Sélectionnez votre langue

أثر الفكر النحوي في تأويل القرآن عند المعتزلة – الكشّاف نموذجا

إنسانيات عدد 14-15 | 2001 | عدد خاص أبحاث أولى | ص 157-161 | النص الكامل


Lazhar MOKHTAR : Université de Mostaganem, Département de langue et de littérature arabes, Faculté des arts et des arts, 27 000, Mostaganem, Algérie


 

إن الحقيقة التي اتفق عليها العقلاء الذين عرفوا قدر العقل الخالص الواحد، أن الخطاب القرآني هو أم الهداية و أس الحق و منار الهدى، به راحت الذات القدسية الجليلة ترفع شأن هذه الأمة و قدرها، و تقيم صرح مجدها حتى كانت كلمتها هي العليا، و كان لها المحل اللائق في قلوب العام كله.

إن السر في فهم الخطاب القرآني و إدراك معانيه و سبر أغواره العميقة لا يتأتى إلا بالعكوف على دراسته و استخراج كنوز هدايته التي تستعين بها النفس البشرية بقدرتها الفطرية التي بثها صاحب الرعاية المطلقة فيها، و بتلك الملكة السليمة و النزيهة التي تتمثل في اللغة العربية، ذلك أن الروح الإنسانية التي بثها الرب في هذه النفس هي أقوى شيء في هذا الوجود، و بالتالي من صفا و تهذب و حسن توجيهه و تأدب بأدب بهذا الخطاب القرآني استطاع أن يأتي بالعجب العجاب و هذا حتى لا تكون هذه النفس شأنها شأن العطشان الذي يموت من الظمأ و الماء بين يديه.

و الجدير بالذكر أن الدارس للفكر العربي كله، و النحو العربي بخاصة عبر محطاته المختلفة يدرك ضرورة إعادة النظر في هذا الهيكل الذي يقوم عليه الفكر العربي و ذلك بشأن الكثير من القضايا العامة و الخاصة من حيث المنهج و كثير من المفاهيم، كما أنه يلمس اضطرابا كبيرا في تلك التبعية للفكر الغربي بعلومه و فروعه المختلفة بحيث يجدها ليست مقصورة على الفلسفة و النحو فحسب، فإن الفلسفة و النحو ليس أكثر من أنموذج واضح لهذا التأثير.

و على هذا الأساس راحت و غدت العقلية العربية، ترتبط نتيجة التأثير و التأثر بالثقافات الوافدة عليها بعامة و الاعتزالية بشكل خاص، و التي ترتكز على الجانب العقلي الفلسفي سواء ما تعلق بالجانب الوجودي العقائدي أو الجانب المعرفي بكل مجالاته، ذلك أن هذا المسلك الذي سلكه المعتزلة كان لابد منه لأنه أشبه برد فعل لحالة بعض العقائد التي كانت تقوم على مبدأ التفويض و التسليم و الوقوف عند النصوص دون مجاوزتها.

و لقد كان للمتكلمين آراء خاصة في حدوث العالم و في وحدانيته و في عدله، و ما إلى ذلك من قضايا فلسفية، تأثروا فيها بمذاهب فلاسفة اليونان و أرادوا أن يبرهنوا عليها و يقيموا الدليل على صحتها، ثم يؤيدوا آراءهم بنص ديني. و بالتالي راحوا يجرؤون على ما لم يجرؤ عليه غيرهم و بحثوا المسائل سواء ما تعلق بالجانب العقائدي أو اللغوي بحثا عقليا، و توصلوا فيها إلى آراء، ثم عمدوا إلى تأويل الآيات التي تخالف من انتهوا إليه فكان التأويل من أهم مظاهر المتكلمين حيث بالغوا فيه أمام من لا يقر بسلطانه و الجانب العقلي.

