Sélectionnez votre langue

تقديم

إنسانيات عدد 47-48 | 2010 |  جماعات، هويات و تاريخ  | ص07-10| النص الكامل


 

يتطرق هذا العدد من مجلة إنسانيات إلى موضوع الجماعات، الهويات والتاريخ وهو الثلاثي الذي يحيل إليه العنوان، والذي يتميز دون أدنى شك، بوحدة ثلاثية التناقض، وذلك حسب الثنائيات التي سيكون بوسعنا الكشف عنها من خلال قراءة هذا العدد. إذ يمكن وضع هذا الكل تحت المجهر ومعاينة مفارقاته من خلال التداخلات ذات الآثار التفجرية (بالمعنيين الحقيقي والمجازي)، وهو الأمر الذي يعبر عن التعقيدات التي تشوب مجتمعاتنا والعالم الذي نعيش فيه، وهي التعقيدات ذاتها التي يحاول علم السوسيو- أنثربولوجية والعلوم الاجتماعية الأخرى تسليط الضوء عليها بالرغم من كل ما يعتريها من صعوبات.

و بالتأكيد، سنتعرض في هذا المقام إلى مسائل "ساخنة"، ليس لكونها مسائل متأثرة بجدل ما أو بالاصطدام بين مصالح معينة تخص أطرافا فاعلة (وهي حالة كل الوقائع الاجتماعية)، وإنما لكونها مسائل مرتبطة بحدث يفرض نفسه، أو بسيرورة لا تزال في العديد من الأحيان في طريق الصقل وهي ذات عواقب وخيمة. وبالفعل، فإن هناك نزعة نحو تشييئ الجماعة أكثر من أي وقت مضى من قبل الجماعاتية، كما أن هناك تقليص للهويات من خلال مظاهر تحمل نزعات هوياتية[1]، إضافة إلى تقديس التاريخ من خلال النصب التذكارية، التي تستخدم بوصفها وسيلة لإضفاء المشروعية.

وفي حقيقة الأمر، لقد تم التطرق إلى هذه المفاهيم الثلاثة بشكل واسع في العلوم الاجتماعية :

  • انطلاقا من الأعمال الرائدة لفرديناند تونيس والتي تلتها أعمال فيبر، دوركايم وغيرهم من السوسيو-أنثروبولوجيين، هذا بالنسبة للمفهوم الأول ؛
  • تلك الأعمال المنجزة من قبل ابن خلدون، وموريس هالبوشس مرورا بالتقاليد الهيجيلية والماركسية وكذا مؤسسي مدرسة "الحوليات" وغيرهم، فيما يتعلق بالمفهوم الثالث (التاريخ)؛
  • أما بالنسبة للمفهوم الثاني والمتمثل في "الهوية"، فهو يبدو ممزقا أو يتخبط بين المفهومين السابقين ومتعرضا بذلك لجاذبية مضاعفة، وهو مفهوم يشكل أيضا موضوعا لكتابات راسخة تعود إلى فترة ما قبل سقراط (النقاش الذي قام بين هيركليت دي أفيس وعلماء الجدل من جهة والإيليين ((Eléates من جهة أخرى) والممتدة إلى أيامنا هذه بفضل أعمال الفلاسفة وعلماء النفس وعلماء الاجتماع وغيرهم من الأنثروبولوجيين[2].

إن الهدف من إصدار هذا العدد من مجلة إنسانيات لا يكمن في إعادة النظر في استخدام هذه المفاهيم[3] و لكنه يكمن في طرح هذه الأخيرة بطريقة دينامية ومن خلال تفاعلها وتوظيفها بوصفها أدوات للتحقيق والمساعدة على فك شفرة السيرورة السوسيو-تاريخية والثقافية التي تشغل المجتمع وتستقطب اهتمامنا.

