Sélectionnez votre langue

الجامعة نتاجا للتاريخ و رهانا مؤسساتيا : حالة الجزائر و العالم العربي

Insaniyat N°6 |1998 | L'Ecole : Approches Plurielles | p. 51-63 | Texte intégral 


The university as a historical product and institutional stake the case of Algeria and the Arab world

Abstract : Universities actually existing in Arab countries and especially in Algeria are the result of grafting from the western model.
Functioning mainly at the injunction of political decisions, they are not in a position to intervene as an active element, that is they are cast essentially by the finality of their out puts and spreading of knowledge, to a point of interfering with performance and social demand. How can a combined approach of history (on a long and average term) and the institutional functioning (a short term), help to divulge some of the impediments actually experienced ?

Keywords : university, issues, Algeria, arab world, historical approach


Hassan REMAOUN: Université d'Oran, Faculté des sciences sociales, Département de sociologie, 31 000, Oran, Algérie
Centre de Recherche en Anthropologie Sociale et Culturelle, 31 000, Oran, Algérie


تقاليد التدريس في العالم العربي الإسلامي الوسيط و الماقبكلونيالي، حقيقة ثابتة. إلا أن الجامعات المتواجدة حاليا بالبلاد العربية، و منها الجزائر، ناتجة عن طعم تّم على المنوال الغربي الذي ظهر الوحيد القابل للاستمرار، في القرن العشرين. من جهة أخرى، فقد تمّ هذا الطعم في سياق موسوم بنمط سير مجتمعاتنا و سير الدولة الوطنية، و تبقى النتائج إشكالا. هكذا، فإنه يعاب على جامعاتنا انعدام التكيف و الطلبَ الاجتماعي. في الواقع، يكمن المشكل الذي يعترضها في نظرنا، في غياب القدرة على محاورة المحيط السسيو اقتصادي، وهذا لكونها غير قادرة على التدخل بصفتها عاملا فاعلا، بفعل سيرها القائم على أمر المقرّر السياسي وحسب، يعني هذا أن غاية إنتاج المعرفة هي ما يجب أن يحركها إلى درجة تدخلها في التمثلات الاجتماعية، بل و مع قولبة لهذه التمثلات عوض تحمّل نزواتها أو بالتلذذ في إضفاء الشرعية على الوهميّ.

كيف تسمح مقاربة التاريخ (على المديين الطويل و المتوسط) و السير المؤسساتي (المدى القصير) بكشف بعض من العراقيل المعيشة حاليا.

هذا ما سنحاول تقديم إجابات عنه في هذا النص المهيكل أربعة أجزاء:

-Iعلى الزمن الطويل : ماذا عن السوابق؟

-II على الزمن القريب : نشأة الجامعات و تطورها في العالم العربي المعاصر (عموما) و الجزائر (خصوصا).

-III سير الجامعة و الرهانات المؤسساتية : حالة الجزائر.

-IV الجامعة بوجه آخر.

I- على الزمن الطويل: ماذا عن السوابق؟

 ربما سمحت مساءلة السوابق حول المنظومة التربوية بتبيان كيفية بروز الجامعة العصرية في العالم العربي وفي الجزائر. سنعطي في هذا الفصل لمحة عن سير التعليم في العالم العربي الإسلامي الوسيط والماقبكلونيالي ثم في أوربا ابتداء من القرون الوسطى.

1- تقاليد التعليم في العالم العربي

اِختلف نظام التعليم في العالم العربي الإسلامي الوسيط من مرحلة إلى أخرى أو من منطقة إلى أخرى، إذا اعتبرنا الحواضر بأهميتها المختلفة أو البوادي. كان الكتّاب المؤسسة الأكثر انتشارا حيث كان يقدم فيه التعليم التمهيدي ثم المدرسة التي كانت تستقبل النجباء من تلاميذ الكتاتيب من الميسورين أو الذين تساعدهم الجماعة أو السلطة المحلية أو محسن راع. مؤسسات ذات توجه ديني (إلى درجة ما) مثل الرباط (ثكنة عسكرية محصنة). ولاسيما الجامع أو الزاوية كانت هي الأخرى تمنح تدريسا تموّله مؤسسات خيرية (الأوقاف). بعض المتتلمذين فضلوا الترحال مسافرين من بلاد إلى بلاد ناشدين العلم من شيوخ ذوي صيت1.

في الواقع وبعد اكتسابهم مبادئ القراءة والكتابة بدراسة القرآن من الكتاب، فإن التوسع الذي كان يتم في المؤسسات الأخرى كان يغطي المواد الدينية بانفتاح يقل أو يزيد نحو فروع علمية قادرة على أن تكون لهم عونا.

