Sélectionnez votre langue

دراسة تداولية للخطاب التعليمي الجامعي باللغة العربية

إنسانيات عدد 14-15 | 2001 |  عدد خاص أبحاث أولى | ص 127-155 | النص الكامل


Nouara BOUAYED 


 

تعد موجة تطبيق النظريات اللسانية على اللغة العربية أو على الخطابات باللغة العربية، من بين اهتمامات الدارسين اللغويين في الآونة الأخيرة و نخص بالذكر النظرية البنيوية و السيميائية و التداولية. و هي نظريات نشأت متفاوتة من حيث الزمن، و تهتم بالدرجة الأولى باللغة كظاهرة فردية و جماعية و سلوكية و اجتماعية و نفسية، حيث أن نظرية تكمّل الأخرى. أما بالنسبة إلى تطبيق هذه النظريات اللسانية، نجدها في غالب الأحيان عبارة عن دراسات للنصوص الأدبية، في حين تكاد الدراسات اللسانية الخاصة بالخطابات الأخرى تنعدم. و هذا ما حاولنا القيام به، أي الإهتمام بخطابات أخرى غير الخطاب الأدبي، و التي تتمثل في الخطابات التعليمية الجامعية، و ذلك من أجل تطبيق نظرية لسانية حديثة النشأة ألا و هي النظرية التداولية.

و هدفنا من هذه الدراسة التطبيقية هو تناول الخطاب التعليمي الجامعي من زاوية جديدة و بمنهج حديث النشأة، و الابتعاد عن التحليلات الكلاسيكية التي تنظر إلى الخطاب بمعزل عن المتكلم و المتلقي و السياق. كما نهدف إلى المساهمة في إرساء معالم منهج حديث و تدعيمه بالتطبيق و اعتماده في الدراسة و التحليل، و تكييفه مع اللغة العربية باستغلال الموروث العربي في ترجمة المصطلحات، حتى لا يبقى هذا المنهج حكرا على الدراسات الغربية فقط.

و قد اعتمدنا في هذه الدراسة المنهج التداولي، و هو منهج، يهتم بالكلام الذي أهمله (سوسير Saussure)، لا اللسان الذي أعتبره ذا الأخير موضوعا الدراسات اللغوية في تلك الفترة.

تعتمد النظريات البنيوية تعتمد في تحليلها على الجملة باعتبارها المستوى الأعلى في التحليل، إلا أن الجملة ليست هي الوحدة القاعدية للتبادلات الكلامية و الخطابية بل النص/الخطاب هو وحدة التبليغ و التبادل. في حين نجد التداولية-بمختلف نظرياتها-تهتم بالقول (الملفوظ) باعتباره العنصر الأساسي في الخطاب أو النص، و هذا القول يختلف تماما عن مفهوم الجملة- الذي يقوم على عنصري الإسناد: المسند و المسند إليه- لكن القول كما ذهب إلى ذلك (بنفسيت Benveniste) هو نتيجة لفعل متحقق ضمن ظروف و أحوال سياقية و بهذا فدلالة القول (الملفوظ) تتعدى دلالة الجملة و دراسته (القول) تعتمد على دراسة مختلف الأحوال التي تسببت في بنائه.

1. التداولية:

إن أول من استعمل هذا المصطلح في اللغة العربية هو الأستاذ أحمد المتوكل أستاذ بكلية الآداب بجامعة محمد الخامس بمدينة الرباط بالمملكة المغربية.

تعتبر التداولية مجموعة من النظريات، نشأت متفاوتة من حيث المنطلقات، و متفقة على أن اللغة هي نشاط يمارس ضمن سياق متعدد الأبعاد إذ نستطيع القول بأن التداولية نشأت كرّد فعل للتوجهات البنيوية فيما أفرزته من تصورات صورية مبالغ فيها خاصة عند اللساني الأمريكي (تشومسكي Chomsky) و أتباعه. فاللغوي نجده يعتمد عند وصفه للظواهر اللغوية على التقابل المشهور الذي وضعه (دي سوسير De Saussure) بين اللغة و الكلام حيث أبعد الكلام-  و هو الذي يمثل الاستعمال الحقيقي للغة-من دائرة اهتمام اللغويين و اقتصرت الدراسة على بنى اللغة و نضامها[1].

و يرى (منقونو Mainguenau) أن مفهوم التداولية يحيل في نفس الوقت إلى فرع من فروع الدراسة اللسانية، و إلى تصور معين للغة نفسها، و التبليغ اللغوي يناقض تماما التصور البنيوي، حيث أن التوجّه التداولي يخترق كل العلوم الإنسانية فلا يمثل نظرية بعينها بقدر ما يمثل نقطة لقاء لمجموعة من التيارات تشترك في بعض الأفكار الأساسية و الرئيسية[2].

أما (إيلوار Eluerd) فيشير إلى التداولية إطار معرفي يجمع مجموعة من المقاربات تشترك عند معالجتها للقضايا اللغوية في الاهتمام بثلاثة معطيات لها دور فعال في توجيه التبادل الكلامي و هي[3]:

 *المتكلمين (المخاطب و المخاطب)

 *السياق (الحال/المقال).

 *الاستعمالات العادية للكلام، أي الاستعمال العفوي للكلام.

أما بالنسبة لوظيفة التداولية –حسب أركيوني Orecchioni- تكمن في استخلاص العمليات التي تمكن الكلام من التجذر في إطاره الذي تشكله الثلاثية التالية: المرسل (المخاطب)، المتلقي (المخاطب)، الوضعية التبليغية. و هذه الثلاثية نجدها في الخطاب التعليمي الجامعي تتمثل في: الأستاذ (المخاطب أو المتكلم)، الطلبة (المخاطب أو المتلقي)، الدرس الجامعي (الوضعية التبليغية).

  1. الخطاب التعليمي الجامعي:

نقوم في هذه الدراسة بتحليل لنمط من أنماط الخطاب المتعددة، و الذي يتمثل في الخطاب التعليمي الجامعي. إذ أن كل الخطابات تشترك في وجود المتخاطبين ضمن وضعية خطابية، إلا أن خصائص كل وضعية هي التي تختلف من مستوى إلى آخر فيمكننا دراسة أي خطاب بنفس طريقة دراسة الخطاب العادي من حيث طرق الحجاج، و طبيعة المبهمات و أفعال الكلام. و هذا ما تقوله أركيوني في شأن تحليل خطاب أستاذ اللسانيات: "لتحليل خطاب أستاذ، لابد من أخذ بعين الاعتبار:

  • طبيعة المتكلم الخاصة (إدخال عدد من الثوابت)، كطبيعة المتلقين (المستمعين)، عددهم، سنهم، مستواهم، سلوكهم، التنظيم المادي، و السياسي، و الاجتماعي للمحيط الذي تتم فيه العلاقة التعليمية،... الخ.
  • باعتباره خطابا يمتثل للواجبات (القوانين) التالية: خطاب تعليمي (اعتبارات النوع)، يستعمل اللغة (اعتبارات موضوعاتية)"[4].
  1. 1 الوضعية التعليمية:

نقصد هنا بالوضعية التعليمية، الوضعية التي تم فيها إنتاج الخطاب الذي نتناوله بالدراسة و التحليل من خلال الأدوات العلمية استمدناها من المنهج التداولي و ينتج عن الوضعية التعليمية خطاب تعليمي، و هو خطاب يتم فيه تحويل المادة العلمية إلى خطاب ذات طابع تعليمي، و يقدمه الأستاذ إلى التلاميذ أو الطلبة في شكل مبسط.

تعتبر الوضعية التعليمية "وضعية تواصلية مستقلة و كاملة (تامة)"[5]. و نقصد هنا بوضعية تواصلية مستقلة و كاملة تلك الوضعية التي تتوفر على الشروط اللازمة لقيامها و تأسيسها، و هذه الشروط تتمثل في قطبي التواصل: المتكلم و المتلقي.

و يضاف إلى ذلك الخطاب الذي يصاغ على أساس وضع (le code) ذي طبيعة متعارف عليها. و يتوقف حسن أداء الخطاب على تدخل المرجع، كما أن العملية التواصلية لا تتم إلا بوجود قناة تشكل ضمانا بعدم انقطاعها (العملية التواصلية). فالمتكلم يتمثل في الأستاذ الجامعين و المتلقي عبارة عن مجموعة من الطلبة، أما بالنسبة للخطاب الذي يصاغ على أساس وضع، أو محور العملية التعليمية الجامعية يتمثل في الخطاب العلمي كمحتوى تعليمي يتم فيه تحويل المادة العلمية إلى خطاب ذي طابع تعليمي.

