Sélectionnez votre langue

دوائر المصاهرات في قسنطينة مع نهاية القرن الثامن عشر

 إنسانيات عدد 4 | 1998|  الأسرة الأمس و اليوم  | ص05-22| النص الكامل 


Matrimonial alliance circles in Constantine at the end of the 18th century

Abstract : Analysing the acts of marriage and divorce to make an alliance circle at Constantine at the end of the le century, we were faced with the reliability of sources, the credibility of samples, the quantity as the quality of information ; the systematic examination over 7 consecutive years permitted answering these questions, partly. 
The very high density of tribal patronymic origin (from 50 to 90 patronymic acts for the first ten) covers up the presence of town families known in the alliance circle limited by their number (three to six acts per family). 
From concise examples we have emphasized the total exogamy of the " Hannachs" aristocratic origins and their regional power at that period. The "Khattabi" whose alliance circle reached out to twenty families give a more conformable image weaving links with families from the same region of origin, the north Constantine triangle, besides the six endogamous marriages. With barely average sadaq of (36 Ryals), its rather a hypergamy advantaging women (60 Ryals). A class endogamy characterises the alliances of the Ibn Badis, Ibn Al Faggun, Ibn Na’mam, Ibn Masbah. Less than 10 % of the couples from the corpus have the same patronymic, which confirms a very slight endogamy. These results call for confrontation, comparison, cross-checking and complementing according to other sources.

Keywords : family, marriage, Constantine, alliance, exogamy


Fatima Zohra GUECHI: Université de Constantine, 25 000, Constantine, Algérie


 

تمهيد

مساهمة في إثراء العدد الرابع من مجلة "إنسانــيـات" الخــاص بــالأســـرة و المصاهرات... أطرح بعض التساؤلات في المدى البعيد بالرجوع إلى المجتمع الحضري القسنطيني في مطلع القرن الثالث عشر للهجرة (نهاية القرن 18 م) محاولة رسم شبكة المصاهرات. و قد اعتمدت سجلات المحكمة المالكية بالمدينة مصدرا و الجرد الشامل لعقود الزواج و الطلاق منهجا، و ذلك مدة سبع سنوات فيما بين 1202 و 1208هـ / 1787-1794 م[1]. و كان الهدف الأساسي من العمل هو البحث عن الزيجات المتكررة و تعدد الزوجات و شبكة المصاهرات داخل المدينة وخارجها إن أمكن من جهة ثانية.

و عندما التزمت بتقديم هذا المقال قبل ستة أشهر، كنت أضع اللمسات الأخيرة للرسالة؛ فوعدت بعرض الطروحات و النتائج على قراء هذه المجلة الفتية. و مادامت الرسالة منجزة و تنتظر المناقشة سأطرح أمامكم القضايا بصورة إجمالية فقط مع التركيز على نوعية الوثائق و كيفية التعامل معها حسب الأدوات المنهجية المتوفرة و ما تفرضه هذه المواد من تحفظات.

إذا اردنا البحث في أنماط المصاهرة بالتعرف على الممارسات المحلية في اختيار الزوج، علينا أن نحدد العينة. فرضت دفاتر المحكمة المذكورة وجودها علينا إذ حفظت المعاملات التي وثقت أمام شهود العدل، ومنها عقود الزواج    و الطلاق وكانت في أعداد كبيرة تشجع على البحث الكمي.

وكان علينا أولا أن نحدد نوعية هذه الوثائق ثم نتحقق من درجة مصداقيتها، و نرسم خطة للإستفادة منها في ندرة مصادر أخرى مكملة.

1. الوثيقة و العينة

إنها سجلات المحكمة المالكية لمدينة قسنطينة المحفوظة ابتداء من 1787م. و لقد وردت بها عقود الزواج و الطلاق من غيرها من المعاملات، دونت مـباشرة أو نقلت من عقود سبق تحريرها بفترة قصيرة. و نقلت تلك المعاملات بانتظام كبير إذا ما تغاضينا على بعض الاستثناءات التي تكرر فيها العقد (كأن نقل مرتين)، أو اهمل عقد آخر؛ و قد اتضح لنا هذا بالعثور على عقد الطلقة الثانية دون الطلقة الأولى مثلا أو الطلقة الثانية دون المراجعة بعد الطلقة الأولى. وتبقى هذه الحالات قليلة إذ تمكنا من تركيب مسارات لمئات من النساء و الرجال رغم بعض الخلل و النقائص.

