Sélectionnez votre langue

التصدّع الديني العلماني من خلال الحالة الإسرائيلية

إنسانيات عدد 38 | 2007 | المحلّي في تحوّل | ص 25-41 | النص الكامل


The religious laic rift. Political conflict in Israel

 Abstract: The cleavage notion according to Stein Rokkan, makes up the Israelian model represented by a permanent conflict between religious and laic. This article defines the characteristics of the religious cleavage and its effects on the Jewish society in Israel beginning with a conflict between religious Jews and laic ones.
This conflict is motivated by the mixed composition of society, namely that of Jews coming from northern and eastern European countries (Ashkenazes) and those coming from Mediterranean lands (Sefarades). These two social segments give rise to political and ideological orientations motivating elective choices between the extreme right wing religious society and the laic left wing. The author tries to bring some light on this socio-political and cultural rift by analysing the ethnic constituents of this entity.

Keywords: Social rift - religious - laic - Israel - Zionism - Judaism -orthodoxy.


َAbdelkader ABDELALI  : Centre de Recherche en Anthropologie Sociale et Culturelle, 31 000, Oran, Algérie


 

مقدمة

إن مفهوم التصدع الاجتماعي clivage social ارتبط استعماله في العديد من الدراسات بظاهرة الانقسام والصراع الذي عرفته المجتمعات الغربية على الخصوص، والتي برزت على أساسها الأحزاب السياسية المعاصرة. فالكثير من الباحثين أغفلوا تحديده وتمييزه عن مفهوم الصراع والانقسام. ولعل أهم دراسة رائدة في هذا الموضوع، هي التصور النظري الذي قدمه ستين روكون Rokkan ومارتن ليبست Lipset بعنوان "بنية التصدعات، الأنظمة الحزبية و موالاة الناخبين[1]، والتي ركزت على إبراز الدور التاريخي للصراعات الاجتماعية المحورية في تشكيل الأنظمة الحزبية المعاصرة لأوربا الغربية.

ويقصد بالتصدع حالة خاصة من الانقسام والصراع الاجتماعي، أو حالة منتظمة ومستمرة للصراعات الاجتماعية حيث تقسم المجتمع ضمن خطوط ثقافية وصراعية ثابتة لفترة طويلة، وعلى أساسها تتشكل مجموعات متمايزة ومتعارضة باستمرار أو ما يسمى بمجموعات الصراع، وعلى أساسها تتشكل أيضا مظاهر من التوحد القيمي والتمسك بالهوية المشتركة داخل كل مجموعة، مع حدود انغلاقية، ونسق من الفعل التنظيمي لكل هوية أو مجموعة. 

التصدع الديني في الوسط اليهودي

إن التصدع الديني في إسرائيل لا يتعلق بالانقسام على أساس التعدد الديني بين الديانات في حد ذاتها، أو بين الطوائف للديانة الواحدة، مع أن ذلك له دور في تنشيط نظام التصدعات système de clivages، فإسرائيل دولة متعددة دينيا، تمثل الديانات السماوية الإبراهيمية الأديان الرئيسية فيها، بل هناك دور رئيسي للديانة اليهودية. وهذا البعد من الانقسام يعزز التصدع القومي القائم بين العرب واليهود، لأن العرب يعتنقون الدين الإسلامي في أغلبيتهم، بالإضافة إلى وجود أقلية من المسيحيين والدروز. و هذا البعد من التصدع يعزز التصدع القومي القائم بين العرب واليهود. ولكن هناك بعد آخر من التصدع الديني له أهمية في المجتمع اليهودي والعربي على حد سواء وهو الأكثر بروزا، و يتعلق بدرجة التدين. إنه تصدع يختلف أيضا عن تجربة التصدع بين الدين الذي تمثله الكنيسة، الدولة و الأمة ذات الصبغة العلمانية في المجتمعات الغربية، ذلك أن الديانة اليهودية ليس لها مؤسسة تاريخية مركزية على غرار الكنيسة، إذ أصبحت من ضمن مكونات الدولة ضمن ترتيب مؤسساتي تصالحي، بسبب أن الهوية اليهودية على أساس ديني هي من ضمن مكونات الدولة. فليس هناك فصل كبير بين الدين والدولة، فكثير من مظاهر ورموز الدولة هي ذات مصدر ديني، مثل رمز الخطين الأزرقين في العلم الإسرائيلي، اللذين يرمزان إلى "الطاليت" وهو الرداء الذي يجعله اليهودي على رأسه أثناء الصلاة. كما أن الأعياد الوطنية هي بذاتها أعياد دينية، ومن أبرزها عيد السنة اليهودية وعيد الفصح، كما أن تصنيف المواطنين يتم على أساس ديني في الهويات الشخصية.

والتصدع الديني الذي يثير اهتمام الدارسين هو التصدع القائم في المجتمع اليهودي القائم بين المتدينين والعلمانيين، و انطلاقا من هذا البعد، يقسم الكثير من الدارسين مستويات التدين في المجتمع الإسرائيلي اليهودي إلى ثلاث فئات أساسية هي: المتدينون وهم الذين يلتزمون بالتعاليم الدينية بصفة مستمرة في كل جوانب حياتهم، والفئة الثانية يطلق عليها التقليديين أو "الماسوريم" بالعبرية وهم يلتزمون بالتعاليم الدينية التي لها جانب اجتماعي مثل الاحتفال بالأعياد الدينية وممارسة احتفال البلوغ لدى الأطفال (بار متزفا) وتقاليد الزواج وعادات الأكل ومراسيم الدفن وفق الشريعة اليهودية، مع الالتزام جزئيا بالتعاليم الأخرى مثل حضور الصلاة في الكنيس (مكان العبادة اليهودي) في المناسبات، والفئة الثالثة وهي غير الملتزمين بالدين وهم يتفاوتون في موقفهم من الديانة اليهودية من عدم المبالاة بالطقوس الدينية إلى معارضتها.

