Sélectionnez votre langue

بين إدراك الذات و نقد الواقع قراءة في ثلاث أطروحات حول تاريخ التربية في المغرب

إنسانيات عدد 06| 1998 | المدرسة: مقاربات متعددة | ص 65-76 | النص الكامل 


Mohamed GHALEM: Département d'Histoire, Université d'Oran, 31 000, Oran, Algérie


 

نظرا لأهميتها و رغم قدمها، نقدم للقارئ هذه الأطروحات بهدف إثراء العدد الخاص بالمدرسة من مجلة إنسانيات.

1- أطروحات الدكتوراه:

Histoire de l’éducation et des idées pédagogiques en Ifriqya depuis Ibn Sahnoun jusqu’à Ibn Khaldoun- Thèse de Doctorat d’Etat présentée par Ali Driss, Université Paris III, 1978 (3t).

1.1/ ناقش الأستاذ "علي إدريس" أطروحة تحت عنوان : تاريخ التربية والفكر التربوي في إفريقيا ( تونس) من ابن سحنون إلى ابن خلدون بإشراف المستشرق الفرنسي اندريه ميكال أستاذ الأدب العربي بجامعة الصربون: باريس- فرنسا.

يتحدث الباحث التونسي في المقدمة عن الإشكالية العامة للدراسة الجامعية التي أنجزها و عن أهدافها العلمية و الاجتماعية. في هذا السياق يشير إلى الأهمية التي تكتسيها الدراسات الأكاديمية حول تاريخ النظم التربوية في المغرب العربي و تتجلى هذه الأهمية في أن التراث التربوي المغربي يحتوي على "رصيد حي جدير بأن يكون مصدرا لاستلهام نظم تربوية حديثة متجانسة شريطة أن تتجاوز نظرتنا إليه المجاملة و ترقى إلى الإدراك العقلي العميق". إن هذا المنهج يدفعنا إلى اعتبار الظاهرة التربوية التقليدية -لا تحفة تاريخية- بل محكا نختبر عليه قدرتنا على تأسيس وعي تربوي جديد. فالبحث في نشأة المؤسسات التربوية المغربية و تطورها عبر العصور يتحول إلى وسيلة ناجعة لفهم واقعنا الثقافي وإدراك طبيعة حركيته.

إن العودة إلى الماضي " تفترض المحافظة على الهوية الثقافية لمنظومتنا التربوية دون أن يعني ذلك مقاومة حركة التقدم و التخلي عن متطلبات المستقبل ". فالوعي بالموروث التربوي يشكل وسيلة فعالة للتحرر من التبعية للآخر وسبيلا لاكتشاف "خيارات تربوية عضوية أصلية". لقد حان الوقت لإيجاد حلول ناجعة لقضايانا التربوية و الثقافية و لا يتم ذلك إلا بانجاز دراسات علمية جادة تأخذ بعين الاعتبار تاريخنا الثقافي.

1.2. تنقسم الأطروحة التي تقع في ثلاثة أجزاء إلى الأقسام التالية:

القسم الأول: تنوع البيئة التونسية و النماذج التربوية

- يشمل هذا القسم على دراسة البيئة التونسية و خصائصها الجغرافية والإثنية و الاجتماعية أولا ثم على تحليل العمل التربوي الذي لا يقتصر على المؤسسات الرسمية بل يمتد إلى المؤسسات الاجتماعية (الأسرة- القبيلة-الزاوية-الرباط) التي كانت تشرف على التعليم الابتدائي و الثانوي و تسهر على نشر القيم الأخلاقية و الدينية التي تميز الحضارة العربية الإسلامية.

- يجد الاهتمام بالجوانب التاريخية و الاجتماعية تفسيره في اعتماد الباحث على المنهج التاريخي في دراسة الظاهرة التربوية. فالعوامل الجغرافية و التاريخية تلعب دورا مميزا في تقرير الجوانب التربوية و الثقافية في المجتمعات المغربية التقليدية.