هذا و قد لزم علينا التحقيق طبيعة السجلات هذه - وكانت غير محققة و لم تدرس كوثيقة و مصدر - بدراسة أساليب التسجيل و دقته. إنّ هذه السّجلات غير مرقمة الصفحات و لا العقود... و عليه قمنا بـهذه الدراسة ليس على شكل سبر مقنن- حسب قواعد علم الإحصاء - و إنما اعتمدنا الجرد الشامل والـمسحي لفترة محددة كان الهدف منها تتبع عمليات التسجيل من جهة ومتابعة الأسماء المتكررة بغرض تحقيق الوثيقة المصدر ذاتها من جهة أخرى والجواب على عدد كبير من الأسئلة منها:

من كان يسجل؟ من كان يقدم على تسجيل الزواج والطلاق أمام عدول المحكمة و أمام "قاضيها للوقت"؟ هل انحصر التقييد في فئات محددة اجتماعيا و محدودة عددا؟ وكيف التعرف على الانتماء الاجتماعي للأزواج؟ كيف يتم تعريفهم أمام تلك المؤسسة الحضرية المتمثلة في المحكمة المالكية؟ أين دفاتر المحكمة الحنفية والإباضية؟

و من أجل دراسة التركيبة الإجتماعية لسكان مدينة قسنطينة وشبكة المصاهرات كان من الضروري الإجابة على هذه الأسئلة الأولية قصد التعرف على الوثيقة و تقدير أهمتيها كمصدر و التحكم في العينة.

بعد سنوات من التعامل مع سجلات المحكمة و بعد تصنيف الآلاف من عقود الزواج و الطلاق بالدراسة والتحليل تبين أن هذه السجلات موثوق بها في كونها لا تحمل تناقضا داخليا في محتواها وقد تابعنا مئات الأزواج في الطلاق الأول    و الثاني و في المراجعة وإعادة الزواج، بالنسبة لمن عددوا الزيجات...

و لكن كيف التعرف على الأزواج؟

و لأننا نجهل القواعد المتبعة في التسمية و التعريف أمام المحكمة كمؤسسة  و سلطة قضائية وجدنا أنفسنا نبحث في النسبة والنسب و كيفية الإنتساب لأنه أساس كل تصنيف.

بعد أن علمنا أن السجلات هذه تحوي العقود الموتقة أمام عدول محكمة قسنطينة و أنها تعني بالدرجة الأولى سكان المدينة، تابعنا الأزواج مدة سبع سنوات متتالية (1202/1208-1787/1794) قصد رصد كل العقود الخاصة بكل فرد في الفترة المدروسة. رصدنا أكثر من 5500 عقدا و لزم تبويـبها حسب الأزواج و الزواجات بغرض رسم دوائر المصاهرة. و من المسائل التي فرضت نفسها قبل الغوص في موضوع المصاهرات هي مسألة التسمية و التعريف.

2. تركيبة الاسم و أساليب التعريف

يعرج الباحث، في بعض الأحيان على طروحاته الأولية ليناقش ويحلل مظاهر جانبية بالنسبة لموضوعه و لا يمكن السكوت عنها. وهي من باب المنطلقات المنهجية و التقنيات المناسبة لموضوع البحث.

إن الإسم هو البطاقة التي يتقدم بها الفرد للتعريف بنفسه وسط المجتمع، في دائرة من العلاقات تتوسع باستمرار. و لا نتوقف هنا عند اختيار الأسماء و معانيها و أصوليها بقدر ما نحتاج إلى معرفة تركيبة الإسم و كيف يوظف في التعريف الرسمي أمام المحكمة [2]. بعبارة أخرى كيف يمكن التعرف على الزوج والزوجة و الشائع أن التعامل باللقب العائلي غير راسخ قبل القرن التاسع عشر[3]. ماهي حقيقة هذا الأمر ميدانيا؟

حرصا على احترام الوثيقة تم رصد الأسماء كما وردت، و استعدادا للفرز الألفبائي و الآلي وضعناها في ثلاثة حقول منفصلة: الاسم الاول ثم اسم الأب فالإسم العائلي أو النسب / النسبة. ولم يكن الأمر بسيطا إذ لم تكن الأسماء موحدة التركيبة، فاعتبرنا، فرضيا، الإسم الثالث و ما يليه اسما عائليا. و ادرجنا الإضافات حول الحرفة وغيرها في الملاحظات[4].

لقد لخص ابن منظور، في باب "النسبة" و " النسب" من لسان العرب المحيط، احتمالات الانتساب في ثلاثة مجالات: نسبة البنوة والموطن و الحرفة[5]. و ما يهمنا هو كيف نثبت علاقات القرابة، في غياب شجرة العائلة؟ هل يكفي تطابق الإسم لتقرير القرابة؟ وكيف التعامل مع النسبة الحرفية؟ متى عوضت الإسم؟ و ماذا عن النسبة إلى الموطن الجغرافي، ونعلم أنه تمييز لا يعني دائما الإنتماء الأصلي؟[6] وضعنا كل هذه التحفظات المنهجية إلا أن تطبيقها ميدانيا صعب في ظل ندرة وثائق مكملة تفيد في التعريف بهذا العدد الكبير من سكان المدينة.