في المدارس التي كانت عموما تحت مراقبة السلطة السياسية – كانت الدروس تدور حول الشريعة والفقه – كان الاهتمام ينصب أيضا على الحساب للوقوف على الضريبة الشرعية وحصص الإرث وعرضيا مناولة الروزنامة وينصب كذلك على اللسان لتأويل أحسن القرآن وكتابات المفسرين وعلى البلاغة مع انفتاح على المنطق الأرسطي أحيانا، منطق مازال يدرس حتى وقتنا هذا بالأزهر. هكذا كان ابن خلدون منشغلا بمناهج التدريس المتبعة في زمانه (الامتثال، حشو الفكر والذاكرة...) وكان يلاحظ الخلط الشائع في الكتابات بين ما ينسب إلى الكلام وما يعود إلى الفلسفة بحصر المعنى.

إلاّ أنه، وجدت في بعض الحقب، مؤسسات كانت تنشر تعليما أدبيا وعلميا ذا قيمة، وهذا شأن بعض المدارس الذائع صيتها (القيروان، تونس، بجاية، تلمسان، فاس، مراكش) وهذا كذلك شأن البيمارستان حيث كانت تمنح دروس الطب أو بيت الحكمة (مكتبة/مدارس – مراكز الترجمة) وقد فتح أولها في القرن التاسع ببغداد – في عهد المأمون – وهذا شأن بعض المراصد حيث كان التعاطي لعلم الفلك.

2- التعليم والجامعة بأوروبا (ابتداء من القرون الوسطى)

لا ريب أن انحطاط و اضمحلال الإمبراطورية الرومانية في القرن الخامس الميلادي، كان لهما تأثير على النشاط التربوي والثقافي، غرب البحر الأبيض المتوسط على الأقل. إلاّ أن بعض المدارس استمرت حيث استمر تنظيم بلدي، مدارس توفر تعليما ابتدائيا بلسان لاتيني2. أما المملكات الأعجمية فاستمرت في دعم سير مدارس كانت تمارس بها دروس القواعد والبلاغة والطب والقانون.

بالموازاة، تطور تعليم ديني ارتكز بدءا على أفكار القديس أغسطين مع استعمال مبادئ ثقافة كلاسيكية لاتينية، إلا أن هذا التعليم ابتعد تدريجيا عن هذا التصور لاختزال الكل – كما في بعض المدن والأديرة – إلى النظرة المسحية للعالم كما يقدمها التوراة (المزمور، سفر التكوين، الأخبار) ثم الأناجيل.

انطلاقا من القرنين الثامن والتاسع، وبدفع من الأباطرة الكرولانجيين، يُشرع في تشجيع تعليم أكثر تنويرا قائما على "الصنائع الشريفة" ويشتمل على طور الثلاثية (النحو اللاتيني والبلاغة والديالكتيك) والرباعية (الهندسة والحساب والموسيقى وعلم الفلك). انطلاقا من القرنين الثاني عشر والثالث عشر سوف يجلو الاختلاف أكثر بين "الدراسة الخاصة Studium particulare (أو سكولا Scola) التي كانت تهتم بالتربية الابتدائية" والدراسة العامة ( Studium générale ) بمستوى أعلى وهي من دون شك سلف التعليم العالي – في الفترة نفسها – يشرع المدرسون في تشكيل جمعيات طائفية ستتخذ لها - وخاصة بباريس تسمية "Universitas"، ثم وفقا للتخصصات تتحول إلى كليات. وهكذا تبرز مجموعات ضغط حقيقية تنشد الاستقلالية منتهزة فرصة، الثنائية والمنافسة القائمتين آنذاك بين السلطة الدينية بقيادة البابا (الكنيسة) والسلطات الملكية المختلفة (الدول). هكذا وتحت سلطة هاتين المؤسستين – سلطة يتذبذب الاعتراف بها – تتشكل جامعات، مثل جامعة باريس، بادو (PADOUE)، بولونيا، مانبوليي أو أكسفورد. جامعة باريس خاصة – تشكلت انطلاقا من أربع كليات يديرها عمداء. يمر كل الطلبة بكلية الصنائع حيث كان يدرس النحو اللاتيني والسكولاستيكية – (منهج البرهان) قبل أن يتوجهوا إلى كلية اللاهوت (ذات أكبر صيت) أو كلية القانون أو الطب. تظهر الدرجات الجامعية أيضا مع الباكالوريا والليسانس الذي يناقش أمام لجنة والدكتوراه وهو أكثر شرفي لا غير. انطلاقا من القرن الرابع عشر، بايطاليا أولا ثم بغيرها يفتح الفكر الأنسي جامعة الصنائع على الآداب اللاتينية واليونانية وكذا على العبرية، على التاريخ والرياضيات مما تؤهلها لأن تكون "سلف" سيُسمى لاحقا كلية الآداب (والعلوم الإنسانية) وكلية العلوم. تعطينا نهاية القرون الوسطى الاعداديات التي لم تكن – انطلاقا من مثال الصوربون – سوى مدارس داخلية للطلاب لتتوفر لها لاحقا مكتباتها وتدريسها الخاص بعد الثورة الفرنسية (1789)، سوف تتولد عن المدارس العسكرية (تحت النظام القديم) أولى المدارس الكبرى (مدرسة البولتكنيك – كونسرفتوار الصنائع والمهن، ...). خلال القرن التاسع عشر تتخذ المنظومة التربوية صفتها الحالية، بأن تتهيكل أطوارا ابتدائيا وثانويا (إعدادية وثانوية) وعاليا. تبرز إلى الوجود كذلك مدارس تكوين المعلمين والمدارس العليا للأساتذة، بينما يؤسس جول فيري بفرنسا في 1881-1882 الطابع اللائكي الإجباري والمجاني للمدرسة الابتدائية. وسيكون أثر نشأة المنظومة التربوية ثم تعميمها حاسما بأوربا. إلا أنه وجب إدماجه في سياق أكثر شمولية يدمج عوامل تاريخية وحضارية وبأكثر تدقيق فكرية سياسية وسسيو اقتصادية3. وستلعب الجامعات أول الأدوار في هذه العملية الجامعة.