- لقد بذل الباحث جهدا في استخلاص خصائص العمل التربوي و مراحله (من الحضانة إلى المراهقة) عبر تحليل تآليف بعض الفقهاء المغاربة (المالكية) غير أن هذا الجهد اقتصر على الجميع و التخليص و تناول العموميات دون الاهتمام بما يميزالأنماط التربوية التونسية عن غيرها في العالم العربي.

القسم الثاني: التكوين الفكري و النظم التربوية

  • يشتمل هذا القسم على دراسة تحليلية للمناهج التربوية و طرق التدريس كما يستعرض فيه الباحث أوضاع المدرسين و الطلبة (واجبات وحقوق). في هذا السياق يناقش الباحث فلسفة التربية في الإسلام بالتركيز على الأهداف التي دونها لها فقهاء المالكية في المغرب (سحنون، ابن زيد القيرواني، القابسي، وغيرهم) و يبرز دور الأسرة في ترسيخ القيم التربوية و الأخلاقية.
  • يشكل هذا القسم في نظرنا محور الأطروحة رغم الصعوبات التي اعترضت الباحث و منها ندرة المصادر و اتجاه المؤلفين القدامى إلى عدم التعرض إلى قضايا الأسرة و المرأة و الطفولة في تآليفهم. إن هذه المواضيع رغم أهميتها بالنسبة لعلم التربية، كانت من المحرمات إذ قلما يناقشها المؤرخون و العلماء في بحوثهم.

القسم الثالث: الإسلام و التربية، خصائص الثقافة المغربية التقليدية  

يشتمل القسم الأخير على تحليل لخصائص الثقافة المغربية التقليدية والعوامل المؤثرة فيها. فالثقافة المغربية في العصر الوسيط ذات بعدين: فقهي و لغوي، واتجاهاتها تعليمية أساسا و يعود ذلك إلى عاملين رئيسيين: النزعة المحافظة والنزعة الأصولية ( أي الالتزام بالسلف).

ما هي الأسباب التي أدت إلى اتسام الثقافة المغربية بهذه الخصائص؟ يؤكد الباحث على سببين هما الذهنية البربرية ( البساطة- التشدد و الاندفاعية) وملابسات حركة التعريب و انتشار الإسلام في المغرب. إن هذه العوامل هي التي قررت انتصار المذهب المالكي و سيادة الايدولوجيا السنية.

1.3 – يمكن أن نستخرج من هذه الدراسة الجامعية النتائج التالية:

* تمكنت بلاد تونس (إفريقيا) بعد قرن و نصف من الوجود العربي من تأكيد استقلالها السياسي عن الخلافة العباسية في الشرق العربي و بناء شخصيتها التاريخية ضمن ثقافة عربية إسلامية شاملة، و مع ذلك ظل المجتمع التونسي يشكل كيانا اجتماعيا غير متجانس إذ كان يتكون من عناصر إثنية متباينة خلال عصور طويلة (عرب، بربر، أفارقة و أقليات). و في العهد الحفصي، توحدت هذه العناصر فشكلت كيانا وطنيا منسجما "بفضل اللغة العربية و الدين الإسلامي و المذهب المالكي".

و تشكلت البنية الاجتماعية في تونس بفضل موروثين متشابهين: الموروث البربري و الموروث العربي اللذين حددا طبيعة العلاقات الاجتماعية (النظام الأبوي، العائلة: الخلية القاعدية، تبعية المرأة، المرأة حامية التقاليد و العادات القديمة...) لقد لعب الفقه المالكي دورا حاسما في الجمع بين هذين الموروثين (النوازل و فقه المعاملات على الخصوص).

قيّم الإسلام فكرة التربية المستمرة إذ حث المسلمين على طلب العلم "من المهد إلى اللحد" و فرض مجموعة من الواجبات و المستحبات في مجال العادات والطقوس التي تطبع حياة الفرد من الولادة إلى الموت. فالأعياد الدينية والعبادات تشكل أحداثا هامة في الحياة العائلية و المجتمع. أما الطقوس و العادات التي تميز نمط المعيشة (المسكن، اللباس، الأكل) فتمثل "معاملات ترمز إلى وجدان الأمة". و كان الاقتداء بالسلف الصالح و التمسك بتقاليد الأجداد هما المثل الأعلى في المجتمع التونسي القديم.