تسهيلا لعملية الجرد الآلي اعتبرنا الاسم الثالث في مكانة الإسم العائلي في المعدلات الإجمالية و لكن حرصنا في الأمثلة على عدم التعميم و الخلط [7]، و فضلنا التعامل مع الأسماء الثلاثية لمزيد من الدقة.

قد أبرزت هذه الدراسة أن الإسم الثلاثي كثير التداول ويفوق الثلثين، و صيغة النسبة بالياء في آخره هي الأكثر شيوعا و تليها صيغة البنوة بعبارة "ابن" و تأتي الكنية في مرتبة أقل.

و إذا كانت هذه النتائج مهمة جدا إذ تزعزع الرأي السائد حول التسمية باللقب العائلي و القائل بتكريس الإدارة الاستعمارية له عندما فرضت سجلات الحالة المدنية، فهي تفيدنا في التعامل مع الأزواج بأكثر ثقة في حالة الاسم الثلاثي، و اعتمدنا بدرجة أقل على الاسم الثنائي لما فيه من خطر الخلط بين الأشخاص بسبب كثافة بعض الأسماء. و قد سجلنا مثلا عشرين عقدا بين زواج وطلاق للمدعوة "فاطمة بنت علي" و لم نسجل مثلا هذا الرقم في اسم ثلاثي؛ مما يدل على أنه اسم واحد لأكثر من امرأة...

بحثا عن دوائر المصاهرات داخل المدينة و خارجها بين مختلف العائلات و الفئات من حيث المنبت و المستوى الاجتماعي والنشاط الاقتصادي و الحرفي توصلنا إلى نتائج تعيد النظر في الكثير من الأفكار المسبقة و السائدة حول تداول الاسم العائلي و تركيـبته.

3. الأنساب و المصاهرات

جوابا على من يسجل زيجاته بـمحكمة قسنطينة نستطيع القول أن سكان المدينة هم الذين يتعاملون معها. و مئات العقود تسجل شهريا و قد فاقت العشرة يوميا في بعض الأحيان. وعليه إن جل القاطنين بالمدينة يلجأون إلى خدمة عدول المحكمة المالكية لتوثيق معاملاتـهم. لم نعثر على ما يوجب هذا التعامل إداريا   و يفرضه "قانونيا" لتفسير انتظامه و رسوخه؛ إنما قد يكون في سياق الأمر الذي أصدره صالح باي (1771-1792) بضرورة تقييد كل أملاك الوقف خاصة على المساجد وسبل الخيرات[8]. و هي المبادرة التي حظيت بالكثير من الإهتمام لما نتج عنها من رعاية البايلك لشؤون الأوقاف والعمران بصفة عامة.

 هذا و قد أسفرت نتيجة الجرد الكمي أن كثافة الأنساب القبلية أو الأسماء القبلية الأصل طاغية في المدينة. و هذا لا يعني أنهم وافدون جدد بقدر ما يدل أولا على انتسابـهم لموطنهم الأصلي، ثم حرصهم على المحافظة على هذا النسب رغم مرور الوقت؛ و ربما تدعمت المجموعة دوريا بوفود جدد. و قد تفسر الظاهرة باستمرار العلاقة مع الموطن بالإقامة المؤقتة واسطورة العودة [9]. و نشير هنا إلى كل الدراسات التي تناولت العلاقة بين المدينة و الريف وطرق الاندماج في المدينة أو التقوقع داخل المجموعات إما على قاعدة المنبت الأصلي أو الطوائف الحرفية أو بالتقرب من أوساط السلطة والنفوذ.

مادمنا نتعامل مع سكان المدن نصطلح على تسمية المجموعة ذات الإسم الواحد بالعائلة مع التنبيه لمعانيها المتعددة.

برزت عائلات "العمري"و "العمراني" و "الدراجي" و"اليدري" و "البلعيدي" و"الطلحي" و "العلمي" و"الزموري" و "الوسلاتي" على رأس القائمة من حيث كثافتها بأكثر من أربعين رجلا لكل منها و بعدد متفاوت من النساء. إتضح       أن جل الذين سجلوا زيجاتهم بقسنطينة أي القاطنين بها هم من أصل قبلي أي ريفي من جهة وأن أصيلي الشمال القسنطيني أكثر كثافة من شرقه و جنوبه[10]. أما الغرب فهو الأقل تمثيلا إذا اعتبرنا المناطق البعيدة منه. و قد بلغ محيط استقطاب المدينة حدود مدينة بجاية و زمورة.