وكالعادة، تعالج الدراسات التي يتضمنها هذا العدد باللغة الفرنسية وباللغة العربية مواضيع تدور حول الجزائر وبلاد المغرب، وهي أيضا مواضيع تفتح نوافذ على منطقة المتوسط والرهانات العالمية المرتبطة بعصرنا.

و تترجم إسهامات كل من محمد حربي وفاني كولونا معالم الإشكالية العامة التي يرسمها هذا الثلاثي، وذلك من خلال الاستفهام حول "الإسلام" ووظيفته في إيديولوجيا الحركة الوطنية في الجزائر، مع الإبقاء، بطبيعة الحال، على نظرة مؤكدة حول قضايا الحاضر.

أما محمد حربي الذي يتعرض إلى "المقوّمات الثقافية للأمة الجزائرية" وفاني كولونا التي تتعرض إلى "الدين، السياسة و الثقافات : أية إشكالية للأمة ؟" فهما يهتمان بالإيديولوجيا التي تحملها جمعية العلماء وبتفاعلها مع غيرها من الحركات المتنافسة، أو بشكل أكثر شمولية، المجتمع الجزائري في شكله الديني و السياسي (بعيدا عن التصور الثابت للمنشورات الأولى منذ القرن العشرين و إلى يومنا هذا).

يتطرق جيلالي المستاري من خلال مقاله الموسوم بـ "الخطاب الديني في المدرسة الجزائرية : بعض الملاحظات النقدية على كتب مادة التربية الإسلامية في الثانوي" إلى التنشئة الدينية واستخداماتها في المجال البيداغوجي وهو نص يتوافق مع النصّين السابقين، إذ أنه يجيب عن الاستفهامات المطروحة حول التمثلات الدينية التي تسعى الدولة الوطنية إلى ترسيخها وعلاقتها بالعقيدة الثقافية والدينية المنشورة من قبل العلماء والحركة الوطنية.

ويقدم كل من فينشانزو سشيلي وحسن رشيق رؤى إضافية لفهم الثلاثي عن طريق عرضها من زاوية الهوية  والعلاقة مع الآخر

- الأول، من خلال اقتراحه في مقاله الموسوم بـ "ما وراء صدام الحضارات : الآخرون في صميم هوية الأنا في العالم المتوسطي" لـ "تجاوز التصورات المثبتة للثقافات" مع ضرورة إعادة التفكير في مفهوم الهوية، من خلال إقحام بعد الغيرية، وهذا عبر مسح للزمان و الفضاء في عالم البحر الأبيض المتوسط ؛

- أما الثاني، فيحاول أن يبين من خلال مقاله " الهوية الخشنة والهوية الناعمة "، واعتمادا على الملاحظات المسجلة في المغرب و في بلدان أخرى، كيف أن العبور من هذه الهوية إلى تلك يمكن أن يتم عندما تتدخل "جماعة إنسانية مهيكلة يقع على عاتق صفوتها مهمة إنتاج و نشر إيديولوجيا منظمة" حاملة        " لتصنيف أحادي و حصري".

و يعود كل من أحمد عبيد وحسان رمعون إلى مسألة التفاعل بين التاريخ والسياسة :

  • الأول ضمن محاولته الإلمام بـ "التأريخ الجزائري : تقييم ونقد لحالة الجزائر في العهد العثماني" من خلال الكيفية التي وظفتها السياسة الرسمية "لكتابة وإعادة كتابة التاريخ" الخاص بالفترة العثمانية ووضعية إيالة الجزائر كرهان من رهانات هذا الوطن.
  • أما الثاني، فإنه يتساءل في مقاله "البلاد المغاربية بوصفها جماعة متخيلة" وبالارتكاز على أعمال بيندكت أندرسن حول "المخيال الوطني"، وكيف أن هذا البلد، بالرغم من وحدته الأنثروبولوجية و التاريخية والتي تنضاف إليها مكونات الرأسمالية الاستعمارية و اللغة العربية بوصفها أداة طباعة لم يتمكن من بلوغ الأمة الموحدة، أو على الأقل، بلوغ الوحدة السياسية. من جهته، يتساءل الهواري عدي في مقاله : "مفهوم المجتمع في العلاقات الدولية. مقاربة نظرية لسوسيولوجيا الساحة الدولية" حول صلاحية تسميات "المجتمع الدولي" و"المجتمع العالمي" على الرغم من غياب "نزعة إثنو-مركزية على المستوى العالمي". وهكذا، فإننا نجد أنفسنا،حسب مقاربة هذا الأخير، أمام مجتمعات محلية انصهرت في حركة العولمة "لتسفر، من ثمة، عن ميلاد مجتمعات فوق دولية والتي رغم وجودها في الواقع، فإن لا وجود لها على المستوى الجغرافي".