ويصنف الباحثون هذه الفئات إلى مجموعتين أساسيتين هما: المتدينون (داتييم) وتشمل مجموعتين فرعيتين، هما المتدينون الصهيونيون وهم أكثر انفتاحا وتقبلا للمجتمع اليهودي الذي أنشأته الصهيونية في فلسطين، والمتدينون الحراديين وهم أكثر انعزالا وتشددا عن بقية المجتمع. وكلا الفئتين هما أقلية في المجتمع اليهودي لا يتجاوز 20%. أما المجموعة الثانية فهم العلمانيون أو "الحيلونيم" بمعنى الدنيويون كما يطلق عليهم بالعبرية، وهم يشملون بقية فئات المجتمع اليهودي من التقليديين وغير الملتزمين وهم يمثلون الأغلبية.

و ما يلاحظ على هذه التصدع القائم على انقسام المجتمع الإسرائيلي إلى هاتين الفئتين أن هناك استقطاب قائم بين المتدينين والعلمانيين، قد ازداد مع مرور الزمن. ففي أبحاث مسحية مختلفة، من بينها ما قام به معهد غوتمان Gutman، أن هناك تزايدا في نسبة الذين يعرفون أنفسهم أنهم متدينون من جهة، والذين يعرفون أنفسهم على أنهم غير متدينين من جهة أخرى، و أن هناك تقلص ملموس في مجموعة التقليديين. وهذا يشير إلى عمليتين متناقضتين تولدان زيادة في التوتر بين المجموعتين، الأولى هي عملية العلمنة في المجتمع من خلال التخلي عن مظاهر التدين وهي العملية الأكثر انتشارا من العملية الثانية وهي التوجه نحو التدين، لا سيما التوجه نحو التدين على الطريقة الحريدية (أنظر الجدول).


الهوية

النسبة المئوية

1999

1990

حريدي[2]

5

3

متدين

12

12

تقليدي

35

42

غير متدين

43

38

معارض للدين

5

5

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


المصدر  : ,Shlomit Levy, Hanna Levinsohn, Elihu Katz. A portrait of Israel jewry: belief, observation, and values among Israeli jews 2000
.the Guttman center of the Israel democracy institute and the AVI HAI Foundation, june 2002

و ينبع هذا الصراع من طبيعة الدين اليهودي ومن مكانته في إطار الدولة الإسرائيلية بوصفه عنصرا وظيفيا فيها ومؤسسا لها. والجدل القائم في إسرائيل لا يدور بصفة أساسية حول الفصل يبن الدين والدولة، على الرغم من وجود من ينادي بذلك وهم أقلية، بل الخلاف يدور حول المدى الذي تقف عنده الدولة في دعمها ومساعدتها للمؤسسات الدينية اليهودية[3]، هذا بالرغم من تصريح بن غوريون الزعيم التاريخي للدولة الإسرائيلية الذي حاول أن يجعل منها دولة علمانية، وأن يبعد الدين عن الحكومة والسياسة[4]، هذا بالإضافة إلى دور العقيدة الدينية اليهودية في الأيديولوجية الصهيونية. فحسب روجي غارودي فإن:"الحركة الصهيونية لا يمكن أن تتماسك إلا بالعودة إلى الموزاييك الديني، أحذفوا مفاهيم الشعب المختار وأرض الميعاد فستنهار أسس الصهيونية…     إن ضرورة الترابط الداخلي للبنية الصهيونية لإسرائيل فرض على قادتها تعزيز سلطة رجال الدين، فإقرار الدروس الدينية الإلزامية في مناهج الدراسة مثلا لم يأت من الأحزاب الدينية مباشرة وإنما جاء بضغط مارسه بن غوريون على حزبه الماباي"[5].

والديانة اليهودية كما يطرحها المتدينون اليهود ليست عقيدة فحسب، بل هي نمط حياة حسب نظرهم، تستند إلى تعاليم الشريعة اليهودية (الهلاخا)، التي تشمل العديد من مظاهر الحياة وفق ما جاء في التلمود[6]. و إلى جانب ارتباط اليهود الإسرائيليين، خصوصا اليهود الشرقيين بدرجات متفاوتة بالتدين التقليدي أكثر من الجمهور الأشكنازي، يشتغل هذا بدوره على تعزيز التصدع الاثني بين اليهود الشرقيين واليهود الغربيين، بل إن تعريف الهوية الأشكنازية والسيفارادية قائمة على أساس مذهبي ديني. إذ يختلف المذهب السيفارادي الذي يعتنقه أغلبية اليهود القادمين من الأقطار العربية والإسلامية وبلدان البلقان عن المذهب الأشكنازي في الكثير من التشريعات والطقوس الدينية مثل عادات الأكل والأذكار والترانيم المذكورة في الصلاة وكيفية إعداد الذبائح.

والصراع الديني العلماني في المجتمع اليهودي الإسرائيلي له جذور تاريخية ترجع إلى محطتين: المحطة الأولي وهي تواجد اليهود في مجتمعاتهم الأصلية وهي مرحلة نتجت عن التغيير الذي واجهه الغيتو اليهودي الذي كانت تحكمه السلطة الدينية بفعل التحديث والتحرر أثناء بروز الدول الحديثة، ومنحها المواطنة لكل الرعايا على الأساس القومي بدل الديني، وترجع إلى العلاقة التي زادت توترا بين رجال الدين اليهود وبين المفكرين اليهود الذين تخرجوا من الجامعات العلمانية في أروبا الشرقية وألمانيا، الذين شكلوا حركة الاستنارة أو "هاسكالا"، ومن أبرز مؤسسيها موسى مندلسون. فقد دعا هؤلاء إلى التفتح على المجتمع والاندماج في الدول التي ينتمون إليها، وإجراء تعديلات واجتهادات في الشريعة اليهودية ومراجعة نقدية في النصوص الدينية، تبلورت في الحركات الدينية الاصلاحية والمحافطة والتي أكدت على الجانب الديني لليهودية. وقد عارضتها اليهودية الأرثوذكسية التي رأت في هذه التيارات خروجا على تعاليم التلمود وكبار الربانيين.