لا يسعنا عرض كل النتائج و إنما نطرح بعض قضايا من خلال الأمثلة التالية:

تشكل عائلة "الغربي" نمودجا في صعوبة التعامل لشذوذها بالمرتبة الأولى دون منازع. تستحق عائلة "الغربي" أو جماعة "الغربي"وقفة لأكثر من سبب: إنها الأكثر كثافة إذ وظف اسم الغربي للتعريف بأكثر من مائة شخص (108 رجل    و 86 إمرأة). من حيث الإشتقاق يعد "الغربي" نسبة إلى جهة الغرب مثل "الشرقي" نسبة إلى الشرق و إن وردت هذه الأخيرة في عدد قليل (12 مرة). أما من حيث الانتساب العائلي، و موطن الإقامة، يعرف الدارسون أن " الغربي" اسم عائلة حضرية عريقة أعطت العديد من الفقهاء بين قضاة و مفتيـين بين القرن الخامس عشر و السابع عشر [11]. و لا زالت حاضرة في المدينة إلى يومنا هذا. لكن، هل ينتمي كل من انتسب إلى "الغربي" إلىعائلة واحدة أم أنه اسم شامل وشائع تنضوي تحته عدة عائلات؟ و هذا هو الأرجح في رأينا. لماذا طغت نسبة "الغربي" على غيرها مثل "الشرقي" و"الساحلي" و "الصحراوي"؟ ربما لأن "الغربي" أصبحت لقبا عائليا متداولا أكثر من الأسماء الأخرى التي بقيت في شكل نسبة   إلى الموطن؛ و قد يعود السبب للنـزوح القوي من المناطق الغربية، ويرمز "الغربي" في بعض المناطق الريفية القسنطينية إلى البائع المتجول المنحدر من جبال القبائل الكبرى.

و تبقى القضية مطروحة على الباحثين لتحديد معاني هذا الانتساب و كيفية توارثه من جهة، و من جهة أخرى سر كثافة التسميات القبلية في مدينة عريقة و استمرار التعامل بـها إلى يومنا هذا، مما ينفي فكرة النـزوح الحديث. هل نكتفي بالإسم لتقرير الأصل من جهة و درجة الرسوخ في المجتمع الحضري من جهة أخرى؟ و كيف نفسر دائرة المصاهرات المبنية على معطيات محدودة مثل هذه؟ و أين مكانة العائلات القسنطينية الراسخة في القدم؟ إن ظهورها في هذه السجلات يجيب على تساؤل آخر إذ يفند احتمال وجود دفاتر عدلية عائلية أو أخرى خاصة بالفئة الحنفية الحاكمة إذ دون أبناء البايات عقودهم بـها. لقد ورد زواج حسين بن صالح باي من بنت ابن زكري سنة 1215هـ/ 1800 م [12].

مادام الإسم لا يكفي وجب علينا توظيف كل الدراسات السابقة التي تناولت بالذكر العائلات القسنطينة و شخصياتـها     في أمر سياسي أو في عقد وقف أو في مهمة دينية أو حرفية[13]. وكانت النتيجة أن القائمة محدودة. وعليه برز لنا أن ما يعرف من عائلات قسنطينة كانت قليلة عددا ومحدودة كثافة[14]، مما يطرح مشكلتين حول سعة المصاهرات و أنواعها من جهة وحجم الوافدين والنازحين نحو المدينة، من جهة ثانية.

و تتمثل المشكلة الأولى في صعوبة المقارنة بين عائلات سجلت عشرات العقود و بين تلك التي وردت عدة مرات فقط؛ و عليه اتضحت ضرورة مواصلة البحث طوليا أي على أجيال متتالية لرصد المصاهرات العابرة و الشاذة و تلك المكرسة بتجديدها و تدعيمها في كل جيل. و إلا كيف يمكن تفسير مصاهرات عائلة ابن باديس التي ظهرت في ثلاثة عقود تـهم كلها شخصا واحدا و هو "السيد علي النوري بن باديس" العدل بالمحكمة المالكية، وبين مواقف " السيد حسين الفكون"، العدل هو الآخر - الذي زوج ابنه محمد من راضية بنت ابن محجوبة   و أحمد من شريفة بنت الأموي أما ابنته فطوم فقد زوجها للحاج سي ابراهيم بن نعمون...[15]- و بين مصاهرات عائلة "الخطابي" التي سعت العشرين عائلة في ظرف سبع سنوات أو عائلة الحناشي مثلا؟ و كيف نفسر التنويع في المصاهرات و كثافتها؟ لصالح أي طرف و ماهي أبعاد هذه الراوبط؟

إذا كان من الصعب رسم استراتيجيات الأسر البلدية الصغيرة الحجم فكيف الولوج إلى عالم العائلات الوافدة ذات الانتماء القبلي الراسخ؟ إن مكانتها في النـزاعات بين القبائل من أجل النفوذ الجهوي أو المحلي أو بصورة اعتيادية من أجل البقاء تجعل اختيار الأصهار عملية متشابكة و معقدة لا يمكن تفهمها في جهل مثل هذه المعطيات. فهذه عائلة "الخطابي" القوية عددا (أكثر من ستين عقدا بين رجل و امرأة)، تنتمي إلى قبيلة "بني خطاب" المتمكزة بين مدينتي ميلة و جيجل، وهي "ثرية " "في منطقة فقيرة" على حد تعبير ليلى بابس [16]. قد تميزت بسعة المصاهرات مع تزاوج بين أفراد العائلة الواحدة. و إن بقيت العلاقات في مجموعها بين عائلات من نفس المنطقة الأصلية تقريبا.