  1. 2 الخطاب:

الخطاب هو انجاز في الزمان و المكان و يقتضي لقيامه شروطا أهمها المخاطب و المخاطب و تحدد كيان الخطاب مكونات تعلن عن حدوثه و هي[6]: الأصوات و المفردات و التراكيب و الدلالة و التداول. أما في اللسانيات نجد الخطاب يساوي الكلام. و بهذا نستطيع القول بأنه عبارة عن نتاج فردي كامل يصدر عن وعي، و إرادة، و يتصف بالاختيار الحر، وحرية الفرد الناطق تتجلى في استخدامه أنساقا للتعبير عن فكره الشخصي، يستعين في إبراز ذلك بآليات نفسية، و فيزيائية. لهذا فالكلام يولد خارج النظام، و ضد المؤسسة، لأنه السلوك اللفظي اليومي الذي له طابع الفوضى، و التحرر، و منه المولود اللغوي المسمى لغة جديدة[7].

إذن و من خلال كل ما سبق، يمكننا القول إن الخطاب هو كلام مباشر أو غير مباشر شفوي أو مكتوب، و يلقى على المستمعين قصد التبليغ و التأثير. و يختلف نوع الخطاب باختلاف مضمونه و المواقف التي يلقى فيها، و من هنا تعدد الخطاب فمنه الخطاب السياسي، و الاجتماعي، و الديني، و العلمي، و التعليمي... الخ.

  1. 2. الخطاب التعليمي الجامعي العلمي:

الخطاب التعليمي الجامعي العلمي هو خطاب قيل من قبل سواء على لسان الآخرين أو على لسان الأستاذ الذي يحاول تبسيطه و جعله في متناول الطلبة (المتلقي). ففعل التعليم في الجامعة لا ينفصل بسهولة – كما نعتقد-عن علم المعرفة[8]. فالدرس الجامعي كهيئة خطابية مسلم بها، تجري ضمن مقام، تسمح (الهيئة الخطابية) التعبير عن "أنا" الفردية حينا، و عن "أنا" المزدوجة أو المتعددة حينا آخر، هذا من جهة، و تؤخد بعين الاعتبار "أنت" (المتلقي) الذي لا يأخد الكلمة، و لكنه دائم الحضور، هذا من جهة أخرى[9].

حسب ديبوا Du Bois: "خطابات أساتذة الجامعات هي تقريبا كلها خطابات تعليمية (...). بعضها خطابات تعليمية، و أخرى تربوية، أي عبارة عن مجموعة مغلقة من الأسئلة و الأجوبة التي يحاول من خلالها الأستاذ الحكم على المتلقين و قدراتهم الذهنية، و ذلك أثناء تشكيل ملفوظاتهم التي تعكس مدى استيعابهم لملفوظاته (الأستاذ)، و الباقي عبارة عن تشكيل تعليمي للملفوظات العلمية"[10].

انطلاقا من هذا القول نستطيع القول بأن الخطاب التعليمي الجامعي هو خطاب تعليمي و تربوي و علمي في آن واحد.

  1. 3.2.الخطاب التعليمي :

الخطاب التعليمي عبارة عن خطاب يتم فيه تحويل المادة العلمية إلى مادة (خطاب) ذات طابع تعليمي. و هو أيضا خطاب يتكرر فيه خطاب الآخر، و هي ميزة خاصة بالعمل التربوي[11]. و يمكننا أيضا تحديده انطلاقا من مقابلته مع الخطاب الجدلي[12]. و هذه المقابلة قائمة على أساس الاختلاف الموجود في العلاقات بين المتكلمين، فالخطاب التعليمي ينطلق من الثنائية (أنا إلى أنت) أو (أنا=أنت)، لكن الخطاب الجدلي (السجالي) يقوم على أساس الثنائية (أنا مقابل أنت).

فالخطاب التعليمي يحدده أصحاب النظرية "تحليل الخطاب الفرنسي"، على أساس غياب علامات التلفظ فيه، و بالخصوص غياب الفاعل المتلفظ أمام ملفوظه الذي يحدد الخطاب الأصلي العلمي[13].

و يمكننا القول أيضا بأن العلامات الشخصية تعد من الميزات الأساسية للخطاب التعليمي، و بالخصوص كثرة ورود الضمير "أنا" الفردية أو المزدوجة أو المتعددة. و يأتي حديث مفصل عن هذه الظاهرة في حديثنا عن "التلفظ في الخطاب التعليمي الجامعي" فطبيعة العلاقة بين أطراف العلمية التواصلية في الخطاب التعليمي، هي التي تجعله يختلف عن الخطابات الأخرى التي يتم إنتاجها في وضعيات أخرى[14].

  1. 3.2. الخطاب التربوي:

الخطاب التربوي هو المادة الخطابية التي تشكلها الملفوظات التي تم إنتاجها من قبل الأستاذ في نشاط من نمط خاص، و في إطار مؤسسة معطاة (و التي تتمثل هنا في الجامعة) فهذا الخطاب يمتاز بوجود علاقة بين ثلاثة فواعل (3actants): 'أحدهم يدرس شيئا للآخر"[15]، فهذا النوع من الخطاب نجد فيه العملية التلفظية تتكون من هيئة خاصة و مكررة في آن واحد، إلا أن هذه الهيئة الخطابية معقدة، تتكون من مختلف المستويات الخطابية.

نجد بنية الخطاب التربوي على شكل (أنا=انت) و نفس الشيء بالنسبة للخطاب التعليمي، لكن الخطاب العلمي بنيته هي على شكل (أنا مقابل أنت) و يمتاز أيضا-الخطاب التربوي-بعلاقة حوارية، إذ نجد – بالضرورة-على الأقل فاعلين أو عاملين، عكس الخطاب العلمي الذي يمتاز بشفافية الفاعل الدائمة و المرتبطة بحريته في إصدار الحكم، فالتربية تضع في الوضعية الخطابية فاعلين، نجد احدهما يحاول التأثير على الآخر، لكن العلم يستلهم خطابا ينعدم فيه فاعل التلفظ، فهو حامل لحقيقة تلفظ بها[16].

  1. 3.2. الخطاب العلمي:

يعتبر الخطاب العلمي شرطا لا بد منه لضمان الاتصال البيداغوجي بين أعضاء الجامعة، و لهذا فهو ينظر إليه على انه عملية مقصودة، و يقودنا هذا إلى الاعتراف الضمني بوجود أهداف لها، و مفهوم الأهداف في الوسط التعليمي مفهوم قديم و متجذر، و قد تطور بفضل التفاعل بين الأفكار و النظريات و أصبح يمثل حقلا للدراسة[17].

لقد تم تحديد الخطاب العلمي بحسب كل باحث، و هي محاولات تختلف باختلاف وجهة نظر كل واحد منهم، إذ لدينا[18]:

  • ويدوسون Widdowson: "الخطاب العلمي هو تعبير عن مفاهيم، و طرق بحث و عرض التي لا تتغير مهما كانت وسائل التعبير اللغوية".
  • أوتيير Authier: "هو خطاب تنعدم فيه إشكاليات التلفظ أو يمكن القول بأنها ناقصة فيه".
  • قوتييه Gauthier: "يتميز الخطاب العلمي بسجلاته المستعملة".

و من خلال هذه التعريفات نستخلص أن الخطاب العلمي يتميز بالشفافية التي تدل على الصلة بين النص و متلقيه (قارئه)، فكلما كان النص بعيدا عن المتكلم (الذي أنتجه) كان أقرب من متلقيه و العكس صحيح، أي يكاد ينعدم فيه الغموض. فمرجعية الخطاب العلمي تمتاز بالموضوعية، على عكس الخطاب السياسي الذي تمتاز مرجعيته بالذاتية، أي يمكننا مقابلتها على أساس المرجعية[19].

تنتمي ملفوظات الخطاب العلمي إلى قسم الملفوظات البعيدة عن أية وضعية. فهو خطاب يأخذ شكل الخطاب التربوي في الجامعة. و بهذا فالجامعة مكان تتحول فيه الملفوظات العلمية إلى ملفوظات تربوية، و تتم عملية التحول هذه في الدرس الجامعي الذي يعتبر كفعل كلامي أكبر(un macro-acte de parole)[20] .

و يمكننا القول أيضا بأن الخطاب العلمي يختلف عن الخطاب التعليمي، و يمكن هذا الاختلاف في قضية فاعل الملفوظ و فاعل التلفظ فالخطاب التعليمي يسعى إلى تأكيد شخصية الباحث الذي يتحدد بمقابلته مع الدراسات الأخرى فالضمائر الشخصية ليست نفسها في الملفوظين[21].

أما على مستوى الملفوظات، فالخطاب العلمي شكله كالتالي: "تقول بان س هو ع و أقول أنا س هو ص"، أما الخطاب التعليمي فشكله كالتالي: "س هو ع"[22].