وفي الأخير، نجد عبد الرزاق دوراري في مقاله "الخطاب الابستيمي، مخيال وأحكام وطنية. موقف مصطفى الأشرف من رواية الربوة المنسية لمولود معمري"، و سيدي محمد لخضر بركة في مقاله "كامي: الغياب بوصفه مكان لتواجد الآخر" و أحمد أبي عياد في مقاله "مدينة الجزائر : منبع للأدب و مكان للكتابة عند ميخائيل سارفننيس" يذكروننا في الحالات الثلاثة التي يقترحونها بالطريقة التي يجد فيها العديد من الكتاب والمثقفين أنفسهم في قلب الجدال الناشئ حول الرهانات القومية.

تلك هي حالة مولود معمري من خلال مسألة العلاقة بين الهوية البربرية والهوية الجزائرية، وحالة كامي في علاقته مع الأقلية الأوروبية ومواقفه إبان ثورة التحرير الوطنية، وحالة سارفنتيس فيما يتعلق بأسْره في مدينة الجزائر.

و بغية الكشف عن علاقة الأدبي بالسياسي في المجتمع الاستعماري أو ربما أكثر في المجتمع ما بعد الكولونيالي، باعتباره الإطار الذي يعاد فيه النظر في التساؤلات والحقائق المرتبطة بماضي لا يزال من الصعب فهمه، بغية هذا كله فإننا لا نزال في طريق البحث عن الثلاثي : جماعة، هوية و تاريخ.

بالإضافة إلى الفقرات القارة بالمجلة، ودون الابتعاد كثيرا عن الإشكالية التي حددناها في البداية، فإننا نقترح على القارئ في ركن مقالات متنوعة إسهاما لدحا شريف با حول "التخوم المرفئية الإسبانية بالبلاد المغاربية (من القرن السادس عشر إلى القرن العشرين)". كما تخصص المجلة تكريما لكل من كلود ليفي ستروس و حميد آيت عمارة اللذين رحلا عنا أواخر سنة 2009.

حسان رمعون

ترجمة صورية مولوجي- قروجي


الهوامش

[1]  و هو ما قد يؤدي بنا إلى الهويات القاتلة التي حذرنا منها أمين معلوف وغيره.

[2] دون أن ننسى ذكر كتابات الشخصيات الأدبية مثل "أبيلي دي مادور" في القرن الثاني بعد الميلاد و الذي تطرق للمسألة في "جدليات" .(Polémiques)

(Apologie, Paris, Collections Guillaume Budé, 1960)  أنظر لهذا المؤلف

[3] و هو ما قامت به على سبيل المثال مؤخرا مجلة علم الاجتماع والأنثروبولوجيا، مانا (Mana)، العدد 16، 2009، و التي تطرقت إلى ملف » ما الجماعة؟ «، تحت إشراف سيلفان بسكيي. 

Appels à contribution

logo du crasc
insaniyat@ crasc.dz
C.R.A.S.C. B.P. 1955 El-M'Naouer Technopôle de l'USTO Bir El Djir 31000 Oran
+ 213 41 62 06 95
+ 213 41 62 07 03
+ 213 41 62 07 05
+ 213 41 62 07 11
+ 213 41 62 06 98
+ 213 41 62 07 04

Recherche