تقدم أكثر من أربعين رجلا و ثلاثين امرأة أمام القاضي وتوزعت المصاهرات بالنسبة لرجال "بني خطاب" إلى ستة مع نساء "من القبيل"، أي من "بني خطاب"، و ثلاثة من "السياري" و "اليدري" و اثنين من كل من "العمراني" و"العمري" و"البلعيدي" و "المعمراتني" و ‏"المسلمي" و الباقي في لقاء واحد؛ وتمت سبعة زيجات مع نساء لا يحملن اسما ثلاثيا. أما بنات الخطابي فكان من حظهن الزواج مع بني عمومة في ستة حالات و ثلاثة تزوجن من "البعلفوتني" واثنين من "التليلاني" و "العيساوي" والباقي توزعن عند "العبيدي" و "العمراني" و "البجاوي‏" و"الغربي" و "العيدوني" و"الرحموني" و "الزبيري"   و غيرهم...[17]

إذا إعتمدنا على الاسم وجدنا ان "الخطابي" لا زالوا يصاهرون عائلات قبلية المنبت من الشمال القسنطيني أساسا مثل "التليلاني" و"العيدوني" و "اليدري". و أن نسبة التزاوج في العائلة ضعيف عند النساء و يمثل السدس و هو أضعف عند الرجال حيث يمثل الثمن. مثل بني عمران و بني سيار وبني يدر و غيرهم[18] . كما تبين قائمة المصاهرات أن بنات الخطابي تزوجن في دائرة أوسع نسبيا من رجالها. و قد أفرزت الدراسة من خلال مبالغ الصداق أن معدله بالنسبة لبنات الخطابي (60 ريالا) أعلى مما أعطى بني خطاب لزوجاتـهم (56 ريالا).

و تأخذ هذه المعلومات و الأرقام مدلولها مقارنة بالممارسات السائدة أو الشاذة في الفترة المدروسة. و لكن لا تتضح الاستراتيجيات إلا في ضوء دراسة طولية عبر عدة أجيال تمنح لهذه المعطيات الكثيفة أفقيا معانيها.

مثلت عائلة "الحناشي" التي تنتسب من دون شك إلى عرش الحنانشة، المجموعات ذات المنبت العربي الشريف حسب مختلف الروايات و هي منحدرة من الجنوب الشرقي لمدينة قسنطينة.     و قد كانت للحنانشة مكانة اجتماعية وسياسية كبيرة في بايلك الشرق طوال الحكم العثماني وكان شيخ الحنانشة ممن صاهر بايات تونس و لبس قفطان التولية بعد باي قسنطينة [19]. و لذا تدعو مصاهرات عائلة "الحناشي" إلى التفكير لأنها تميزت بالانفتاح التام على المحيط و ذلك بانعدام الزواج داخل العائلة من جهة و تفاوت المصاهرات من حيث الانتماء الاجتماعي الذي وسع عائلة بن صولة الذوادية من أجواد الصحراء من جهة       و معتوقات الباي من جهة أخرى. وقد يفسر هذا الوضع بأن العائلة متعددة الفروع ولها مواقف و ممارسات مختلفة. من زواية أخرى تبين أن بنات "الحناشي " تزوجن دون الكفاءة المشروطة شرعا - إذا ما تقيدنا بمبلغ الصداق كما أسلفنا - حيث دفع رجال "الحناشي" مهورا أعلى ( معدل = 72 ريالا) من تلك التي كانت من نصيب بنات "الحناشي" وكان المعدل لا يفوق (52ريالا) في حين قدر المعدل العام للعينة المدروسة بستين ريالا. إن الفرق شاسع بين ما قدمه الأزواج و ما أخذته الزوجات خاصة أن ما دفعوه فاق المعدل بكثير. وُصف بني خطاب بالغناء و المال في منطقتهم الأصلية و مع هذا كانت المهور عندهم             في مستوى المتوسط؛ أما الحنانشة فلا يعانون من نقص المال و لكن اندماجهم في المدينة بدا شائكا إذ دفعوا الثمن باهظا في زيجات لم تقربـهم بأعيان المدينة و أثريائها[20]. كما سجلت بعض المصاهرات مع حرفيين انتسبوا لحرفتهم مثل "الغرابلي" و"الحاكي" و"الطبال" في حين بقيت مصهرات الخطابي بين أسر قبلية الانتماء. كيف نفسر مصاهرات الحنانشة هذه خاصة مع فئة المعتوقين حديثا من الرق؟ هل عتيقات الباي من العلجيات وليست من سواد افريقيا؟ و هل ساهمت هذه الزيجات في التقرب من مراكز الحكم و قيادة البايلك؟ أمر محير...

