Sélectionnez votre langue

الحمّامات التقليدية ضمن النسيج العمراني للمدينة الإسلامية، دراسة مقارنة في عدة مدن متوسطية

 إنسانيات عدد 63-64 | 2014 |  الحمّام في البلدان المتوسطية | ص67-96 | النص الكامل   


Traditional hammams in the urban fabric of Moslem cities of the Mediterranean: a comparative study 

Abstract: We attempt in this article, through a historical approach, to analyze the geographical distribution of the hammams in certain Mediterranean cities and to study their positioning close to the various infrastructures (religious, economic, etc.). In addition, we tackle equally the social role of the hammam in these cities and the close relationship of the latter with the populations’ everyday life in these areas. We also make an inventory of studies on the history of some Islamic cities in their urban and social dimensions and those who had the traditional hammam as a research object. This study highlights the fieldwork and scientific debate undertaken by researchers from different fields during the visit of five Mediterranean cities.

Keywords : Public hammam, Mediterranean cities, urban environment, geographical distribution social role


Roula ABOU KHATER: Université de Damas, Syrie.


 مقدمة

لا تزال آثار الحمّامات الرومانية و البيزنطية باقية في العديد من المدن المتوسطية في شمال إفريقيا و في الشرق الأوسط، و قد تأثرت المجتمعات المتعاقبة في هذه المناطق بهذا الإرث و قامت بتطويره بما يتناسب مع احتياجاتها الدينية والاجتماعية. فبينما حصل تحوّل في الحمّامات الرومانية الضخمة التي تضم المسابح الواسعة و القاعات لممارسة الرياضة و التي تهدف إلى بناء الإنسان جسدياً لتجسيد قوة الإمبراطورية الرومانية، نجد أن الحمّامات في العهود البيزنطية في منطقة الشرق الأوسط كانت أصغر حجماً لتؤدي دوراً صحياً و دينياً في المجتمع[1]. استغرق قبول الحمّام و انتشاره في المجتمع الإسلامي عدة قرون و لم يبدأ إنشاء الحمّامات في المدن التي انتشر فيها الإسلام حتى القرن التاسع الميلادي. و هكذا استمرت الحمّامات في العهود الإسلامية المختلفة و حتى نهاية القرن الثامن عشر، و كانت الحمّامات من الميزات الأساسية في المدن الإسلامية في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط.

إن عدد الحمّامات و تواجدها في مدينة ما، هو دليل على التطّور الاجتماعي و الاقتصادي للمدينة. و عندما قرر الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك بناء الجامع الأموي في دمشق أعلن لسكان دمشق بأن الجامع سيضيف إلى مكانة دمشق وإلى فخر أهلها بحمّاماتهم، فقال: "... تفخرون على الناس بأربع خصال، تفخرون بمائكم و هوائكم وفاكهتكم و حمّاماتكم فأحببت أن يكون مسجدكم الخامسة".[2] 

و من الضروري أن نؤكد هنا أن الاهتمام بهذه المنشآت لا يعود فقط لأسباب دينية من حيث الاهتمام بالنظافة، و خصوصاً لاقتران هذه الأخيرة في الإسلام بالإيمان و التخلص من النجس و السعي نحو الطهارة، و إنما لما كانت تلعبه أيضاً من دور اجتماعي بقي سائداً حتى نهاية القرن التاسع عشر. و تعود أسباب تدهور الحمّامات في بعض المناطق، أكثر من غيرها، لعدة عوامل تختلف حسب الزمان والمكان.

  • 1. موجز تاريخي عن الحمّامات في بعض المدن المتوسطية

  • 1. 1 حمّامات القاهرة

أول حمّام أنشأه المسلمون كان بإمّرة عمرو بن العاص في مدينة الفسطاط، و قد ذكر ابن دقماق أن هذا الحمّام كان صغير الحجم نسبة للحمّامات الرومانية الضخمة، كما ذكر المقريزي الذي توفي عام 1442 أن الفاطمي العزيز بالله نزار ابن المعز كان أول من بنى حمّاماً في مدينته الجديدة، القاهرة.[3] 

تعتبر الحمّامات و السبلان التي يرافقها عادة كُتّاب لتعليم القرآن و القراءة من العناصر الأساسية للقاهرة التاريخية. و تبيّن الدراسات حول توزيع الحمّامات في القاهرة في القرن الثامن عشر، أن الحمّامات تتواجد على المحاور الأساسية في المناطق النشطة اقتصادياً كما في المحور الممتد ما بين باب زويلة و باب الفتوح،  و كذلك في الحارات ذات الكثافة العالية و المجتمع الراقي كما في الأحياء حول القلعة والمناطق المحيطة بجامع ابن طولون. كما نجد بالمقابل مناطق تكاد تكون خالية من الحمّامات و تقع في ضواحي القاهرة التي يسكنها عادة أناس فقراء. فارتياد الحمّام يبدو أنه كان من عادات الطبقة المتوسطة من التجار و الحرفيين.[4]

و هناك بعض الحمّامات التي تجاور المساجد وتعتبر مكملة لها حيث تتم فيها عملية الوضوء و الاغتسال كمثال جامع المؤيد و حمّام المؤيد، و كما في خانقاه شيخو وجامع وحمّام شيخو، وبالمقابل نجد بعض الحمّامات الملاصقة   أو المجاورة لبعض الوكالات أو الأسواق التجارية، مثل حمّام الشربجي و وكالة الشربجي.