ربما كان عددها حوالي سنة 1300 خمس عشرة جامعة، تتجاوز الخمسين في القرن الخامس عشر والستين في السادس عشر، موزعة على القارة كلها. ويبقى أن طاقتها البيداغوجية والعلمية تتفجر بكل قواها انطلاقا من التاسع عشر وعلى وجه الخصوص في أواسط القرن العشرين.. ويحصى عددها بالمئات وعدد الطلبة المسجلين بها – بحسب البلدان – بمئات الآلاف وربما بالملايين... ويغمر المنوال الأوربي العالم بأكمله.

II- الجامعات في العالم العربي المعاصر وفي الجزائر : النشأة والتطور

سيعرف العالم العربي والجزائر على وجه الخصوص نظاما جامعيا. سنبين في هذا الفصل كيف تمت هذه العملية – في الواقع – انطلاقا من طعم للمنوال الأوربي.

1- في العالم العربي عموما

في القرن الماضي ظهرت إلى الوجود المؤسسات التربوية الحالية لتتعمم في القرن العشرين4. توجد بعض المؤسسات ذات نزعة تعليمية منذ القرن التاسع عشر، وهذه الحال في مصر والجزائر، لكن كذلك بلبنان حيث يفتح اليسوعيون بمساعدة الحكومة الفرنسية ما سيصبح لاحقا جامعة القديس يوسف ويفتح الأمريكان ما يدعى لاحقا (1920) جامعة بيروت الأمريكية (أنشئت جامعة أمريكية كذلك بالقاهرة في 1919). في الواقع فإن مؤسسات هامة تحمل تسمية جامعات، لن ترى النور إلا في هذا القرن: القاهرة (1908)، الجزائر (1909)، أو دمشق (1924) يتجذر هذا الميل في الخمسينات والستينات لتتعمم بعد ذلك بدفع من الدولة الوطنية.

تظهر جامعات أخرى: الإسكندرية (1942)، عين الشمس (1950)، أسيوط (1957)، بيروت (1953)، الخرطوم (1955) بليبيا في ذات السنة. بالعربية السعودية وبالرباط (1957) ببغداد (1958) وكذلك بتونس، ثم بالكويت (1960) منذ الستينات والسبعينات، تتوسع الظاهرة من العواصم إلى مدن الأقاليم حيث ترى النور عشرات المؤسسات الجديدة.