والمحطة الثانية ارتبطت بظهور الحركة الصهيونية التي عارضتها الجماعات الدينية اليهودية في شرق أوربا، أدى ذلك إلى انقسام اليهود المتدينين إلى تيارين: تيار متعاون مع الصهيونية، أضفى عليها شرعية دينية باعتبارها مقدمة وأداة إلهية لتحقيق الخلاص عبر جمع المنفيين. ونجد ذلك في تعاليم الحاخام الاشكنازي الأول في فلسطين أبراهام كوك، وهو الأب الروحي الإيديولوجي لحركة غوش امونيم ذات التوجهات الدينية القومية الاستيطانية. أما المجموعة الثانية من اليهود المتدينين ويطلق عليهم الحراديين، و قد عارضته هذه المجموعة عارضت الصهيونية واعتبرتها خطرا على الوجود اليهودي ومخالفة لتعاليم التوراة. لذا فالمجموعتان الدينيتان انتهجتا أسلوبين تجاه الجمهور اليهودي ذي الأغلبية الصهيونية العلمانية.

فالحراديون أو غلاة الأرثوذوكسية انتهجوا إستراتيجية العزلة للحفاظ على التراث اليهودي، من خلال عزلتهم في أحياء منفصلة في بني بارك ومئة شعاريم و طبرية وصفد، حيث تمثل اليشيفا (المدرسة الدينية العليا) و الكنيس (مكان العبادة) مركز حياتهم الاجتماعية، و حيث يكرس العديد من المتدينين حياتهم لدراسة التلمود، ولا يمارسون أي نشاط إنتاجي، و هم في الوقت نفسه مجتمع سريع التعبئة من قبل القيادات الدينية، حين يشعرون بأن منظومتهم الدينية معرضة للتهديد[7].

بينما يمثل الفئة الثانية المتدينون الصهاينة، الذين هم أكثر انخراطا في المجتمع اليهودي ويؤيدون النشاط الصهيوني للدولة. ففي البداية، أي منذ نشأة المؤسسات اليهودية الصهيونية انضموا إلى هذه الأيديولوجية وشكلوا أحد أجنحتها أو ما يسمى بالصهيونية الدينية. و قد قامت إستراتيجيتهم قبل وبعد سنة 1948 على المشاركة في مؤسسات الدولة والاقتصاد وفق إستراتيجية التوافق والمهادنة مع الأغلبية العلمانية. ولكن بعد سنة 1967 اتجه هذا التيار نحو المزيد من التطرف القومي بظهور حركة غوش أمونيم، والتي ترى في الاستيطان واجبا دينيا، وأن التنازل عن أي شبر من الأرض يمثل انتهاكا للشريعة. ويرى الباحث إسرائيل شاحاك، أن هذا التيار يتعامل بانتقائية مع الشريعة اليهودية، وأقل تشددا من الحراديين" فهم يرفضون على سبيل المثال الكثير من التعاليم الخاصة بالمرأة، ولا يتردد أعضاء الحزب الديني (الممثل للمتدينين الصهاينة) في قبول النساء في مواقع السلطة في كثير من تنظيماتهم ...أما الحريديم فإنهم لم ولن يفعلوا، فحتى عندما قرر الحريديم الذين يحرمون مشاهدة التلفزيون على أنفسهم، أن يقدموا بعض البرامج الانتخابية التلفزيونية الموجهة للآخرين، أصروا على أن يكون كل المشاركين فيها من الذكور"[8].

قضايا التصدع الديني العلماني

إن هناك العديد من القضايا التي تثير التوتر بين المجموعات الدينية والأغلبية العلمانية، منها مسألة العلاقة بين الدين والدولة في إسرائيل، والتي وجد لها حلا توفيقيا في الاتفاق الذي عقده بن غوريون قبيل إعلان الدولة سنة 1948 مع حزب الأغودات عرفت باتفاقية الستاتيكو، وذلك بأن بعث رسالة إلى حزب أغودات إسرائيل يتعهد فيها باحترام الدولة لحرمة السبت (شابات) كيوم راحة رسمية، واحترام القوانين الشخصية الدينية، واستقلالية شبكة التعليم الدينية لحزب الأغودات[9]. كما أن هناك مسائل لازالت عالقة وتثير المراجعة وإعادة النظر في اتفاق الهدنة والتعايش بين المجتمعين الديني والعلماني، وتثار هذه المسائل على الخصوص أثناء توافد المهاجرين اليهود بأعداد ضخمة على غرار هجرة اليهود الروس، وتغير الواقع الاجتماعي والاقتصادي والذي يشكل ضغوطا على هذه العلاقة مثل زيادة التنافس الاقتصادي بين الشركات في توفير الخدمات أثناء العطل الدينية والأسبوعية المفروضة من وجهة دينية، ومن أهم هذه المسائل:

مسألة القوانين الدينية

ويدور الصراع إجمالا حول مدى الأهمية التي ينبغي أن تعطى للدين اليهودي للحفاظ على الطابع اليهودي لدولة إسرائيل: هل كدولة يهودية (Etat Juif) أو دولة يهود (Etat des Juifs) وهو يعبر عن أزمة هوية واختلاف حول أسسها ودور عامل الدين فيها. وعلى هذا الأساس تطرح شرعية ومصداقية الدولة والصهيونية أمام الشريعة والتراث الديني اليهودي. لذا تطالب الأحزاب الدينية بتطبيق ومراعاة القوانين الدينية في الحياة العامة والأحوال الشخصية وفي قواعد الأكل الحلال (كشروت) في المؤسسات والمطاعم اليهودية وحرمة المقابر اليهودية وتحريم الحفريات فيها[10].