أما التعليم، فكان يوزع إلى مراحل. ففي الكتّاب يتعلم الطفل القرآن عن طريق الحفظ و الاستظهار و كذلك الخط. فالتعليم الإسلامي لا يميز بين العلم و التربية الدينية و الأخلاقية. في هذا الجمع بين العلم و الدين، يكمن جوهر المدرسة الإسلامية و نظامها التربوي. و في المدرسة (التعليم الثانوي) كان التعليم يرتكز على الفقه و النحو و التفسير حسب المذهب المالكي و في الجوامع الكبرى (التعليم الجامعي) كانت تدرس العلوم العقلية مثل الطب و علم الفلك و السيميا و المنطق و الرياضيات و علوم اللغة كالشعر و تخصصت بعض المدارس الرسمية في تكوين الموظفين الكبار مثل الكتاب و القضاة...فكان تعليمها مزدوجا دينيا و إنسانيا (أدب، علوم و شريعة).

في مرحلة الابتدائي لم تتغير مناهج التعليم و طرقه تغيرا ملحوظا منذ عهد ابن سحنون. لقد وضع فقهاء المالكية (لبن سحنون- القابسي- أبو زيد القيرواني...) المناهج التربوية وقنّنوها بطريقة محكمة فانتشرت الكتاتيب في الأحياء و القرى وفي الجبال و السهول.

أما التعليم الثانوي، فقد شهد تطورا واضحا في مناهجه و طرق التدريس. لقد قاوم فقهاء المالكية منذ سحنون (848م) تدريس المذاهب الأخرى و عقائد الشيعة و الخوارج. فقد كان جامع القيروان مركز إشعاع المذهب المالكي. وانتقلت هذه الوظيفة في عهد الحفصيين إلى جامع الزيتونة بتونس. لقد كان تنظيم الدروس والمناهج في هذه المساجد محكما. غير أن الطالب كان يتمتع بحق اختيار الأستاذ و المواد و المصادر التي يدرسها. في القرن 13 (م) ظهرت المدارس الرسمية التي كانت تشرف عليها الدولة. فكانت تعمل على تكوين الإطارات الدينية و الإدارية و المدرسين. و منذ القرن الثامن(م)، كانت الرباطات التي تقع على الثغور تقوم بمهمة التدريس. و في القرن الثالث عشر، انتشر التصوف في بلاد المغرب، فاضطلعت بعض الزوايا في الأرياف بمهمة تدريس العلوم الدينية و المذاهب الصوفية. في العهد الزيري، جمع التعليم بين العلوم النقلية و العلوم العقلية، فكانت المساجد تدرس علوم القرآن و الحديث و الشريعة و النحو و تاريخ الفتوح و الأدب العربي، و الرياضيات و الفلسفة (الحكمة) و المنطق. و مع ذلك كانت المصادر المعتمدة هي " الموطأ" (مالك) و العقيدة الأشعرية. أما التعليم في العهد الحفصي فقد انحصر في العلوم النقلية. فكانت طريقة التحصيل السائدة تتمثل في النقل عن طريق الحفظ و الرواية. أما طريقة الإلقاء التي وضع أسسها العالم فخر الدين الرازي و التي كانت تستند إلى المناظرة (المناقشة: أسئلة و أجوبة) فقد غابت عن التعليم مع انحسار العلوم الدقيقة.

حينئذ دخلت الثقافة المغربية عهد الجمود بسبب طرق التدريس التي تشجع على نقل علوم الأولين و لا تحفز ملكات النقد و التجديد و الإبداع لدى العلماء والطلبة على السواء.

تميزت الثقافة المغربية باتجاهاتها التعليمية خاصة في مجال علوم الدين واللغة العربية.