الشكل 1 : تجاور الحمّام للمسجد و الخانقاه في القاهرة

 مع توضيح الباحث. ،Warner, 2002 المصدر:

إن معظم، أو كافة، حمّامات القاهرة تندمج مع المحيط المبني حولها و تعطي درساً في كيفية تصميم مبنىً ذي نظام معماري خاص فوق رقعة أرض غالباً ما تكون غير منتظمة، حيث يبدأ التصميم من الداخل إلى الخارج، أي يتم البحث عن الانتظام في الأبهاء و الإيوانات المتصلة بالصالات، أما الفراغات الملحقة فيمكن أن تكون بعض جدرانها غير متعامدة. و يشابه هذا ما نجده في عمارة المساجد والمدارس، فهناك بحث دائم عن انتظام داخلي هو روح المبنى.

أما المداخل، فقد تحتوي على عنصر معماري أو زخرفي لتمييزه عن الطريق العام. فغالبا ما تكون ضيقة و في مستوى منخفض بعدة درجات عن الطريق، و يتبعها غالباً دهليز منعرج يؤدي إلى الغرفة الرئيسية الأولى و دون أن يفتح عليها مباشرة، ما يسمح بخصوصية أكبر.

تشير بعض المصادر التاريخية، فيما يتعلق بقواعد الحسبة، إلى موضوع الفصل بين الطبقات الغنية والفقيرة أو بين الأديان، فاستخدام المصاطب المرتفعة   و تموضعها في الحمّام يهدف أحياناً للفصل بين الطبقات، حيث يتم في القاعة الرئيسية (المسلخ) تجهيز أحد الإيوانات بحيث يكون مخصصاً للأعيان من الطبقات العليا والمتوسطة، فتفرش بالفُرش و الوسائد بينما تستخدم العامة البساط.[5] بالنسبة لوضع أهل الذمة من المسيحيين و اليهود فقد اختصت الحسبة بتوضيح كيفية الفصل بينهم في الحمّام حتى يتم التمييز بينهم و بين المسلمين[6]   و يذكر أنه حصل احتجاج من أصحاب الحمّامات لأن مثل هذا التصرف قد يمنع أهل الذمة من ارتياد الحمّامات ما يؤثر في عدد الزبائن[7]

و بشكل عام أدى وصول المياه إلى البيوت و احتواء المنازل على حمّامات خاصة إلى قلة ارتياد الناس للحمّامات العامة و هذا أسهم في تدهور حالتها العمرانية و الصحية، و بينما كان زبائنها من الطبقة المتوسطة و بعض الطبقات الغنية التي كانت تحجز الحمّام و خاصة الفخمة منها لحفلاتها الخاصة، اقتصر زبائنها على الطبقة الفقيرة أو القادمين من الأرياف للتمتع بمنافعها أو في بعض الحالات للإقامة فيها لعدة ليال تجنباً للتشرد أو حماية من برد الشتاء.

  • 2.1. حمّامات بورصة - أنقرة - استانبول

خلال الحكم السلجوقي لمنطقة الأناضول بعد القرن الحادي عشر الميلادي، حدثت الكثير من التغيرات في البنية العمرانية في هذه المناطق التي تلاها الحكم الروماني والبزنطي. و ظهرت العديد من المنشآت الدينية الإسلامية و المباني ذات الطابع الاقتصادي، و التي رافقت الحركة التجارية المزدهرة بين المدن في هذه المنطقة و الدول المجاورة. وظهرت الأحياء خارج حدود القلاع و المدن القديمة المسورة وكانت تختص بجاليات أو بأتباع مذاهب معينة حيث نجد في كل حي أو محلة مسجد و حمّام ومحلات و سوق صغير. و تابع العثمانيون النهج السلجوقي فيما يختص بإنشاء المباني ذات المنفعة العامة سواء الاجتماعية  أو الصحية، و ذلك ضمن نظام الوقف الذي يعتمد على التكافل الاجتماعي و التبرعات لصالح المصلحة العامة، لأجل إعانة الجوامع و المدارس الدينية في استمرار خدماتها الدينية و في صيانتها.[8]

انتقلت مدينة بورصة من الحكم البيزنطي إلى الحكم التركي في حوالي القرن الرابع عشر، و بهذا ورث الأتراك الحمّامات البيزنطية و قاموا ببناء حمّاماتهم بالاستعانة بالبنائين البيزنطيين. و بعد أن أصبحت استانبول عاصمة العثمانيين أضافوا عناصر معمارية خاصة بهم، و قد تميزت مبانيهم و انتشرت الحمّامات في كامل الإمبراطورية. و بينما اشتهرت بورصة باعتبارها عاصمة لمنطقة الأناضول بمياهها المعدنية و بحمّاماتها، فإن أنقرة لم تتطور كثيراً ما بين القرنين السادس عشر و التاسع عشر.

إن العديد من الحمّامات في استانبول تابعة للوقف، و غالباً ما تكون تنتظم حول الجامع الكبير ضمن مجموعة من المرافق الخدماتية (دار القرآن و دار الحديث، المدارس الدينية، المستوصف، المطبخ العام الذي يقدم الحساء، و أضف لذلك الحمّام). كانت هذه المجمّعات تعبيراً عن اهتمام الطبقة الحاكمة بالرعية و كانت وسيلة رمزية لنشر السلطة من خلال الدعم الاجتماعي و الاقتصادي.

 

الشكل 2: مجمّع السليمانية في استانبول

المصدر: Necipoglu-Kafadar, 1985، مع توضيح الباحث.