و انطلاقا من كل هذا يمكننا القول إن الخطاب التعليمي الجامعي (الدرس الجامعي) كخطاب يثبت من جهة كلاما بدون فاعل (علمي)، و من جهة أخرى هو كلام مشروط و مقيد (تعليمي و تربوي)، أي "أنا=أنت" و "أنا مقابل أنت" في آن واحد. كما أنه (الخطاب التعليمي الجامعي) يوجه إلى المتلقين عامة و ليس إلى متلق معين. و يتأسس على هذه الطريقة حتى يكون واضحا لدى المتلقي (الطلبة) الذي يشارك في تحقيق العملية التبليغية مع الأستاذ الذي يملك حق القول و وجوب الشرح، فهو بهذا أي الخطاب يحقق و ظيفتين، وظيفة تعبيرية و وظيفة معرفية.

  1. المدونة:

عند اختيارنا للمدونة التي سنحللها و ندرسها دراسة تداولية، حاولنا مراعاة مجموعة من الشروط التي تتعلق بما يحتويه البحث من معالم، أي أن هذه المدونة تم اختيارها وفقا للمنهج الذي نعتمده في الدراسة.

أما بالنسبة إلى عملية جمع هذه المدونة، استعملنا مسجلا صوتيا، و هو صغير الحجم، لأن قاعات المحاضرات-في قسم اللغة العربية، كلية العلوم الإنسانية، بجامعة تيزي وزو، لا تتوفر على مكبرات الصوت، لو كان ذلك متوفرا لسهّل علينا عملية الجمع.

لقد اقتصر عملنا أثناء التسجيل على الخطاب الشفهي، لأن الكلام هو أساس تحليل الخطاب، إذ هناك اختلاف كمّي و نوعي بين العناصر اللغوية في الخطابات الشفوية و المكتوبة فالعينة التي نحللها، هي عبارة عن مجموعة من الخطابات لأساتذة جامعيين، و بالتحديد خطابات أساتذة علوم اللغة بقسم اللغة العربية و آدابها-كلية الآداب و العلوم الإنسانية بجامعة تيزي وزو و هذه المعطيات التي نتعرض إليها هي معطيات خاصة بالسنة الدراسية الجامعية (1999-2000). أما بالنسبة للمواد المختارة، فهذا الاختيار متعمد، كون هذه المواد متقاربة، و أيضا اخترنا الأساتذة الذين يتسنى لنا التعامل معهم بسهولة و بكل حرية.

لقد اعتمدنا تسجيل المحاضرات دون حصص الأعمال الموجهة، لأن المواد التي تدرس في الكليات، هي مواد تنقسم إلى محاضرات تلقى في المدرج الذي يجتمع فيه أفواج المستوى الواحد، و إلى أعمال موجهة تتم في أقسام تضم كل فوج على حدى، أو في الورشات و المخابر، بحسب التخصص و هذا الإقصاء للجانب التطبيقي تفرضه علينا طبيعة الدراسة، ففي المحاضرة نجد خطاب الأستاذ هو المهيمن، عكس الأعمال الموجهة حيث يكون خطاب الطلبة حاضر بقوة و به قمنا بتسجيل محاضرات خاصة بثلاثة مواد و هي: "اللغة و المجتمع"، "المدارس اللسانية"، "علم النفس اللغوي".

و التسجيل لأستاذ واحد لكل مادة.

  1. 4. تصنيف الخطاب التعليمي الجامعي:

من خلال المشاهدة و التسجيل، توصلنا إلى حصر الدرس الجامعي في نوعين من الخطابات: الخطاب المعرفي و الخطاب التواصلي.

  1. 4. الخطاب المعرفي:

يتميز الخطاب المعرفي بطابع علمي و تعليمي بحت، أي الخطاب الذي يصيغه الاستاذ في قالب تعليمي بشكل دقيق و مبسط و نجد هذا النوع من الخطاب يهيمن في الدرس الجامعي، باستثناء بعض تدخلات الطلبة من حين إلى آخر، و هذه التدخلات تجعل المتكلم (الأستاذ) يلجأ إلى الشرح و الإقناع بإعطاء أمثلة من الواقع، و من الأمثلة على ذلك لدينا:

"(الطلبة) كيف يمكن أن نتصور الإنسان خارج هذه المثيرات؟# (الأستاذ) في بعض الأحيان قد يتكلم و لكن دون أن تسبب مثيرا في ذلك#... ".

و هناك أيضا خطابات معرفية لا تحتوي على تدخلات الطلبة (المتلقي) و هذا خصوصا لما يتعرض الأستاذ (المتكلم) إلى ظاهرة علمية جديدة، مثل:

"إذن # تعايش عدة لغات في بيئة اجتماعية واحدة# معناه وجود ظاهرة التعدد اللغوي#... ".

.2.4 الخطاب التواصلي:

بالإضافة إلى الخطاب المعرفي (العلمي) في الدرس الجامعي، هناك خطاب آخر ينظم به التبادل بين الأستاذ و طلبته، و أطلقنا عليه تسمية "الخطاب التواصلي" و هذا الخطاب تشكله ملفوظات ذات طابع ترفيهي كالنكت أو التعرض إلى بعض الحوادث التي عاشها الأستاذ، و ملفوظات أخرى تتميز بالذاتية و فيها يتحدث الأستاذ عن نفسه لكن الشيء الذي نسجله هو أن لهذه الملفوظات صلة بموضوع الدرس.

و الخطاب التواصلي يقرب الأستاذ من طلبته، و يجعلهما يتجاوبان بطريقة تساعد على نجاح العملية التعليمية و بذلك تحقيق الغرض المنشود ألا و هو إيصال المعلومات في أشكال بسيطة و دقيقة و هذا ما يؤكد عليه أحدهم (الأساتذة) أثناء الاستجواب الذي أجريناه له قائلا:

"الخطابات التواصلية الغرض منها # إخراج الطالب من قساوة المحاضرة # أو من مللها أي للاستراحة # و في بعض الأحيان كأمثلة لتدعيم الفكرة # أي آتي بأمثلة من الواقع# و أصيغها بطريقة نكتية # و هكذا تترسخ في أذهانهم الأفكار و المعلومات".

  1. طبيعة الملفوظات في الخطاب التعليمي الجامعي:

لقد صنفنا الدرس الجامعي إلى نوعين من الخطابات (المعرفي و التواصلي)، لكن هذه الخطابات تتكون من مجموعة من الملفوظات التي تنقسم إلى قسمين أساسيين[23] : الملفوظات المحددة و الملفوظات التعليمية.

  • الملفوظات المحددة: تنقسم هذه الملفوظات إلى قسمين:
    • ملفوظات موضوعية أي تشير إلى تغيير الموضوع.
    • ملفوظات تحدد ب "إذن".

 -الملفوظات التعليمية: تنقسم هذه الملفوظات إلى قسمين:

  • ملفوظات حرة.
  • ملفوظات مقيدة و التي تنقسم بدورها إلى:
    • تعيينية.
    • تدعيمية أو تعزيزية.
    • تِكرارية.
    • تَكرارية.
  1. المتكلم (الأستاذ) في الخطاب التعليمي الجامعي:

يعدّ الأستاذ العنصر الأساسي في دراستنا هذه، و الذي نطلق عليه مصطلح التكلم (المخاطَب) و تطلق عليه فتيحة يزيد[24]   مصطلح المتلفظ  الأول و ترمز له بالرمز (S 1)، لأن هناك متلفظا ثانيا و ترمز له بالرمز (S 2)، و يتمثل في الطلبة الذي نطلق عليه (المتلفظ الثاني) مصطلح التلقي (المخاطِب) لكنّا سنركز اهتمامنا على خطابات المتكلم، أما خطابات المتلقي – و هي قليلة جدا –فنتعرض إليها في علاقتها بخطاب المتكلم.

فالأستاذ فرد مخول من قبل الهيئة و التي تتمثل هنا في الجامعة و منه فباستطاعته ممارسة صلاحيته التي تعطيه الحق في التصرف لكن في ظل التزامات محدودة. و له القدرة على ذلك لكونه مكتسبا لمجموعة من المعارف. إذ يمكنه التصرف في المعارف الخاصة بالطلبة و ذلك بتنظيمها و تطويرها حسب تعليمات المؤسسة (الجامعة) التي يمارس فيها عمله. و الاستاذ باعتباره متلفظ الخطاب التعليمي –العلمي، يتميز بالموضوعية و المنطقية و المعرفة، فهو بهذا كما تقول فتيحة يزيد: "تسمح عنه كل المميزات النفسية و الاجتماعية التي تميزه كفرد"[25] لكن هذا لا يتحقق دائما، فطبيعة الدرس الجامعي تؤكد على أن الأستاذ (المتكلم) يضطر في بعض الحالات إلى استعمال ملفوظات تواصلية بعيدة عن الملفوظات المعرفية- كما أسلفنا الذكر –و أيضا يدخل عنصر الذاتية ما سنراه فيما سيأتي من تحليل و دراسة للخطابات التعليمية للأستاذ الجامعي.