قد يمكن الجواب في مدى استمرار الروابط مع القبائل والأعراش الأصلية أو انقطاعها، لأن عائلة الخطابي مثلا، مازالت على ارتباط وثيق بمنطقة بني خطاب بالشمال القسنطيني، و أن مكانتها و ثروتها (بابس، 1984) تظهر في نوع المصاهرات التي ربطتها بالعمراني   أو الدراجي أو البعلفونتي مما يدعم انتماءها في المنطقة الأصلية ويرسخه من جهة و يخلق مجموعة متناسقة مبنية على الموطن اًلأصلي. ليس لدينا ما يثبت أن الزواج بين أسر قبلية الأصل كان يتم ترتيبه داخل المدينة أو خارجها، و "الشائع" أن الإقامة الفصلية في المدينة بغرض الشغل لا تنفي الزواج في الموطن الأصلي بل وتشجع هذا التوجه لقلة الاندماج في المجتمع المدني.

لقد عثرنا على إشارات عابرة و نادرة، وردت في شروط الزواج، تلزم الزوج بعدم إخراج زوجته من بلد العقد، أو بعبارة أوضح "ألا تخرج إلى البادية إلا برضاها..." و هذا يبرز العلاقة المستمرة مع الريف مما يجعل احتمال خروج الزوجة إليه أو إرجاعها واردا إلا أن من اشترطن عدم الخروج من قسنطينة "بلد العقد"، لسن من عائلات قسنطينة. و هو أمر يعقد التفسير إذ المصاهرات ليست بين "بلديين" وريفيين كما كنا نتصور. فالأرجح إذا أن الوافدات تعودن على حياة المدينة و في سن الزواج تتحفظن عند العودة إلى أعمال البادية و ظروف العيش بـها. هذا ما يستكشف من العقود التي لا تفصل في الأسباب و إنما تقيد الشرط والالتزام فقط.

الخاتمة

تحليلا لعقود الزواج بغرض رسم شكبة المصاهرة خرجنا بصورة غير واضحة الملامح و إن تميزت أولا، بالكشف عن أن الزواج بابنة العم نمط غير سائد بل نادر في عينتنا، فالنسبة لا تفوق العشرة بالمائة إذا اعتمدنا تطابق الاسم الثالث، و هو مجال واسع يضم من دون شك أسماء متشابهة و ليست من العائلة. و الواقع أن كل الدراسات الميدانية، خاصة في الوسط الحضري اعطت نتائج مماثلة بنسبة ضئيلة جدا [21].

أما حول المحور الثاني و المتمثل في الكشف عن المصاهرات داخل الأسوار و خارجها أكدت نتائج التحقيق على أن الانتماء القبلي هو السائد - و إن كانت العائلة قد ترسخت في المدينة إقامة - مما يعقد مهمة التفسير. إذا انطلقنا من أن العقود التي سجلت في المدينة تـهم سكان المدينة بالدرجة الأولى - و لا شيء يبرر حضور أهل الأرياف المجاورة للزواج أمام قاضي المدينة قسنطينة - فكيف نتعرف على أقدمية كل منهم في المدينة و مدى اندماجهم في الوسط الحضري؟ و ماهي مقاييس المدينة الفاعلة في الوسط القسنطيني؟ ثم كيف نميز بين الظروف الطبيعية القاهرة (عدد الذكور و الاناث في سن الزواج في عائلة ما) وبين الخيارات الاستراتيجية؟

ثم باستثناء بعض العائلات كان عدد الرجال أكبر من عدد النساء في العائلات الواردة في العينة. و قد يبدو غير معقول انطلاقا من ظاهرة تعدد الزوجات إلا أن الفرق بين النساء و الرجال من حيث العدد النسبي لكل مجموعة قد يدعم فكرة النـزوح المتأخر و أن الرجال أكثر كثافة في المدينة.

كما لا تفوق نسبة التزاوج داخل العائلة الواحدة 10 %، إذا حسبنا تطابق الاسم في خانة النسب مهما كان محتواها. أما أن نبحث عن العلاقات الثنائية بين عائلتين فهي متنوعة ولا توجد عائلة واحدة تميزت بكثافة المبادلات الأسرية بل نجد التنوع والتفتح و يبقى تحديد درجة التقارب و التكافئ بين الأصهار.