فيما يتعلق بنصب المنشآت فغالبا ما كانت تُبنى من الحجر و تكون ضخمة و متميزة هيكليا، فكانت واضحة ضمن النسيج العمراني الذي يضم المساكن المبنية بالخشب و الطين. كما نجد الحمّام جزءاً أساسياً في الأحياء التجارية و له وجوده المعماري القوي كحمّام شمبرليتا في استانبول، الذي كان كبير الحجم ليخدم التجار في السوق و ليعطي انطباعاً عنهم خاصة التجار من خارج البلاد الذين يقيمون في الخانات المعدّة لاستقبال المسافرين و دليلاً على عظمة الأسرة الحاكمة. و هكذا كان الاهتمام بعمارة الحمّام و إعطائه نمطاً أقرب إلى الأوابد الضخمة يهدف إلى تعزيز سلطة السلطان على سكان البلاد و كذلك على الزّوار   و الأجانب من التّجار و الحكام.[9] 

كانت الحمّامات جزءاً من الحياة اليومية في تركيا فهي متاحة للجميع، للفقراء و الأغنياء، للكبار و الصغار، للنساء و الرجال، و للناس من جميع الأديان، و كانت تبنى في جميع الأحياء في المدن التي ضمتها الإمبراطورية العثمانية. كانت الحمّامات ضرورية من أجل الأمور الدينية و كذلك من أجل النواحي الاجتماعية حيث يجتمع فيها الناس و خاصة في المناسبات الخاصة و الاحتفالات. و ارتبطت كل مناسبة بعدد من التقاليد و الطقوس التي تجري ضمن الحمّام.

3.1. حمّامات فاس

أصبحت فاس، التي أنشأها الأدارسة في حوالي القرن الثامن الميلادي، عاصمة للدولة خلال الحكم المَرِيني في القرن الثاني عشر. و عرفت المدينة خلال هذا الحكم ازدهاراً من الناحية المعمارية و كذلك تطوراً كبيراً فيما يخص توزيع المياه و إنشاء الطواحين و القنوات. و ذكر ليون الإفريقي أن فيها حوالي 300 طاحونة و عشرين حمّاماً. و كانت فاس مركزاً روحياً و ثقافياً،  و ازدهرت التبادلات التجارية معها في الفترة ما بين القرنين الثاني عشر و السادس عشر.

و كان يوجد قبل الحكم الفرنسي حوالي 21 حمّاماً جميعها تابع للوقف -الحبوس-، و ذلك لأهميتها من أجل الوضوء و الاغتسال قبل الصلاة، فكل حي يحوي حمّاماً على الأقل، ما عدا الأحياء قليلة الكثافة حيث تخلو من الحمّامات العامة مثل حي الفخّارين و واد الزيتون، و كذلك في الأحياء الغنية  أو الأرستقراطية مثل حي العيون، حيث تحوي المنازل هناك حمّامات خاصة. و بالمقابل نجد في الأحياء المكتظة و الفسيحة حمّامين مثل حي الطلعة وحي راس الجنان وحي الكدّان.[10] و نجد في مختلف المخطوطات أن الحمّامات كان يتم ذكرها بعد المساجد ما يدل على أهميتها عند تعداد مختلف منشآت الحكام. كما نجد أيضاً بعض الحمّامات التي بناها بعض الخاصة من غير الطبقة الحاكمة  و ذلك لمردودها المادي الجيد.

يتأثر توزيع الحمّامات في فاس ببنية توزيع المياه حيث تبنى عادةً قريبة من مجرى النهر لسهولة تصريف المياه، كما أن ميل الأراضي يساعد في تصريف المياه أو في إنشاء قنوات التدفئة الدخانية تحت أرضية الحمّام كما في حمّام مولاي إدريس.[11]

من أشهر حمّامات فاس حمّام الصفارين (موضوع الدراسة) و حمّام مولاي إدريس الأول الذي يقع في سوق النحاسين بجانب مدرسة الصفارين و مكتبة القرويين، أما الثاني فيقع على محور تجاري يجاور مصلّى مولاي إدريس خارج المنطقة المقدسة - الحرم-. و تُظهر دراسة لحركة الأهالي أن الحمّامين يقعان على الطريق المؤدي لجامع القرويين و لمصلّى مولاي إدريس و الذي يحجه الناس يوم الجمعة للذهاب للصلاة، و هذا الموقع يزيد من إمكانية استخدام الناس لهذين الحمّامين.[12]

 الشكل 3: حمّام صفارين وحمّام مولاي إدريس في فاس

المصدر:Hubmann, 1987 مع توضيح الباحث.

تكون معظم الحمّامات للنساء و للرجال في فترات متناوبة و يمكن حجز الحمّام في الليل من قبل بعض العائلات الميسورة، حيث تجري فيها الاحتفالات. و بالمقابل ارتبط الحمّام بالمعتقدات الشعبية حول وجود الجن في الحنايا المظلمة أو ارتباط بعضها ببعض الأولياء. و كان يعتقد أن لماء بعض الحمّامات صفات طبية لمعالجة بعض الأمراض مثل حمّام ابن عبّاد الذي كان يوصى به للمصابين بأمراض جلدية، و كذلك حمّام مولاي إدريس و حمّام سيدي أحمد الشاوي الذي يعزى لمائهما فوائد طبية و صحية[13]

 1 .4 حمّامات  دمشق

بدأ تطور الأحياء خارج السور اعتباراً من القرن الثاني عشر خلال العهد الأيوبي. في القرن الخامس عشر ازدهرت الأحياء و امتدت خارج أبواب المدينة القديمة، و توسعت المدينة على المحاور الأساسية باتجاه الغرب و باتجاه الجنوب على طريق الحج. و ساعد التطور في توزيع المياه عبر القنوات التي تفرعت من نهر بردى في انتشار السبلان و الحمّامات و في توسع المدينة. و تطورت الأحياء حول الأسواق والسويقات و حول الجوامع الكبيرة مثل جامع التوبة في حي العقيبة، أول الأحياء التي تطورت في الجهة الشمالية خارج المدينة القديمة.