فهذا النوع من الخطاب (الدرس الجامعي)، يجبر الأستاذ (المتكلم/المتلفظ) على تشكيل خطاب موضوعي يتميز بقليل من الغموض-عليه أن يكون واضحا عموما- و يتميز أيضا بانسجام داخلي يضمن تقبله من قبل المتلقي، أي بجب مراعاة التسلسل و التعقيد شيئا فشيئا أثناء تقديم المعلومات في حين نجد المتلقي لا يملك حق الرفض، لأن رفضه هو بمثابة رفض لمعرفة لم تستهلك، فعليه الاستيعاب أولا تم الرد أو النقد في التي تليها.

إن التركيز على خطابات الأستاذ، هو من طبيعة موضوعنا الذي نسعى من خلاله إلى تبيين (إظهار) أولوية خطاب الأستاذ (المتكلم) -الذي يعتبر قوله كنشاط كلامي -على العناصر المرجعية المرتبطة مباشرة بالقول ذاته، و هذا ما يذهب إليه رولي Roulet قائلا: "الأولوية الأساسية لمثل هذا التناول، هي لفت انتباه البيداغوجي (التربوي) إلى عناصر  القول (الملفوظ) التي لها وظيفة تواصلية أساسا، بمقابلتها بالوظيفة المرجعية للمحتوى المقترح"[26] .

.1.6 سلطة المتكلم :

نعني هنا السلطة المعنوية للمتلفظ أو المتكلم (الأستاذ)، فكما أسلفنا بأن الأستاذ من أحد الأفراد المخولة من قبل الجامعة لتأدية العملية التعليمية بكل حرية "المتكلم شخص في حالة تمتع بمعرفة و سلطة حيال جماعة متجانسة على الأقل، و هذه الجماعة (الطلبة) لا تملك لا معرفة و سلطة و هذا ما يطلق عليه بيرتون  D.Burton [وضعية حوارية بسلطة مطلقة]"[27] . فللأستاذ الحق في التصرف و التحكم، بحكم عدم وجود التكافؤ بين منزلة الأستاذ (المتكلم الرئيسي) و الطلاب و هذا طبعا من طبيعة العلاقة التعليمية و بالتحديد من طبيعة درس المحاضرة في الجامعة.

تتجلى سلطة المتكلم (الأستاذ) في أقوال ليست بعلمية لكنها تنظيمية و تعليمية و هذه الأقوال (الملفوظات) تتخلل الخطاب التعليمي –العلمي من حين إلى آخر، و هي متعددة الأشكال، و يمكننا أن نمثل لها ببعض الأمثلة من المدونة و هي:

"يحلل هذا النص # و أستلم الإجابات في خلال أسبوعين # إذن

 بعد أسبوعين أستلم هذه الإجابات".

"طبعا نحن نمضي سريعا # لأن لا يوجد لدينا وقت...".

و من خلال الملاحظات التي دوناها نجد أن المتكلم (الأستاذ) يلجأ إلى عدة وسائل (الكلام، الحركة، الإشارات، السبورة،...) لضمان نجاح العملية التعليمية. فالدرس الجامعي ليس مجرد سرد معلومات فحسب بل هناك الجهود التي يبذلها الأستاذ من أجل ذلك.

  1. وسائل الاتصال الغير اللفظية:

بالإضافة إلى عملية التسجيل على أشرطة كاسيت، قمنا بتدوين بعض الملاحظات التي لا يمكن تسجيلها، بل تتم عن طريق المشاهدة و تتعلق هذه الملاحظات بإقبال الطلبة، و طريقة إلقاء الأستاذ لدرسه و نقصد هنا الحركات التي يقوم بها الأستاذ، أي بالإضافة إلى الكلام يلجأ الأستاذ إلى القيام بحركات سواء باليدين أو الرأس، و لكل هذه الحركات دور في العملية التعليمية لأنها تساعد المتكلم على التعبير و تبليغ رسالته على أحسن وجه: "منذ سنوات بدأ البحث في علم التواصل الخاص بوسائل الاتصال غير اللفظية(le non-verbal) يؤخد بعين الاعتبار و ذلك بإثرائه بما فيه ميدان التعليم..."[28].

و تقول فورستر Foerster عن أهمية وسائل الاتصال عير اللفظية : "من غير الممكن إعطاء نموذج كامل -مهما كان الأمر- عن التواصل غير اللفظي. لكن من الممكن أن يساعد بشكل إيجابي في الحوارات بما فيها الخاصة بالطالب و الأستاذ، و ذلك بإعطاء أهمية لذلك و إبراز الدور الأساسي الذي يلعبه في الحوار"[29] .

  1. المتلقي (الطلبة) في الخطاب التعليمي الجامعي:

سبق و أن تحدثنا عن المتكلم (الأستاذ)، و الذي سشكل خطابه موضوع دراستنا باعتباره العنصر الأساسي في الخطاب التعليمي الجامعي. أما بالنسبة إلى المتلقي، و الذي تمثله مجموعة من الطلبة، و هم طلبة ليسانس في الأدب العربي، و تختلف مستوياتهم حسب المادة التي اعتمدنا في التسجيل. لكن هذا المتلقي لن نهتم به كطرف ثان في عملية الكلام، بل سنتحدث عنه في علاقته مع خطاب المتكلم و مدى تأثيره في هذا الأخير. و هذا ليس تقليلا من أهميته، لكن طبيعة الدراسة هي التي تفرض علينا ذلك.

يعتبر المتلقي في الخطاب التعليمي الجامعي (الدرس الجامعي) فاعلا جامعيا، أي أنه يتكون من مجموعة من الطلبة يبحثون عن معرفة حددتها هذه المؤسسة (الجامعة)، و هذه المعرفة لديها دعامة تتمثل في الفاعل الأول –المتكلم (الأستاذ). و هذا المتلقي يخضع بدوره لتعليمات (التزامات) هذه المؤسسة، و باعتباره متلقيا لا يمتلك إمكانية تحوله إلى متكلم رئيسي، كما هو الحال في الخطابات الأخرى (العادية مثلا).

من خلال ملاحظاتنا نجد المتلقي يقصر خطابه على أسئلة أو طلب توضيحات. و هذا ما تفرضه طبيعة الخطابات التي نتناولها بالدراسة، خاصة و أننا اعتمدنا المحاضرات دون الأعمال الموجهة. ففي المحاضرة نجد المتكلم (الأستاذ) هو المتلفظ الرئيسي و المسيطر على الكلام، بحكم انه يتناول ظواهر لغوية جديدة على المتلقي الذي ما عدا بعض الأفكار الجزئية التي تتكرر لأنها مرتبطة بالأفكار الجديدة، و هذه ميزة كل العلوم التي تعتبر حلقات تكمل بعضها البعض. فلا مجال لتدخل المتلقي الذي هو بصدد البحث المعارف التي هي متوفرة عند المتكلم (الأستاذ) الذي يبسطها و يقدمها في شكل خطاب تعليمي-علمي، في حين نجد العملية عكسية في الأعمال الموجهة، إذ على المتلقي أن يبرز أهم الأفكار التي استوعبها من خلال المحاضرة و ذلك بتحليله لنصوص تطبيقية أو بعض التمارين حول ما أخذ في المحاضرة و ذلك بتحليله لنصوص تطبيقية أو بعض التمارين حول ما أخذ في المحاضرة، و هنا يمكن دور التلقي و يظهر بوضوح و بشدة، و يصبح المتكلم (الأستاذ) مجرد مراقب و تكون خطاباته ضئيلة جدا.

  1. الشفافية:

سبق و أن قلنا بأن الخطاب التعليمي الجامعي هو خطاب علمي، و هذا الأخير بدوره عبارة عن خطاب "شفاف"، فهو بمنأى عن (بمعزل عن) "الأنا –الهنا-الآن" و من ثم فهو سهل "الاحتواء" من قبل المخاطب: و هذا حال المثل (الحكمة)، و النص المدرسي، ...الخ فهذه الأقوال غير الموقعة (أي لا تحمل توقيع شخص بعينة) يمكن أن يستظهرها الجميع و على عكس ذلك، فإن الخطاب السجالي خطاب "معتم" إن "العتمة و الشفافية إنما تمثلان انفتاحا على لبس الرسالة، فالشفافية تطابق اللبس الأدنى و العتمة اللبس الأقصى"[30] .