مسألة الإعفاءات والامتيازات

فنظرا للدور الذي تلعبه الأحزاب الدينية في الائتلافات الحكومية فقد حصل المتدينون على مزيد من الامتيازات، وعززوا قوتهم المؤسساتية بشكل يفوق حجمهم الاجتماعي. وتتمثل أهم هذه الامتيازات في إعفاء طلبة المدارس الدينية "الييشيفا" من الخدمة العسكرية خصوصا المدارس التابعة للحراديم (أغودات وشاس*) حيث بلغ معدل نسبة المعفيين 7,5% سنويا، إلى جانب إعفاء الفتيات المتدينات من الخدمة العسكرية نهائيا، وزيادة دعم الحكومة للعائلات الكثيرة الأفراد وهي شائعة في الأوساط الدينية، وزيادة المساعدات الاجتماعية للمدارس الدينية وطلابها، وتخصيص ميزانيات إضافية لمساعدة المتدينين في السكن. و هذا الوضع أخذ يزداد الاعتراض عليه من قبل الجمهور العلماني بحجة أنه يكرس عدم المساواة بين المواطنين الإسرائيليين.

مسألة من هو اليهودي

وهي تتعلق بنقاش ديني وسياسي واجتماعي في إسرائيل، حول ما هو التعريف الدقيق لاعتبار الشخص يهوديا، والمسألة تدور حول أربعة قضايا:

  1. النقاش حول الزواج المختلط ومتى يعتبر الشخص الناشئ عن زواج مختلط يهوديا؟ لذا هناك صراع متواصل ونقاش حول الاعتراف بالزواج المدني الذي أخذ تنادي به العديد من الجمعيات الحقوقية ذات الخلفية العلمانية.
  2. اعتناق الديانة الهودية: وهي تتعلق بالإجراءات والتعاليم المتبعة لاعتناق اليهودية وما إذا كانت مقبولة و صحيحة أم لا؟ وهي تثير مشاكل اجتماعية بالنسبة للمعتنقين لليهودية، وترى فيه القوى العلمانية تهديدا لمستقل الهجرة اليهودية. إذ يرى يوسي بيلين أن العديد من المجموعات اليهودية في العالم الغربي تتردد في القدوم إلى إسرائيل بسبب سيطرة المذهب الأرثوذكسي على القوانين و المحاكم الدينية في إسرائيل.
  3. مسألة اعتناق الشخص اليهودي لديانة أخرى، أو عيشه بدون ديانة، وعدم إدراكه ليهوديته.
  4. ومسألة رسمية تتمثل في رفض الحاخامية العليا الاعتراف بإجراءات اعتناق اليهودية في الولايات المتحدة وخارج إسرائيل والتي ترفض قطعا يهودية المعتنقين عبر المحاكم الدينية الإصلاحية.

فمن ناحية الهالاخا أو الشريعة اليهودية يعتبر الشخص يهوديا كل من ولد من أم يهودية، و لكن بعد قيام الدولة طرحت عدة قضايا تتعلق بالاعتراف باليهودية وأصبحت مسألة قانونية تتنازع فيها المحاكم الدينية والمدنية.          و أصبحت مسألة الاعتناق موضع خلاف بين الطوائف اليهودية لأنها تختلف حول الشروط والطقوس التي ينبغي أن يقوم بها المعتنقون الجدد لكي يصبحوا يهودا، ومنها الختان بالنسبة للذكور، والغطس في الماء. وهناك مسائل يدور الخلاف حولها مثل يهودية الأطفال لأزواج اعتنقوا اليهودية، لذا فالمحكمة الحاخامية العليا تشددت في الاعتراف باليهود المعتنقين عبر محاكم يهودية غير أرثودوكسية ولم تعترف بيهوديتهم.

ومن الناحية العملية، ترى مجموعة كبيرة من اليهود العلمانيين أن هذا التشدد يمثل عائقا كبيرا أمام الكثير من اليهود للهجرة إلى إسرائيل لتخوفهم من عدم اعتراف المجالس الحاخامية بهم أو بأحد أبنائهم أمام المعدلات المتزايدة في الزواج المختلط بين اليهود وغيرهم خارج إسرائيل، والذي تتعامل معه اليهودية الإصلاحية بتساهل أكثر و لاسيما في إجراءات إعتناق أحد الأزواج لليهودية، بينما يخضع المعتنقون لليهودية لشروط أكثر تشددا في المذهب الارثوذوكسي، مثل أن يتعهدوا بالالتزام بتعاليم الشريعة وأهمها احترام تعاليم السبت، والأكل الحلال (الكشيروت)، والطهارة الجنسية (نيدا).

أما مسألة من هو اليهودي فتتجسد مشاكلها في المهاجرين الجدد حيث يجدون عوائق في الزواج، لأن المحاكم الدينية هي التي تختص بالأحوال الشخصية، وترتبط هذه المشكلة ببطاقة الهوية التي يشار فيها إلى الديانة. وترفض المحاكم الإسرائيلية والخطاب الصهيوني التعريف الاثني لليهودية على أنه مجرد صلة دم حتى ولو كان الشخص يعتنق ديانة أخرى أو كان ملحدا.

البعد القيمي والسلوكي في التصدع الديني العلماني

تتمثل مظاهر التصدع الديني العلماني في الوسط اليهودي في وجود منظومة قيم تفصل بين المجتمعين تحدد هوية كل طرف على أساس ال"نحن" وال"هم"، فاليهود المتدينون يعتبرون أنفسهم مجتمع الأطهار، ومجتمع المحافظة على تعاليم التوراة والتلمود، مقابل مجتمع العلمانيين و الأغيار هذا من جهة. ومن جهة أخرى، فالمنظومة القيمية للعلمانيين تتشكل من اعتبار اليهودية قومية حافظت على وجودها بفضل التراث الديني اليهودي، ولا أهمية للمضمون الديني العقائدي والشرائعي إلا في إطار دلالته على ارتباط اليهود بأرض إسرائيل.