يعود ذلك بالدرجة الأولى إلى عاملين تاريخيين: رهانات حركة التعريب والأسملة (Islamisation) و الذهنية البربرية (بساطة تشدد و اندفاعية). فالفكر التعليمي (Didactique) يستند إلى الوصف و المعيار. إن فقهاء المغرب كونوا البربر على التمسك بتعاليم الدين الإسلامي التي اخترقت مجالات الحياة الخاصة والشؤون العامة. فقد كان التعليم يستند إلى فكر تربوي مستوحى من المذهب المالكي، و كانت الغاية من التعليم في نظر فقهائه، دينية أخلاقية يقصد بها تتميم الدين و تقوية الإيمان أولا.

2/ قراءة في أطروحة الدكتوراه

Université Qarawiyyine de Fès (IX-XVème siècles)- Thèse de Doctorat présentée par LALAWUI Mounir, Université Paris V, 1989.

2.1/ يعتبر جامع القرويين بفاس مركزا هاما للإشعاع الثقافي و الفكري في المغرب العربي خلال عصور طويلة. تأسس - مسجدا أولا- بناء على وصية احد أثرياء فاس : محمد بن عبد الله الفهري 859م. ثم أصبح جامعا مع بداية القرن 11م على إثر هجرة علماء قرطبة و القيروان إلى فاس و تصدرهم التعليم فيه.

- في العهد المريني، كان للجامع دور بارز في نشر المذهب المالكي في المغرب إذ عمل الملوك المرينيون على توظيف هذا المذهب في مواجهة التيارات المذهبية والصوفية التي كانت تعصف بوحدة الجماعة و البلاد.

تهدف الدراسة التي أنجزتها السيدة " ليلى العلوي منير" تحت إشراف الأستاذ " أحمد المعتصم" المختص بشؤون التربية و التعليم بالعالم العربي إلى تحديد خصائص التعليم بجامع القرويين و المدارس الملحقة به منذ تأسيسه إلى سقوط الدولة المرينية في القرن الخامس عشر و تتوزع إلى ثلاثة أقسام.

2.2/ يتناول القسم الأول الإطار التاريخي فيعالج جامع القرويين و هندسته ثم نظامه الإداري و مصادره المالية (أوقاف و غيرها) و أهم النظراء الذين اشرفوا عليه.

ويتناول القسم الثاني- أطولها- دراسة العلوم و مقرراتها و الإجازات و المنح و الشيوخ و الطلبة- ذكورا و إناثا-.

أما القسم الثالث فيعالج المبادئ التربوية الشائعة في العالم الإسلامي من خلال ثلاثة علماء هم " ابن جزار- القرن العاشر- مسكويه- القرن الحادي عشر- ابن خلدون- خلدون- القرن الرابع عشر- و يناقش المناهج التربوية التي أقرها علماء القرويين كالحفظ و الاستظهار- و أثرها على التعليم.

تعتقد السيدة العلوي منير" إن العودة إلى النظام التربوي القديم يتخذ أكثر من مغزى في ظل تأزم النظم التربوية الحديثة". إن إصلاحا فعليا للتعليم الحديث" لا يتم إلا إذا استوعبت المجتمعات العربية المعاصرة تراثها الفكري و التربوي واستخلصت منه العناصر الحية القادرة على إنارة واقعها المتأزم و الضرورية لبناء المستقبل الذي تتطلع إليه" تلك هي الإشكالية الرئيسية التي اخترقت مضامين الأطروحة. و رغم الصعوبات التي اعترضت خلال عمليات إنجاز هذا العمل الأكاديمي خاصة قلة المصادر و نذرتها فإنها توصلت إلى النتائج التالية:

2.3/ لم يكن التعليم في المغرب الوسيط مؤسسة تابعة للدولة، خاضعة لأهدافها و مخططاتها" بل قام لتلبية أغراض نابعة من المجتمع، تعكس واقعه وتستجيب لحاجاته التي فرضها التطور التاريخي".

يتجلى ذلك من خلال الوظائف التي يضطلع بها نظام التربية و التعليم و هي كلها وظائف اجتماعية دينية تسعى إلى ترقية الإنسان فكريا و روحيا و تنشئته اجتماعيا و أخلاقيا.