حاولنا متابعة مصاهرات العائلات الأكثر كثافة لأنـها تسمح بعددها أن تبين استرتيجياتها. و لكن و للأسف لا ذكر لهذه العائلات في الوثائق الأخرى السائدة بالمدينة مثل عقود الوقف والملكية و في كتابات التأريخ المحلية. و عليه لا يمكن التعرف على نوعية العلاقة بين القاطنين في الريف والقاطنين في المدينة وما يميز هذه العائلات عن بعضها البعض. و عليه صعب علينا أن نخرج بنتيجة واضحة مبنية على معطيات موثوق بـها.

بالنسبة للعائلات العريقة في المدينة فالعملية أوضح لقلة عددها ومن ثمة قلة عدد المصاهرات. تميزت المصاهرات داخل المدينة وخارجها باختيار الزوجة خارج الدائرة العائلية الضيقة. إجمالا توصلنا إلى نتائج ليس من السهل تفسيرها لأنها صورة وحيدة التقطت في تاريخ محدد و فترة محدودة (نهاية القرن 18 م) منفصلة عما قبلها و ما بعدها. رغم أهميتها فلا تعدو أن تكون خطوة أولى ضرورية و لكن ليست كافية لوحدها لتفسير تيارات المصاهرات. فيجدر مواصلة البحث جماعيا، تطلعا إلى تطور المصاهرات نحو الانغلاق أو الانفتاح على المحيط  مع التحولات الاجتماعية اللاحقة.

 

تعد نتائج هذه الدراسة لبنة أولى و أساسية تسمح بإعادة النظر في بعض "المسلمات" و تطرح مثل هذه المسائل انطلاقا من الوثائق المحلية و تدعيمها بالرصيد المعرفي و المنهجي حول المجتمع الجزائري. و لا حرج أن تبقى التفسيرات معلقة ما دام البحث في بدايته، فالمهم أن المادة متوفرة و إن كانت مبعثرة لبحوث جماعية معمقة تتبلور في الميدان بالاحتكاك و المقارنة.             و قد نعود إلى الموضوع بمزيد من التفاصيل عرضا و تحليلا، في المستقبل القريب.

الـملحق

هذه مقتطفات من قائمة الذين تزوجوا (أو طلقوا) أمام المحكمة قسنطينة فيما بين 1202-1208هـ/ 1787-1794م. وهي مستخرجة من فهرس بأسماء الأزواج مبوب إلى: اسم الزوج- اسم ابيه - اسم العائلة (إن وجد) ثم اسم الزوجة - اسم ابيها فاسم العائلة إن وجد. ثم عدد عقود الزواج و عدد عقود الطلاق التي وردت باسميهما معا. و نظرا لضيق الورقة تكتفي بالاسم الاول فاسم العائلة...

 

N° de l’enregistrement sur le fichier DictZ رقم العقد في القاعدة
prnepoux اسم الزوج
npere اسم ابيه
nomepoux اسم العائلة
prnepouse اسم الزوجة
perepouse اسم أبيها
nomepouse اسم عائلتها
freqmar = fréquence mariage عدد عقود الزواج
freqdiv = fréquence divorce عدد عقود الطلاق

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


الهوامش

 [1] توجد هذه السجلات العشر بأرشيف ولاية قسنطينة. و هي وثائق تغطي فترة 1202/1787-1273/1856.  و قد أهملنا الهوامش عند ذكر العقود لأن تاريخها هو الـمهم و به يمكن التعرف على رقم السجل، ما دام الترقيم الداخلي غير موجود في الأصل.

[2] SUBLET, J.- Le voile du nom. Essai sur l’origine du nom propre arabe.- أنظر :

Paris, PUF écriture, 1979.

[3] لقد ورد في تقرير اللجنة التي اقترحت قانون الحالة المدنية سنة 1881 أن الجزائريين "ليس لهم أسماء عائلية إلا فيما ندر"...؛ أنظر:

ESTOUBLON, R.; LEFEBURE, A.- Code de l’Algérie annoté. Recueil chronologique des lois, ordonnances, décrets, circulaires etc, formant la législation algérienne actuellement en vigueur.- Alger, 1896.- p.568. Cité par PARZYMIES, A.- Anthroponymie algérienne, noms de famille modernes d’origine turque.- Varsovie, Ed. Scientifiques de Pologne, 1985.- p.19.

[4] قدمت هذه الدراسة في ورشة بحث حول "الفرد و المجتمع في المجتمعات المتوسطية الاسلامية " بتنوس في فبراير 1997. لم ينشر بعد.