و لعل أهم الدراسات التي تناولت الزمخشري المعتزلي كتاب "منهج الزمخشري في تفسير القرآن و بيان إعجازه" للدكتور مصطفى الجويني و كتاب "الزمخشري لغويا و مفسرا" للدكتور مرتضى آية الله، ثم كتاب "جار الله الزمخشري و آثاره في الدراسات النحوية" للدكتور عبد الرحمن محمد شاهين... و غيرها من المصنفات التي ألفت حول هذه الشخصية.

و تجدر الإشارة إلى أن أي إنجاز إنما يبدأ بفكرة، و الفكرة التي يسعى الباحث لتحقيقها هي إعادة النظر في تراثنا عموما و التراث النحوي خصوصا و النهوض به من خلال منظور البعد الدلالي حتى يكون الانسجام و الترابط بينه و بين الواقع اللغوي الخالص ثم ما يثيره هذا المنظور من مشكلات على المستويين الوجودي و الفكري على السواء و الأفاق التي يمكن أن يفتحها أمامنا هذا المنظور ثرية واسعة و يمكن أيضا في الوقت نفسه أن يضيء لنا الكثير من الجوانب التي ما تزال لحد الآن مجهولة في تراثنا و التي من شأنها أن تصحح الكثير من الأفكار الشائعة و المستقرة في تراثنا النحوي على وجه الخصوص.

و لعل من أهم هذه الأفكار الشائعة و المستقرة في ذهنية هذه الأمة بشكل عام و باحثيها بشكل خاص هي تلك المتاهات التي وقع فيها القدماء حين نهضوا لتأسيس النحو إذ لم يراعوا جانبه الوظيفي البحت الذي يتماشى و الواقع اللغوي الواحد باعتباره علما يهدف قبل كل شيء إلى وصف الكلام و تصنيفه، بل راحوا يخلطون معه كل ما ليس به علاقة باللغة زيادة على أن مزجه بالصرف والفقه و مادة معجمية و غيره حتى أصبح كل مشتغل باللغة المترامية الأطراف يسمى نفسه نحويا.

و تجدر الإشارة إلى أن اللغة في تراثنا القديم كانت لغة تاريخية تقليدية تعبر عن وقائع تاريخية أكثر من تعبيرها عن الفكر و بالتالي وجدنا في التاريخ الحنفية و المالكية و الشافعية و الحنبلية في مجال أصول الفقه، و المعتزلة و الأشاعرة و الخوارج في أصول الدين، و الكندي و الغزالي و ابن سينا و ابن رشد في المجال الفلسفي، و رابعة العدوية و الحسن البصري و السهروردي و ابن عربي و ابن سبعين في المجال التصوفي و بالتالي كانت الألفاظ في كل فئة من هذه الفئات يسودها الطابع الذي له علاقة بالواقع التاريخي.

و نظرا لهذه المذاهب الفكرية التي نشأت فيها هذه اللغة التقليدية و هي ترتبط ارتباطا وثيقا ببيئتها الثقافية و نظرا لأن المعاني الكامنة في اللغة التقليدية لها من الاستقرار و لأصالة لأنها خارجة و منبثقة في وقت و في ظروف معينة، من الوحي فإن قضية التجديد اللغوي تصبح ضرورة طبيعية تستبدل فيها اللغة الجديدة بلغة قديمة من أجل التعبير عن المعاني المتجددة و المتطورة و المتغيرة طبقا لمقتضى الواقع.أ 

ثم إنه إذا كان الحديث عن اللغة بشكل عام يجعلها تجدد صورتها لكل موجود، قلت إذا كان الأمر كذلك و الحالة هذه، فإن الأمر يلامس أيضا التراث الفكري النحوي الذي هو في أمس الحاجة إلى تجديده من الداخل قبل تجديده من الخارج بمعنى كيف يمكن لنا أن نصحح تصورنا لهذا الرصيد النحوي إلى ما ينبغي أن يكون و هو ما يجعل العقل المنطقي اللغوي يبعد عن النحو ذلك الجانب التشريحي القاسي على الكلمات في الجمل مما يعرقل حركية الكلمة لأن تسبح في وجوده و هي تتحلى بلغة الإطلاق لأنها منه و هو منها.