إن توزيع الحمّامات في الأحياء الشمالية خارج السور كان يتبع محور قناة نهر تورا حيث نجد على هذا المحور خمسة حمّامات من الشرق إلى الغرب مازال معظمها قيد الاستخدام، و منها حمّام أمونة في حي العقيبة. و يعتبر هذا الحمّام الذي يعود إلى نهاية القرن الثاني عشر من الفترة الأيوبية، من أقدم الحمّامات في دمشق قيد الدراسة ضمن مشروع دراسة الحمّامات التقليدية[14].

نلاحظ في أحياء المدينة القديمة داخل السور، تجاور الحمّامات للمساجد و المدارس و خاصة الجامع الأموي، إذ نجد عدة حمّامات قريبة من مداخله الأساسية، حمّام السلسلة و حمّام القيمرية و حمّام منجك و حمّام الملك الظاهر الذي يجاور المدرسة الظاهرية و المدرسة العادلية. و في الأسواق الرئيسية داخل المدينة القديمة نجد الحمّامات المجاورة للخانات لتقديم الخدمات للتجّار و للمسافرين الذين يكثرون في هذه المناطق كحمّام نور الدين في سوق البزورية.

 

الشكل4: الجامع الأموي و الحمّامات المجاورة له

المصدر: مخطط المحافظة العقارية لدمشق 1932-1936(وثيقة IFPO).

كما تجاور الحمّامات أبواب المدينة مثل حمّام الشيخ رسلان قرب باب توما، و حمّام الراس بالقرب من القلعة لخدمة الجنود  و الذي هدم منذ فترة قريبة لتوسيع الطريق المجاور للقلعة.و من الملاحظ كثرة الحمّامات في الأحياء التي يسكنها المسلمون و ندرتها بل غيابها في الأحياء التي يقطنها المسيحيون و اليهود  و ربما يعود السبب لأسباب دينية أو اجتماعية خاصة[15]

 

الشكل 5: ندرة الحمّامات في الأحياء المسيحية والحي اليهودي

المصدر: مخطط المحافظة العقارية لدمشق 1932-1936(وثيقة IFPO).

أما على المحور الجنوبي خارج السور، على طريق الحج،  فنرى عدداً من الحمّامات التي يتبع بعضها للوقف، حيث أنشأ الحكام المجمّعات التي تضم عدداً من الأبنية الدينية و الخدماتية مثل مجمّع سنان باشا الذي بني في نهاية القرن السادس عشر ويضم مدرسة وجامع و سوق و حمّام (يعود للقرن الرابع عشر  و أعيد تجديده).

 

الشكل 6: طريق الحج الشامي

المصدر: مخطط المحافظة العقارية لدمشق 1932-1936(وثيقة IFPO).

و تمتاز هذه المجمّعات بكونها اندمجت في النسيج العمراني على عكس المجمّعات السلطانية التي تشكّل في أغلب الأحيان مجمّعاً دينياً و خدماتيا محاطاً بسور، تنتظم فيه المباني بشكل متناظر و تكون أقرب إلى الأوابد المعمارية لتدلّ على عظمة السلطان، ما يساعد في فرض هيبته خاصة في المناطق البعيدة عن استانبول، عاصمة الإمبراطورية العثمانية و كذلك كنقطة و صل بين السلطة المركزية و الشعوب المحلية[16]. أما المجمّع السلطاني الذي بني في منطقة المرج إلى الغرب من المدينة القديمة بأمر من السلطان سليمان عام 1554 فيحوي على جامع     و مدرسة و مطبخ و خان و لكنه لا يحوي حمّاماً، و يوجد في مركز الباحة أمام الجامع بحيرة واسعة مستطيلة الشكل تستخدم للوضوء. يقع المجمع قريباً من مجرى نهر بردى في منطقة غير آهلة بالسكان و تعتبر متنزهاً لأهالي دمشق،    و مكاناً تتجمّع فيه القوافل. 

لعبت الحمّامات دوراً اجتماعيا هاماً إذ تضم قاعة الاستقبال، التي تتميز باتساعها في حمّامات دمشق، مكاناً للاجتماع في المناسبات الاحتفالية و لتبادل الآراء السياسية أو لعقد الصفقات التجاريةً، بالإضافة لكونها تسمح للنساء بفرصة الخروج من المنزل و قضاء أوقات ممتعة، لما يصطحبها من تحضير للأطعمة الخاصة أو حفلات الغناء و الرقص خاصة في المناسبات الاجتماعية الهامة قبل الزواج أو بعد الولادة.

  • 1. 5 حمّامات قسنطينة

تتربع المدينة القديمة على صخرة طبيعية و معزولة عن الجوار بواد عميق لنهر الرمال، و بلغت مساحة المدينة المحاطة بسور في عام 1837 حوالي 37 هكتارا، و بالمقارنة كانت مساحة دمشق حوالي 313 هكتارا في الفترة ذاتها[17]. شهدت المدينة فترة ازدهار في القرن الثامن عشر لتلازمها مع الاستقرار و التطور العمراني في فترة حكم الباي الذي يعين من قبل الباشا في الجزائر. و خلال فترة الحكم الفرنسي، و نتيجة احتواء المناطق داخل المدينة حدثت تغيرات عمرانية كبيرة، و نجد اليوم النسيج القديم مجاوراً للنسيج العمراني الحديث.  