فإذا كان تكوين الإطارات الضرورية للمجتمع و الدولة (كالفقهاء و الكتبة، والمعلمين) من مهام جامع القرويين و المدارس الملحقة به- خاصة في العصر المريني- فإن ذلك أمر لم يكن يخرج عن نطاق "مسعى إجتماعي إيديولوجي حددته متطلبات التوحيد و مواجهة محاولات التشتت التي كانت تقوم بها التيارات المناوئة للمذهب المالكي" .

قام التعليم في المغرب على مبادئ معينة منها الإلزامية (منذ عصر الموحدين الذين أقروا إجبارية التعليم) والمساواة في الحظوظ بين الطلبة (الفقراء و الأغنياء، أهل الريف و أهل المدن) لأن مؤسسة الأوقاف - خصوصا - التي تتكفل بنفقات التعليم و إدارة مؤسساته كانت تحمل على عاتقها نفقات الطلبة المعوزين

(منح المعوزين و ملابس و معاش) غير أن قوانين العمران فرضت تفاوتا بين التعليم في الأرياف الذي كان يخدم أغراضا دينية عموما و التعليم في المدن الذي كان يرقى إلى مستوى عال في العلوم النقلية و العقلية معا. إضافة إلى ذلك إن الدراسة كانت تتم في المسجد على شكل "حلقة" الطلبة حول شيخهم، لا فرق بين من يتقدم أو من يتأخر في الحلقة.

لم يكن نظام التقويم يعتمد على الامتحانات و النتائج كما هو الحال بالنسبة للأنظمة التربوية الحديثة، بل كان يهدف إلى اختبار ذكاء الطالب و مثابرته في شتى العلوم التي يتلقاها. فالطالب يتفوق في العلوم التي يميل إليها و يبرز درجة عالية من الاهتمام بها. و لا يعني ذلك غياب المنافسة بين الطلبة في التحصيل العلمي بقدر ما يعني حرية الطالب في اختيار المواد و المدة التي تستغرقها دراستها حسب كفاءاته و استعداداته.

تنتهي الدراسة في الجامع القرويين بين ستة أو عشرة أعوام بالحصول على الإجازة التي تؤكد كفاءة الطالب في تدريس المواد التي تلقاها على يد شيوخ مؤهلين. فالإجازات القديمة خلافا للشهادات التي تمنحها الجامعات العربية المعاصرة، تشجع حركة التبادل الثقافي بين القطار العربية إذ لا يحتاج أصحابها إلى معادلة لتبوء التدريس في أي مكان من العالم العربي.

على أن نظام التعليم كانت نكتنفه مساوئ و نقائص هي :

- اعتماده على مناهج الحفظ في عمليات التحصيل العلمي. فمن المدرسة القرآنية إلى الجامع كان الحفظ و الاستظهار أصل التعليم و التحصيل. فالشيوخ والطلبة كانوا يتنافسون على رواية المصادر كالقرآن و الحديث و كتب الفقه واللغة و العلوم الأخرى. يقول المثل"من لا يحفظ النص فهو لص" و حتى العلوم العقلية كالمنطق و الحساب و الطب فكانت تدوّن بأسلوب شعري ليسهل على الطالب روايتها.

- كان لهذه الظاهرة التي طغت على مناهج التعليم في جامع القرويين آثارا سلبية على بنيته و مضامينه. فالرواية حملت العلماء على اقتناء العلوم من الأسلاف و الأوائل و لم تدفعهم إلى الاجتهاد من أجل تجديدها و الإبداع فيها. هكذا كان الحال في العصر المريني حيث توقف الاجتهاد و ساد التقليد.

أفضى منهج الحفظ و الاستظهار إلى طغيان العلوم الفقهية التي تستند إلى النقل و الرواية و إلى تهميش العلوم العقلية كالفلسفة و الطب و العلوم الطبيعية والرياضيات التي تستند إلى الجهد العقلي و الإبداع الفني... و قد شجعت الدولة المرينية هذا التحول الثقافي السلبي لأنها كانت منشغلة بتعميم المذهب المالكي لأسباب إيديولوجية سياسية واضحة.