2- في الجزائر

يعود نظام التعليم العالي إلى العهد الكولونيالي حيث أنشئت بالجزائر في 1859 مدرسة عالية في الطب والصيدلة ثم في 1879 مدارس الحقوق، العلوم والآداب سيعطي تجميع هذه المدارس في 1909 جامعة الجزائر التي ستسير على منوال سابقاتها بفرنسا. وتظهر لاحقا مدارس كبرى (الفلاحة–بولتكنيك) وملحقات لجامعة الجزائر في 1950 بوهران وقسنطينة (بخاصة مع مخطط قسنطينة المنطلق في 1958). ولن تعرف الجزائر نظاما جامعيا خاصا بالجزائريين إلا بعد الاستقلال المعلن عنه في 1962. سيتطور النسيج الجماعي تطورا هائلا. بفعل ديموقراطية التعليم والانفجار الديموغرافي وكذا بفعل تكوين الدولة وعديد من المؤسسات العمومية عددا كبيرا من الكوادر والمؤهلين (بين الستينات وأواسط الثمانينات. حاليا، تنيف المدن ذات الجامعات أو المدارس العليا على العشرين، تستقبل أكثر من 300 000 طالب. كان هذا التصور بوتيرة سريعة جدا إذ علمنا أنه، عشية الاستقلال، لم يكن الطلبة الجزائريون سوى خمسمائة نفر يتابعون الدراسة بالجزائر أو بالخارج.

3- طعم انطلاقا من نظام تعليمي غربي

لا يشكل نظام التعليم الحالي في البلاد العربية المختلفة استمرارا لما كان في العالم العربي الإسلامي الوسيط والماقبكاونيالي.

بعد الفترة الكلاسيكية التي يمكنا وضعها بين القرنين الثامن والثاني عشر5 وباستثناءات قليلة، ستميل هذه الناحية من العالم إلى الانطواء في المحافظة الاجتماعية الفكرية و (التقليد). مشيرة إلى عناصر العقلنة والفكر النقدي اللذين ترعرعا حتى ذلكم الوقت. وقد رأينا النقد الذي صدر عن ابن خلدون (القرن الرابع عشر وبداية الخامس عشر) حول النتائج التربوية لما كان يشبه الانحطاط (وقد يتساءل مفكرونا عن مسبباته). بعد الاكتشافات الكبرى في العصر الوسيط وإعادة مركزة الدينامية العالمية بأوربا وحتى الشروع في العملية الاستعمارية، يعرف التعليم في البلاد الناطقة بالعربية تهميشا أكبر. ستترجم سيطرة الغرب على باقي العالم وعلى العالم العربي بصفة خاصة بانتشار وتعميم منوال جديدة آت من أوربا/منوال سيزاحم الأنظمة التعليمية المحلية6 شاغلا هكذا وبسرعة معظم المجال التربوي المؤسس تحت الضغط السياسي أولا ثم رويدا رويدا بفعل أداءاته الفكرية والتكنولوجية، تتبنى الصفوة المثقفة الناتجة عن عملية التثاقف هذا المنوال، صفوة ستحمل بدرجات مختلفة حركات التحرر الوطنية قبل توجيه سياسة الدول التي تحصل على استقلالها.

يعاد هكذا إنتاج المدارس والجامعات الموروثة عن الفترة الاستعمارية لكن بعدد أكبر وبإضافات قصد تكييفها مع مختلف المطالب المحلية (هوياتية، اقتصادية) وتصبح وسائل لامناص منها لتسطير (وهميّ أو حقيقي) وتطبيق كل إستراتيجية نمو. وأماكن التدريس القليلة المنبثقة عن الفترة الكولونيالية والتي تحاول تخليد التعليم الديني التقليدي تتكيف فتتخذ لها تسمية جامعة، وهذه الحال بالنسبة للأزهر والقرويين بفاس والزيتونة بتونس، ولم لا يكون هذا الحال بالنسبة لما هو محاولة محاكاة لها بالجزائر، جامعة العلوم الإسلامية بقسنطينة.

III- سير الجامعة والرهانات المؤسساتية : حالة الجزائر

 إذا كانت جامعاتنا نتاجا لطعم على المجتمعات العربية، إلا أن التساؤل حول النتائج المحققة يبقى مشروعا. فإن طعما – والكل يعلم هذا- قد يؤتي ثمارا أحسن وبالخصوص قد يعيد إنتاج الأشجار في كل خصوبتها، كما قد لا ينجح هذا الطعم إلا بنسبة ضئيلة أو يكون مآله الفشل.

 سنحاول في هذا الفصل مناقشة المسألة معتمدين على ما يهمنا بالدرجة الأولى في هذا المجال: حالة الجزائر.

الجامعة الجزائرية سائرة: الخطاب والواقع.