و على هذا الأساس فإن اللغة العربية أن تتماشى مع واقع الخطاب القرآني الخالص، و بالتالي مع نحوه الأصيل الذي يكون سببا في محو ذلك الخيط التقعيدي اللغوي السائد في فكرنا المعاصر و التشدق بالألفاظ و المفاهيم الصعبة.

من هنا كان لابد من إعادة النظر في تلك المنهجية التي كان يسير عليها غالبية الذين تعاملوا مع الجانب النحوي و مصطلحاته و أصوله و مذاهبه بعيدا عن عاطفة التقديس و التمجيد تحدونا في ذلك الغيرة على تراثنا الفكري الزاخر في مجالاته كلها و تدفعنا المسؤولية الأكاديمية على تحليلـه تحـلـيـلا عـلـمـيــا و موضوعيا من خلال واقعا لغويا فقط، لا يتعداه، ذلك أن قضية البحث في أصالة الفكر النحوي العربي هو الحد الرئيسي و الأمثل الذي يضمن له وحدتها الضائعة و المفقودة مع معانيه منذ زمن بعيد.

و مهما يكن من أمر فإنه لا ضير أن نخلص تخليصا وجيزا لأهم النقاط الأساسية التي توقفت عندها هذه الرسالة و هي تتناول الفكر النحوي عند بيئة عرفت في التاريخ أنها الوحيدة التي وظفت الجانب العقلي و هي تتعامل مع النسق سواء أكان لغويا أم فلسفيا أم غيرها و من أهمه ما يلي:

لقد سخر الزمخشري من خلال كشافه معطيات النحو و ذلك في توجيه الخطاب القرآني بتأصيل تلك الأصول الاعتزالية التي كان يؤمن بها إيمانا جازما و قاطعا.

- لقد كان الزمخشري بصيرا في كثير من القضايا النحوية التي توقف عندها غير أنه رأي الكوفيين في مواضع كثيرة أيضا.

- كما أننا لا ننسى تلك الإضافات النحوية التي نجدها مبثوثة في كشافه و ذلك مثل مقررات المعاني و البيان كجوازه أن يكون عطف البيان و متبوعه جملتين و منعه من تعاطف إنشاء و الخبر إبدال أحدهما من الآخر.

- و لا تقف هذه الإضافات النحوية عند هذا الحد بل نجده على ما أشرنا عليه قد كان في الكثير من المواطن يخرج عن إجماع النحات و آرائهم.

و من ثم فإن الأمر ليس جامعا مانعا بحيث لا زيادة لمستزيد أو أنه لا مجال إلى الإضافة أو التوجيه، إنما الموضوع في حقيقة أمره ما دام في هذا الوجود و يسير مع صيرورته التاريخية فإنه يعتبر أوسع من ذلك، في الإدراك و الموضوعية و ما ذلك إلا أن الحديث يتصل بلغة قوم قد عرفوا التاريخ ألا و هم العرب و هم من هم في الفصاحة و البيان ثم هذا الأمر يؤدي في النهاية إلى فهم الإعجاز القرآني بلغة الخطاب القرآني و نصوصه.

إن الذي نحرص عليه هو نفض الغبار على هذه اللغة العربية بتلك الملابسات و التراكمات التي ألبست عليها من قبل الثقافات الوافدة عليها، ثم في الأخير عن ذلك التراث النحوي الذي يعتبر بمثابة كيانها و سطحها التي تـقوم عـلـيـه و هذا يؤدي في نهاية المطاف إلى وجود ذلك التطابق الذي نأمل أن يتحقق و هو التطابق و الانسجام بين الخطاب اللغوي الواحد و الخطاب النحوي.

 


الهوامش

* مذكرة ماجستير في النحو الوظيفي (سنة 2000) قسم الأدب العربي كلية الآداب و اللغات و الفنون، جامعة وهران.

Appels à contribution

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran
+ 213 41 62 06 95
+ 213 41 62 07 03
+ 213 41 62 07 05
+ 213 41 62 07 11
+ 213 41 62 06 98
+ 213 41 62 07 04

Recherche