ويلاحظ الدارسون أن المجموعات الدينية تمتلك منظومة قيم مختلفة إزاء العديد من القضايا مثل الديمقراطية والقانون، فهم ينضوون ضمن فئة القيم التسلطية بمفهوم فلاناجان[11]، فالحراديون لايعترفون بقيم الديمقراطية أو الليبرالية، بل يعتبرون أنها تكرس لتشريعات مخالفة للشريعة اليهودية التي هي قانون مطلق وأبدي لليهود. أما المتدينون من المعسكر الصهيوني فلا يعترفون بالديمقراطية إلا على أساس براغماتي وتوفيقي بين الشريعة والحداثة، بشرط أن لا تتصادم مع الشريعة و مع المبدأ المسيحاني المتمثل في الاستيطان. ولكن هناك تيارات متطرفة مثل حركة كاخ لا تعترف بالمبدأ الديمقراطي علانية. والعنصر المشترك بين الأصوليتين هو سيادة الحقيقة الدينية على المبدأ الأرضي أو الحق في الأرض مهما كان نوعه. ويلاحظ أن المجموعات الحريدية ونظرا لتغيرات ديمغرافية وإثنية تمثلت في صعود الحراديين السيفاراد، و أخذت تضفي شرعية جزئية على أساس أداتي على دولة إسرائيل بعد أن كانت توصف بالكفر، وأخذت تشارك بدرجات متفاوتة في مؤسسات الدولة.

ومن مظاهر التعارض في القيم هو الموقف من القانون، توصلت دراسة مسحية شملت عينة من أوساط المدارس الدينية للحراديين (اليشيفا)، ومن المستوطنين الدينييين، إلى أن المتدينين هم أقل الفئات الاجتماعية امتثالا للقانون واحتراما له، لأنهم يعتقدون بأولوية قانون الشريعة على القوانين الوضعية، ويليهم في المرتبة الثانية المستوطنون المتدينون، الذين هم أقل امتثالا للقانون وثقة في المحاكم المدنية لأنهم يضعون مبدأ الأرض -أرض، إسرائيل الكبرى- أولوية تسمو على القوانين الأخرى. ويزيد هذا الميل نحو عدم احترام القوانين خلال الأحداث التي تمثل القوانين والإجراءات مخالفة للتعاليم الدينية[12]، مثل إخلاء المستوطنات ومحاكمة بعض القيادات الدينية أمثال أريي درعي.  

ولهذا تتسم الجماعات الدينية بمنظومة فعل مشتركة تسم السلوك الاجتماعي والسياسي للمتدينين بالعنف بين الطرفين، من خلال محاولة فرض الالتزام بالتعاليم الدينية والتهجم على المجموعات الدينية المخالفة، أو على أي مجموعة يرون أنها أجنبية، و لهذا قد واجه اليهود الروس هذا الهجوم ووصفوا بأنهم "أوباش من الغوييم". وتتزايد التوترات عادة في مناطق يتركز فيها المتدينون في أحياء خاصة بهم وبجوارها أحياء من الجمهور العلماني، مثل القدس وبني باراك وصفد. وتتخذ أشكالا من العنف والمظاهرات مثل رمي السيارات التي تسير يوم السبت وغلق الطرقات يوم السبت في الأحياء التي يسكنها أغلبية من المتدينين، ومهاجمة دور السينما والمطاعم المخالفة لقواعد الكشير (قواعد الغداء وفقا للشريعة اليهودية). ويحرص المتدينون على تطبيق قانون السبت الذي أقر في الكنيست والذي يفرض غرامات على منتهكي السبت من اليهود، وهذا يثير بدوره رد فعل الجمهور العلماني.

ومن جهة أخرى هناك صراعات تقسم المعسكر الديني ذاته، لأنه مشكل من طوائف دينية وولاءات حاخامية مختلفة، فهناك صراع قديم بين المتدينين من أتباع الصهيونية الدينية أو ما يطلق عليهم بالأرثوذوكسيين المحدثين و الذين يمثلها المفدال بالأساس، وبين أتباع الأرثوذكسية المحافظة المعادية للصهيونية التي يمثلها الأغودات وشاس والمجموعات الحريدية أو مايسمى بالطائفة الحريدية مثل جماعة حراس المدينة. فالأغودات ترفض التعامل المباشر مع المؤسسات الصهيونية والدخول فيها، عكس حركة الحزب الديني الذي يمثله اليهود الشرقيين. وكما كرست الأحزاب والطوائف الأرثوذكسية المحافظة للحراديم عزلة أتباعها وطوائفها عن الجمهور العلماني حفاظا على الطابع التقليدي والديني للحياة اليهودية لدى هذه الطوائف، بل تعدى الصراع إلى داخل قوى الحراديم السياسية إذ عادت الصراعات القديمة للظهور بين التيارات الحسيدية المعبرة عن الاتجاه الصوفي لليهود الإشكيناز والذي نشأ بأوكرانيا حول أتباع بعل شيم طوف[13]، وهي تتشكل من مجموعات مختلفة أهمها مجموعة ساطمر ومجموعة حبد أو اللوبافيتش وغيرها[14] وهناك تيار حريدي آخر يتمسك بالقوانين والشرائع كما حددها الحاخامات الكبار ويرى في الحسيدية انحرافا عن الشريعة، وهم يتمثلون تاريخيا في تيار الميتناغديم (المعارضين) والمدرسة الليتوانية الممثلة للحاخامات المتشددين من الأشكناز ومن أبرز زعاماتهم اليعازر شاخ.