فالخطاب الشفاف يتميز عن الخطاب المعتم بواسطة الاستعمال المغاير للأدلة اللغوية فبوجه عام، يمكننا القول بأن الخطاب الشفاف يتميز ب[31]:

  • قلة ردود ضميري المتكلم و المخاطب.
  • كثرة الأفعال المنقضة.
  • قلة العلامات الدالة على المكان و الزمان.
  • قلة الأفعال الدالة على الحكم على الكلام: القدرة، الإرادة، الوجوب.
  • قلة الصيغ التركيبية التي تنطوي على العلاقة الجدلية بين المتكلم و المخاطب (الاستفهام مثلا).
  • أما الخطاب المعتم فيتميز بالسمات اللسانية المضادة:
  • كثرة الضمائر.
  • قلة الأفعال المنقضة.
  • كثرة العلامات الدالة على المكان و الزمان.
  1. 10. بعض ملامح الخطاب التعليمي الجامعي:

.1.10 التلفظ :

يهتم الدارسون في هذا المستوى بدراسة الآثار التي تشير إلى عنصر الذاتية بما فيها الضمائر و العلامات الدالة على الزمان و المكان و ذلك في الخطاب فهم يدرسون الأقوال و الصيغ التي تتجلى مرجعيتها و دلالتها في سياق الحديث و هي تعتبر أقوالا مبهمة إذا درسناها خارج السياق و هذه العناصر اللغوية التي لا نعرف دلالتها المرجعية إلا من خلال السياق، تتمثل في ضمائر الشخص، و المكان، و كل العلامات الأخرى التي تظهر و تبرز الكيفية التي تجري بها عملية التلفظ.

قد حدد (بنفنيست Benveniste) مصطلح التلفظ أو الحديث فقال: "التلفظ هو إجراء اللغة في الاستعمال من خلال فعل فردي"[32]. وحدده أيضا كالتالي: "هو الحدث الذي بمقتضاه تتحصل الأدلة اللغوية، و التي تضطلع بها الذات الناطقة في ظروف زمانية و مكانية خاصة، و بهذا تصبح كلمة خطاب مرادفة للتلفظ (الحديث)"[33].

أضف إلى ذلك ما قاله (ديكرو Ducrot) و (أنسكومبر Anscombre) في أن التلفظ (الحديث) هو ذلك النشاط الكلامي الذي يصدر عن المتكلم في تلك اللحظة التي هو فيها بصدد الحديث[34]. و يقول (ديكرو) في مكان آخر: "عندما نتحدث عن لسانيات التلفظ أو الحديث، فإننا نأخذ هذا المصطلح بمعناه الضيق، فلا نأخذ المظهر الفيزيائي لبث أو استقبال الكلام الذي يندرج ضمن علم النفس اللغوي أو أحد تفرعاته، و لا التحولات التي تطرأ على المعنى العام للكلام بسبب الوضعية، إنما المقصود هو العناصر التي تنتمي إلى اللغة و تتنوع دلالتها من كلام إلى آخر مثل: أنا، أنت، هنا، الآن،... و بمعنى آخر إن الشيء الذي تحتفظ به الدراسة اللسانية هو البصمة التي تتركها عملية التلفظ (الحديث) في الكلام"[35].

.1.1.10 المرجعية :  

هي تلك الوظيفة التي تسمح للأشكال اللغوية أن تحيل إلى عناصر من العالم، و التخاطب البشري يقوم على هذه العلاقة. و هذا ما يِؤكد عليه (ديبوا Dubois) قائلا: "المرجعية هي الوظيفة التي يتمكن من خلالها الدليل اللغوي من الرجوع إلى موضوع في عال غير لغوي، واقعا كان أم خيالا"[36].

و المرجعية تمثلها الأسماء المبهمة (الأشكال اللغوية الفارغة) و هي: الضمائر، أسماء الإشارة، ظروف المكان و الزمان.

.1.1.1.10 الأسماء المبهمة :

  يقول (بنفنيست) بأن للغة عناصر متميزة، تكمن وظيفتها في تحويل اللغة إلى خطاب، و يعني بها الأسماء المبهمة أو الأشكال اللغوية الفارغة، الدالة سواء على الأشخاص (الضمائر)، أم الزمان و المكان. و هذه العناصر لا تنطوي على معان إلا حينما تسخر في خطاب ما. و يكمن دورها في توفير أداة التحويل أداة التحويل التي يمكن أن ندعوها بتحويل اللغة إلى الخطاب.

.1.1.1.1.10 الضمائر :

يشكل التلفظ في (الخطاب التعليمي الجامعي) علاقة مزدوجة، واحدة من النمط (أنا مقابل أنت –انتم) و أخرى من النمط (أنا –أنتم مقابل هو). ففي الأولى المتكلم يساوي صاحب الخطاب (الملفوظ)، و في الثاني نجد المتكلم لا يمثل شخصه، أي يتحدث باسم صاحب الملفوظ (يتمثل في اللسانيين أو الباحثين بصفة عامة)، إذ في هذه الحالة الأخيرة يمكن لأي شخص له مؤهلات أن يأخذ هذا الدور أي يصبح صاحب الملفوظ دون تغير في معنى الملفوظ. و يمكننا أن نمثل لحالة هذا الخطاب من حيث عملية التواصل بالشكل التالي:

 

 

أما بالنسبة إلى نسبة ورود الضمائر في الخطاب التعليمي الجامعي فهي –بصفة عامة –نسبة ضئيلة، باستثناء الضميرين "نحن" و "نون الجماعة"، اللذين يردان بنسبة كبيرة، و هذا ما يجعل من الخطاب التعليمي الجامعي أكثر موضوعية فصاحب الملفوظ هو نفسه المتلفظ، إذ يمكن لأي شخص –له مؤهلات –ان يأخذ هذا الدور، أي يصبح صاحب هذه الملفوظات. فللضمير "نحن" أهمية قصوى في الخطاب التعليمي الجامعي و ذلك بمقارنته مع الضمير "أنا" الذي يرد في ملفوظات يكون صاحبها مساويا للمتلفظ و هنا تدخل الذاتية.

.2.1.1.1.10  أسماء الإشارة :

يدخل هذا النوع من الأشكال (العناصر) اللغوية تحت إطار المبهمات أو كما يسميها النحاة العرب ب "الأسماء المبهمة"، و هذا ما يشير إليه ابن يعيش في كتابه "شرح المفصل"، قائلا: "اعلم أن هذا الضرب من الأسماء هو الباب الثاني من المبنيات و هي الأسماء التي يشار بها إلى المسمى و فيها من أجل ذلك معنى الفعل و لذلك كانت عاملة في الأحوال و هي ضرب من المبهم و لذلك... ، و يقال لهذه الأسماء مبهمات لأنها تشير بها إلى ما بحضرتك و قد يكون بحضرتك أشياء فتلبس على المخاطب فلم يدر أيها تشير فكانت مبهمة و لذلك لزمها البيان بالصفة عند الإلباس..."[37]. و تنقسم أسماء الإشارة إلى قسمين:

أ-قسم "هذا" للشيء القريب من المتكلم، إذ نجد عناصر هذا القسم بارزة في الخطاب التعليمي الجامعي بصفة مطردة أو نسبية كبيرة و هي كالتالي: هذا، هذه، (هذان، هاتان، هذين، هاتين) نسبة ورودها ضئيلة جدا، لأن المتكلم يستعمل غالبا صيغة المفرد لأنها الأبسط و الأسهل.

ب- قسم "ذلك" للشيء البعيد عن المتكلم، و يتكون من "ذلك" للشيء المذكر و "تلك" للشيء المؤنث.

يستعملها المتكلم في ملفوظات تعبر عن ظواهر مضت، أي ليست آنية، لهذا السبب قل ورودها في الخطاب التعليمي الجامعي بمقارنتها مع عناصر قسم "هذا".

.3.1.1.1.10 الزمان و المكان :

يتمحور زمن الخطاب التعليمي الجامعي في الحاضر، لأن المتكلم يخاطب المتلقي في لحظة زمنية محددة تتمثل في "الآن" و يتجلى هذا الزمن إما عن طريق قرائن بجوار الأفعال أو عن طريق الظروف (الآن، الحصة الماضية، الحصة القادمة، الحصة المقبلة، فيما بعد، بعد أسبوعين، اليوم أي يوم الدرس).

يتمثل مكان الخطاب التعليمي الجامعي في المدرج، أما عن وضعية المتكلم أثناء كلامه تتحدد بالأمام فهو يخاطب المتلقي مباشرة و بالتالي يواجهه وجها لوجه لكن نجد في خطاباته عناصر لغوية خاصة بتحديد المكان و هي: هنا و هناك.

.2.1.10 الأحكام :

تحدد المعاجم اللسانية مصطلح "الأحكام" كالتالي: "الحكم هو الإثبات الكامل لملفوظ متعلق بعلاقة ما (بنفنيست)، و ترجمة موقف المتكلم من قوله، و هذا الإثبات يعبر عنه بطرق مختلة أهمها:

  • أفعال الحكم، مثل: يجب أن، لابد من،...
  • أفعال مسبوقة بعبارات مثل: ربما، دون شك، أرجو، أتمنى، أريد أن...
  • و أشكال أخرى تشير إلى أقوال على صيغة المصدر مثل: أجهل أن...، سيكون من المؤكد...، أنا متأكد من..."[38].

