelson, W. (1987), Methods in Environmental and Behavioral Research, New York, Van Nostrand Reinhold.

Denscombe, M. (1998), “The Good Research Guide for Small-scale social research projects”, Philadelphia, Open University Press.

Dumreicher, H., Kolb, B. (2006), unpublished paper, WP – S Social Aspects. Photo Interview: Spaces for Social encounter in Bab Al Bahr. Deliverable 7 Part I: Cairo – Data Report.

Dumreicher, H., Kolb, B. (2007), unpublished paper, “WP – S Social Aspects.  Photo Interview, Socio-cultural patterns in the hammam and its neighbourhood”. Deliverable 16 – Thematic Report: Socio-Cultural Patterns.

El-Kerdany, D. (2005), unpublished paper. Deliverable 1: Cairo, Background Report.

Hassan, F. (2005), unpublished paper. Deliverable 1: Cairo, Background Report.

Hassan, F. (2007), Presentation, Purity, Power and Nudity. Social Dynamics of Hammams in History. Presentation in BOKU Conference, Hammam Meeting Vienna, Nov. 8-16.

Lane, E. (1973, orig. 1836), An account of the Manners and Customs of the Modern Egytptians, Dover, New York, p. 336-343.

Mahdavi, A. (2007), Group discussion. Hammam Meeting, Vienna, Nov. 8-16.

Marschalek, I., Shehayeb, D. (2006), unpublished paper, WP – W Participation and Artistic Intervention. Deliverable 7 Part I: Cairo – Data Report.

Oikodrom. (2006), Deliverable 11 Part I: Workshop Proceedings Ankara, September.

Perfler, R., Unterwainig, M., Walter, R. (2007), unpublished paper, “WP – J: Risk Assessment, Task 2: Water and Sanitation”. Deliverable 18 – Thematic Report: Ecology and Risk Assessment.

Perfler, R. (2006), Personal communication. Hammam Meeting Fez, Nov. 2- 14.

Perfler, R. (2007), Group discussion. Hammam Meeting, Vienna, Nov. 8-6. 

Prändl-Zika, V. (2007), unpublished paper, “WP V Socio-Economy. Task 2: Agricultural Urban Rural Partnerships”. Deliverable 19 – Thematic Report: Economy and Regulations.

Shehayeb, D. Khairy, M. (1998), Documenting the living heritage, Presentation conducted at the 6th IASTE Conference: Manufacturing Heritage /Consuming Tradition. Cairo, Egypt.

Shehayeb, D., Sedky, A. (2002), Heritage Protection… Against what? A model to explain adverse change in historic districts, 1st International Conference of the WPAHR-V titled Architecture & Heritage within the Paradigm of Knowledge and Development, Alexandria, Egypt, 2-4 March 2002.

Shehayeb, D. (2005), unpublished paper. Deliverable 1: Cairo – Background Report.

Shehayeb, D. (2006a), unpublished paper, “WP – W Participation and Artistic Intervention”. Deliverable 12 Part I: Ankara – Data Report.

Shehayeb, D. (2006b), Presentation: Participation Team Activities after the kick off meeting. Hammam Meeting Ankara July 3-17.

Shehayeb, D. (2007a), Presentation: Bridging the Gap between Tangible and Intangible: A few integrative issues, Presentation in BOKU Conference, Hammam Meeting Vienna, Nov. 8-16.

Shehayeb, D. (2007b), unpublished paper, “WP – W Participation and Artistic Intervention. Social Aspects, Gender Relations, Participation and Artistic Intervention”. Deliverable 16- Thematic Report: Socio-Cultural Patterns.

Shehayeb, D. (2007c), unpublished paper, “WP – W Participation and Artistic Intervention”. Deliverable 10 Part I: Fez – Data Report.

Shehayeb, D. (2007d), Presentation, Community Perspectives for Scenario-Making. Hammam Meeting Damascus, Feb. 11-24.

Shehayeb, D. (2007e), unpublished paper, “WP – W Participation and Artistic Intervention”. Deliverable 12 Part II: Damascus – Data Report.

Shehayeb, D. (2007f), Activity Report 2: Cairo – Participant 19 MIMAR, August.

Zeisel, J. (1981), Inquiry by design. Monterey, CA: Brooks/Cole.


 الهوامش

[1] El-Kerdany, D. (2005), Deliverable 1: Cairo, Background Report (unpublished paper).

[2] "HAMMAM – Hammam, Aspects and Multidisciplinary Methods of Analysis for the Mediterranean Region".