ويسجل في السنوات الأخيرة مسارا في تحول المجتمع الديني الحريدي نحو اعتناق القيم الصهونية و التسامح معها، و في هذا الصدد يرى عمانوئيل سيفان وهو أستاذ جامعي إسرائيلي، أن جملة من الأوضاع تحرك الوضع القائم بين المتدينين والعلمانيين نحو وقائع جديدة، أهمها بداية ما يسميه بالانفتاح الاجتماعي الذي أخذ يبديه قطاع كبير من اليهود الحريديين، فيرى:

"التغير الملحوظ في سلوك طائفة الحريديم - الأرثوذكس المتشددين - المتمثل باندماجها النسبي المتسارع في المجتمع الاسرائيلي في العقدين الأخيرين. فقد انتقل هؤلاء بالتدريج من عدائهم للصهيونية، وبالتالي لفكرة اسرائيل بحسب المنظور الصهيوني لها، إلى القبول بإسرائيل كنوع من الأمر الواقع، ومن ثم تحول نظرتهم الى غالبية الاسرائيليين الى "أطفال ضالين"، بعدما اعتبرهم الحريديم سابقاً "يهوداً مرتدين" و"كفاراً" و"ملتهمي لحم الخنزير والأرنب" (بحسب تعابير زعيمهم الروحي الراحل الحاخام اليعيزر شاخ). والمفارقة أن هذا التخفيف من العداء للمجتمع الاسرائيلي وتراجع عقلية الحصار التي كان يعيشها الحريديم كانت السبب الرئيسي إلى دفعهم في الانتقال من الانعزال والسلبية تجاه المجتمع الى اطلاق حملاتهم الشرسة للمحافظة على "الطبيعة اليهودية للدولة".[15]

وفي المقابل نجد توجها داخل أوساط اليهودية الصهيونية نحو التشدد الديني وتبني الكثير من تعاليم الحريديين في الكثير من المسائل الدينية، والتأثر بالقيادات الدينية الحريدية. و يعكس ذلك رد فعل على الانتقادات التاريخية المتوجهة ضد المتدينين الصهاينة، الذين طالما تم وصفهم من قبل الحراديين بأنهم أقل التزاما بالشريعة اليهودية.       

المستوى المؤسساتي للتصدع الديني العلماني

يبرز التصدع الديني العلماني على المستوى المؤسساتي بوضوح وذلك من خلال استقلال الجمهور المتدين ضمن نظام من الخدمات والأحياء المستقلة مثل مئة شعاريم في القدس وبني باراك، وبشبكة إعلامية من قنوات إذاعية وتلفزيونية وصحافة. هذا بالإضافة إلى إقامة مؤسسات اقتصادية مثل بنك مزراحي الديني. أما على المستوى التعليمي الذي يكرس لاستمرار التمايز القيمي بين الجمهور الديني والأغلبية العلمانية، نلاحظ وجود نظامين للتعليم الديني الأول تابع للدولة ويشرف عليه تيار الصهيونية الدينية، التي تملك منظومة تعليمية كاملة تصل إلى الجامعة، مثل جامعة بار إيلان التي هي تابعة لهذا التيار.

يدور الصراع المؤسساتي حول عملية وضع القوانين الدينية وفرضها على الأجواء القائمة بين الوسط الديني والعلماني، ومدى الحاجة إلى تغيير هذا الوضع ووفق أي اتجاه؟ ويتمثل هذا الصراع المؤسساتي في قيام جمعيات ومنظمات من الجمهور العلماني تناهض ما يسمونه الاكراه الديني، وأن إسرائيل تواجه خطر الخومنة (نسبة للخميني)[16]، من خلال محاولة تحكم المتدينين في كل مفاصل الحياة ومحاولة فرض القوانين الدينية على بقية اليهود. وينذر الوضع بتحول إسرائيل من دولة ديمقراطية علمانية إلى دولة تيوقراطية يسودها الإكراه الديني والعنصرية. وهذا الموقف يعبر عنه إسرائيل شاحاك باعتباره من الكتاب الإسرائيليين الذين يعادون الصهيونية والصهيونية الدينية، فهو يرى بأن المجموعات الدينية لا تمثل فقط خطرا على المجتمع المدني في إسرائيل، بل وعلى تقدم اليسار المدعم لعملية السلام، وذلك بسبب دور الأصولية الدينية اليهودية في تعزيز المخاوف الأمنية واعتناقها لأطروحة اليمين المتطرف العنصري تجاه التعايش مع العرب. إذ تصدر هذه الجماعات الفتاوى المهددة بإهدار دم أي معارض من الوسط اليهودي يحاول تحدي السلطة الحاخامية أو يتجرأ على طرح تنازل عن الأرض لصالح العرب، فاغتيال رئيس الوزراء حسب نظره تم بسبب هذا التوجه الديني الأصولي ذي التوجه اليميني الذي أخذ ينتشر في أوساط المتدينين، بسبب أن الاغتيال تم على يد متطرف ديني (إيغال عمير)، وبفتاوى من شخصيات حاخامية مختلفة. ويرى شاحاك بأن هذا الأسلوب في التعامل مع المخالفين يرجع إلى النصوص الدينية لدى رجال الدين التي تعاقب من تسميهم الشريعة اليهودية بالمرتدين والهراطقة، و تحكم عليهم بالموت. فاغتيال رابين تم وفق حكمين من أحكام الشريعة وهي قانون المطارد وقانون الواشي[17].      