اعتمدنا في هذه الدراسة التقسيم التالي:

  • الأحكام المنطقية التي تتجلى في الخطاب التعليمي الجامعي، و التي يمكن حصرها في: الممكن، و غير ممكن، و الضروري. و هي أحكام ترتبط بمفهوم "الحقيقة"، و به تؤكد على الموضوعية و المنطقية التي تمتاز بها ملفوظات المتكلم (الأستاذ).
  • أحكام التلفظ: و هي أحكام ترتبط بالذاتية المتكلم، لكن في علاقته بالطرف الآخر (المتلقي) و هذا النوع من الأحكام يطلق عليها بنفنيست تسمية "الوظائف التركيبية الكبرى" فالمتكلم أثناء اعتماده اللغة للتأثير على المخاطب بأي شكل من الأشكال –يعمد في ذلك إلى جهاز من الوظائف، تتمثل في: الاستفهام، الإثبات.
  • الأحكام التي تتجلى في الأفعال: و هي أحكام تنتمي بعضها إلى الأفعال مثل: حكم الغاية، و تتجلى في (الترقيب، الرجاء، التخوف،...).و البعض الآخر من قبيل أساليب التعبير (ربما، دون شك، من المحتمل، أتمنى،...) و تشير إلى عدم اليقين، و الإمكانية و التردد. لكن بالنسبة للخطاب التعليمي الجامعي نجد فيه هذه الأفعال تنحصر كلها تحت غاية "الرجاء" أما أساليب التعبير تنحصر في (ربما، أظن، فيها يبدو).

.2.10 أفعال الكلام في الخطاب التّعليمي الجامعي:

تتلخص نظريّة أفعال الكلام في أنّ بعض الأقوال الصّادرة في وضعيات محدّدة تتحوّل إلى أفعال ذات امتداد اجتماعيّ و اللّغة في نظر أصحاب هذا الاتّجاه هي عبارة عن شكل خاص من النّشاط و هذه الأقوال قسمها (أوستن Austin) إلى نوعين: أقوال تقريرية، و أقوال إنشائيّة.

.1 .2.10الأقوال التّقريريّة :

لقد أطلق العرب على هذا النّوع تسمية "الأساليب الخبريّة". و هي عبارة عن الأقوال تحتمل الصّدق و الكذب، أي نستطيع الحكم عليها بالصّدق إن طابقت نسبة الكلام فيها الواقع، و بالكذب، إن لم تطابق نسبة الكلام فيها الواقع. و هذا شأن كلّ قول علمّي، أو كل قضيّة ترمي إلى الإخبار عن الأحداث و الظّواهر المختلفة و المتعدّدة.

أمّا بالنسبة إلى الخطاب التّعليميّ الجامعيّ، الذي هو خطاب علميّ بالدّرجة الأولى، فمعظمه عبارة عن الأقوال (ملفوظات) تقريريّة أو وصفيّة فالمتكلّم (الأستاذ) يحاول –بشتى الوسائل –وصف بعض الظواهر العلمية، و عرضها على المتلقي (الطلبة) في شكل مبسط و ذي طابع تعليمي. إذ يمكننا اعتباره ناقلا لمجموعة من الأخبار.

(الظواهر العلمية) تتميز بطابع علمي تقريري و لهذا أتينا ببعض منها فقط، لأنه من الصعب رصدها كلها، فهي تمثل تقريبا نسبة 80% في كل خطاب تعليمي.

.2.2.10 الأقوال الإنشائية :

هي أقوال لا تصف، و لا تخبر، و لا تمثل، و لا تخضع لمعيار (الصدق و الكذب). إلا أن ميزتها الأساسية أن التلفظ بها يساوي تحقيق فعل في الواقع، و قد صنفها (سيرل Searle) إلى أفعال كلامية مباشرة، و أفعال كلامية غير مباشرة.

.1.2.2.10 الأفعال الكلاميّة المباشرة :

هي عبارة عن الأقوال تدلّ صيغتها على ما تدلّ عليه هذه الأقوال، أي الصّيغة تساوي المحتوى. و تنحصر هذه الأفعال في الخطاب التّعليمي الجامعي فيما يلي:

1- الأقوال الدّالة على الإثبات:

"قلنا إذن # بأنّنا نعتمد مقارنة عيّنات مختلفة من الأقوال".

"...إنّ اللّغة التي تستعمل أكثر # هي اللّغة التي نتقنها أحسن...".

  • الأقوال الاستفهامية:

"هل هناك سؤال؟ # (الطّلبة) لا يوجد".

"(الأستاذ) إذن # ما هي النّقطة التي توقّفنا عندها؟ #

(الطّلبة) الشّرط الثّاني...".

3- الأقوال الأمريّة:

"...لا يمكن أن نتصوّر وجود لغة # دون وجود جماعة لغويّة تستعملها # ماذا أيضا؟ نعم # حاولي".

4- الأفعال الإخباريّة: تدل عليها الأفعال القائمة على الإخبار، و تكمن وظيفتها في نقل المخاطب إلى وضع معرفيّ جديد، مثل:

"إذن # تحدّثنا عن اللّغة كظاهرة اجتماعية في البداية #

 و قلنا أيضا أنّ اللّغة مميّز طبقيّ".

5- الأفعال الدّالة على الحكم:

"إذن # الآن نواصل # ديرو عنوان جانبي #...".

"الآن نملي لكم قول تشومسكي # لأيّ حافز

ملحوظ # الإبداعيّة لا تخضع...".

6- أفعال العرض: تستعمل لإقناع المتلقّي (الطّلبة)، و تنحصر هذه الأفعال في الإثبات، التّأكيد، النّفي، الوصف، التّعريف، التأويل، الشّرح، التّوضيح...

.2.2.2.10 الأفعال الكلاميّة غير المباشرة :

هي عبارة عن تلك الأقوال التي لا تدلّ صيغتها على ما تدلّ عليه. و يعدّ "سيرل" من الأوائل الذّين تناولوا –هذا النّوع –بالدّراسة و التّحليل و أبرز مثال على ذلك: "هل يمكن أن تناولني الملح؟"، فظاهره استفهام لكن دلالته لا تشير إطلاقا إلى الاستفهام، إنّما تشير إلى الطّلب.

و نجد هذا النّوع من الأفعال الكلاميّة في الخطاب التّعليميّ الجامعيّ، و تتجلّى فيما يسمّى بالاستفهام البلاغيّ، أو كما يسمّها "عبد المجيد علي بوعشّة" بـ La question rhétorique) أو La fausse question).  ونجد أيضا هذا النّوع من الأفعال الكلاميّة عند العرب القدامى الذين انتبهوا إلى هذه الظّاهرة; و اعتبروها فروعا، و يشكّل ذلك تقدّما لا مثيل له في الدّراسات اللّغويّة الأسلوبيّة و من أغراض هذا النّوع من الاستفهام في الخطاب التّعليمي الجامعي لدينا:

- التّشويق.

- لفت انتباه المتلقي إلى ما هو مهم في الموضوع.

- لإثارة مجموعة من التساؤلات التي يطرحها المتلقي في ذهنه.

- لدفع الأفكار أو بالأحرى طريقة الحديث.

- للإشارة إلى أنه سيتم الحديث عن هذا الموضوع بالذات.

- لتحديد الإشكاليات المطروحة في الموضوع.

- تقريب المتلقي من المادة باعتباره باحثا و متكونا فيها.

- التقرير.

أليس كذلك؟ بمعنى "هل توافقني"، و تستعمل هذه العبارة في نهاية الشرح أو البرهنة.

.3.10 استراتيجيات الخطاب التعليمي الجامعي :

نتناول في هذا العنصر مجموعة من التحليلات اللغوية التي تندرج ضمن الدراسات التداولية التي تهتم بالخطاب بصفته نصا تحده قواعد معينة. و تتمثل هذه العناصر في: الحجاج، الجملة التفسيرية، التكرار، الكلمتين "إذن" و "نعم".

.1.3.10 الجملة التفسيرية :

نقول عن ملفوظين أو قولين بأن أحدهما يفسر الآخر (Paraphrastique) إذا اختلفت صيغتهما، لكن يعبران عن نفس الدلالة، أي يمثلان نفس القيمة الدلالية. و هذا ما تؤكده "فوخ C..Fuchs قائلة :" إن استعمال الجمل التفسيرية أو الإسهاب في الكلام (Paraphraser) هو بمثابة إعادة الصيغ، التي نعيد بها تشكيل (تأسيس) معنى الخطاب... قد تم إنتاجه "[39] فبمعنى الخطاب لم يتغير، لكن شكله (صيغته) يمكن صياغته بطرق مختلفة و هذا ما تقوله "فوخ" في موضع آخر: "... عملية التفسير أو الإسهاب تمتاز بكونها تمثل في ذاتها نقلا –بإخلاص –للمحتوى و ذلك بإحداث تغيير بسيط في الشكل (الصيغة)"[40].