 3/ أطروحة الدكتوراه من الدرجة الثالثة:

Le kouttab, l’Islam et l’Education, étude socio-historique et pédagogique d’une institution « millénaire »Thèse présentée par A.Arfaoui, Université Paris V,1987.

3.1/ ينطلق السيد أحمد عرفاوي من التساؤل الذي انطلقت منه السيدة ليلى العلوي منير. " فالأزمة العامة التي شهدتها المؤسسات التعليمية المعاصرة تدفع" بالباحثين إلى دراسة الأنماط التربوية التقليدية لإعادة تنشيطها". في هذا الإطار يحظى الكتّاب (أو المدرسة القرآنية) باهتمام فائق لدى هؤلاء الباحثين و من جملتهم صاحب الأطروحة".

تهدف هذه الدراسة إلى الإجابة على الأسئلة التالية:

أيمكن القول أن النظم التربوية السائدة في العالم العربي قد استفادت من المناهج و التقنيات و المبادئ التي تحكم النظام التربوي العربي في العصر الذهبي؟ و هل وقع تجديدها؟

هل كان للكتّاب دورا أساسيا في عملية التراكم المعرفي و النهضة الفكرية والثقافية التي شهدتها المجتمعات الإسلامية في العصور الوسطى في مجال التربية؟

لماذا اختفى الكتّاب على اثر حصول المجتمعات العربية على استقلالها رغم المقاومة التي أبداها في وجه محاولات التصفية التي قام بها الاستعمار؟

3.2/ و تتوزع مضامينها إلى ثلاثة أقسام

في القسم الأول : يستعرض الباحث المسار التاريخي للكتّاب منذ نشأته إلى العهد الاستعماري. تكمن أهمية العرض التاريخي- في نظره- في أن الكتاب" كان الاسمنت الجامع في المدن و القرى و السهول و الجبال فوجدوه مؤكد منذ صدر الإسلام إلى عهد النهضة و الإصلاح"، إنه الإطار الذي حفظ للتربية الإسلامية هويتها رغم الاهتزازات التي شهدتها.

أما القسم الثاني، فيعالج فيه الباحث وظيفة التدريس (المؤبدين أو المعلمون) والتطورات التي شهدتها في المشرق و المغرب العربيين بالنظر إلى التحولات الاجتماعية و الثقافية.

و في القسم الثالث، يتناول وضع الكتّاب في العهد الاستعماري و الفترة المعاصرة فيدرس حالة التعليم الإسلامي و محاولات الإصلاح التي شهدها بفعل الصدمة الاستعمارية.

3.3/ يمكن تحديد النتائج التي توصل إليها السيد عرفاوي فيما يلي:

يحيل النظام التربوي العربي خلال الجاهلية- إلى ميكانيزمات التربية البدوية. إنه عامل من عوامل التماسك القبلي. يتكفل بالطفل بقصد تكوينه جسديا و تلقينه تقاليد و طقوس بدوية واضحة تهدف إلى إدماجه في المجتمع القبلي. لذا كان سكان القرى (مكة و المدينة) يبعثون أطفالهم إلى القبائل البدوية لتتكفل بتربيتهم خلال فترة خمس سنوات(دور الحاضنات).

كان للظاهرة القرآنية و تأسيس الدولة العربية دورا بارزا في توجيه التربية العربية نحو رقي ثقافي و فكري لا مثيل له. فالتحولات الاقتصادية و السياسية أفضت إلى تنمية الرصيد العلمي و الأخلاقي للنظام التربوي العربي- الإسلامي.

لعبت الأسرة دورا هاما في التربية: فالكتاتيب في المدن و القرى كانت تسيّر من قبل الأولياء و المؤدبين معا إذ تسهر عادة العائلات على مراقبة التعليم ومضامينه. لقد كان التعليم في القرون الأولى من ظهور الإسلام مؤسسة خاصة غير تابعة للدولة، إنها السمة الرئيسية للنظام التربوي الإسلامي و هي "تقليد راسخ في الوعي الجماعي للأمة الإسلامية". يؤكد الشيخ "ابن سحنون" الظاهرة إذ كان الكتّاب "العائلي" ظاهرة منتشرة في المشرق و المغرب.