وقد اتخذ هذا الصراع العلماني الديني كذلك صراعا مؤسساتيا حتى داخل الدولة الرسمية، مثل الصراع و التوتر بين وزارة الشؤون الدينية والوزارات الأخرى، والصراع بين المجلس الأعلى للحاخامات والمجالس الحاخامية مع المحكمة العليا على وجه الخصوص، هذه الأخيرة التي أصدرت عدة أحكام قضائية تخالف تعاليم الشريعة اليهودية حسب تفسير المتدينين لها. فقد اعترض المتدينون بصفة متكررة على العديد من قراراتها القضائية التي وصفوها بأنها تخالف الشريعة اليهودية، وبأنها تدخل في الشؤون الدينية التي لابد أن يحكمها اتفاق الوضع الراهن.

فقد عارض المتدينون لاسيما الحراديين منهم، تعديلات قانون العودة وتعريف من هو اليهودي الذي لابد أن يعرّف على أساس الشريعة اليهودية؟ لذا فقد كانت الاتهامات حادة من قبل المراجع الدينية اليهودية ضد المحكمة العليا والمؤسسات العلمانية، بأنها تحاول إبادة اليهود الحقيقيين بإدخال الغوييم بين اليهود، واعترضوا على قرار المحكمة العليا الاعتراف بالمحاكم الدينية الإصلاحية وممارستها لإجراءات اعتناق الديانة اليهودية، وهو الذ‎ي أثار نقاشا كبيرا حول صلاحية المحاكم الأرثوذكسية واحتكارها حق منح الهوية اليهودية بالنسبة لمعتنقي اليهودية، لأن الاتجاه المذهبي السائد في إسرائيل، الذي يجمع بين كل من الصهاينة المتدينين وغلاة الأرثوذوكسية الحراديين هو عدم الاعتراف بالطوائف الدينية اليهودية المخالفة للمذهب الأرثوذكسي والتشكيك في يهودية أتباعها، مثل: الفلاشا، طائفة القرائين، السامرة، الإصلاحيين والمحافظين[18]. وترى في هذه الأحكام التي تصدرها المحكمة تهديدا لنفوذ الأرثوذوكسية اليهودية وحكم الشريعة على مؤسسات الدولة في إسرائيل.

ويبرز هذا الصراع بين المؤسسات على مستوى الوزارات الحكومية، والتي تتشكل على أساس ائتلافي يجمع بين الأحزاب الدينية وبين الأحزاب العلمانية، حيث تتجدد من حين لأخر الأزمات الحكومية بين الوزارات بسبب التصريحات والإجراءات الوزارية التي يراها أحد الأطراف مخالفة للعقد المشترك بين المتدينين والعلمانيين. فقد هاجم الحاخامات لاسيما عوفاديا يوسف وزير التربية في عهد رابين يوسي لبيد، لأنه أدخل تعديلات على البرامج التعليمية ومنها إدراج شعراء فلسطينيين منهم سميح القاسم في الدراسة، فوصفه الحاخام بأنه أفعى، كما أن تولي رئيسة كتلة ميريتس شولاميت ألوني لوزارة الثقافة والمعارف أثار بدوره تصريحات وانتقادات حادة بين الطرفين بسبب مواقف هذه الوزيرة المعروفة ضد المتدينين.

التوجهات الانتخابية في الوسط الديني الإسرائيلي

المجموعات الدينية في إسرائيل متنوعة، من خلال ما عرضناه سابقا، فهناك أحزاب دينية تمثل عدة مجموعات دينية، ومع ذلك يعتبر الوسط الديني من أكثر الأوساط انضباطا في توجهه الانتخابي خصوصا الوسط الحرادي باعتباره مجتمعا منغلقا، ويتركز في إحياء أو مدن خاصة، ولهذا نجد التوجه يهيمن في المدن الدينية للتصويت على حزب يهودية التوراة في المرتبة الأولى، يليه حزب شاس ثم حزب المفدال.

وما يلاحظ عل هذا الوسط أن التوجهات الانتخابية قد ازدادت ميلا نحو اليمين، ونحو التشدد الديني، نتيجة للتعبئة المتزايدة في هذا الوسط بعد 1988، فقد دخلت جماعات حريدية الساحة السياسية بعد أن كانت تحظر على أتباعها المشاركة في الانتخابات، مثل حركة حبد، بل وحرضت أتباعها على الانضمام إلى الجيش والخدمة فيه، وازدادت قوتها الانتخابية كذلك نتيجة التزايد الديموغرافي في الوسط الديني الذي يعتبر أكثر خصوبة من بقية الأوساط اليهودية، إضافة إلى تزايد النشاط التبشيري والدعوي للمتدينين تجاه العلمانيين أو ما يعرف بظاهرة التوبة في الوسط اليهودي.

و قد أبرزت العديد من الدراسات دور الدين في تقسيم الخيارات الانتخابية. ونذكر منها دراسة والد وشاي عام 1995، و تثبت دراسة آشر أريان وميخال شامير بأن العامل الديني لازالت له أهمية في التوجهات الانتخابية[19]، على أساس أن المؤشر المهم في العامل الديني هو درجة التدين وليس نوع الديانة، فالمتدينون أكثر ارتباطا بالأحزاب الدينية، والتقليديون هم أكثر ارتباطا نحو الأحزاب الدينية واليمينية و تصويتا لصالحها، والعلمانيون وغير المتدينين أكثر إقبالا نحو الأحزاب اليسارية مثل حزب العمل وحزب شينوي وميريتص.

فقد أثبتت الدراسة المسحية التي قام بها اندرسون ومائير يعيش ذلك أيضا، ويرى مؤلفها أن التصويت للمعسكر اليساري الذي يشمل حزب العمل والأحزاب اليسارية الصغيرة من جهة يقترن بالفئات الأقل تدينا، ومن جهة أخرى فالفئات الأكثر تدينا تصوت بشكل كبير لصالح أحزاب اليمين مثل الليكود والأحزاب اليمينية الصغيرة، وهذا مؤشر واضح يعكس الانقسام الديني ووجود تصدع ديني. فقد وجدت الدراسة بأن الفئات الأكثر تدينا هي الأكثر ارتباطا بالتصويت على الأحزاب اليمينية الصغيرة والأحزاب الدينية أكثر من الفئات الأخرى، أي فئة التقليديين أو الأقل تدينا أو غير المتدينين. وفي المقابل ففئة غير المتدينين والتي هي حسب الدراسة المسحية الفئات التي لا تحضر أو تمارس أي نشاط ديني في الكنيس فهي أكثر ارتباطا بالأحزاب اليسارية الصغرى أو أقصى اليسار[20].