إن الوضع الجغرافي للمدينة جعل من الصعب توزيع المياه فيها، إذ كان يعتبر إنشاء السبلان من الأعمال العمرانية الهامة لصعوبة تأمين المياه إليها.      و اعتاد الناس على التزود بالمياه من النهر عبر نقله فوق الدواب، و لم يتم إنجاز شبكة توزيع للمياه حتى ما بعد عام 1855. و كان للحمّامات دور هام في المدينة لما تقدمه للسكان من خدمات الاغتسال لصعوبة التزود بالمياه و ندرتها، أما مياه الحمّامات فكان مصدرها الآبار. كما أن الكثافة العالية في المسكن الواحد، الذي يجري تقسيمه ليضم عدة عائلات أدت إلى ارتياد الناس للحمّام. و يُذكر أن الكثير من العاملين في المهن اليدوية و أصحاب المحلات الذين هاجروا إلى قسنطينة للعمل كانوا ينامون في أماكن عملهم أو في المساجد و الزوايا المنتشرة بكثرة في المدينة. و لذا تعتبر زيارة الحمّام من ضروريات الحياة لهؤلاء، و لكل من يبحث عن مياه دافئة للاغتسال، أو مكان دافئ في الشتاء[18] و لاتزال الحمّامات في قسنطينة تستخدم ملجأ للنوم بما يشبه الفندق، و نجد في لائحة الأسعار الرسوم الخاصة بالنوم داخل الحمّام.

نلاحظ من خلال دراسة توزيع الحمّامات في المدينة تركزها في منطقة الأسواق في القسم المركزي من المدينة حيث تجاور المحلات المحاور الأساسية[19]. ففي منطقة سوق التجّار نجد المحلات التقليدية و جامع سوق الغزل الذي بني عام 1730 و قصر أحمد باي الذي بني ما بين 1826-1835 و الذي يعتقد أنه مرتبط عبر نفق مع حمّام سوق الغزل. أما المناطق ذات الكثافة المنخفضة أو الأحياء الفقيرة مثل الأحياء الهامشية في المنطقة الجنوبية الشرقية، فتكاد تخلو من الحمّامات.

الشكل 7: تجمّع الحمّامات في منطقة الأسواق التجارية المركزية في قسنطينة

المصدر: Pagand, 1989، مع توضيح الباحث.

  • 2. الحمّام على مستوى المدينة

مما تقدم يمكن أن نستنتج النقاط العامة التي تنتشر على أساسها الحمّامات في المدينة، و منها:

  • طبيعة الحي: تجاري - سكني،
  • الكثافة السكانية،
  • نوعية النشاط الاقتصادي: مهني – حرفي،
  • الوضع الاجتماعي و الاقتصادي للسكان (القاهرة، قسنطينة)،
  • بحسب توزيع المياه في المدينة (دمشق، فاس)،
  • بحسب المذهب الديني (دمشق، قسنطينة، أنقرة)،
  • بحسب الوضع الطبوغرافي (فاس، قسنطينة)،
  • في جميع الأحوال على مسافة قصيرة من المنطقة التي تخدمها.

يدل عدد الحمّامات في المدينة على توزيع السكان، كما يدل على مستواهم الاجتماعي والاقتصادي، إن مبدأ الربح أو العائد المادي مهم في جميع الأحوال حتى في حالة الوقف، و لهذا السبب نجد أن المكان الأمثل لتموضع الحمّامات يكون في الحارات الغنية أو الحارات ذات النشاط الاقتصادي الفعّال.[20] ونجد بعض الأحياء أو الأزقة التي أخذت اسمها من اسم الحمّام، مثل شارع حمّام الركاب و شارع حمّام سامي في دمشق، كما يظهر في مخطط المحافظة العقارية لعام 1932-1936.

و ارتبطت الحمّامات بمبان أخرى، دينية أو اجتماعية، فعلى مستوى المدينة، نجدها تجاور:

  • مساجد الأحياء أو الجوامع الكبيرة (دمشق، القاهرة، فاس)،
  • الخانات و الفنادق (دمشق)،
  • المحاور التجارية الأساسية (دمشق، قسنطينة)،
  • بجوار المجمعات التجارية كالوكالات (القاهرة)،
  • بالقرب من أبواب المدينة (دمشق، القاهرة، فاس)،
  • في الأحياء السكنية،
  • ضمن المجمعات الدينية و الخدماتية السلطانية و غيرها (استانبول، دمشق).

و إذا نظرنا لعلاقة الحمّام مع الفراغ المحيط و الشوارع المحيطة، نجد تشابهاً في مختلف المدن المدروسة. فبينما تكون مداخل المساجد تنفتح إلى فراغ عام واسع كالشارع الرئيسي أو ساحة صغيرة أمامها، نرى مدخل الحمّام المجاور لها ينفتح إلى شارع جانبي مما يتناسب مع وظيفة الحمّام بوصفه ملحقا للمسجد، و لهذا الأخير دور و ظيفي فقط و ليس رمزيا كالمسجد و الجامع و المدارس الدينية.

أما في حالة الأحياء التجارية، فنجد مدخل الحمّام يجاور المحلات جنباً إلى جنب، و ينفتح على المحور الأساسي و ذلك لسهولة الدلالة و لدوره الهام في مثل هذه المناطق. و يرتبط ذلك بما تقدم ذكره حول موضوع تسويق الحمّام لكي يستفاد من مردوده في حالة الوقف أوفي حالة الملكية الخاصة. و تتم دراسة موقع الحمّام ودرجة انفتاحه على الفراغ العمراني الخارجي مع الأخذ بعين الاعتبار عملية الربح المادي، كما يشير المثل: تكثر الأرزاق عند تزاحم الأقدام، دون أن ننفي هنا الخدمات الاجتماعية والدينية التي يقدمها الحمّام للناس عامة         و للفقراء.و مما ذكر في دفاتر الحسابات للأوقاف في تركيا مثلاً، نجد أن الحمّامات تأتي في المرتبة الأولى من حيث مردودها الاقتصادي للأوقاف و تتبعها المحلات التجارية، الحقول، البساتين و المنازل...[21]

 

الشكل 8: أمثلة لانفتاح الحمّام على الفراغ العام في القاهرة

المصدر: Warner, 2005، مع توضيح الباحث.

 

الشكل 9: الحمّام الملحق بالمسجد – مدينة بورصة في تركيا

المصدر: Gabriel, 1958، مع توضيح الباحث.