تختلف قيمة التعليم باختلاف نوعية الكتاتيب. فالكتاتيب التي تنشطها العائلات الارستقراطية و الأوقاف في المدن يتميز تعليمها بمستوى الكتاتيب التي تقع في الأحياء الشعبية أو في الأرياف.

ثمة ثلاثة عوامل أساسية أدت إلى تأسيس الكتاتيب و انتشارها في المغرب العربي و هي :

الصراعات المذهبية التي شهدها المغرب منذ الفتح العربي و انتصار المذهب المالكي في العصر المريني أديا إلى تعميم التعليم الابتدائي في المدن و القرى. و قد أفضى هذا التعميم إلى إنتشار الكتاتيب. لقد اهتم فقهاء المالكية- أكثر من غيرهم- بتعليم الأطفال فوضعوا له مبادئ و أسسا تربوية واضحة: ( ابن سحنون/ ابن الجزار/ القابسي...).

لقد أولت مدرسة "القيروان" عناية قصوى للتربية الإسلامية. فحددت المناهج و وضعت تشريعا خاصا بالمعلمين" المؤدبين" و المتعلمين( حقوق و واجبات) وأبدعت في رسم خصائص العلاقة التربوية.

إن المجتمع "المدني" أي العائلات و المؤسسات الخيرية و الأوقاف و الزوايا هي التي كانت تتكفل بالتعليم- خاصة في الكتاتيب- فلم يكن للدولة تأثير هام على تنظيمه و انتشاره في الأرياف و الأمصار.غير أن التعليم الابتدائي في المغرب يتميز بالطبقية إذ كانت كتاتيب الارستقراطية و الأعيان تلقن تعليما أرقى من التعليم الذي ساد في الكتاتيب المنتشرة في أوساط عامة المدن و الأرياف.

خلال القرن التاسع عشر و في مطلع القرن العشرين، فرضت فرنسا سيطرتها الاستعمارية على بلدان المغرب العربي. و لإحكام سيطرتها و فرض نفوذها على المجتمعات المغربية، أقامت الدولة الاستعمارية نظاما تعليميا فرنسيا هدف إلى تهميش " التعليم الأهلي" و مقاومة مؤسساته التي كانت تشرف عليه، و فعلا أدت عمليات الاستيلاء على أملاك" الوقف" و محاربة الزوايا إلى تقويض التعليم التقليدي. و على إثر ذلك انتشرت الأمية في أوساط المغاربة بشكل خطير.

و لم يقبل " الأهالي" (المغاربة) على التعليم الفرنسي خوفا من ضياع هويتهم الدينية و اللغوية و استغرقت "المقاطعة الثقافية" فترة تختلف باختلاف بلدان المغرب العربي. ففي الجزائر دامت هذه المقاطعة إلى غاية الثمانينات من القرن التاسع عشر.

غير أن التحولات الاجتماعية و السياسية التي شهدتها المجتمعات المغربية مع نهاية القرن التاسع عشر   (ظهور النخبة، بزوغ شرائح إجتماعية حديثة) أفضت إلى ضرورة تجديد التعليم العربي- الإسلامي و إصلاحه- و تكفلت القوى الاجتماعية و السياسية بمهام إصلاح التعليم في مواجهة التعليم الاستعماري. وظهرت في المدن الكبرى- أولا- ثم في القرى و الأرياف المدارس القرآنية الحديثة ( المدرسة) التي تعتمد على المناهج العصرية و المواد العلمية في ترقية الشبيبة والأطفال. و تمكنت هذه المدارس من تكوين نخبة مثقفة- ثقافة عربية منفتحة على الحداثة و العلوم المعاصرة، كان لها دور بارز في مواجهة الاستعمار ثقافيا وسياسيا1.