خلاصة

يمثل التصدع الديني الحاصل في المجتمع الاسرائيلي، بين مجتمع المتدينين الذي يميل نحو مستويات متفاوتة من العزلة عن بقية المجتمع الإسرائيلي ونحو فرض تشريعاته على بقية المجتمع، أهم التصدعات الاجتماعية التي أخذت تهيمن على الساحة الاجتماعية والسياسية، وله تأثير كبير في تعزيز الانقسامات الاجتماعية السياسية الأخرى، مثل التصدع الاثني الحاصل بين المجموعات اليهودية السيفارادية والأشكنازية والمهاجرين الروس والأثيوبيين، وفي هيكلة التوجهات الانتخابية لهذه المجموعات، وفي تحديد الميول السياسي على مستوى النظام الحزبي. كما يشمل ذلك ميل الأحزاب الدينية والجمهور الديني نحو اليمين واعتناق أفكار اليمين المتطرف حول أرض إسرائيل الكبرى وعدم التنازل عن المستوطنات وتعزيز هذا الطرح من خلال الفتاوى الدينية. و على مستوى البرامج الانتخابية لدى الأحزاب السياسية التي أصبحت تدرج المسألة الدينية والتعايش بين المتدينين والعلمانيين ضمن خطاباتها السياسية.


الهوامش

[1] Rokkan, Stein and Seymor M Lipset. " Cleavage Structures, Party Systems, and Voter Alignments: An Introduction", In: Lipset, S.M. and Rokkan, S. (eds.), Party Systems and Voter Alignments : Cross-National Perspectives, New York, The Free Press, 1967, pp.    1-64.

[2] يهودي متدين وفق تعاليم التلمود.

[3] Hazany, Reuven, "Religion and politics in Israel: the rise and fall of the consocionalism model", in Reuven HazanY & Moshe Maor, (Eds), Parties, elections and cleavages: Israel in comparative and theoretical perspective, London, Franc Cass, 2000, p. 113.

[4] المسيري، عبد الوهاب، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1975، ص.ص. 154- 155.

[5] غارودي، روجيه، تر: م ع كيلاني، الجزائر، دارهومة للنشر، 1997، ص. 164.

[6] دافيد لاندو، الأصولية اليهودية، العقيدة والقوة، القاهرة، مكتبة مدبولي، (بدون تاريخ للنشر)، ص.ص. 12-13.

[7] Dieckhoff, Alain, « Les visages du fondamentalisme juif en Israël », Cahier d'étude sur la méditerranée orientale et le monde turco-Iranien, N° 28, Juin-décembre, 1999.

[8] شاحاك، إسرائيل، نورتون، متسفياسكي، "الأصولية اليهودية في إسرائيل"، ترجمة: ناصر عفيفي، القاهرة، مؤسسة روز اليوسف،2001، ص. 37.

[9] Klein, Claude, "Etat et religion en Israël", Pouvoir, Paris, N°72, 1995, p. 08.

[10] Ibid, p. 09

* حزبان يمثلان جمهور المتدينين غير الصهيونيين.

[11] Flanagan, Scott and Aie-rie, Lee “the new politics, cultures wars, and the authoritarian- libertarian value change in advanced industrial democracies”, Comparative political studies, Vol. 36, N° 3, April 2003, p. 235.

[12] Yagil, Dana and Arye, Rattner, “Between commandments and laws: Religiosity, political ideology, and legal obedience in Israel”, Crime, Law & Social Change, N° 38, 2002, p. 185.

[13] Gershom, Sholem, Les grands courants de la mystique juive, Paris, Payot, p. 364.

[14]جعفر، هادي حسن، اليهود الحسيديم: نشأتهم، تاريخهم، عقائدهم، تقاليدهم، دمشق، دار القلم،1994، ص.216.

15 عمانوئيل، سيفان، "مسارات متغيرة للعلمنة والاستقطاب لدي يهود إسرائيل"، في المشهد الإسرائيلي، 4/12/2004.

http://almash-had.madarcenter.org/almash-had/viewarticlec2b9.html?articalid=1500

[16] Vidal, Dominique, " Israël : le mosaïque se défait", le monde diplomatique, Mai 1999, p. 18.

[17] شاحاك، إسرائيل، التاريخ اليهودي، الديانة اليهودية وطأة ثلاثة آلاف سنة، ترجمة: صالح علي سوداح، بيروت: بيسان للنشر و التوزيع، ص.ص. 21-30، وكذلك: إسرائيل شاحاك، ونورتون متسفياسكي، الأصولية اليهودية في إسرائيل،. ص.ص. 46- 254.

18 Algazy, Joseph, En Israël, l’irrésistible Ascension, des hommes en noir, le Monde   diplomatique, février, 1998, p.15.

[19] Arian, Asher and Shamir, Michal. Collective identity and electoral competition in Israel. American Political Science Review, Vol. 93, N° 2, June, 1999, p. 271.

[20] Andersen, Robert and Yaish, Meir, social cleavages, electoral reform and party choice: Israel’s ‘natural’ experiment, Electoral Studie, No. 22, 2003, p. 412.

Appels à contribution

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran
+ 213 41 62 06 95
+ 213 41 62 07 03
+ 213 41 62 07 05
+ 213 41 62 07 11
+ 213 41 62 06 98
+ 213 41 62 07 04

Recherche