 

الشكل 10: الحمّام في حي تجاري – مدينة بورصة في تركيا

المصدر: Gabriel, 1958، مع توضيح الباحث.

  • 3. الدور الاجتماعي للحمّام

تكاد الأسباب التي تدعو لزيارة الحمّام تكون متشابهة في معظم المدن الإسلامية لتشابه عادات شعوبها و لارتباطها بواقع اجتماعي متقارب، نتيجة احتكامه للمصدر ذاته المرتبط بالشريعة الإسلامية، أضف ذلك انتقال التقاليد   و العادات من مجتمع لآخر، نظراً لكون معظم هذه الدول كانت جزءاً من الإمبراطورية العثمانية أو تحت قيادة حكم واحد خلال فترات متقاربة.

و لا نستطيع أن نغفل ثقافة الاستحمّام التي و رثتها شعوب هذه المنطقة من الحضارات المتعاقبة عليها، و التي ساعدت في إقبال الناس على ارتياد الحمّام     و قبوله في حياتهم اليومية و في ممارساتهم الاجتماعية.

كانت النساء ترتاد الحمّام خلال النهار و الرجال في المساء، في أغلب المدن ما عدا في حال وجود حمّام توأم فيه قسم للرجال و آخر للنساء كما في أنقرة. بالنسبة للرجال كانت الحمّامات المكان الأمثل للقاء الأصدقاء أو لتنظيم مأدبة طعام مع غناء و رقص، أو لتبادل الآراء السياسية، أضف لذلك ما كانت تضيفه من انتعاش في أوقات الحر أو بعد الانتهاء من العمل في آخر النهار أو بين ساعات الصلاة.[22] يرتاد الرجال الحمّام مرة أو مرتين في الأسبوع، و يمضون فيها نصف ساعة أو ساعة بعد الاستحمّام قبل ارتداء الملابس لمغادرة الحمّام، و حيث يتم تناول القهوة أو الشاي و النرجيلة في القاعة الرئيسية بعد المدخل.

بالنسبة للنساء الأمر مختلف بعض الشيء نظراً لندرة خروج النساء خارج البيت، فالنساء الميسورات كن لا يخرجن إلا لزيارة الأهل و الأصدقاء و إلى الحمّام. و تختلف الغاية و الأهداف من زيارة الحمّام. و رغم أن ارتياد النساء للحمّام قد لا يكون بشكل دوري أو أسبوعي، غير أنهم يقضون وقتاً أطول في الاستحمّام من الرجال.[23]

و بشكل عام يمكن القول إن كل عتبة في الحياة كانت ترافقها رحلة إلى الحمّام، كالزواج و الولادة و غيرها...[24] و للحمّام دور صحي بالإضافة للاغتسال، ففيه تجري المعالجة بالزيوت المطيبة و النباتات الطبية عند الاستحمّام   و التدليك. و لا تزال هذه من العادات الاجتماعية المعروفة التي تمارس حتى الآن في أغلب المدن التي قمنا بدراستها.

فبالنسبة للحمّامات التي تلعب دوراً على مستوى المدينة، يمكن أن نلخّص الأسباب التي تدعو لزيارة الحمّام فبما يلي:

  • تأدية فروض الوضوء و التخلص من الجنابة قبل الصلاة،
  • مكان لعقد الصفقات التجارية،
  • خدمة الاغتسال للمسافرين و الغرباء عن المدينة،
  • خدمة الاغتسال للعاملين في المهن اليدوية قبل الذهاب إلى منازلهم،
  • للاحتفالات الخاصة، إذ يعتاد البعض على زيارة حمّامات معينة لاحتفالات محددة،
  • زيارة بعض الحمّامات التي يعتقد بارتباطها ببعض الأولياء الصالحين،
  • الوثوق من إمكانية توفر المياه بشكل دائم.

و على مستوى الحي فتكون الحمّامات:

  • مكان دافئ في الشتاء، و تتوفر فيه المياه الساخنة في كل الأوقات.
  • مكان للاحتفالات العائلية كحفلات قبل الزواج أو بعد الولادة و الختان و غيرها،
  • مكان للبحث عن خطيبة،
  • مكان للاهتمام بالبشرة و للتجميل أو للتحضير للزواج،
  • مكان للاستجمّام و للحصول على المنفعة الطبية خاصة بعد المرض،
  • مكان للاغتسال و النظافة لعدم توفر الإمكانية في المنازل أو لاكتظاظ المسكن،
  • مكان لتبادل الآراء أو لنقل المعلومات و الشائعات،
  • مكان للتباهي بالمكانة الاجتماعية،
  • مكان لاجتماع دوري لأهل الحي و خاصة النساء،
  • نقطة لقاء مركزية في الحي لوجود الفرن و السبيل في أغلب الأحيان بجوار الحمّام للاستفادة من الحرارة و النار و من توفر المياه،
  • مكان ملحق بالمسجد لتأمين الوضوء و الطهارة و خاصة قبل صلاة الجمعة،
  • 4. دراسة تحليلية لعدد من الحمّامات في الوقت الحالي

و نستعرض في الجدول التالي (جدول 1) تحليلاً لاندماج بعض الحمّامات من الناحية الاجتماعية و الناحية المكانية مع المحيط العمراني، حيث تم اختيار بعض المعايير و تمت دراستها في الأمثلة الخمسة موضع الدراسة (حمّام الطنبلي  و حمّام باب البحر في القاهرة، حمّام سنغول في أنقرة، حمّام الصفارين في فاس، حمّام أمونة في دمشق، حمّام سوق الغزل في قسنطينة).