 سنكتفي هنا بتلخيص بعض الأفكار التي سبق لنل أن أتطرق إليها7، في الواقع إن المآخذ على الجامعة الجزائرية معروفة، بالخصوص إذا رجعنا إلى الأهداف التي سطرت لها في مختلف النصوص الصادرة عن المقرر السياسي، سواء أكانت توجيهية (ميثاق الجزائر– الميثاق الوطني، 76 و 86) أم برامج حكومية أم إصلاحا جامعيا (1971 على وجه الخصوص ومشروع الخارطة الجامعية 1984). لننظر إلى ما آلت إليه أهم الأهداف المسطرة آنذاك.

- جزأرة الأطر: فعلا يمكن القول إنها تامة تقريبا، لكن في أغلب الأحيان وعلى غرار ما وقع بالطور الابتدائي قد قلصت المسألة إلى تشكيل نوع من سلك الممرنين (بدرجات متفاوتة) للتعليم العالي والذين يعاملون على هذا الأساس (ربما كان مفيدا الطلبة كيف يتمثلون أساتذتهم).

- تعريب مناهج التعليم: مست أغلبية الشعب التعليمية وستوسع إلى كل التخصصات وكل الأطوار إلا أن أحد نتائجها عزوف الطلبة عن المطالعة في الألسن التي يسمح لهم بها الإطلاع على بيبليوغرافيا ملائمة. وقد حصل أن بقيت بعض المكتبات سنوات دون إمداد جديد.

- ديموقراطية التعليم: سمحت لعدد هائل من الشبان بالوصول إلى تعليم عال ولكن ما الأمر بالنسبة إلى التحصيل لاسيما في الظروف التي ذكرناها سابقا.

- الطابع النفعي للتعليم ومطابقة التكوين/التشغيل: تبقى على مستوى الخطاب. تمارس قلة من الطلبة المتخرجين فعلا التخصص الذي تكوّنت فيه8، هذا إذا ما وجدوا منصب شغل في زمن التأزم الاقتصادي.

- الاختيار العلمي والتقني وإدماج التعليم/البحث: هو مبدأ أكثر منه واقع. للبحث الجامعي تمويل ضعيف ووسائل قليلة9 وتبقى المناصب الإدارية بالمؤسسة أكثر جاذبية من مناصب التعليم والبحث. من جهة أخرى فأن التقدم في التدرج الجامعي غير مرتبط، أو يكاد، بالأداءات الفعلية بيداغوجيا وبحثا. حتى وإن وجب القيام بأبحاث سوسيولوجية وإذا نحن بسطنا قليلا فإن هذه الملاحظات (وأخرى لن نذكرها هنا) تنتمي إلى الواقع المعيش وتجد أسبابها –حسب ما نراه- أساسا في التوسيل المكثف للسير الجامعي وهذا من خلال قنوات مؤسساتية نعني القنوات التي توجد بيد أصحاب القرار.

2- رهان مؤسساتي: إن ما قدمناه من نقد للجامعة الجزائرية ينسحب على باقي الجامعات في العالم العربي مع اختلافات طفيفة بين بلد وآخر. فبعض السمات قد لا تبدو بالجلاء نفسه هنا وهناك وسمات أخرى (ربما لم نذكرها هنا) تبدو بقوة أكثر10.

فإذا وجدنا في أصل كلّ الجامعات سلطة قرار الدولة الوطنية إلا أن هذا التدخل لا تيم بالطرق نفسها في كل مكان.

تندرج في الجزائر في سياق موسوم بالسياسة الإرادية للسلطة السياسية التي برزت مع الاستقلال.

طالما ساعد توفر الأموال الجاهزة المترتبة عن الربع البترولي هذه النزعة على أن تعمّر. نزعة تجد معينها في الايديولوجيا الشعبوية التي ستكون المرجع الأساس للدولة المستقلة بعدما طبعت طويلا الجناح الرادكالي للحركة الوطنية. ابتدءا من الخمسينات والستينات (منذ انطلاق الثورة المصرية على وجه الخصوص) ستتأثر سياسة بعض الدول العربية بهذه الايديولوجيا التي ستزاحم أنماطا إيديولوجية أخرى مثل الايديولوجيا السلفية اللبرالية ولاحقا الايديولوجيا التكنوفيلية11 سيحاول الخطاب الشعبوي بفعل طابعه التوفيقي إدماج الإنتمائية إلى المبدأ الاشتراكي المساواتي(الذي سيضاهيه يالإيديولوجيا اللبرالية و إلى تطورية التكنوفيلي).