أما بالنسبة للخطاب التعليمي الجامعي –و نخص الذكر الخطاب الشفوي – فنجد فيه الملفوظات التفسيرية تتجلى بصفة دائمة، و إن لم نقل مهيمنة. و استعمال الملفوظات التفسيرية في هذا الخطاب يكون لغرض تقريب اللغة الاصطلاحية من المتلقي (الطلبة)، و هكذا تترسخ المفاهيم – التي يسعى المتكلم إلى إيصالها –في أذهانهم (الطلبة)، فالمتكلم يسعى قدر الإمكان إزالة الغموض و الإبهام عن ملفوظاته العلمية التعليمية. و هذه الملفوظات التفسيرية متعددة الصيغ، و هي كالتالي:

  • اسم يعوض بتعريفه، مثل:

"... المونيم # معناه # يعني صيغة صوتية أو صورة زائد معنى # ...".

  • صيغة تعوض بتعريفها، مثل:

"أولا مرحلة الكلمة القائمة مقام الجملة# ...#

أي يعبر بكلمة و يريد بها الجملة # ...".

و ما لاحظناه في هذه الجمل أو الملفوظات التفسيرية، هو أنها تبدأ دائما بعنصر لغوي يشير إي أنها صيغة أخرى للملفوظ (القول) السابق. و هذه العناصر تتمثل في: يعني، معناه، بمعنى، أو، أي، بعبارة أخرى، نقصد به، معنى أن.

.2.3.10 التكرار :

نقصد هنا التكرار المعنوي، أي تكرار نفس الفكرة في عدة مواضع، و بصيغ لغوية مختلفة. و يستعمل التكرار في الخطاب التعليمي الجامعي –بصفة عامة- لغرض الفهم، أي ليفهم المتلقي (الطلبة) الفكرة جيدا، و يستوعبها، لابد من إعادتها مرات عدة، حتى و إن اختلفت الصيغة اللغوية. و هذا النوع من التكرار.

يشبه الجملة التفسيرية بالتحديد الدلالي لها[41]. ظاهرة التكرار نجدها في الخطاب التعليمي الجامعي لما تكون الفكرة الجديدة –خاصة- على المتلقي (الطلبة) الذي يتساءل عن مصدر هذه الفكرة و طبيعتها. و يحقق المتكلم (الأستاذ) الإجابة عن هذه التساؤلات و إقناع المتلقي بإعادته لتلك الفكرة مرات عدة.

و ما نلاحظ في بعض الخطابات التي جمعناها، هو أنها عبارة عن تكرار- تقريبا –لفكرة واحدة، يريد المتكلم إيصالها إلى المتلقي، أي أن هناك مبالغة في التكرار، لكن أستاذة هذه الخطابات يعتبرون هذا التكرار من استراتيجيات الخطاب التعليمي الجامعي، فلابد منه.

.3.3.10 الكلمتان "إذن" و "نعم" :

تعد كل من "إذن" و "نعم" من أهم العناصر اللغوية التي تستعمل في الخطاب التعليمي الجامعي، و هي- أيضا –أكثرها استعمالا في هذا النوع من الخطابات. و تستعمل كل واحدة منها لأغراض عدة، و هذه الأغراض استقيناها من الخطابات التي جمعناها، كما أكد عليها مستعملوها (المتكلم –الأستاذ)، و هي كالتالي:

  • كلمة "إذن": تستعمل كلمة "إذن" في الخطاب التعليمي الجامعي لأعراض متعددة، إذ يمكننا حصرها فيما يلي:
  • تستعمل لغرض الاستئناف، مثل:

"إذن / تناولنا المرحلة الأولى # و هي مرحلة ما

قبل اللغوية  # ...# و الآن ننتقل  إلى المرحلة اللغوية.

"إذن ننتقل إلى المدرسة التوزيعية #...".

للاستنتاج أي عرض مجموعة من النقاط أو الأفكار، ثم في الأخير يقول المتكلم لهم: انطلاقا من كل ما قلته، و يعبر عنه هذا الكلام بـ "إذن ... هو ما توصلنا إليه" مثل:

إذن ترون أن ظاهرة التقابل اللغوي # ظاهرة تظهر

في البدايات الأولى...".

  • تعد كلمة "إذن" نقطة انطلاق لتأسيس فكرة ما، أو للتمهيد لفكرة أخرى، أو للانتقال من فكرة إلى أخرى، مثل:
  • إذن # سنتناول المرحلة اللغوية # و ما هي العناصر

 الأولى التي...".

  • إذن "كلمة رابطة بين الأفكار، مثل:

" هذه مرحلة أخرى # إذن مرحلة الجملة الناقصة #

قد تمتد إلى سنتين...".

  • يأتي استعمال "إذن" آليا، أي كلمة لابد منها، مثل ما هو في:

"إذن # قلت ... # ...".

"إذن # طبعا يجب أن نتكلم..".

ب- كلمة "نعم":

في كلمة غالبا ما ترد في الخطاب التعليمي الجامعي و تستعمل لغرضين أساسيين يتمثلان في: إعطاء الكلمة للمتلقي أو للإذن بالكلام، و للتأكيد على صحة قول (إجابة) المتلقي و هناك غرض ثالث – ثانوي – و هو استعمال ضمني لهذه الكلمة، و يتمثل في أن المتكلم لما يعرض مجموعة من الأفكار التي سبق و أن تعرض إليها، يوظف كلمة "نعم"، و كأنه ينتظر تدخلات المتلقي (الطلبة) دون أن يطرح أسئلة على ذلك.

- "نعم" للإذن بالكلام: فالمتكلم لما يطرح سؤالا، و حتى يجيب المتلقي، لابد أولا أن يسمح له بذلك، و يتجلى هذا الإذن في كلمة "نعم"، مثل:

"...كيف حددنا هذا ... ؟ # نعم # من يشرح؟#

سجلنا هذا # نعم # (المتلقي) مجموعة من التعابير...".

- التعقيب الإيجابي على كلام المتلقي: فالمتكلم يستعمل كلمة "نعم" للدلالة على صحة إجابة المتلقي، أي عوض أن يقول "صحيح ما تقول" يكتفي بقول "نعم"، و من الأمثلة على ذلك:

"كيف نسمي هذه الأصوات في الصوتيات ... ؟ # (المتلقي)

المتقابلات # (المتكلم) نعم المتقابلات".

- الاستعمال الضمني لكلمة "نعم": فالمتكلم لما يعرض مجموعة من الأفكار – التي سبق و أن أشار إليها – يستعمل كلمة "نعم" و كأنه يطرح سؤالا، و به ينتظر إجابة الطلبة  أو تدخلاتهم فيما يخص هذه النقاط، أي عبارة عن إعطاء إذن بالكلام لكن ضمنيا، مثل ما هو في:

"...و قد ذكرنا بعض الأمور في هذا الموضوع #

بعض النقاط # نعم...".

.4.3.10 الحجاج في الخطاب التعليمي الجامعي :

يعد الحجاج وسيلة أساسية من وسائل الإقناع و للحجاج أيضا خاصية متميزة تتمثل في كونه يعطينا صورة كاملة عن قطبي عملية التخاطب (المتكلم و المتلقي). فبواسطة الحجج المستعملة ندرك شخصية و منزلة و إمكانيات هذين القطبين. إلا أننا سندرس هذه الظاهرة عند طرف واحد، يتمثل في المتكلم (الأستاذ)، لأنه العنصر الأساسي في تشكيل الخطاب التعليمي يقول أحدهم بأن "كل خطاب يهدف إلى الإقناع يكون له ضرورة بعد حجاجي"[42] .

أما بالنسبة للإطار التداولي لعملية الحجاج فتكمن في أنها تتدخل في آراء و سلوكات المتكلم أو المتلقي عن طريق التأثير فيهم، و ذلك بحملهم على الوصول إلى نتائج التي تم التوصل إليها، و الإقتناع بها و هذا ما نجده في الخطاب التعليمي الجامعي، فالمتكلم (الأستاذ) يحاول إقناع المتلقي (الطلبة)، بالنتائج التي تم التوصل إليها في المجال الذي يتحدث فيه. و عملية الإقناع هذه تتجلى من خلال الصيغ اللغوية التي تتدخل في تحديدها، و هذا ما يؤكده هذا القول: "إن التسلسلات الحجاجية الممكنة في خطاب ما، ترتبط بالبنية اللغوية للأقوال  و ليس فقط بالأخبار التي تشمل عليها"[43] .

أما فيما يتعلق بالبنية اللغوية للأقوال التي يتجلى فيها أسلوب الإقناع، فهي بنية تحددها مجموعة من الأدوات التي يطلق عليها مصطلح "الروابط الحجاجية".

-1.4.3.10 طبيعة الحجاج في الخطاب التعليمي الجامعي :

لقد لاحظنا أن الخطاب التعليمي الجامعي يأتي على شكل نص حجاجي يمكننا تمثيله كالتالي[44] :

 

(المقدمة) (المعطيات) (الأطروحة الجديدة)

 

فالخطاب التعليمي الجامعي عبارة عن مجموعة من الملفوظات تتمثل في الدفاع عن أطروحات

(معطيات) بالحجج، مثل ما هو في:

"...هذه النظرية في الحقيقة فيها جانب من الصحة #

لكن فيها مبالغة..."