[3] حيث تم اختيار دراسة حمّام باب البحر لفهم الجوانب الاجتماعية والثقافية والأداء الوظيفي للمبني ودواعي التشغيل، حمام باب البحر أحد الحمّامات التي لا تزال تعمل حتى يومنا هذا. بينما تم اختيار دراسة حمام الطمبلي بسبب تميزه المعماري و الجمالي و احتفاظه بتقنيات البناء التقليدية للحمّامات بمصر، مما أدى إلى اختياره نموذجا لصياغة مقترحات إعادة التأهيل المستدامة. كلا الحمّامين مسجل بوصفه أثرا ضمن لائحة التراث القومي الإسلامي و القبطي، كما يقع كلا منهما تحت مظلة المجلس الأعلى للآثار بوزارة الثقافة المصرية.

[4] Zeisel, J. (1981), “Inquiry by design. Monterey”, CA: Brooks/Cole. Denscombe, M. (1998). The Good Research - Guide for Small-scale social research projects. Philadelphia: Open University Press. Bechtel, R., Marans, R., Michelson, W. (1987),  Methods in Environmental and Behavioral Research, New York: Van Nostrand Reinhold.

5 Dumreicher, H., Kolb, B. (2007), “WP – S Social Aspects. Photo Interview: Socio-cultural patterns in the hammam and its neighbourhood”. Deliverable 16 Thematic Report: Socio-Cultural Patterns (unpublished paper).

6 Dumreicher, H., Kolb, B.M., idem.

7 Shehayeb, D. (2005), Deliverable 1: Cairo – Background Report (unpublished paper).

Shehayeb, D. (2007d), Presentation: Community Perspectives for Scenario-Making.  Hammam Meeting Damascus, Feb. 11 – 24.

Shehayeb, D. (2007e), “WP – W Participation and Artistic Intervention”. Deliverable 12 Part II: Damascus – Data Report (unpublished paper).

[5] Shehayeb, D. (2007b), “WP – W Participation and Artistic Intervention. Social Aspects, Gender Relations, Participation and Artistic Intervention”. Deliverable 16 – Thematic Report: Socio-Cultural Patterns (unpublished paper).

[6] Shehayeb, D. (2005), op.cit.

[7] Marschalek, I. & Shehayeb, D. (2006), “WP – W Participation and Artistic Intervention”. Deliverable 7 Part I: Cairo – Data Report (unpublished paper).

[8] Shehayeb, D. & Khairy, M. (1998) Documenting the living heritage.  Presentation conducted at the 6th IASTE Conference: Manufacturing Heritage /Consuming Tradition.  Cairo, Egypt.

[9] Shehayeb, D. (2006b), Presentation: Participation Team Activities after the kick off meeting. Hammam Meeting Ankara July 3 – 17.

[10] Marschalek, I. & Shehayeb, D. (2006), op.cit. ; Shehayeb, D. (2007e), op.cit.

[11] Perfler, R. & Unterwainig, M. & Walter, R. (2007), “WP J: Risk Assessment, Task 2: Water and Sanitation. Deliverable 18–Thematic Report: Ecology and Risk Assessment (unpublished paper).

[12] Perfler, R. (2006), Hammam Meeting Fez, Nov. 2–14 (personal communication).

[13] Shehayeb, D. (2005), Deliverable 1: Cairo – Background Report (unpublished paper).

[14] Marschalek, I. & Shehayeb, D. (2006), op.cit.

[15] Shehayeb, D. (2007a), op.cit.

[16] Hassan, F. (2005), Deliverable 1: Cairo – Background Report (unpublished paper).

[17] Hassan, F. (2007). Presentation: Purity, Power and Nudity. Social Dynamics of Hammams in History. Presentation in BOKU Conference, Hammam Meeting Vienna, Nov. 8 – 16.

[18] Shehayeb, D. (2005), Deliverable 1: Cairo – Background Report (unpublished paper).

[19] Shehayeb, D. (2006a), op.cit.

[20] Shehayeb, D. (2007c), “WP – W Participation and Artistic Intervention”. Deliverable 10 Part I: Fez – Data Report (unpublished paper).

[21] In Fez, all women use the hammam wearing their lower underwear throughout the process. In Algiers, women observe tying a towel around their entire torso. Men in most case study hammams wrap themselves in towels at the waist.

[22] Dumreicher, H. & Kolb, B. (2006), op.cit.

[23] Shehayeb, D. (2007f), Activity Report 2, Cairo – Participant 19 MIMAR, August.

[24] Marschalek, I., Shehayeb, D. (2006), op.cit.

[25] Veronika, P.-Z, 2007.

Appels à contribution

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran
+ 213 41 62 06 95
+ 213 41 62 07 03
+ 213 41 62 07 05
+ 213 41 62 07 11
+ 213 41 62 06 98
+ 213 41 62 07 04

Recherche