بفعل التأثيرات الاقتصادية الناتجة عن إعادة الهيكلة الاجتماعية في الجزائر، متداخلة مع رهانات سلطوية. سيندفع الشعبوي إلى أن يكون هوياتيا أكثر فأكثر عن المساواة وتكنوفيليا. في الواقع، ومع سياسة التصنيع، سيكون للتكنوفيلي أن يَبرٌز تيارا مستقلا إلى حد المواجهة المفتوحة مع الشعبوي في صيغته الجديدة وهذا من أجل السيطرة على المواقع المؤسساتية. داخل الجامعة، ستترجم المنافسة بين الشعبوي والتكنوفيلي بأشكال مختلفة. ففي الوقت الذي سيتحدث فيه الأول عن الهوية والأصالة (تعريب-جزأرة ...) سيتعلل الثاني بالنمو والفعالية الاقتصادية (البحث-النمو ومطابقة التكوين/التشغيل، في إطار التصنيع (بالأمس) واقتصاد السوق (اليوم) كما أن أثر الشعبوية أكثر رسوخا في المواد ذات الشحنة الثقافية والحضارية (التاريخ، علوم، علوم التربية، الأدب الوطني – الفلسفة- الشريعة). أما التكنوفيلي فسينشد العلوم الاقتصادية. علم الاجتماع الديمغرافيا، اللغات الأجنبية (للترجمة) وبطبيعة الحال العلوم الفيزيائية والطبيعية12 ربما مازلنا بصدد التبسيط، إلا أن ما هو قائم فعلا كون الجامعة ميدان منافسات (لا نعني المنافسة العلمية) وكونها تسير رهانا مؤسساتيا.

IV- الجامعة بوجه آخر

 هل يمكن القول إن الجامعة –كما وصفناها- محكوم عليها نهائيا أم هناك أنهج أخرى لانتشار جديد يكون أكثر خصوبة؟

سوف نعود إلى مسألة السوابق (يبق التطرق إليها في الفصل الأول) وهذا البحث عن أدوات من أجل نظرة جديدة.

  • الجامعة بصفتها قدرة على التفاوض (مع المجتمع)

ليست الجامعة العربية والجزائرية على وجه الخصوص –الوحيدة التي تخضع لسلطة الدولة، مع التمتع بالمزايا- لأن مصادر تمويلها من الدولة والتضرر من كل الاحتمالات التي تنتج عن ضغط مؤسساتي. هذا الضغط المؤسساتي المرتبط بالجذور النموذجية (السياسية والإيديولوجية) لا يطمس دوما الضرورة الابستمولوجية التي تفرض المرجعية الحاسمة إلى الجذور النموذجية العلمية بمعنى إلى إشكاليات ومبادئ منهجية قادرة على تأسيس علم من مستوى رفيع13. تصبح الجامعة – من دون معايير قائمة لإنتاج المعرفة – مجموعة فارغة يمكن توسيلها حسب الرغبة من طرف المجتمع والمؤسسات المؤطرة له، إلى درجة إهمال غايتها الأولى، جامعة حقيقية تكون قادرة على إنتاج تجديد جذورها النموذجية، مما يسمح لها بالتالي بالتفاوض باستمرار ولصالحها حول خصوصيتها الاجتماعية مهما كان المحيط الاجتماعي (ولو كان ذلك تحت اقتصاد السوق) فهي مطالبة بقولبة هذا الطلب وبتوجيه سابقةً الأحداث بوقت طويل.

  • مرة أخرى حول حالة الغرب

ربما ساعدتنا عودة إلى حالة الغرب على معرفة ما سار (أم لم يسر) حين الطعم الذي باشرناه عندنا. صحيح أن الجامعات الغربية مرت هي الأخرى بعدة أزمات وتعيش مشاكل تذكّر أحيانا بمشاكلنا.

مستواها العام أبعد من أن يكون منسجما من جامعة لأخرى ومن مادة لأخرى إلا أن حالها يبقى ذا صيت ذائع على مستوى العالم ومازالت مرجعَنا بالنسبة إلى التعليم والبحث على حد سواء.

باستثناء بعض الحالات الضئيلة (في الأماكن التي نجح الطعم فيها) فإنها تقدم لنا بمعية المؤسسات المثيلة (مراكز وعاهد البحث..) مجمل المعارف المنتجة في وقتنا. تسيرها دول أو كنائس أو هيئات خاصة إلا أنها استطاعت – عبر التاريخ – أن تنتزع حرية أوفر للكتابة والتعبير. استطاعت أن تمر بفترات تكيّف (في بعض الأحيان بصفة عسيرة) ومتفاوضة خطوة خطوة وبأغلى ثمن، وهذا أساسي بالنسبة إلى مستقبلها: بمعنى آخر، فإنها أمام الضغط المؤسساتي حصّلت على صيانة واكتساب دائمي التجدد لما يخضع للضرورة الابستمولوجية والحصول على مجالات دائمة التوسع لانتشار الفكر النقدي14 الواقع أن هذا الصراع انطلق والكنيسة إيديولوجيا في موقع قوة وتحت بعض الأنظمة السياسية المتسلطة.