 جدول 1: دراسة تحليلية للنواحي المكانية والاجتماعية للحمّامات موضع الدراسة

 

 

 

 

 نتيجة للدراسة الأولية الوصفية للوضع العمراني لبعض الحمّامات تم تحديد المؤشرات الخاصة بكل معيار و دراسة تواجده أو عدمه في الأمثلة المختارة، بحيث يمكن قراءة نقاط التشابه والاختلاف بسهولة بين الأمثلة التي تمت دراستها خلال السنتين الماضيتين ضمن المشروع. يوضح الجدول التالي (أنظر جدول 2 لاحقاً) تحليلاً للوضع العمراني لحوالي عشرين حمّاما في المدن المتوسطية الخمسة (القاهرة - أنقرة - فاس - دمشق – قسنطينة) من خلال تحليل عدة مؤشرات، بحيث يندرج تحت كل مؤشر عدد من النقاط التفصيلية. من خلال الجدول نجد بشكل أساسي نوعين من الأحياء و بالتالي نوعين من الحمّامات، حمّامات السوق، و التي تقع في الأحياء التجارية، و حمّامات الحارة التي تقع في الأحياء السكنية و غالباً ما تتصف الثانية بتواضع حجمها بالنسبة للأولى.  و بالطبع تحتل الحمّامات التوأم كما في أنقرة مساحة أكبر. ولا نجد في أغلب الأحيان فراغاً انتقالياً واضحاً أمام مدخل الحمّام ماعدا في حالات قليلة، مثل مدخل قسم الرجال في حمّام سنغول في أنقرة ومدخل حمّام مولاي إدريس في فاس. تستخدم أغلب المناطق التي هدمت بجانب بعض الحمّامات مواقف سيارات، بينما من الممكن توظيفها كفراغ اجتماعي له علاقة بالحمّام و يمكن أن نلاحظ أن الضلع الأطول لمسقط الحمّام يكون متعامداً على الطريق حيث المدخل كما في دمشق و القاهرة و قسنطينة، بينما يوازي ذلك الضلع الطريق في حمّامات فاس. تكون الواجهات غالباً مصمتة في حمّامات فاس و القاهرة و قسنطينة، بينما نجد بعض النوافذ في حمّامات أنقرة و دمشق. تكون المداخل ضيقة في أغلب الأحيان مع وجود بعض الزخارف المتواضعة، في دمشق و قسنطينة و فاس، بينما نجد بعض مداخل الحمّامات المميزة بزخرفتها في أنقرة و القاهرة.

خاتــمة

تعاني الحمّامات اليوم في معظم المدن من عدم انسجامها مع المحيط المبني  و المجتمع، بعكس اندماجها في الماضي ضمن البنية العمرانية و الأحياء و مع المجتمعات في الجوار، و يعود ذلك لعدة أسباب تندرج ضمن التغيرات الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية و كذلك التغيرات العمرانية التي حدثت خلال القرنين الماضيين.

في العشرينيات من القرن الماضي عرفت تركيا مع أتاتورك التوجه نحو الحداثة ما أدى إلى تغييرات شملت جميع نواحي الحياة، و أصبحت الآثار العثمانية مهددة بالهدم نظراً للحركة العمرانية الواسعة و للنظرة إلى التراث العثماني، و هذا كان له تأثير على الحمّامات التي هُدِّم معظمها و خاصة في العاصمة الجديدة أنقرة. و تكاد هذه الحالة تُشْبِهُ ما حدث في قسنطينة أثناء الحكم الفرنسي، إذ أدت الأعمال العمرانية الحديثة وشق الشوارع داخل سور المدينة القديمة لهدم قسم كبير من النسيج القديم و ما تضمنه من حمّامات ذريعته الاهتمام بالصحة العامة. أما بالنسبة للقاهرة فكان اهتمام الدولة منصّباً على المباني الدينية الأثرية و على الاكتشافات الأثرية العديدة في مصر و قد أهملت الحمّامات لفترة طويلة و لا نجد اليوم سوى خمسة حمّامات معظمها في حالة مزرية من الإهمال.

أما فيما يخص مدينة دمشق، فقد كان توسع المدينة خلال الانتداب الفرنسي في الثلاثينيات من القرن الماضي إلى الشمال الغربي من المدينة القديمة، و لم تطرأ تغييرات كبيرة، بينما أدت المشاريع العمرانية كتوسيع الشوارع التي حدثت في السبعينيات إلى هدم عدد من الحمّامات. و سمح تسجيل المدينة القديمة داخل السور في عام 1979 بالحفاظ على المباني الأثرية من الهدم، و لكنّ تحوّلت معظم الحمّامات إلى مستودعات. و يبدو أن فاس تكاد تنجو من عملية الإهمال إلى حد ما، حيث نجد العديد من الحمّامات التي تبنى في الأحياء الحديثة. و نرى في دول المغرب العربي بشكل عام أن ارتياد الحمّام ما يزال جزءاً من الحياة الاجتماعية اليومية للناس و مرتبطاً بعادات و طقوس سائدة حتى اليوم. و ذلك على خلاف استخدام الحمّام في منطقة الشرق الأوسط، حيث يتم  ذلك بشكل غير منتظم و من قبل عدد قليل من السكان المحليين للاستجمام أو لمنافعه الطبية و التجميلية، إذ تحوّل الحمّام لخدمة السياح في المنطقة.

هذه بعض الأسباب التي أدت إلى تراجع دور الحمّام بوصفه وظيفة أساسية في المدينة، بالإضافة لتأثير وصول المياه للبيوت  و توفر الحمّامات الخاصة في المساكن الحديثة، و التخوف من نقل الأمراض أو ارتباط الحمّام بالنسبة للبعض بعادات قديمة بالية لا تناسب الحياة المعاصرة و انشغال الناس بعملهم وقلة أوقات الفراغ و كثرة الأماكن العامة كالمقاهي و المسارح و دور السينما و غيرها.  و ذلك على الرغم من أن ارتياد الأماكن العامة الحديثة اقتصر في بداية القرن العشرين على بعض المثقفين أو النخبة و يمكن أن نشير هنا لما يلازم التحوّل في بعض المجتمعات إلى نوع من التزمت الاجتماعي و الديني، بالنسبة لاستخدام الحمّام و الذي كان دائماً موضع جدل وتناقضات في المجتمع. و لا يمكن أن نعطي لهذا الموضوع حقه في هذه الخلاصة السريعة و لابد أن تكون الدراسات الاجتماعية بجوانبها المتعددة قادرة أن تضيف الكثير لهذا الموضوع.