في عهد الاستقلال، لم تعمل الدول المغاربية على الاستفادة من التراث التربوي التقليدي بأساليب بناءة و فعالة. بالعكس فقد أقامت نظاما تربويا يجمع تراثين ثقافيين متناقضين: التراث الثقافي التقليدي و التراث الثقافي الاستعماري2. فالسؤال المطروح هو: إلى متى يستمر هذا النظام التربوي الهجين؟ ألم يحن الوقت لإعادة النظر في المنظومة التربوية المغاربية ؟

4/ ما هي الدروس التي يمكن أن نستخلصها من هذه البحوث حول تاريخ التربية في المغرب العربي ؟

أولا: أهمية البحوث و الدراسات حول تاريخ التربية و النظم التربوية في العالم العربي و المغرب.

- إن العناية بالتراث التربوي لا يهدف إلى تأكيد الهوية الثقافية بقدر ما يهدف إلى استخلاص العناصر الحية لتوظيفها في الحاضر و المستقبل. تتفق كل النظريات التربوية على استحالة بناء نظام تربوي منسجم دون إعتبار للتاريخ، غير أن التعامل مع الماضي ليس سهلا. فكل نظرة إلى التاريخ، قائمة على المجاملة و التقديس تؤدي – لا محالة- إلى التعتيم في مقابل التعتيم الذي تفرضه النظرة الاستغرابية. لا يمكن أن نلغي الماضي كليا و في المقابل لا يمكن أن نبني على فراغ...

- في المغرب العربي و في ظل تأزم المنظومات التربوية التي تأسست بعد الاستقلال، نحتاج إلى دراسات جامعية جادة قادرة على تحليل ماضينا الثقافي تحليلا علميا يقوم على النقد الجريء. إن هذه الدراسات – وحدها- مؤهلة إلى إثراء ملف التربية و المساهمة في بناء نظام تربوي فعال- أي قادر على التكفل بمشاكلنا و على الاستجابة للرهانات التي تفرضها الحداثة و المعاصرة.

ثانيا: دروس من تاريخ التربية في المغرب

تؤكد الأطروحات الثلاث مجموعة من الدروس نختصرها فيما يلي:

ضرورة العمل على إشراك المجتمع المدني (الأسرة، الجمعيات و غيرها) في تسيير المدرسة، على كافة المستويات (تسيير، تقويم، صياغة...) بهذه الطريقة، تقوم المدرسة بدورها الخاص بالتكفل بالشباب و تنشئتهم إجتماعيا و أخلاقيا وتكوينهم علميا و مدنيا. يجب العمل على فك الارتباط بين البيروقراطية والمدرسة. فالبيروقراطية بأجهزتها الثقيلة تلغي دور المجتمع المدني أو تحصره في أمور هامشية.

لا يتم الانسجام و التلاؤم بين المدرسة و المجتمع إلا بتحقيق الشروط التالية:

  • تحييد المدرسة و إبعادها عن الصراعات الإيديولوجية التي تميز المجتمع السياسي لأن تجربة المالكية في المغرب أبرزت عدم جدوى الارتكاز على " أدلجة " التعليم و مؤسساته.
  • الاعتماد على العلوم الحديثة ( الإنسانية، الدقيقة و الطبيعية) ومناهجها التي تحفز ملكات النقد و التحليلي و الإبداع كما كان يدعو إليه ابن خلدون...

الابتعاد عن الطرق التلقينية ( النقل و الحفظ...) لأنها تحول دون تجديد المعارف و إبداعها و تغدي التواكل و التقديس


الهوامش

- تناقش السيدة " وردة تنقور" هذه الفكرة في دراستها " المدارس القرآنية المتضمنة في هذا العدد.

- هل هذا صحيح ؟ لا نعتقد أن السلطات في بلدان المغرب قد استفادت من النظام التربوي التقليدي.

 


 

Appels à contribution

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran
+ 213 41 62 06 95
+ 213 41 62 07 03
+ 213 41 62 07 05
+ 213 41 62 07 11
+ 213 41 62 06 98
+ 213 41 62 07 04

Recherche