لا ريب أن تطور هذه الجامعات ارتبط ببروز وتوطيد المجتمعات المدنية التي طبعت أهم مرتحل التاريخ المعاصر بالغرب. الاكتشافات البحرية الكبرى (نهاية العصر الوسيط) عصر النهضة والإصلاح (في القرنين الخامس عشر والسادس عشر) الإصلاح المضاد، العهد الكلاسيكي (القرن السابع عشر) عصر الأنوار (ق.18) الثورة الصناعية (ق 18 و 19) الصراعات السسيو اقتصادية من أجل رهانات مثل الليبرالية، الاشتراكية والديمقراطية (ق 19 و 20) وباختصار يمكن إضافة أكبر مغامرة فكرية وتكنولوجية في عصرنا.

معنا هنا عمق تاريخي يعود عهده على الأقل إلى مؤسسة Universitas في ق 13. يجذر التذكير أن Universitas كانت في الأصل جمعيات مستقلة لمعلمين حسب الكليات، جمعيات لم تكن تتردد في مناقشة مكانتها مغتنمة فرصة المنافسة المتواجدة وقتها بين السلطتين الدينية والملكية.

  • بيت الحكمة، ابن رشد، Universitas ونحن.

يعيش العالم العربي في هذا القرن غليانا تتعايش في كنفه كل المراحل التي مر بها الغرب متلازمة، ونظن أننا نحيا ما يشبه سلسلة من الثورات المتناطحة التي ما فتئت تهز مجتمعاتنا.

تتأثر المؤسسة الجامعية بنتائجها مباشرة وربما ... لكن هل لنا أن نحلم؟ ليس التاريخ بصفته عملية – خطا مستقيما ولا حركة دورية، لما يعترض سيرورته من تراجعات كما أشار إلى ذلك Vico. التاريخ ما يصنعه البشر الأموات بالطبع، لكن الأحياء كذلك (على الرغم من الأفكار المسبقة). لكن لنفكر في ابن رشد الذي ترجمت كتاباته إلى العبرية واللاتينية فساعدت الغرب على تحرير الفكر من سبات وقتها. بإثراء النقاشات التي ستكون خميرة لإنشاء Universitas. ولقد عيب على الفيلسوف ف المغرب العربي عهد الموحدين، تصوره النقدي لينهي حياته في الإقامة الجبرية. بعد وفاته (1198 بمراكش) أرسل جثمانه إلى أوربا على ظهر بغل (في 1199) حسب ما يرويه ابن عربي الذي شارك-شابا- في هذه السفرة فإن التوازن على ظهر المطية قد تتحقق بفضل كتب المعلم15 (ابن رشد) ربما فقدنا هنا فرصة سانحة.. ولكن لنفكر كذلك في علماء بيت الحكمة (بغداد). متعددي الألسن والذين شرعوا بضعة قرون قبل ابن رشد (القرن الثامن) في ترجمة كل ما كان يمثل الإنتاج العالمي من اليونانية والسريانية والفارسية والسنسكريتية وغيرها إلى العربية.


الهوامش

 1 – فيما يتعلق بتقاليد التعليم في العالم العربي والإسلامي توجد ببليوغرافيا ثرية (مقالات، أطروحات، كتب...).

ونشير من جهتنا إلى: - SABRA, A. I..- L'entreprise scientifique, la contribution de l'Islam au développement des sciences. Contribution à l'ouvrage collectif: Le Monde de l'Islam (sous la direction de Bernard LEWIS.- Paris, Ed. Bordas, 1976).

مقالات عديدة ضمن "موسوعة الإسلام" l'Encyclopédie de l'Islam وبخاصة مقالتا: ("Madrassa"  و"Kuttab").

- DRISS, Ali.- Histoire de l'Education et des idées pédagogiques en IFRIQYA de puis Ibn Sahnoun jusqu'à Ibn Khaldoun.

- أطروحة دكتوراه دولة قدمت وتمت مناقشتها في 1978، بجامعة باريس III، الصربون الجديدة. مكتوبة على الآلة في ثلاثة أجزاء.

2 – حول التعليم في الإمبراطورية الرومانية، أنظر كتاب : MARROU, Henri-Irénée : Histoire de l'éducation dans l'antiquité. –Ed. Seuil, 1981, 02 vol.