جدول 2: دراسة تحليلية لعشرين حمّام في خمس مدن متوسطية

 

 المراجع

Akture, S. (1989), “The Islamic Anatolian city”, in the Environmental Design urban Fabric, Journal of the Islamic Environmental Design research Center, Roma,

Benkheira, M.-H. (2003), « La Maison de Satan, Le hammam en débat dans l'islam médiéval », in Revue de l'histoire des religions, 220, 4/, p. 391-443.

Cichocki, N. (2005), “Continuity and change in Turkish bathing Culture: The Life Story of the Cemberlitaç hamam”, Review Turkish Studies, vol. 6, n. 1,  p. 93-112.

Ecochard, M. & Le Coeur, Cl., (1942-1943), Les bains de Damas I- II, Beyrouth, Institut Français de Damas.

Gabriel, A. (1958), Une Capitale turque: Brusse, Bursa, Paris, E. De Boccard.

Grangaud, I, (2004), La ville imprenable, une histoire sociale de Constantine au 18e siècle, Constantine, Média-Plus.

Heddouchi, C, (1994-1995), Les Hammams de Fès: Essais d'étude archéologique, (dir.), A.-A. Touri.

Hubmann, E., Rainer, J., Tillner, S., Vass, A. (1987), Fès Médina, Etude sur l'espace et sur la vie dans une ville islamique, Wien, Akademie der bildenden kunst.

Kafescioglu, C. (1999), “in the image of the rum: ottoman architectural patronage in sixteenth-century Aleppo and Damascus”, in Muqarnas, vol.16, Leiden, Brill.

Lane, E.-W. (1860), An Account of the Manners and Customs of the Modern Egyptians, Cairo, The American University in Cairo Press, reprinted.

Le Tourneau, R. (1949), Fès avant le Protectorat - Etude économique et sociale d'une ville de l'Occident Musulman, Casablanca, Publication de l'institut des Hautes Etudes Marocaines.

Mantran, R. (1990), La Vie Quotidienne à Istanbul, Seconde Edition, Hachette.

Necipoglu-Kafadar, G. (1985), “The Suleymaniye complex in Istanbul: an interpretation”, in Muqarnas, vol.16, Leiden, Brill.

Pagand, B. (1989), La Médina de Constantine, de la ville traditionnelle au centre de l’agglomération contemporaine, thèse, doctorat 3e cycle, Université de Poitiers, Poitiers, CIEM, fascicule 14.

Pauty, E. (1933), Les hammams du Caire, Cairo, Imprimerie de l’Institut Français d’Archéologie Orientale.

Raymond, A., (1974), « Signes urbaines et études de la population des grandes villes arabes à l’époque ottomane », in BEO, Damas, n° 27, p. 183-193.

Raymond, A. (1985), Arab cities in the Ottoman Period, Paris, Sindbad.

Raymond, A. (2002), Les caractéristiques d'une ville arabe moyenne au XVIIIe siècle: le cas de Constantine, in Arab cities in the Ottoman Period, Variorum Collected Studies Series. Great Britain, Ashgate, p. 113-133.

Raymond, A. (1969), « Les bains publics du Caire à la fin du XVIIIe siècle », Review of Annales Islamologiques, VIII, Cairo, IFAO du Caire, p. 129-150.

Warner, N. (2002), "Taking the Plunge: The Development and use of the Cairene Bathehouse", in Jill Edwards (dir.), Historians in Cairo, Essays in honor of George Scanlon, Cairo, The American University in Cairo Press, p. 73-86.

Warner, N. (2005), The Monuments of Historic Cairo, Cairo, The American University in Cairo Press.

كيّّال، منير (1986)، الحمّامات الدمشقية، دمشق، ص. 350.


 الهوامش

[1] Benkheira, M.-H. (2003), « La Maison de Satan, Le hammam en débat dans l'islam médiéval », in Revue de l'histoire des religions, 220, 4/, p. 391-443.

 [2] كيال، منير (1986)، ص. 22.

[3] Pauty, (1933), p. 1-2.

[4] Raymond, (1969), p. 13.

[5] Lane, (1860), p. 337-338.

[6] Warner, (2002), p. 52.

[7] Raymond, (1969), p. 150.

[8] Akture, 1989.

[9] Cichocki, (2005), p. 99.

[10] Le Tourneau, (1949), p. 283–284.

[11] Heddouchi, 1994-1995.

[12] Hubmann et al., 1987.

[13] Le Tourneau, (1949).

[14] HAMMAM Project.

[15] لمزيد من المعلومات انظر Benkheira, 2003,

[16] Kafescioglu,(1999), p. 91.

[17] Raymond,(2002), p. 115.

[18] Grangaud, (2004), p. 96.

[19] Pagand, 1989.

[20] Raymond, (1974), p. 191.

[21] Cichocki, (2001).

[22] Pauty, (1933), p. 4.

[23] Lane, (1860), p. 342.

[24] Warner, (2002) p. 50-53.

 

Appels à contribution

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran
+ 213 41 62 06 95
+ 213 41 62 07 03
+ 213 41 62 07 05
+ 213 41 62 07 11
+ 213 41 62 06 98
+ 213 41 62 07 04

Recherche