.2.3.4.10 الروابط الحجاجية :

هي مجموعة من الحروف و الأدوات تتدخل في تغيير و توجيه دلالات الحجاج في الكلام[45] ، مثل: لكن، إلا أن، إذا كان، مع أن، و المترادفات التالية: (لأن، بما أن، ذلك، لكون، إذ، بحيث، إذ أن)، و (إذا، الحالة هذه، بناء عليه، حينئذ، لكون، كذا، كذلك)، و المجموعة التالية: أخيرا، على أية حال، زد على، من جهة أخرى.

لكن في الخطاب التعليمي الجامعي لا نجد إلا البعض من هذه الروابط، و هي روابط بارزة، و تستعمل عادة في كل الخطابات الأخرى، و تتمثل في: لكن، كذلك، لأن، إذا، إذا كانت، هكذا، أخيرا، إلا أن، بما أنه، كذا، إذ.

لقد تناولنا في هذه الدراسة الخطاب التعليمي الجامعي بالدراسة و التحليل فهذا النوع من الخطاب يجري في عالم لغوي خاص، له مفرداته و موضوعاته المحددة، فالأستاذ في الجامعة يحاول تحقيق بعدين للدرس: بعد تربوي (تعلمي)، و بعد علمي ففي بعض الأحيان يستعصي علينا تمييز بعض الملفوظات –في الخطاب التعليمي الجامعي- هل هي عملية أم تعليمية و في تحقيقه (الأستاذ –المتكلم) للبعدين العلمي و التعليمي، عمد إلى توظيف مجموعة من الوسائل اللغوية المختلفة –كون النظام اللغوي يمثل الدعامة للخطاب الشفوي – و ذلك لتأسيس ملفوظاته التي تشكل هذا الخطاب الذي يتميز بالعملية (الموضوعية) و التعليمية، و الذاتية في بعض الملفوظات التواصلية، التي تدخل في عملية تأسيس العلاقة التعليمية و الإنسانية بين المتكلم و المتلقي في آن واحد و هذه الملفوظات التواصلية تجعل المتلقي يرتاح أكثر للمتكلم (الأستاذ)، لأنها تلطف جو المحاضرة (الدرس الجامعي)، و تسهل عملية تبليغ المادة العلمية بالإضافة إلى هذه العناصر، لدينا أيضا توظيفية للحركات و الإشارات التي تساعده على ملء الفراغ الذي يستحيل التعبير عنه باللغة أو بالكلام.

انطلاقا من كل هذه الخصائص يمكننا التمثيل للخطاب التعليمي الجامعي بالنموذج التالي:

  • خطاب علمي و تعليمي.
  • المتكلم (الأستاذ) يمثله الضمير "نحن".
  • المتلقي (الطلبة) يمثله الضميران "أنتم" و "أنت".
  • الزمن يتمثل في الحاضر، و يتجلى في الظرف "هنا".
  • يتوفر على بعض العناصر التي تعد استراتجية و تتمثل في:
  • الاستفهام البلاغي.
  • الجمل التفسيرية.
  • التكرار.
  • الكلمة "إذن".
  • الروابط الحجاجية خاصة: لكن، لأن، كذلك، إذا.
  • اللغة المستعملة هي الفصحى التي تتخللها بعض الألفاظ الدارجة.

قائمة المراجع:

  • ابن يعيش: شرح المفصل، عالم الكتب – بيروت، مكتبة المتبني – القاهرة، المجلد الأول، الجزء الثالث.
  • بوحوش، رابح: الخطاب و الخطاب الأدبي و ثورته اللغوية على ضوء اللسانيات و علم النص – مجلة اللغة و الأدب (ملتقى علم النص)، العدد 12، ديسمبر 1997- ص.ص 156-191.
  • بلخير، عمر: الخطاب تمثيل للعالم، مدخل إلى دراسة بعض ظواهر التداولية في اللغة العربية (الخطاب المسرحي أنموذجا) – رسالة ماجستير، 1997.
  • السد، نور الدين: مفهوم الخطاب و الخطاب الأدبي –مجلة الخطاب، العدد 1، جامعة تيزي وزو، 1997 – ص-ص 11-14.
  • طالب الإبراهيمي، خولة: عن التداولية –محاضرة ألقتها بمعهد اللغة العربية و آدابها جامعة الجزائر، في ندوة الأستاذ، فيفري 1998.
  • مسعودي، الحواس: البنية الحجاجية في القرآن الكريم – مجلة اللغة و الأدب (ملتقى علم النص)، العدد 12، ديسمبر 1997-ص.ص 328-354
  • Benveniste : Problèmes de linguistique générale.- Tome 1 et 2, Paris, Gallimard, 1974.
  • Bouacha : Le Discours universitaire.- Berne, Peter lang, 1984.
  • Dabene et Al : Variations et rituels en classe de langue.- Paris, Hatier-Credif, 1990.
  • Ducrot et Anscombre : L’Argumentation dans la langue – Bruxelles, 1983.
  • Ducrot et Todorov : Dictionnaire Encyclopédique des sciences du language.- Paris, Seuil, 1972.
  • Fossion et Laurent : Pour comprendre les lectures nouvelles : linguistique et pratiques textuelles.- 2 ème édition, Bruxelles,
  • Fuchs : La Paraphrase.- 1ère édition, Paris, Hachette, 1982.
  • Eluerd : La Pragmatique linguistique, 1985.
  • Galisson et Coste : Dictionnaire de didactique des langues.- 4ème édition, Paris, Hachette, 1976.
  • Mainguenau : Nouvelles Tendances en analyse du discours.- Paris, Hachette, 1987.
  • Orecchioni : L’énonciation de la subjectivité dans le langage.- 2ème édition, Paris, 1980.
  • Yazid, F. : Le Discours universitaire scientifique, analyse linguistique et pragmatique.- Thèse de magister, 1984.
  • Un groupe de chercheurs : Les Echanges langagiers en classe de langue.- Université de Grenoble 3, Ellug, 1984.

الهوامش

[1] طالب الإبراهيمي، خولة: عن التداولية.

[2]  المقال نفسه.

[3] Eluerd.- 1985.- p.79.

[4] Orecchioni.- 1980.- p.17.

[5]  Un groupe de chercheurs.- 1984.- p.41.

[6]  السد، نور الدين.- 1997.- ص.11.

[7]  بوحوش، رابح.- 1997.- ص.158.

[8] Bouacha.- 1984.- p.64.

[9]  Op. Cité.- p.64.

[10] Op.cité.- p.59.

[11]  Dabene, L et AL.- 1990.- p52.

[12]  Galisson et Coste.- 1976.- p.157.

[13]  Boucha, A.A..-1984.- P.36.

[14]  Yazid, F..- 1984.- p.33.

[15]  Bouacha, A.A..- 1984.- p.36.

[16]  Op.cité.- p.63.

[17]  عبد العزيز، محي الدين.- ص.18 من المذكرة.

[18]  Yazid, F..- 1984.- p.37.

[19]   Galisson et Coste.- 1976.- p.158.

[20]  Bouacha, A.A..- 1984.- P.48.

[21]  IBID.- p.62.

[22]  IBID.- p.62.

[23]  Un groupe de chercheurs.- 1984.- p.15.

[24]  Yazid, F..- 1984.- p.34.

[25] IBID.-p.34.

[26]  Op.cité.- p.24.

[27]  Un groupe de chercheurs : Les échanges langagiers en classe de langue.- Paris, Ellug, Université de Grenoble 3, 1984.- p.12.

[28]  Dabine, L. et AL.- 1990.- p.72.

[29]  Op.cité.- p.72.

[30] Fossion, A. et Laurent.- 1981.- p.72.

[31]  IBID.- p.72.

[32]   Benveniste.- t2, 1974.- p.80.

[33]  Fossion et Laurent.- 1981.- p.66.

 [34] بلخير، عمر.- 1997.

[35]  Ducrot et Todorov.- 1972.- p.405.

[36]  Dubois et AL.-1973.- P.414.

[37]  ابن يعيش، ص 126.

[38]  Galisson et Coste.- 1976.- p.349.

[39]  F. Yazid.- 1984.- p.248.

[40] Op-cité.- p.249.

[41]  Fuchs.- 1981.-p.p. 17-18.

[42]ا الحواس مسعودي علم النص، "البنية الحجاجية في القرآن الكريم"، مجلة اللغة و الأدب العربي (ملتقى)، العدد 12، ديسمبر 1997.-ص.330.

[43] Ducrot et Anscombre, (1983), p9.

[44] المرجع السابق، ص 331.

[45] Maingueneau.- 1987.- p 132.

Appels à contribution

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran
+ 213 41 62 06 95
+ 213 41 62 07 03
+ 213 41 62 07 05
+ 213 41 62 07 11
+ 213 41 62 06 98
+ 213 41 62 07 04

Recherche