- فيما يتعلق بهذه الفقرة حول التعليم بالغرب (من الوسيط إلى الآن)، رجعنا من بين ما رجعنا إليه، إلى الأعمال التي تشكل كتاب: Histoire mondiale de l'Education تحت إشراف MIALARET, Gaston et VIAL, Jean.- Paris, Ed. PUF, 1984, 04 vol.

- كما استفدنا، فيما يتعلق بهذه الفقرة وغيرها من الكتابات وبخاصة كتابات : (BENOIT, Paul et MICHEAU, Françoise)

التي شكلت كتاب Eléments des sciences (تحت إشرافSERRES Michel)

3 – حول هذا الجانب من المسألة أنظر KHOI, lê Thanh, l'Education: cultures et société (Publication de la Sorbonne Paris, 1991)

4 – لتحرير هذه الفقرة ارتكزنا على أشغال WAARDENBURG, Jean-Jacques أنظر Les universités dans le monde arabe actuel وهي مقالة نشرت في Renaissance du monde arabe تحت إشراف عبد المالك، أنور؛ بلال، أ. – منشورات Duculot والشركة الوطنية للنشر والتوزيع بالجزائر، 1972.

و كما يمكن الرجوع إلى l'Encyclopédie de l'Islam وخاصة المقال المعنون (DJAMPA).

5 – حول هذه الفكرة (الفترة الكلاسيكية. أنظر

Classification et déclin تحت إشراف VON GRUNEBAUM, G.E و BRUNSCHVIG, R. culturel dans l'histoire de l'Islam

6 – بالنسبة إلى حالة الجزائر أنظر: TURIN, Yvonne. –Affrontement culturels dans l'Algérie coloniale. Ecoles, médecine, religion 1830-1880.- Paris, Edition Maspéro, 1970.

7 – أنظر مداخلتنا في الملتقى الوطني للـ CRASC والذي نظم بوهران في 4 و 5و 6 ماي 1996 (أعمال ستنتشر لاحقا) وكانت مداخلتنا: Universités, savoir et société: le cas des disciplines sociales.

8 – كانت المسألة مطروحة في السبعينات. أنظر كتاب لصاحبيه: GLASMAN Dominique et KREMER Jean.- Essai sur l'université et les cadres en Algérie..- Les Cahiers du CRESM.- Aix en Provence, Paris, Ed. du CNRS, 1978.

9 – هناك حقيقة محاولات أخرى تمت بإنشاء الهيأة الوطنية للبحث العلمي ثم المراكز الوطنية للبحث دون أن تكون النتائج دوما مقنعة.

10 – في مقولات أخذناها عن عبد الله العروي أنظر كتابهL'idéologie arabe contemporaine. Paris Ed, Maspéro, 1970 ونلاحظ أن هذا الكتاب لا يحيل على ملامح الشعبوي.

11 – لقد سبق أن توسعنا في هذه الأفكار في مداخلتين هما: Du mouvement national à l'Etat national: le devenir des sciences sociales en Algérie et dans le monde arabe وقد شاركنا بهما في الملتقى حول العلوم الاجتماعية اليوم والذي نظمته جامعة وهران بين 26 و 29 ماي 1984 بنشر ديوان المطبوعات الجامعية، 1986.

La Contrainte institutionnelle dans la pratique des disciplines sociales au Maghreb et dans le Monde arabe: le cas de l'Algérie, والتي عرضناها بالملتقى الأمريكي-المغاربي الذي تم بطنجة بين 30 ماي و3 جوان 1988 وكان موضوعه : المنطقة المغاربية- مقاربات، مكنزمات. –الرباط، منشورات El-Kalam ، 1991.

12 – المرجع نفسه.

13 – بروز المؤسسة الجامعية في كنف الفضاء الأوربي أهل لأن نقارنه بتطور مؤسسة أخرى سيكون لها أهمية تاريخية ف المجموعة التاريخية نفسها وهي:La commune

14 – هي كما نعلم أطروحة TÜTSCH. Hans E. في كتابه  Facets of arab nationalism, (Wayne university press, Détroit-Michigan 1965)

15 – أنظر: KILITO, Abdelfattah.- "Le transfert d'Averroès".- In: Le Bulletin de la lettre internationale, n°3, Octobre 1995.

 

Appels à contribution

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran
+ 213 41 62 06 95
+ 213 41 62 07 03
+ 213 41 62 07 05
+ 213 41 62 07 11
+ 213 41 62 06 98
+ 213 41 62 07 04

Recherche