[5] " النسبة من الإنتساب، النسب واحد الأنساب و معناه القرابة، و قيل هو في الأباء خاصة، ويكون إلى البلاد ويكون في الصناعة".- بيروت، لسان العرب المحيط، دار لسان العرب.- د.ت.

[6] لدينا في أسماء البايات و ألقابـهم أحسن دليل على النعت إلى موطن الإقامة دون الأصل. فهذا أحمد باي الشهير بالقلي الذي حكم قسنطينة من 1756 إلى 1771 و كذلك مصطفى انجليز باي في آخر القرن... أنظر:

après 1975).)GAID, M.- Chronique de beys de Constantine.- OPU, s.d.

[7] وردت النسبة إلى الموطن و تكررت و لا يمكن اعتبار كل من نسب إلى جيجل أو ميلة (جيجلي، ميلي...) من نفس العائلة. و كذلك النسبة الحرفية مثل "الدباغ" و "الحداد" و"العسكري " و غيرها.

[8] BERBRUGGER, Adrien.- Les anciens établissements religieux musulmans de Constantine.- Revue Africaine, 1868, n° 12.- p.p. 121-133.

[9] BABES , L .- Mythes d’origine et structures tribales dans le constantinois sous la domination turque : essai sur le fondement du pouvoir politique.- Thèse de 3ème cycle, Aix en Provence, 1984.

TEMIME BLILI, Leila .- Structure et vie de famille à Tunis à l’époque précoloniale et coloniale (de 1875 à la veille des années trente).- Tunis, thèse de doctorat de 3ème cycle / DRA, 2 vol.

[10] BADJADJA , A .- Carte des tribus de l’est algérien .- Edition à compte d’auteur.

[11] - عبد الكريم الفكون.- منشور الهداية في كشف حال من ادعى العلم و الولاية، تحقيق (سعد الله، أ).-   دار الغرب الإسلامي، 1987؛ الحفناوي، أ.- تعريف الخلف برجال السلف.- بيروت، مؤسسة الرسالة، 1982، جزاءن.

[12] - السجل رقم 3.

[13]- -سعد اللـه، أ .- تاريخ الجزائر الثقافي من القرن العاشر إلى القرن الرابع عشر.- الشركة للنشر و التوزيع، 1983، جزءان؛ شغيب، محمد المهدي.- أم الحواضر في الماضي و الحاضر تاريخ مدينة قسنطينة.- قسنطينة، البعث، 1980، إلخ...

[14] - بينت البحوث اليدمغرافية و الإجتماعية أن تزايد السكان في المدينة، في القرون الماضية، كان قائما على التوافد المستمر من الريف الذي يغذيها بالمنتوجات و بالسواعد الفتية مما يفسر صغر حجم العائلات العريقة الإستقرار في المدينة. و توصلت تيون و جاردين إلى نفس النتائج رغم اختلاف الزمان و المكان، أنظر:

TILLON, G.- Le harem et les cousins.- Seuil, 1966; GARDEN, L.- Lyon et le lyonnais au XVIIIème siècle.- Science-Flammarion, 1975.

[15] - ملحق رقم : 1. مصاهرات بعض العائلات الحضرية.

[16] BABES , L .- Mythes d’origine et structures tribales dans le constantinois sous la domination turque : essai sur le fondement du pouvoir politique.- Thèse de 3ème cycle, Aix en Provence, 1984.- p. 70.

[17] - أنظر ملحق "مصاهرات عائلة الخطابي" و "الحناشي".

[18] - ملحق رقم 2 : مصاهرات عائلة الخطابي.

[19] - للمزيد حول الحنانشة أنظر: معاشي، جميلة .- الأسر المحلية الحاكمة في بايلك الشرق الجزائري من القرن 10م/ 16 م إلى القرن 13 / 19م.دراسة اجتماعية سياسية.- جامعة قسنطينة، ماجستير في التاريخ، 1992.- 396ص.

BABES, L..- Mythes....- Op.cité.- p.p. 233-286; FERAUD, Ch.- L.- Les Hrar seigneurs des Hanencha.- Revue .Africaine, 1874 et d’autres articles.

[20] - أنظر ملحق رقم 3: مصاهرات عائلة "الحناشي".

[21]- Alliance et Patrimoine en Tunisie FERCHIOU, S.- Hasab wa nasab, Parenté, (pref. HERITIER, F).- Paris, CNRS.- 347p.; TEMIME BLILI, Leïla.- Structure   et vie de famille à Tunis à l’époque précoloniale et coloniale (de 1875 à la veille des années trente).- Tunis, thèse de 3ème cycle/ DRA.- 2 vol.

Appels à contribution

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran
+ 213 41 62 06 95
+ 213 41 62 07 03
+ 213 41 62 07 05
+ 213 41 62 07 11
+ 213 41 62 06 98
+ 213 41 62 07 04

Recherche